يواصل الروائي والناقد سيد الوكيل تعريفه بجيل الستينيات، حيث يتم التعريف في هذه الحلقة بواحد من أهم أبناء هذا الجيل وهو بهاء طاهر الذى رحل في 27 / 10 / 2022 بعد أن ترك إرثا إبداعيا وإنسانيا يخلد اسمه في سجل المبدعين العرب، وكان أول من حصل على جائزة البوكر في نسختها العربية 2008.

بهاء طـاهر .. الملتزم برفق

سـيد الوكيـل

 

لدى كل كاتب بعض المرجعيات المؤسِسة التي تلح عليه بوصفها قضايا أو موضوعات مهمة، تظهر في صورة هموم وأفكار، أو رؤى ومواقف، أو ثيمات متكررة تتسرب بين نصوصه، وتتكامل فيما بينها، لتصبح مع الوقت تمثيلاً لهويته السردية، تلك التي تدفعه إلى الالتزام بها. تظهر هذه المرجعيات في إحالات لُغوية، ورموز، وتقنيات وأساليب تسهم في إنتاج الدلالة، لتبدو خلقًا جديدًا في كل مرة، لكنها تحيلنا إلى أنساق موضوعية لدى الكاتب، تعاود الظهور مرة بعد أخرى، فنظنها تكرارات وتشابهات. إنها آلية عمل الذات الساردة، وقلقها الذي لا يهدأ بحثًا عن رؤية أكثر بصيرة بعوالم تؤرقه، عادة ما تكون في ضمير كاتبها على مسافات عميقة، وقد تطفو إلى سطح الوعي تارة، أو تراوغ وتغوص أكثر. لكنها لا تزول غالبًا. وحين نظن ذلك، نجدها على الشاطئ الآخر من الوعي، تلوح هناك، كما يلوح الآخر، بمجرد حضور الأنا، كما لو كان الآخر هو ظلنا.

في الواقع، نحن نتحدث عن الكتّاب أصحاب المشاريع السردية. المدججين بغطاء معرفي واسع وثقيل يشمل حقولاً معرفية متعددة: من السياسة إلى الفلسفة إلى التاريخ إلى الدين. وغير ذلك من المعارف. ويتنقلون فيما بينها، غير أن ظلالها تلوح في كل مرة. لكن هذه الظلال لا تظهر إلا عبر وعي نقدي بصير بها، وإنصات رهيف لرفيفها الهامس المحوّم. صحيح أن لهاث النقد وراء المتابعات الإعلامية وحفلات التوقيع وقوائم البست سيللر والجوائز، خلقت واقعًا نقديًا هشًا ومسطحًا، بل ومضللاً في كثير من الأحيان. إنه نقد احتفالي أشبه بشعر المناسبات، يتفشى في الخطاب النقدي ليؤكد حاجتنا إلى مراجعته، قبل أن يصل إلى حافة الهاوية.

بلا شك ثمة أصوات نقدية قادرة على مقاومة الانحدار السريع الذي وفرته متغيرات كثيرة، ليس في النقد فحسب، بل في الإبداع أيضًا، ومن هنا تأتي أهمية الالتفات إلى علامات إبداعية بارزة على نحو ما نذهب في هذا الكتاب، تحيلنا في المقابل إلى جهود نقدية لا تنشغل بمرجعيات نظرية بقدر انشغالها بالنص نفسه، وما وراءه من آليات عمل تخص الذات الساردة. يشير الناقد والروائي (حاتم حافظ) في مقال له بجريدة أخبار الأدب [1] إلى ثلاثة موضوعات رئيسة في كتابات بهاء طاهر هي:

1ـ علاقة المثقف بالسلطة

2ـ آثار التحولات الاجتماعية على المجتمع المصري.

3ـ علاقة الشرق بالغرب.

وظني أن حاتم حافظ  أمسك بالمرجعيات المؤسسة لهوية بهاء طاهر السردية. وهي - كما نرى - موضوعات رحبة، تلقي بظلالها إلى أبعاد مختلفة، وتظهر بمستويات متباينة، فنحن مثلاً:  لا نستطيع أن نراها بوضوح في رواية (خالتي صفية والدير) إذ يبدو الصراع فيها شأنًا وجدانيًا دوافعه عاطفية ونفسية. إنها رواية تشق لنفسها مسارًا مميزًا في تجربة بهاء طاهر. وقريب من هذا نجده في رواية (نقطة النور). مثل الخروجات عن المؤسسات الشائعة في تجربة بهاء طاهر، تؤكد أن طاقة الإبداع أكبر، وأكثر مراوغة من حصرها في مسارات محددة. مع ذلك فإن المسارات التي يشر إليها (حاتم حافظ) لا يمكن تجاهلها. كما أن التحولات الاجتماعية لا تظهر بشكل ملح في قصص بهاء طاهر بقدر ما تظهر في رواياته، ربما لدواعي التكثيف وتحديد زاوية النظر لموضوع القصة، ليبدو أكثر سطوعًا وصلابة.

رجوعًا إلى (حاتم حافظ) يمكننا ملاحظة أن موضوعي العلاقة بين المثقف والسلطة، والعلاقة بين الشرق والغرب، تتشابك وتتداخل فيشكلان معًا نسقًا فكريًا يوسع معنى كل من السلطة والغرب. ربما لأن الغرب يظهر عادة في أعمال بهاء طاهر بأكثر من مستوى، فقد يظهر كأحد تمثيلات السلطة في (الحب في المنفي) أو بوصفه نقيضًا للأنا أشبه بفكرة القرين في الثقافة الشعبية، أو الظل في علم النفس، كما نرى في قصة (أنا الملك جئت) إذ كان ارتباط  فريد ب مارتين ارتباطًا نفسيًا معقدًا فلم يتطور، توقف عند مجرد الخطوبة، حتى عندما عادت مارتين إلى فرنسا ظل فريد يزورها كل عام، ولم يفكر في أمر الزواج منها ولا من غيرها أبدًا. هكذا يصبح الآخر ظلًا للأنا، كامن في لا وعينا، ولكنه مراوغ ومربك حتى لا يمكننا الاندماج فيه، ولا الانفصال عنه. وهكذا تتردى صورة الأنا في علاقتها بالآخر، بين الانجذاب إليه تارة، والحذر منه أخرى، على نحو ما نجد في قصة (بالأمس حلمت بك) فالراوي يخبرنا أن صديقه (كمال) يشعر بالتعاسة، إنه متزوج من أجنبية طيبة احتوته عشرين عامًا، ومكنته من الحصول على عمل مستقر وجنسية بلدها. هكذا وصل كمال لأبعد حدود الاندماج في الآخر، لكنه مازال يشعر بالتعاسة:"سألته عن السبب فقال أنه اكتشف أنه مرت عليه عشر سنين وهو يعمل في بنوك هذه البلدة، وقد تزوج واحدة من البلد طيبة وجميلة، وحصل على الجنسية فيها، والناس تحسده لذلك ولكنه تعيس جداً.”[2].

 في رواية (واحة الغروب) تلتبس العلاقة بين الأنا والآخر بأبعاد أكثر تعقيدًا، فهي علاقة ثقافية، وسياسية، وعاطفية، وتاريخية، فتتجاوز المفهوم (الكولونيونالى) بقدر ما فيها من سحر متبادل بين عراقة الأنا وحضارة الآخر. فكل منهما شغوف بما يملكه الآخر ويفتقده هو. في هذه الحالة تبدو العلاقة بينهما أقرب للعلاقة بين الريفي وابن المدينة، عندما يدخل الشاب الجنوبي في رواية (شرق النحيل) تجربة اغتراب إثر نزوحه إلى القاهرة. يبدأ الأمر في صورة صراع ثقافي واجتماعي ويتحول إلى صراع سياسي. ومن ثم يظهر التصميم المسبّق للرواية؛ الذي ينهض على ثيمة الاغتراب كالعادة، ومواجهة الآخر بنوع من التحدي والرغبة في الانتصار عليه، سواء ظهر الآخر بوصفه مكانًا أو بشرًا أو نظامًا سياسيًا. هذه التشابكات في طبيعة العلاقة مع الآخر، تلفت انتباه (عبير سلامة) إلى البحث عن الأسس الواقعية في تجربة بهاء طاهر، مشيرة إلى شيوع ثيمة اللقاء بين غريبين في كل قصصه، بوصفها ظواهر وموضوعات متكررة أو متشابهة تلاحظها عبير سلامة، كما يصنفها (حاتم حافظ) بوصفها مرجعيات مؤسسة في تجربة بهاء طاهر. لكنها عند عبير سلامة ممثلة في:"اغتراب الراوي - سوء معاملة الأجانب - عدم قبول الاختلاف وكراهية المختلف”[3]

وتوخياً للموضوعية، تشير سلامة إلى أن:"ليس الهدف من رصد هذه الأسس الواقعية تصنيف قصص بهاء طاهر علي أساس تاريخي، سواء كان تاريخًا عامًا أو ذاتيًا، إنما تحديد الإطار المكاني لعالمه القصصي بمدينة غريبة، في داخل الوطن أو خارجه، وتأكيد انتشار ثيمة اللقاء بين غريبين في هذا العالم، إما لأنهما يلتقيان للمرة الأولى، وإما لأن الاختلاف جعلهما كذلك، مع حضور ما يشير دائمًا إلى سوء معاملة الغريب، باعتبار التوجس درجة أولي في سلّم سوء المعاملة". [4]

ومهما حرصت عبير سلامة، في الشاهد السابق، على نفي استهدافها التاريخ الذاتي لبهاء طاهر  فلا يمكننا ونحن نقرأ له سوى استدعاء تجربة اغترابه التي استمرت قرابة العشرين عامًا، ونفكر في أثر هذه التجربة على كتاباته، بل وعلى حياته الشخصية التي حسمها بالعودة إلى مصر، بعكس رفيق رحلته في الغربة (جميل عطية إبراهيم) الذي تجاوز عَقبة الآخر، وتحرر من عُقدة الماضي الاستعماري مستوعبًا أطروحة ما بعد الكولونيالية، إذ استمر في (جينيف) حتى النهاية، ومع ذلك لم يتوقف عن زياراته السنوية إلى مصر، وحرصه الجلوس على مقهى (زهرة البستان) للعب النرد، وتدخين الشيشة ولقاء الحرافيش بكرم شعبي نادر. إن قراءة مدققة لروايته (شهر زاد على بحيرة جينيف) تكشف عن حجم الاختلاف الكبير بين بهاء وجميل في معالجتهما لموضوع العلاقة بين الشرق والغرب. فرواية (شهرزاد على بحيرة جينيف) تمثل عالمًا (كوزموبوليتاني) يجمع في فضاء الواقعية السحرية مختلفات ثقافية وعرقية وتاريخية:عالم شهرزاد بكل مفرداته التاريخية، في مواجهة الحضارة الغربية. لا تتخذ الرواية موقفًا صريحًا في العلاقة بين الشرق والغرب، بقدر ما تبدو محاولة للوقوف على مواضع سوء الفهم المتبادل والمؤسَس على ماض مفعم بالضغائن، في وقت يقف فيه الشرق عاجزًا عن مجاراة الغرب في تطوره. الرواية ذات نزعة تفكيكية تضع الأنا (شهرزاد) في قلب الآخر (جنيف) لتختبر العلاقة بينهما، ومن ثمّ  تفضح التشوهات العميقة في كل منهما، عبر بناء تهكمي، لا يحمل أحكام قيمة مطلقة، فالغزو الاستعماري القديم للشرق الذي أرق حياة (محمود) بطل واحة الغروب لبهاء طاهر، يقابل عند (جميل عطية إبراهيم) بغزو مضاد ممثلاً في الأمير (متراس) الثري العربي، فيما تظهر (كريستينا) بوجه مختلف تمامًا عن أجدادها الذي احتلوا مصر، فتسعى إلى تحرير شهرزاد من التهم التي وجهت لها، فيما يتآمر (متراس) عليها.

المغزى فيما سبق، أن أحكام القيمة التي تنطلق من مشاعر غامضة تجاه الغرب في كتابات بهاء طاهر، يقابلها جميل عطية إبراهيم بمنطق حجاجي رجب يحاول القبض على مناطق الالتباس وسوء الفهم في تلك العلاقة. وعلى أيه حال، أنا لا أرغب في المزيد من المحددات القاطعة التي نجدها عند (عبير سلامة وحاتم حافظ) فهي ضرورات إجرائية في الخطاب النقدي الأكاديمي لا أنكرها ولكني لا أسلم بها على نحو مطلق. إذ تمتد نظرتي إلى ما وراء السرد ولا تتوقف عند ظواهره. فلا أعتبر وجود ظواهر متكررة عيبًا في تجربة أي كاتب، ولاسيما في جيلي الخمسينيات والستينيات، الذين شملهم تيار الواقعية الملتزمة بقضايا محدودة، ففرض أنماطه التعبيرية المتشابهة على أغلب كتاب هذين الجيلين، وهي ظاهرة عالمية كانت أكثر شيوعًا في مجتمعات العالم الثالث. ومازالت تعمل في وعينا بالقصور الذاتي، على الرغم من التحولات الواسعة في مفهوم الواقع التي ظهرت بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت أكثر تعقيدًا تحت تأثيرات ما بعد الحداثة، وعالم القرية الصغيرة الذي خلقته ميديا الاتصال، والانفجار المعلوماتي، لنكتشف أن المسافات بين الأنا والآخر لم تعد شاسعة على نحو ما كانت.

 هنا تأتي أهمية القراءات المنحرفة، التي لا تستسلم للمستخلصات البحثية بوصفها بنيات كلية ومرجعية، ولكنها لا ترفضها، بل تحترمها وتنطلق منها إلى اتجاه قد يبدو معاكسًا لها، ولكنه يستهدف توسيعها، عندما يفككها بحثًا عن التفاصيل الفارقة في تلك المتشابهات، وعرضها للنظر من جديد، بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك. فربما هي لا تسعى إلى نتائج أصلاً. بقدر ما هي ملاحقات لمعان رمادية تقع بين نقيضين بارزين، يمثلان الدوافع السردية، مثلا: من الخوف بحثاً عن الأمن، ومن الظلم بحثاً عن العدل، ومن الظلام بحثاً عن النور، ومن التيه بحثاً عن المكان، ومن الشك بحثاً عن اليقين.

غير أن هذه الدوافع، لاتصل بالضرورة إلى نهايات مثالية، بل تظل مؤرقة، منهكة عبر ارتدادات عنيفة للذات، فتُمنى بخيبات كبيرة أو صغيرة، شخصية أو قومية، ثم لا تلبث أن تعود لتلح من جديد. تعاود رحلتها بحثًا عن واحة في الصحراء، أو كاهن في معبد، أو نقطة نور في الظلام، أو حب في المنفي. غير أن المفارقة التي يدركها البطل متأخرًا تكمن في أن الرحلات المكانية، لا تصل عادة إلى يوتوبيا، فهي ليست موجودة في مكان ما أو زمان ما، بل هي موجودة بداخلنا كأحلامنا التي تخايلنا.. تخايلنا فحسب. يقول كمال في قصة (بالأمس حلمت بك):”المشكلة في داخلنا ولكني لا أعرفها، أبحث عنها طوال الوقت لكني لا أعرفها"[5]. وكان كمال قد قطع رحلة مكانية من مصر إلى أقصى الشمال الأوروبي بحثًا عن يوتوبيا، غير أنه لم يجد هناك سوى الثلج والقلق والعزلة، فيما ظلت الصحراء بداخله:"أعتبر أنني أعيش في صحراء وأن شقتي خيمة، خارج العمل لا أتعامل مع أحد ولا أعتبر أن هناك بشرًا"[6]

أما صديقه فينصحه ألا يهتم، فإذا كانت روحه شفافة، سينبت له في صدره بستان.  إنها نفس النصيحة التي يقدمها الأميرالأي سعيد في رواية (واحة الغروب) لمحمود: أن يخرج إلى الصحراء بحثاً عن بستان الروح. الرحلة إذن ليست غاية مكانية بالضرورة، بقدر ما هي غاية روحية، حيث يمكن للآخر أن يتآلف فيها مع الأنا. وهكذا.. يمكن فهم لماذا تعاود الذات الساردة رحلة البحث مرة بعد أخرى!! كما يمكن فهم أن الرحلة إلى المكان هي معادل موضوعي لبستان ينبت في الصدور. إنها في الواقع رحلة البحث عن الذات، أو بمعنى آخر البحث عن نقطة النور كما كانت رحلة الجد مع الألم، ورحلة الحفيد مع شهواته في رواية (نقطة النور) وهكذا يمكن إزاحة (الرحلة) إلى معنى وجودي، ولكنها لا تصل إلى معنى يقيني. ومن ثمّ  تلح من جديد، وتتكرر في صور واقعية، أو مجازية أو في شكل أخيولات، وأحلام، لتأخذ بعدًا قدريًا كما يقول فخري باشا: (هذا السفر نداء)[7]أو كما تقول العمة عيوشة في (حكاية الهججان):”أصله مكتوب يا ولدي".[8]لهذا قد تأخذ الرحلة طابعًا قدريًا وروحانيًا عندما يدرك الجد أن لا مناص للوصول إلى نقطة النور بدون دليل (أبو خطوة) لتعكس حالة من الإيمان العميق بوجود معنى ما يطالب الإنسان بالبحث عنه والحج إليه. كما كان إيمان الكاهن (كأي نن) رهنًا بوجود ماعت (ربة الحقيقة) في قصة (أنا الملك جئت) وكان إيمان (فريد) بوجود المعبد في مكان ما من الصحراء رهن بلقاء (مارتين). وهكذا تتخذ الرحلة صورًا عديدة ولكنها تستهدف في النهاية المعنى الوجودي للإنسان بوصفه كنزًا. وهذا الارتباط الوجودي بالرحلة قائم بحد ذاته، فوق المكان والزمان، ومن ثمّ  فهي رحلة بلا نهاية، كونها رحلة الإنسان بحثًا عن معنى لوجوده، تذكرنا برحلة شحاذ نجيب محفوظ:"كل شيء له معنىـ لاشيء في الوجود عبث ـ ليس لشيء نهاية.[9] فنهاية الرحلة، هي بعث وميلاد لرحلة جديدة كما تقول (كاثرين) في واحة الغروب:”تعال يا محمود، سنرحل إلى الصحراء معًا، سنولد هناك – أيضًا- من جديد، وفي هذا البعث لن أفرط فيك"[10]

إن هذا الإفصاح لمعنى الرحلة على لسان (كاثرين) في رواية واحة الغروب، يتكرر في سياقات  أكثر مراوغة في كثير من قصص بهاء طاهر، حيث يقتضي القص قدرًا من التكثيف والإيجاز وإمكانية التوليد الرمزي الذي من شأنه توسيع الرؤية وتعدي الدلالة. وهذه إشارة سوف نعود لها.

على أية حال، كانت رحلة فريد - في أنا الملك جئت- بحثًا عن يقين الحب، عن مارتين التي غادرته سريعًا وتركته نهبًا للقلق والهواجس والتهديد بزوال كل شيء. كان فريد منهكًا حتى شارف على الموت، وقف متفردًا في الصحراء بعد أن تخلى عنه رفاق الرحلة، وتركوه للشمس والعطش، يواجه مصيره حتى انتهي إلى حالة من الهذيان، عندئذ تذكر تحذير (جنكز باشا) قائد حرس الحدود الإنجليزي، أن يتجنب حُفرًا بحجم الإصبع وسط رمال الصحراء يسكنها ثعبان الطريشة، لأن عضته تقتل الإنسان في بضع دقائق، عندئذ رأي فريد ثلاث حفر في حجم الإصبع، جرى إليها وهو في حالة من اليأس، يهذي ويردد:".. ينتهي ذلك كله في خمس دقائق، في أقل من خمس دقائق، داس بقدمه على ثقوب بحجم الإصبع، راح يثب فوق تلك الثقوب وهو يكرر تعال.. تعال .. ولما ارتعش جسمه كله، ولما سقط على الأرض لم يعرف إن كان الثعبان هو الذي لدغه أم لا ؟”[11]

إنها لحظة يأس تساومنا على يكون الموت هو الخلاص. لكن؛ في تلك اللحظة التي نكون فيها قد خضنا أهوال الرحلة بشجاعة وإيمان، ووصلنا إلى حافة فناء وجودنا الصغير في الوجود الأكبر، نبعث من جديد. هكذا يفتح (فريد) عينيه بعد غيبوبة فيرى أول ما يرى وجه (مارتين) تقدم له إناء فخاريًا مملوءًا باللبن، وشيئا فشيئًا تنكشف له الرؤية قدر المستطاع، حتى يتبدى له وجه راعي غنم ملثم يرد إليه الحياة بجرعة اللبن، كان هذا الراعي هو دليله الحقيقي طوال الرحلة بعد أن تخلى عنه الدليل الذي استأجره وتخلى عنه كل رفاق الرحلة. قد يكون من التأويل المفرط أن ارتباط صورة راعي الغنم بفكرة الخلاص، تلهمنا بصورة اليسوع المخلص.

 طوال الوقت كان راعي الغنم يظهر ويختفي وهو يرقب الرحلة عن بعد، كأنما يرعاها على مسافة تضمن له التأكد من كدح فريد في رحلته (كما فعل أبو خطوة مع الجد في رواية نقطة النور). كان الراعي هو الذي جاء في الوقت المناسب. وفي هذا السياق، قد يفيد الالتفات إلى رمزية إناء اللبن الذي قدمه جبريل للنبي محمد في رحلة الإسراء والمعراج. وهو طقس مقدس عند رعاة الصحراء الغربية، في مواسم جز صوف الغنم، كنوع من الفداء الذي يمنح التجدد للصوف. ونظن أن هذا المعنى الطقسي هو الأنسب في واقعة (فريد) ورحلته.

 صحيح كاد فريد - في لحظة يأس - أن يكفر بمجيء الملك حتى أنه هتف:"أيها الكذاب”[12] ولكن فريد كان قد خاض كل أهوال الرحلة، وأنهي فك كل رموز الرسالة التي وجدها على جدران المعبد، ولم يبق غير أن يتجلى الملك  بذاته، لأن وعده بالمجيء حق، فالرسالة التي خطها الملك على جدران المعبد تقول:”أنا الملك جئت، ولمَا المرأة ذهبتْ.. ولمَا تفرّق الذين اجتمعوا حولي.. ولمّا وجدت نفسي وحيدًا اكتملتُ بتمامي.."[13] إلى آخر الرسالة، التي تكاد تصرح بالمعنى الوجودي  لرحلة (فريد) هي رحلة البحث عن الذات لتكتمل بتمامها.

هناك فارق مهم بين نهاية الرحلة عند كل من (فريد) في قصة (أنا الملك جئت) و(محمود) في رواية (واحة الغروب) وهو فارق نحسبه لصالح القصة هذه المرة أيضًا. إذ سقط محمود في جب اليأس كما سقط فريد، ولكنه بدلاً من أن يقدم روحه للمحبوب، فجر المعبد على طريقة برنابي جونز في السينما الأمريكية، وسقط تحت أنقاضه، وفي تلك اللحظة التي يموت بعدها مباشرة يقول وقد أغمض عينيه:"شكراً لكَ لأنك تأخرت"[14]. لم تكن رحلة ضابط البوليس (محمود) اختيارًا وسعيًا لمعنى وجوده، بقدر ما كانت -منذ البداية - يأسا وكرها، إذ كان دليله هذه المرة (الإسكندر) الذي تبدّى بوجوه عديدة فتاهت من محمود الحقيقة، وفقد اليقين.

بغض النظر عن الإسقاطات السياسية والتاريخية في مونولوجات ينطق بها محمود، وهو مقدم على الانتحار وتفجير المعبد، بما يدعو للدهشة من حجم المبالغة في تصوير المشهد. إذ يبدو أن السرد (المونولوجي) بضمير المتكلم في مشهد تتساقط فيه أحجار المعبد فوق رأس محمود، غير مبرر، حتى يلتبس على القارئ أن يعرف إذا كان محمود حيًا تحت أنقاض المعبد، أم أنه فارق الحياة! ويقيني أن هذا الأثر المربك للمشهد لا يزول، حتى عندما يوقع بهاء طاهر في نهاية الرواية على نحو توثيقي، أنه لم يجد أي معلومات عن حياة المأمور (محمود عزمي) أو موته بعد حادث المعبد. لقد ترك نهاية (محمود عزمي) معلقة كما هي في الواقع التاريخي، لكننا بالتأكيد كنا نشعر طوال الرحلة السردية إلى واحة الغروب، أن بطلها محمود، هو شخصية سردية بامتياز، مفعمة بالخيال السردي، على نحو يجعلها منقطعة الصلة عن (محمود عزمي) في المصادر التاريخية. 

كما أن رمزية تفجير المعبد مكشوفة، ولم تكن في حاجة إلى تفسيرها على لسان محمود وهو يهتف:"يجب أن تنتهي قصص الأجداد ليفيق الأحفاد من أوهام العظمة والعزاء الكاذب”[15]

كان اليأس يحدق بمحمود حتى أن نهاية الرواية جاءت على هذا النحو: (شكرًا لأنك تأخرت).[16] إنه قبول الموت بوصفه خلاصًا مفاجئًا وحاسمًا، بعكس النهاية في (أنا الملك جئت) التي أثارت توقعات القارئ وهو يرقب - طوال الوقت - طيف راعي الغنم يتبع الرحلة، يراقبها من بعيد، ويرعى (فريد) لينقذه من الموت في الوقت المناسب، عندما قدم له شربة لبن رمزًا لميلاد جديد. إنها نهاية تثير فينا تداعيات تراثية كما أشرنا قبلاً، تعطي معنى روحيًا فتوسع الأفق الدلالي للرحلة، وتتسق مع حركية السرد، وتؤكد وجهة نظر (حشمت) بأن مواجهة الموت قهر له:"لم يأتني الموت لمّا سعيت له"[17] وكان حشمت قد خاض - من قبل- تجربة مماثلة لتجربة فريد، رحلة إلى مجاهل أفريقيا:”ذهبنا إلى قبائل لم تعرف غير الأطباء السحرة، هناك لامست المجذومين. لدغتني حشرات كانت أسرابها الهائلة تطير في الجو كأعمدة سوداء من دخان.. أصابتني الحمى وجاءني التسمم ولكني رغم ذلك رجعت[18]

تجربة حشمت كانت ملهمة لفريد، وكان على فريد أن يتبع النداء، ويخوض الرحلة ليقهر موت مارتين بداخله، أو ليقهر صورة الموت في مطلقه. وهو معنى أصيل في تجربة بهاء طاهر نجده على لسان بطل قصة (محاورة الجبل) وهو يخوض رحلة اليتم والتيه بموت والديه، فكان عليه أن يقيم في المقابر بالقرب منهما:"وفي تلك القبور وأنا طفل، تعلمت ألا أخاف الموت. عرفت أنه ما هو إلا رحلة هينة"[19]. إن قسوة التجربة لم تدفع (حشمت) إلى الاستسلام للموت، كما أن شجاعة فريد في مواجهة ثعبان الطريشة منحته ميلادًا جديدًا فتحققت نبوءة مارتين. وهكذا يأتي الخلاص منحةً للشجعان الذين يدخلون التجربة. فعندما خرج (كأي نن) من زنزانته واقترب من البحيرة المقدسة رأي الأوز الأبيض، ورأي القمر ينثر نقطًا فضية فوق البحيرة السوداء[20] إن نقطة النور هي الحقيقة النابعة من يقين الرحلة.

الرحلة في المعنى الصريح هي الحركة في المكان، الانتقال من مكان إلى آخر، إلى مدينة غريبة، ولكنها في المعنى الرمزي، ولظروف التحريك السردي بين الداخل والخارج، أو بين الأنا والآخر، أو بين الحقيقي والرمزي، يكون للرحلة أصداء تتجاوز حدود المكان إلى معنى الحياة بكل معطياتها. بما يوسع من الفضاء الدلالي لها. إن رحلة قصيرة من باب اللوق إلى جبل الدراسة في قصة (محاورة الجبل) هي زمن عميق، وكشف للمسكوت عنه في التاريخ الشخصي لكل شخصيات القصة: الراوي الذي خاض رحلة اليتم، العجوز التي عاشت أسيرة شهواتها فحسب، عباس ماسح الأحذية الذي عاش عمره كله ينظر لأسفل. لكل شخصيات محاورة الجبل ماض متراوح بين الازدهار والانكسار، وثمة أمل يحدوهم في المستقبل بالفوز بورقة يانصيب حتى وهم في هذه السن، وقد أنهكتهم حروب الحياة يتمسكون بالأمل في فوز أخير. وهكذا فالرحلة هي شغف لرؤية نقطة نور أو بستان في الروح أو واحة تلوح في الأفق، أو كما يسميها كمال:"براءة العمر البكر"[21] كان كمال يشكو لصديقه أن هناك ثلجًا يغمر روحه ويجعله مفعمًا بالوحشة والاغتراب، وعندما يسأله صديقه ما المشكلة إذن؟ يقول :"نحن.. المشكلة في داخلنا لكني لا أعرفها. أبحث عنها طوال الوقت لكني لا أعرفها. هل تعرف تفسير الأحلام؟ قلت أجرب. قال، بالأمس حلمت أنني قابلت معاوية بن أبي سفيان وأنني كنت أتوسط عنده للصلح مع سيدنا الحسين فغضب معاوية وقال ضعوه في السجن مع طه حسين، لكنني استطعت أن أهرب وركبت تاكسي فوجدت نفسي في ميدان العتبة".[22]

غير أن عذابات كمال واغترابه لا يتوقفان، ومن ثم ينتهي إلى قرار بالعودة إلى مصر: "وينصحني بأن أعود معه. نبني بيتاً في مكان ما في الصحراء، خلفنا الخلاء وأمامنا البحر وفوقنا السماء"[23].

الصحراء هي المكان المفضل لشخصيات بهاء طاهر التي تغمر روحها الثلوج، إنها مكان يتسع لفضاء الروح، وتتجلى فيه الحقيقة. إنهم يهربون عادة من النقيض إلى النقيض. وبين النقيضين تكون الرحلة. إننا بإزاء علاقة معقدة تذوب ببساطة بفضل التفاصيل المؤثرة، والقدرة على تشكيل المساحة بين الرمزي والحقيقي، وحشد العلاقات الحية والمتوترة، والأحداث الجزئية التي تنتج شبكة من العلاقات والدلالات الجانبية ولكنها تصب -في النهاية - في اتجاه معنى كلى كثيف. صحيح أن اللقاء بين غريبين لم يتم أبدًا في واحة الغروب. ظنت (كاثرين) أن رحلة الصحراء ستوحد بينها وبين محمود بطريقة ما. لكن صحراء مصر وثلوج أوروبا لا يلتقيان في أيه لحظة، إذ يظل الاختلاف قائما، إنها ثمية أصيلة في كتابات بهاء طاهر كما لاحظتها عبير سلامة. إذ كان محمود يقطع رحلة أخرى معاكسة تمامًا، كان يغوص داخل نفسه كلما أوغلت الرحلة في قلب الصحراء، حتى بدت الصحراء نفسها كيانًا غريبًا عنه:"أنا تمتد صحراء أخرى داخل نفسي، لا شيء فيها من سكون الصحراء التي نعبرها، صحراء مليئة بالأصوات والناس والصور"[24] هكذا يكون حضور الصحراء رمزيًا، وتصبح الرحلة نفسها رمزًا لقلق ذاتي يعتري جل شخصيات بهاء طاهر، ليمتد إلى معنى شعوري أكثر فاعلية من مجرد الرحلة إلى مكان ما. لكنها تظل منهكة للذات، وتحرك دواعي الاغتراب.

للرحلة أسباب تبدو قدرية،  تلقى استجابة من ذات قلقة، فهي في أنا الملك جئت (نداء السفر) كما جاء على لسان حشمت، وفي واحة الغروب هاجس بالبعث كما جاء على لسان كاثرين، أسباب ليست من مادة الواقع أو ضرورات الحياة. وليس مصادفة أن بهاء طاهر يفرد قصة كاملة ذات عنوان دال حول أسباب الارتحال هي قصة (حكاية الهججان) ضمن مجموعة قصص تحمل –أيضًا - عنوانًا دالاً على الترحال (ذهبت إلى شلال) على نحو غير مباشر.

في حكاية الهججان، نقرأ:"ومن البدء أقول لك إن أحداً لا يعرف، ولا أنا السبب الذي من أجله هج جدنا عرمان إلى الصحراء"[25] ثم يستعرض السرد كل أسباب الهججان فيراها غير مقنعة، ومن ثم يسلم بالسبب الذي نطقت به العمة عيوشة، تلك العجوز التي تحمل حكمة الزمن:"أصله يا ولدي مكتوب"[26] فيما يعلق الراوي بعدها فيقول:"ولعلها أن تكون قد نطقت بالقول الفصل"[27]

على أية حال، إن شواهد الرحلة وتجلياتها بين التصريح والتلميح كثيرة في تجربة بهاء طاهر، وكأنما كانت هاجسه الشخصي يراودها مرات ومرات، وهي في قصصه القصيرة أكثر دقة وإيحاءً بالدلالة منها في روياته، ربما لدوافع التكثيف وشعرية اللحظة، فضلاً عن سمة تميز البناء القصصي عن البناء الروائي. فبؤرة السرد في القصة هي القصة نفسها، كونها خلقًا من حدس اللحظة. بخلاف البناء الروائي الفضفاض، الذي يحتاج إلى تصميم مسبق، قد يمر بانحرافات تراوغ الذات الساردة.. انحرافات مؤرقة وقلقة. ربما هذا التصور هو ما يجعلني أرى قصصه مشبعة جماليا ودلاليا على نحو مدهش، مع اعتراف بأني لست على يقين إذا ما كان تصوري هذا دقيقًا أم أنه هجس ذاتي فرضته ذائقتي الشخصية. لكن قصص بهاء طاهر، تأتيني بقوة رواية. ربما هذا ما دعا (عبير سلامة) تشير -في معرض تناولها لقصص بهاء طاهر - أنها أقرب إلى (النوفيلا) إنها نوع من السرد المكتنز، المشبع، الذي يدرك جيدًا الفارق بين التكثيف والاختزال، وبين التجريد والاحتشاد، أو على نحو ما تقول عبير سلامة:"جوهرالنوفيلا أن فيها وحدة عالية التركيز ما بين الهدف والتصميم. لأن الشخصية، الحدث، الموضوع، واللغة يركزون جميعًا على مسألة واحدة ذات طبيعة جدية ومغزى عام”[28]

هذا النوع من القصص (المشبعة) يمكنها أن تتجلى بتمامها واكتمالها في ذاكرة القارئ حتى أن معاودتها في قالب روائي لا يمكنه أن ينسينا حضورها الأول في القصة القصيرة. ربما هذا هو الشعور الذي خفق بداخلي. فبينما كنت اقرأ رواية (واحة الغروب) كانت ذاكرتي تستدعي قصة (أنا الملك جئت) وتشدني بقوة إلى عالمها الساحر، ونسيجها المتماسك، وشعريتها الرهيفة، وتزهو بتمركزها في ذاكرتي بعمق أكثر مما حققته واحة الغروب.

وأذكر أن هذا الشعور راودني من قبل، عندما قرأت (ساحر الصحراء) لباولوكويلهو، والتي ترجمها وقدم لها بهاء طاهر، ثم قال في نهاية المقدمة:”أنا لا أستطيع أن أمنع نفسي في الختام من الإشارة -بكل تواضع - إلى أني قبل نشر السيميائي بثلاث سنوات، نشرت قصة عنوانها"أنا الملك جئت"، لم تترجم إلى أي لغة، وهي أيضًا رحلة بحث عن الذات في الصحراء، فكيف اتفق أن توجد -دون معرفة ولا لقاء - مواقف متطابقة في العملين، وفي بعض الأحيان نفس العبارات؟ سؤال أطرحه على روح العالم؟"[29] فقلت لنفسي وقتها، بغض النظر عن روح العالم، وبغض النظر عن تواضعك الجميل يا عم بهاء، فمازالت أنا الملك جئت، تخفق في صدري كما يخفق بستان في قلب الصحراء.  

 

 

[1]. حاتم حافظ: جريدة أخبار الأدب - القاهرة- الأحد 31 ديسمبر- 2006م - العدد 703

[2]- بهاء طاهر: بالأمس حلمت بك - مكتبة الأسرة- القاهرة- 1999م

[3]- عبير سلامة: كتاب أبحاث مؤتمر أدباء مصر بالأقصر - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2004م

[4]- السابق.

[5]- بهاء طاهر: بالأمس حلمت بك - مختارات فصول - الهيئة المصرية العامة للكتاب - العدد 4 - 1984م

[6]- بهاء طاهر: السابق.

[7]بهاء طاهر: أنا الملك جئت - سابق

[8]بهاء طاهر ك ذهبت إلى شلال - أصوات أدبية - الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة- عدد 241 - القاهرة - 1998م

[9]- نجيب محفوظ:  الشحاذ - رواية - مكتبة مصر - القاهرة - 1965م

[10]ـ بهاء طاهر: رواية واحة الغروب - روايات الهلال -القاهرة -2006م

[11]- بهاء طاهر: أنا الملك جئت - سابق

[12]- السابق

[13]- السابق

[14]- بهاء طاهر: واحة الغروب

[15]- بهاء طاهر:  السابق

[16]- بهاء طاهر: أنا الملك جئت- سابق

[17]- بهاء طاهر: السابق

[18]- بهاء طاهر: السابق

[19]بهاء طاهر: السابق

[20]بهاء طاهر: السابق

[21] بهاء طاهر: بالأمس حلمت بك -سابق

[22]بهاء طاهر: نفسه

[23]بهاء طاهر: نفسه

[24]- بهاء طاهر: السابق

[25]-بهاء طاهر: ذهبت إلى شلال -دار الشروق -القاهرة -2010م

[26]- بهاء طاهر: السابق

[27]- بهاء طاهر: السابق

[28]- عبير سلامة: سابق

[29]- بهاء طاهر: مقدمة رواية (ساحر الصحراء  لباولوكويلهو) ترجمة وتقديم بهاء طاهر - روايات الهلال - القاهرة -يوليو 1996م