يحتفل العالم يوم 18 دجنبر من كل سنة باليوم العالميّ للّغة العربيّة الذي أقرّته منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة، اليوم الذي يعرف على الصعيد العربي عقد لقاءات وندوات تعيد الاعتبار ل"قيم" هذه اللغة. هنا تقرير لفعاليات الاحتفاء التي شهدتها البحرين والتي عرفت تنظيم ندوات علمية وإلقاء محاضرات في الموضوع.

في احتفاليّة اليوم العالميّ للّغة العربيّة

للعام الثّاني على التّوالي، احتفى المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ صباح اليوم (الأربعاء، الموافق 18 ديسمبر 2013م) باليوم العالميّ للّغة العربيّة الذي أقرّته منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة، من خلال تهيئة فضاء لغويّ يناقش إشكاليّة هذا العام في العلاقة ما بين الإعلام الجديد والنّص الناجم عنه، تحت عنوان (سمات النّص الجديد في عصر الإعلام الجديد)، بحضور معالي الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة رئيسة مجلس إدارة المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ، السّيّد نجيب فريجي مدير مركز الأمم المتّحدة للإعلام لبلدان الخليج، ومشاركة عدد من المثقّفين والمهتمّين بالأدب واللّغة من البحرين والوطن العربيّ.

المداخلات الشّعريّة الغنائيّة والقصيدة الجميلة كانت جزءًا من العالم الذي استحضرته الفنّانة اللّبنانيّة جاهدة وهبة التي أعلنت بدء الاحتفاليّة من خلال مجموعة من القصائد المغنّاة، وقد انسجم صوتها مع أداء الشّباب لتقديم مشاهد تمثيليّة سريعة، تجسّد فكرة النّص العربيّ كلغة تواصل، تتبعها خلفيّة العالم الإلكترونيّ وطرق التّواصل الحاليّة بلغة مستحدثة تستلهم إيقاع العصر. وكانت تلك البداية انطلاقة لأحداث اليوم، التي أعربت من خلالها معالي الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة عن سعادتها بمثل هذه المناسبة، مؤكّدةً: (نحتفي اليوم للمرّة الثّانية بلغتنا الجميلة التي نتواصل من خلالها، ونستثمر فكرة هذا الحدث لمعاينة قضاياها وإشكاليّاتها، لكي نحافظ على هويّتها واستمراريّتها)، مشيدةً بهذا اللّقاء والالتفاف حول اللّغة الأمّ، إذ قالت: (جميلٌ أن يكون اهتمامنا الفعليّ بهذه اللّغة كهويّة لنا، ما نفعله جماعيًّا سيكون له الأثر بكلّ تأكيد. رهاننا الآن على ما سنقوم به اتّجاه هذه اللّغة، وعلينا أن نعمل ونواصل كي نحقّق ما نريد).

من جهته أكّد السّيّد نجيب فريجي أنّ هذه المناسبة التي يحتفي بها المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ تحظى باهتمام اليونيسكو، ناقلاً تحيّات السّيّدة إيرينا بوكوفا المدير العامّة لليونيسكو، وأوصل رسالتها التي جاء فيها أنّ: (اليوم العالميّ للّغة العربيّة مناسبة للاعتراف بالمساهمة العائلة للّغة العربيّة في الثّقافة العالميّة ولتجديد تمسّكنا بالتّعدّد اللّغويّ، فالتّنوع اللّغويّ جزء أساسيّ من التّنوّع الثّقافيّ، إذ يعكس غنى الوجود الإنسانيّ، ويتيح لنا الانتفاع بموارد غير محدودة لنتحاور ونتعلّم ونتطوّر ونعيش بسلام). وأشارت السّيّدة إيرينا في رسالتها إلى أنّ اللّغة العربيّة تكتنز ثقافة إسلاميّة وتحمل أصوات الشّعراء والأدباء والفلاسفة والعلماء الذين سخّروا قوّة اللّغة وجماليّاتها لخدمة الإنسانيّة، قائلةً: (يمكننا تعبئة هذه القوّة لنشر المعرفة، وتشجيع التّفاهم وبناء مجالات التّعاون من أجل تحقيق التّنمية وإحلال السّلام)، مبيّنةً أنّ اللّغة العربيّة هي حليفة في تحسين محوّ الأميّة وبناء مجتمعات المعرفة في 22 دولة من الدّول الأعضاء في اليونيسكو. وأشارت إلى أنّ اليونيسكو تساند المجلس الدّوليّ للّغة العربيّة، وتسهم في عدّة مبادرات إقليميّة رامية إلى ترويج اللّغة العربيّة.

وقد كانت بداية الاحتفاليّة مع د. إبراهيم غلوم أستاذ النّقد الحديث الذي وجّه شكره للمركز الإقليميّ لهذه اللّفتة، مشيرًا إلى ضرورة مناقشة إشكاليّات اللّغة العربيّة. وحول الموضوع، قال الدّكتور إبراهيم: (أعتقد أنّه من المهمّ أن نفصّل القول في مسألة العلاقة بين النّصّ الجديد والإعلام الجديد، فهذه إشكاليّة مختلفة، وثمّة بون شاسع بين سمات النّصّ الجديد وسمات النّصّ الإعلاميّ). وأكّد أنّ الإعلام اليوم مرتبط بآليّات وأيديولوجيّات وسياسات وشفرات، وهو مفتوح على الأفق ومحفوف بوسائل تتصّل بالصّراعات، وهذا بمنأى عن النّص. وحذّر: (النّصّ الجديد مسألة مختلفة ولا يمكن إدراج وسائل الإعلام معه، بل من الخطوة أن يتمّ إسقاط هذه على تلك).

وعرج د. إبراهيم غلوم في مداخلته على العديد من المصطلحات المتّصلة بسياق الموضوع، وتدرّج في شرح الفهم العامّ للنّصّ الجديد، مشيرًا فيه إلى أنّ النّص هو ما ينهض بوضوح وبإحكامٍ تامّ فيما يشبه البناء المعماريّ الذي يُحكَم صنعه بقيمٍ ومبادئ، فيما التّجديد هو إعادة الخلق والخروج على القيم والأعراف والسّائد، ولخّص الفكرة بالقول: (النّصّ الجديد هو مطلق التّجديد للرّوح والمادّة)، موضّحًا: (لستُ أخاف على النّصّ الجديد من الإعلام، بل أخاف على المحتوى، خصوصًا وأنّ الإعلام اليوم يحمل الأيديولوجيا والشّر الكائن فينا). وبشيء من التّفصيل تناول د. إبراهيم غلوم (الامتداد) كسمة المركزيّة للنّصّ الحديث، موضّحًا أنّ مقولة ديكارت (أنا أفكّر، إذًا أنا موجود) تؤسّس لمفصل رئيس لأنّها نقلت الفلسفة من الوجود إلى الذّات من خلال الفكر والعقل، وهي قائمة على وحدة النّفس والامتداد أو ما يُعرَف بالفكر والمادّة. وأشار: (في النّصوص الجديدة لا بدّ من نوع من التّمثّل بجسد، وثمّة كائن ماديّ يتجوّل عبر هذا التّمثّل، وينتقل من مادّة محدودة بالجسم إلى مادّة مختلطة بالرّوح)، مؤكّدًا: (بالإمكان بواسطة الفكر تمثيل الجسد، ولكن لا يمكن حدوث العكس). واستعرض في حديثه عددًا من النّماذج، مركّزًا على نصّ (طرفة بن الوردة) للشّاعر قاسم حدّاد، كنصّ مثاليّ لتوضيح الامتداد كسمة مركزيّة.

أتبعت مشاركته مداخلة للشّاعرة أمل الجبوري، وهي مترجمة ومؤسّسة الفرع العربيّ لديوان اتّحاد الشّرق والغرب، حول غربة اللّغة العربيّة، وقدّمت عرضًا حول نشأة اللّغة العربيّة، مشيرةً إلى القرآن الكريم باعتباره موحّدًا للهجات وبداية لتأسيس علوم النّحو والصّرف. وأوضحت أنّ امتداد الإسلام أتاح الانتشار للّغة العربيّة. وعرجت في عرضها إلى شرح توضيحيّ حول تطوّر اللّغة العربيّة في العصرين الأمويّ والعباسيّ، حيث كانت اللّغة مزدهرةً في العصر العبّاسيّ نظرًا لانتشار التّرجمة. كما تناولت اللّغة في العصر الحديث ملامسةً فترات الرّكود التي استمرّت إلى نحو 400 عام. ومع هذه المقارنات للّغة في سياقاتها التّاريخيّة، أشارت أمل الجبوري إلى أنّ الترجمة علم وفنّ، مشدّدة على أهميّتها في نقل المعاني والتّواصل ما بين الثّقافات ونقلها بصدق. واختتمت الجبوري مشاركتها بالإشارة إلى القصائد المغنّاة وأثرها في تعميق العلاقة باللّغة، وقدّمت عددًا من المقترحات التي تتعلّق بإنشاء بورصة للنّشر باللّغة العربيّة، تتضمّن الحقول الآتية: أسوأ ترجمة، أسوأ كتاب، أفضل ترجمة (بهدف تشجيع المترجم والنّاشر) وأفضل كتاب. بالإضافة إلى تكوين لائحة سوداء تضمّ النّاشرين الذين لا يلتزمون بقيم اللّغة وقوانين الحفاظ على سلامة وجمال لغتها سواء كان في نشر الكتب العربيّة أم المنقولة من اللّغات الأخرى إلى العربيّة، ولائحة أخرى بالموزّعين الذين يروّجون لتلك الكتب.

ومن الحديث حول سمات النّص الحديث وأثر التّرجمة، إلى الأغنية العربيّة مع الفنّانة اللّبنانية جاهدة وهبة، التي رحّبت بالحضور، موجّهةً عميق شكرها لمعالي الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة وإلى القائمين على الفعاليّة. وبدأت حديثها بمقدّمة عن اللّغة العربيّة ووضعها في مواجهة العصر الرّقميّ في دول الوطن العربيّ، معلّقة على الوضع بالقول: (لا وجود لبلادٍ متخلّفة، بل بلاد تخلّف أبناؤها عن حبّها). وركّزت على تناول اللّغة العربيّة باعتبارها وطنًا، مشيرةً: (أظنّ أننّا في الثّقافة العربيّة لا ننتمي سوى للّغة، قلا الجغرافيا أو التّاريخ، ولا القوميّة ولا حتّى الدّين يجمعنا، لكنّ اللّغة وطن، ودونها الشّتات. اللّغة أمّنا).

وخلال مداخلتها، شرحت ميزات اللّغة العربيّة والصّعوبات والمشاكل التي تتعرّض لها، مؤكّدةً أنّ (المشاكل تحتاج لدراسات معمّقة وجديّة). كما قدّمت العديد من الملاحظات الشّخصيّة في مجال الغناء وأهميّته، تحديدًا فيما يتعلّق بغناء النّصوص والقصائد بالفصحى وأثرها على العامّة والذّاكرة الجماعيّة. وتطرّقت إلى المشاكل التي يتعرّض الغناء الأصيل الجادّ في ظلّ الهجمة الإلكترونيّة والغوغائيّة الإعلاميّة.

وبأسلوب تمازج مع غناء مقاطع بعضٍ من القصائد القديمة والحديثة، عرضت الفنّانة جاهدة وهبة أهميّة الغناء وقوّة الأغنية وقدرتها على الانتشار ودعم الثّقافة واللّغة، مشيرةً إلى أنّ الأغنية العربيّة إذا كانت جادّة وأصيلة فهي تحمل الفصحى بين أحضانها و(تؤرجحها بطلاقةٍ وبدون خوف إلى دفّة الزّمن الآتي). إضافة إلى ذلك، عرضت جهود الرّوّاد الأوائل للغناء في إحياء فنّ القصيدة الغنائيّة العربيّة وازدهارها في العهود السّابقة وصولاً إلى عصر النّهضة. وأوضحت أنّ العديد من هذه المشاكل تسبّبت بها عدد من وسائل الإعلام والمنتجين والفنّانين المستهترين والمحطّات الفضائيّة، إلى جانب ترهّل المناهج التّعليميّة وتبضيع الفنّ ودخوله إلى حيّز الاستهلاك.

وفي ذات السّياق، استعرضت الفنّانة جاهدة تجربتها مع كتاب (الأزرق والهدهد: عشق في الفايسبوك) والأدب الرّقميّ، وتناولت الكيفيّة التي تأتّت لها فكرة هذا الكتاب الذي حقّق أصداءً إيجابيّة واسعة، متحدّثةً عن هذا النّمط الأدبيّ الرّقميّ بمجمل أيقوناته وإشاراته. وأشارت في حديثها إلى تطوّر وسائل التّواصل الاجتماعيّ وأثرها على الكتابة، مبيّنة قدرة الكتابة الرّوائيّة والشّعريّة أن تجذب جيل اليوم في ظلّ التّغير الحاصل في المنطقة، مختتمةً حديثها بعددٍ من المقترحات والتّوصيات.