صدر عن مكتبة الإسكندرية عدد خاص من مجلة "ذاكرة مصر" عن محمد علي باشا، وذلك بمناسبة مرور 210 أعوام على أول يوم تقلد فيه محمد علي حكم مصر في يوليو 1805، نتج عنها تحول تاريخي وسياسي هامٌّ في تاريخ البلاد، وتحتفي بمرور 210 أعوام على توليه محمد علي حكم مصر. هنا تقرير مفصل على محتويات المجلة والمقالات التي خطها كبار الأساتذة المختصين، وشباب الباحثين، استعادة لذاكرة مصر.

ذاكرة مصر

يقع العدد في 180 صفحة. ويزخر بالمقالات الهامة والصور النادرة مقدمة للقارئ بتصميم مميز. وشارك في العدد نخبة من كبار الأساتذة المختصين، وشباب الباحثين، بالإضافة إلى إعادة نشر بعض المقالات الأجنبية وتقديمها للقارئ العربي حتى تكتمل الصورة الذهنية حول شخصية محمد علي وعصره.

وتحتفي مجلة ذاكرة مصر في هذا العدد الخاص الصادر في يوليو/تموز 2015 بعصر محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية في مصر؛ محمد علي باشا، ذلك الرجل الذي قدم لمصر الكثير، واختلفت الآراء حول أهدافه من تحديث مصر؛ هل كانت خالصة لوجه مصر والشعب المصري أو أراد بها مجدًا ذاتيًّا؟

ويقول الدكتور خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية ورئيس تحرير "ذاكرة مصر": "حاولنا في هذا العدد أن نتطرق إلى ملامح شخصية محمد علي وتركيبتها النفسية التي انعكست على أفعاله، والبيئة التي نشأ فيها وعلاقته بإسطنبول قبل حكم مصر، وغيرها من التفاصيل التي ربما تعطي صورة واضحة عن شخص محمد علي".

وأضاف أن العدد يتناول مشروع محمد علي التوسعي وتجربته في حكم الشام وما له وما عليه من هذه التجربة، بالإضافة إلى جانب مهم في حكم محمد علي لمصر وهو مشروعاته الإصلاحية الكبرى، ومنها على سبيل المثال ترسانة الإسكندرية، ومطبعة بولاق، وأعماله بقلعة الجبل، واهتمامه بالبعثات التعليمية والهدف منها وهل حققت المرجو منها أو لا؟"

ولفت عزب إلى أن هذا العدد الخاص يتناول جانبًا جديدًا خاصًّا بعمائر وأوقاف محمد علي بمسقط رأسه؛ مدينة قولة اليونانية؛ ثم الدور الذي لعبته الدول الكبرى وتحالفها من أجل تقويض طموح الباشا الذي يحكم مصر لحساب المصالحة الدولية الكبرى. وأضاف: "ولم نغفل أيضًا بعض الجوانب الاجتماعية الخاصة بعصره، ومنها بداية استخدام عربات الخيول في مصر، وترقيم وتسمية شوارع القاهرة، وغيرها من الموضوعات التي نتمنى أن تنال إعجاب القارئ وتضيف إلى هذه الفترة التاريخية الجديد".

وبعنوان "محمد علي"، تتناول عفاف لطفي السيد، في مقالة ترجمها للعربية عبدالسميع عمر زين الدين والسيد أمين شلبي؛ محمد علي الرجل: نشأته في مقدونيا، وزواجه، وانتقاله إلى مصر، وحتى صفاته الجسمانية وملامح شخصيته.

وتبين أن كل من التقى بمحمد علي، وطنيين كانوا أو غرباء، أجمع على الإعراب عن جاذبيته الطاغية، وفوق كل شيء عن أدبه الجم، تلك السمة التي يتصف بها الرجل المهذب العثماني الحقيقي. وقد أبدى أ. أ. باتون الذي تقابل معه بعد أن ذهب عنفوانه، هذه الملاحظة: «إذا كان ثمة رجل تفصح عيناه عن العبقرية، فهذا الشخص هو محمد علي لم تكن عيناه ذابلتين أو خامدتين. كانتا آسرتين كعيني غزال؛ أو قاسيتين كالنسر ساعة الغضب».

وتوضح الكاتبة في المقال أن محمد علي كان ثعلبًا، ماكرًا وحاذقًا وحذرًا، لكنه كان أيضًا رجلاً جذابًا ذا تربية عالية وأخلاق آسرة، كما وصفه القنصل البريطاني اللورد بالمرستون. ونظرًا لأفكاره العملية، فقد كان يمكن الركون إليه في الخروج بأفضل النتائج من المواقف السيئة. ويمكن أن توصف الميزة الأخيرة بأنها الصلابة والتماسك خلال أكثر الأوقات صعوبة حتى يتحول المد أو أن يحول هو الشدة لصالحه.

وفي مقال بعنوان "محمد علي وقلعة الجبل"، يتناول الدكتور خالد عزب قلعة الجبل كشاهد على الأحداث السياسية، والتجديدات التي أحدثها محمد علي بها. ويقول عزب: "أدى تتابع الأحداث إلى تولية محمد علي حكم مصر عام 1805، وكان عليه أن يصفي القوى المعارضة له، أو أن يكسبها إلى جانبه. وكان ذروة هذه التصفية في مذبحة المماليك (مذبحة القلعة) التي أدت إلى استقرار الأوضاع لمحمد علي. رتب محمد علي مع أتباعه إغلاق باب العزب عند اقتراب المماليك منه وتصفيتهم، ومن نجا تم إعدامه في حوش الديوان، وتم تصفية من تبقى منهم بالمدينة. وبذلك يعد هذا الممر الصخري شاهدًا سياسيًّا على نهاية عصر وبداية عصر".

ويضيف عزب: "ساعد هذا الإجراء على سرعة تحديث مصر، وهو ما ترك أثره على القلعة؛ حيث انتهى دور فرق الجيش العثماني بها، فلم نعد نرى وجودًا للإنكشارية ولا للعزب. بل أصبحت سلطة الباشا محمد علي هي السلطة العليا والوحيدة في القلعة".

أثبت محمد علي تجديداته بالقلعة في ثلاثة نصوص تذكارية بالقلعة. النص الأول: نقش على لوحة رخامية تعلو باب الشرك الذي قام محمد علي بسده، وهو مكتوب باللغة التركية. والنص الثاني: وضع على الحائط المواجه لدفترخانة محمد علي، وقد كتب باللغة التركية أيضًا. والنص الثالث: يتضمن إشارة إلى تجديدات محمد علي بالقلعة يوجد على الباب الفرعي المؤدي إلى الفناء الأمامي للجناح الغربي لقصر الحرم، وهو عبارة عن نص تذكاري كتب باللغة التركية.

وتدل أعمال محمد علي على استيعابه لتقنيات العصر ومستجداته، ولنا في ذلك الأمر ثلاثة إجراءات اتخذها؛ الإجراء الأول: هو إنشاؤه قلعة المقطم أعلى قلعة الجبل، والإجراء الثاني: إقامة أبواب جديدة للقلعة تسمح بمرور العربات، وهى وسيلة الانتقال التي بدأت تشيع بمصر منذ أن دخلها الفرنسيون. والإجراء الثالث: هو تشييده دارًا للصناعات الحربية في القلعة في المكان الذي شغله جند العزب بالقلعة في العصر العثماني.

ويقدم عزب وصفًا معماريًا دقيقًا ومدعما بالصور لقلعة المقطم: الواجهات، الطريق الجديد للقلعة، الباب الجديد، الباب الوسطاني، باب القلة، الديوان، دار الضرب، سراي العدل، سراي الجوهرة، سراي الاستقبال، سراي الإقامة (قصر الضيافة)، سراي الحرم، القصر الشرقي، القصر الوسطاني، القصر الغربي، القصر الأحمر، ومسجد محمد علي.

ويضم العدد أيضًا مقالا بعنوان "عربات الخيول في مصر" كتبه جاستون فيت وترجمته نادية الوكيل، ومقالا آخر عن تسمية وترقيم شوارع القاهرة. كما يقدم العدد مقالا حول محمد علي وإسقاط المشروع التوسعي للدكتورة لطيفة محمد سالم، وآخر عن عمائر محمد علي بمدينة قولة باليونان للدكتور أحمد أمين.

وتقدم ذاكرة مصر لقرائها في هذا العدد مقالا هاما بعنوان "أول بعثة تعليمية مصرية إلى فرنسا في عهد محمد علي"، لكاتبه آلان سيلفيرا وترجمة خلود سعيد. ويبين الكاتب إن دوافع محمد علي لإرسال البعثات كانت مدعومة برغبة لاستقدام الحكمة العملية الفرنسية إلى مصر، ليس فقط لتحسين صورة مصر في أعينهم، ولكن بشكلٍ رئيس لتعزيز سلطاته عن طريق إتقان فنون الحرب.

فُسِرت هذه البعثة المصرية، التي تعتبر جزءًا أصيلاً من أول جهود مصر للتحديث السلطوي بالتوازي مع تقدم حركة الترجمة وعلمنة التعليم وغيرها داخل البلاد، على نحوٍ صحيحٍ بمدفوعيتها من الطموح العسكري؛ وهو المتغير المستقل المسئول عن الهدف العظيم لمحمد علي في ترسيخ استقلاله عن الباب العالي، ثم تحويل الأقاليم العثمانية حول مصر إلى ساحة لتوسعاته العسكرية.

ويضيف الكاتب: "لكن إذا كان الدافع الرئيس من إنشاء "النظام الجديد" في نسخته المصرية هو اكتشاف ومحاكاة ومضاهاة أسرار القوة العسكرية الأوروبية، فقد أدت الوسائل المستخدمة لتحقيقه إلى غاية أخرى بعيدة تمامًا؛ حيث إن هذه البعثة الطلابية، التي صنعت من رفاعة الطهطاوي باكورة منحنى جديد من الهوية القومية، بلورت نتائج غير مباشرة وغير متوقعة للنية الأصلية للوالي محمد علي. كما أظهرت الجانب الفرنسي من الإرث الطموح للاحتلال البونابارتي".

ويتناول العدد مجموعة من المقالات التي تتناول بعض الإنجازات الكبيرة والتطورات التي حدثت في عهد محمد علي؛ ومنها مقال للدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو حول مطبعة بولاق ودورها الحضاري، بالإضافة إلى مقال آخر حول ترسانة الإسكندرية لكاتبه دوران فييل وقامت بترجمته الدكتورة سونيا نجا. كما يضم العدد مقالا حول المدفعية وتطويرها في عهد محمد علي، للدكتور المصطفى محمد الخراط.

ويتضمن العدد مقالاً مدعمًا بمجموعة من الوثائق البريطانية حول مراسلات محمد علي ودول التحالف الرباعي بشأن إعلان الاستقلال، للدكتور صفاء خليفة.

ففي مايو/آيار 1838 جمع محمد علي رؤساء وقناصل الدول، وأبلغهم عزمه على إعلان استقلاله بحجة أن استقلال مصر هو خير ضمان لاستئناف السلام في المنطقة، وطلب إليهم استشارة حكوماتهم في هذا الشأن قائلاً: «لا يمكنني أن أرضى بترك ما شيدته من المنافع والمرافق بمصر طول هذه السنين مما كلفني أموالاً طائلة في يد الباب العالي بعد موتي، وإن قلبي لينفطر كلما فكرت في أن ثمرة أتعابي ضائعة ومصيرها للفناء وأن أولادي وأسرتي ستصير بعد موتي تحت رحمة الباب العالي».

وقد اعترض قناصل ووزراء خارجية الدول الأوروبية في مصر آنذاك على رغبة محمد علي بالاستقلال وحذروه من عواقب هذا العمل وبدأ تحيزهم لتركيا وأظهروا تحاملهم على مصر، وظهر ذلك من خلال مكاتبات بينهم وبين بعضهم البعض.

وجاء في برقية رقم (182) يونيو/حزيران 1838: أعلن محمد علي أن الحكومة المصرية قد قررت أنه قد حان الوقت لمثل هذا الإعلان، ولكن لا بد من التواصل مع القوى الدولية بقدر كافٍ، وأن التهديدات الفرنسية والبريطانية بغزو أراضيه أو محاصرة موانيه لن تردعه عن قرار الاستقلال، وأن لديه ما يقرب من 200 ألف جندي للمقاومة إذا تطلب الأمر كذلك، فجاء رد الكونت موليه (وزير خارجية فرنسا)، واللورد جرانفيل (وزير خارجية إنجلترا)، أن فرنسا وبريطانيا تهدد محمد علي بالحصار حال تنفيذه لخطته في الاستقلال، كما أنه يجب مراعاة المصالح الروسية في الشرق.

وقد انقضت أشهر في تبادل الآراء بين الدول الأوروبية بهدف التوفيق بين وجهات النظر، وفي ضوء هذه الاعتبارات وضعت الدول التسويات التي رأتها للمسألة المصرية متمثلة في معاهدة لندن 15 يوليو/تموز 1840، والتي أبرمتها الدول الأربع الكبرى؛ إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا مع تركيا، ولم تشترك فيها فرنسا، لتنظيم المسألة المصرية، تحت ستار تقديم المعونة إلى السلطان والحرص على سلامة أراضي الدولة العثمانية. وللمعاهدة ملحق يتضمن الامتيازات التي تعهد السلطان العثماني بتخويلها لمحمد علي، ويعتبر هذا الملحق جزءًا من المعاهدة.

تصدر "ذاكرة مصر" عن إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية. رئيس تحريرها الدكتور خالد عزب، وسكرتير التحرير سوزان عابد، والتصميم والإخراج الفني لريم نعمان.