في كلمات قليلة مكثفة يكتب القاص العراقي لواعج الشوق المستحيل لوطن مدمر، دمر أبناءه وتركهم بأجساد معطوبة في المنافي، تعذبهم الأسئلة: هل يمكن الخلاص من وحشة المنفى مهما كان مترعا بالورود وبالموسيقى؟ أو الشفاء من الشوق المستحيل للوطن؟ أو الحزن الأبدي لفراق الأم وموتها وهو بعيد عنها؟

شوقٌ مستحيل

سلام إبراهيم

وحيداً في صباح البيت.

مضّني الشوق.

شوبان يصدح بإحدى سونيتاته.

حزينٌ مخنوقٌ.

مضّني الشوق .. الصيفُ على الأبواب

العاشرة صباحاً. وحيداً في البيت. الأولاد في المدرسة. زوجتي في العمل.

أعطبوا جسدي في حروبهم.

وحيداً في المنفى مرمياً بين جدران أربعة.

أتيه كل صباح في الحقول الخضراء. أحدق في السماء، في الشجر، في الحجر، في الطيور، في الصمت.

أصرخ أحيانا، وأضحك في أخرى.

أبتهج في لحظة لخلاصي من وطنٍ دامٍ وحروب، وأكمد في لحظة لشدة وحشتي.

أعود من جولتي ككل يوم للقراءة والقراءة والكتابة.

العاشرة صباحاً، ليس لي رغبة في تجوال الصباح.

ليس لي رغبة في القراءة

ليس لي رغبة في الكتابة

ليس لي رغبة في شيء

وحيدا في البيت أحدق بالورود المنثورة حولي في الأواني، وفي الحديقة الصغيرة خلف النافذة.

أحملق في صورنا المعلقة على الجدران، في الفراغ، في بحر أشواقي.

 شوبان يعمق شجني.

وانفجرُ باكياً، ناحباً، نادباً، مرددا:

- يمه يا يمه.. يمه يا يمه!.

 ووجها الحزين يلوح حاراً أكاد أسمع أنفاسه في غلالة الدمع.

كانت قد ماتت قبل عام وأنا في المنفى.

 

دنمارك              28/5/1996