يكتب الناقد المغربي عن هذا الكتاب بوصفه كتابا متميزا من الناحية المنهجية إذ لم يزاوج فقط بين التنظير والتطبيق بل سعى إلى إبراز الخلفيات العلمية والإبستمولوجية للمفاهيم والأدوات الإجرائية التي اعتمدها في بناء نظريته وتحليله، مبرزا المرجعيات العلمية والابستمولوجية التي انطلق منها مؤلفه لبناء نظريته.

قراءة في كتاب «دينامية النص: تنظير وإنجاز»

للدكتور محمد مفتاح

مولاي مروان العلـوي

1.                تقديم:

تمتح السيميائيات من حقول معرفية مختلفة، استوردت منها أدواتها ومفاهيمها الإجرائية وأكسبتها دلالات جديدة، مما جعل هذه المفاهيم جزءا من نسق التحليل السيميائي. ورغم اختلاف المدارس السيميائية وتعدد المفاهيم التي اعتمدتها، إلا أنها تنحو منحى مشتركا يتمثل في تحليل الأنساق الدالة. ويعتبر محمد مفتاح من الباحثين الذين اشتغلوا في تحليل النصوص القديمة التراثية والحديثة، النثرية والشعرية، ويعد من القلائل الذين وظفوا مفاهيم من العلوم الحقة، لهذا اعتبر النقاد الباحث "محمد مفتاح" واحدا من النقاد العرب البارزين، على مدار مسيرته الحافلة بالإسهامات المهمة، قدم الكثير للنقد العربي على مستويي التنظير والتطبيق، اشتغل على التحليل، كما اشتغل على المصطلح والمفهوم، ليقدم عددا من الأطروحات التي أكسبت رؤاه وأفكاره خصوصية.  ولهذا اعتبر صاحب مشروع نقدي نلمسه من خلال إنتاجاته:

·                    في سيمياء الشعر القديم: دراسة نظرية وتطبيقية، دار الثقافة , البيضاء، بيروت 1982

·                    تحليل الخطاب واستراتيجية التناص، المركز الثقافي العربي، البيضاء 1985.

·                    دينامية التناص: تنظير وإنجاز المركز الثقافي العربي، 1987.

·                    مجهول البيان، دار توبقال، الدار البيضاء، 1990.

·                    التلقي والتأويل، مقاربة نسقية، المركز الثقافي العربي، البيضاء، 1994.

·                    التشابه والاختلاف نحو منهاجية شمولية، المركز الثقافي العربي، 1996.

·                    المفاهيم معالم، سنة 1999.

وما يجعل مؤلفات  "محمد مفتاح" تكون مشروعا نقديا أنها في تسلسلها وانتظامها وتعالقها مع بعضها البعض تكون كلا متسقا. وسنقدم في هذه الورقة كتاب "دينامية النص: تنظير وإنجاز"، مبرزين المرجعيات العلمية والابستمولوجية التي انطلق منها "محمد مفتاح" لبناء نظريته، وأهم المفاهيم التي حواها الكتاب ومنهجه في تحليل النصوص.

2.                محاور الكتاب:
يعد كتاب "دينامية النص" الإنتاج الثالث في مسيرة محمد مفتاح، وهو كتاب سعى من خلاله إلى المزاوجة بين النظرية والتطبيق، إذ كشف عن الخلفيات الإبستمولوجية والتاريخية التي استمد منها منهجه في التطبيق، وكذا الأسس العلمية التي نهل منها مفاهيمه الإجرائية في تحليل النصوص. يقول محمد مفتاح "لم يبق مستحسنا –بعدما بدأت المناهج الحديثة تشيع بين المهتمين، والطلبة، وعموم المثقفين- أن يكتفي الكاتب فيها بتقديم تطبيقات بدون الكشف عن الخلفيات الإبستمولوجية والتاريخية التي نمت وترعرعت فيها تلك المناهج، وإنما صار متعينا عليه أن يبين قواعد اللعبة وآلياتها، ويهتك خبايا أسرارها"[1]. مما ينم عن الحس المنهجي الذي يتمتع به د. محمد مفتاح، إذ لا يلج إلى التطبيق مباشرة، بل يمهد له بفرش نظري يجعل القارئ يلم بأوليات المنهج وبرؤية الكاتب، لأن غياب الخلفيات النظرية يؤدي إلى "مماحكات لفظية واهية...أو إلى قبول متعصب أعمى"[2]، وهذا ما حاول الكاتب تلافيه ليضع بذلك المفاهيم بين أيدي القارئ ويسهل عليه عملية تتبع الخيط الناظم الذي يجمع بين التنظير و الإنجاز. والكتاب وإن بدى صعب التناول من خلال تفحص أول، إلا أن الغموض لا يلبث يتلاشى لينقشع مع الاسترسال في القراءة. "إذ كل فقرة تخص سابقتها، وتبينها وتفسرها وتتحاور معها"[3].

استهل الكاتب مؤلفه بمقدمة يَبسِط فيها منهجه المتمثل في المزاوجة بين التنظير والإنجاز، ويبين فيها منهاج قراءته، فهناك " علاقة وثيقة بين فصول الكتاب جميعه، وصلات حميمة بين كل فصل منه، والتحام قوي بين أجزاء كل فقرة.. والقراءة بالطفرة لا تجدي، والانتقاء المتعسف لا يغني، وإنما ما فيه جدة وغناء هو المتابعة الخطية الاستدلالية العلاقية"[4]، هذا ما يمكن القارئ من الربط بين فصول الكتاب وبين فقرات الفصل الواحد.

بعد مقدمته المقتضبة والغنية، يضع الكاتب مدخلا للكتاب، وهو مدخل نظري ذكر فيه المرجعيات النظرية التي اعتمدها لبناء منهجه المضمن في الكتاب، سواء في بناء المفاهيم أم في معالجة النصوص على اختلافها. وقسمه إلى قسمين متمايزن ومرتبطين، خص أولهما ببسط الأسس العلمية التي تنبني عليها تطبيقاته، وخص القسم الثاني بإبراز الأسس الفلسفية والإبستمولوجية التي يتأسس عليها القسم الأول الذي يشغل ستة وعشرين صفحة من الكتاب، ويشغل الجزء الأكبر من المدخل، مما يظهر أهميته المنهجية في نظر الكاتب.

حدد الكاتب في القسم الأول من المدخل ست نظريات علمية يبرز من خلالها أهمية علم البيولوجيا في ميادين المعرفة، ويركز على ربطه بموضوع الكتاب وهو "بيولوجيا علم النص وديناميته خصوصا"[5]، هذه الدينامية هي العنصر المشترك بينها، تتجلى هذه الاتجاهات في:

·                    النظرية السيميوطيقية.

·                    النظرية الكارثية.

·                    نظرية الشكل الهندسي.

·                    نظرية الحرمان.

·                    نظرية الذكاء الاصطناعي.

·                    نظرية التواصل والعمل.

        عمد مفتاح في العنصر الثاني من المدخل النظري إلى تبيين الأسس الفلسفية والإبستمولوجية التي تقوم عليها النظريات المقدمة. وقد حصر الكلام هنا في مسألتين رئيستين، هما مسألة الثابت ومسألة الهدف.

وبعد المدخل النظري الغني، ينتقل د.محمد مفتاح إلى القسم الإجرائي من مؤلفه والتي وزعها على ستة فصول زاوجت بدورها بين تقديم نظري وشق تطبيقي، ولعل هذه المزاوجة تثبت الرؤية المنهجية التي يتمتع بها الكاتب، فبعد بسطه للفرش النظري في المدخل، يعود في بداية كل فصل ليقوم بتذكيرنا بهذه المفاهيم، ويعدلها أو ينتقي منها ما يناسب النص قيد التحليل، محترما بذلك خصوصيات النصوص واختلافها وما يفرض ذلك على المنهج من مرونة، بحيث حلل في الفصل الأول المعنون "بنمو النص الشعري" قصيدة "القدس" لأحمد المجاطي  على ضوء مجموعة من المبادئ الكلية والمفاهيم النوعية والمحلية التي شرحها في مفتتح الفصل. وحاول في الفصل الثاني أن يرصد مظاهر الحوارية الخارجية بين نصين شعريين؛ أحدهما لأبي نواس(ق2هـ)، والآخر لابن الخطيب السلماني (ق8هـ). كما تتبع في الفصل نفسه آليات الحوارية الداخلية وأبعادها في سينيةٍ لابن الخطيب. واحتفل مفتاح في الفصل الثالث بالحوارية-أيضا- من خلال قصيدة" قصائد إلى ذاكرة من رماد" لمحمد الخمار الگنوني ويحمل الفصل الرابع عنوان" سيرورة النص الصوفي"، وفيه أولى الكاتب اهتماما واضحا للجانب التنظيري (الحديث عن الكتابة الصوفية وأركانها وأشكالها –الحديث عن القوانين الاحتمالية المميزة لكتب التصوف-الحديث عن الكرامة...)، غير أنه لم يغفل الجانب الإجرائي؛ إذ إنه قارب بعض العجائب والخوارق والحكايا المأخوذة من تشوف ابن الزيات؛ وعالج رائية تعليمية للشريسي وفق المناهج المعاصرة. وفي الفصل الخامس، درس الكاتب نصا قصصيا مغربيا معاصرا محاولا إبراز جوانب الصراع وأبعاده فيه، باعتماد منهج حداثي. وخصص الكاتب الفصل السادس- وهو الأخير – بدراسة قضية الانسجام في بعض الآيات القرآنية الكريمة.

ينطلق د.محمد مفتاح من منطلق أساسي يتجلى في "خصوصيات النص؛ مظهره وسطحه وكيفية كتابته وفضائه. معنى هذا أن فرادة النص وخصوصيته هي المنطلق..لا بد إذن من مراعاة خصوصية النص وإلا وقعنا في اختزال مشين"[6]،  راعى الكاتب خصوصيات النصوص التي عالجها ضمن كتابه، يقول د.مفتاح: "لا يمكنني أن أسوي بين آيات من القرآن متعلقة بالأحكام والتشريع وبين نص قصصي. فالأولى تقيم علاقة مباشرة بين متكلم ومخاطب، في حين أن النص القصصي، وإن احتوى هذه العلاقة فهي في الغالب علاقة ضمنية  (المخاطب ضمني في الغالب).."[7].

3.                الأسس النظرية:

إن المنهج الذي وظفه الكاتب في فصول "دينامية النص" قائم على أو نظريات معينة يستمد منها مفاهيمه وآليات اشتغاله. سنعرض أولا الأسس العلمية التي حصرها الكاتب ست نظريات علمية ولغوية، ثم نبرز أسسها الفلسفية والتاريخية.

1.3  الأسس العلمية:

عرض الكاتب ست نظريات علمية ترجع كلها إلى مقولة جامعة هي "الدينامية".

1.1.3 النظرية السيميوطيقية:

إن السيميوطيقا أو السيمولوجيا هي "العلم العام الذي يدرس كل أنساق العلامات (أو الرموز) التي بفضلها يتحقق التواصل بين الناس"[8]. ومن المؤكد أن السيميوطيقا شهدت تطورات مهمة منذ جون لوك (J. Locke) وشارل سندرس بيرس (Ch.S. Peirce) وغيرهما... وهناك اتجاهات عدة في المجال السيميائي، أبرزها: الاتجاه البيرسي القائم على ثلاثية العلامة، واتجاه سوسير الذي تنبأ بميلاد علم جديد (السيميولوجيا) يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية[9]، والاتجاه الغريماصي.

     أبرز الكاتب تجليات الدينامية في كل مكونات النظرية السيميوطيقية ومفاهيمها (المقصدية- المربع السيميائي بمختلِف علاقاته- العوامل في تفاعلها). وقد استعان بهذه المفاهيم في مقاربة النص العربي.

 2.1.3  النظرية الكارثية:

يراد بالكارثة في الأصل اليوناني الانقلاب؛ أي الانتقال من حال إلى حال مغايرة[10]. أما نظرية الكوارث (Théorie des catastrophes) التي قامت على أساس مناقشة السيميائيات الغريماصية وخلفياتها، فهي نظرية هندسية موقعية، همُّها الأساس" البحث عن الاستقرار والتحول في آن واحد"[11].

تسلك الاستراتيجية الكارثية في جانبها الإجرائي" تحديد الظاهرة بوصفها مورفولوجيا ذات انقطاعات كيفية"[12]. وهنا يتضح تأثرها بصنيع بروب في "مورفولوجيته" وغريماص في "مربعه"، اللذَيْن اعتبرا الظاهرة مورفولوجيا (Morphologie) وحللاها إلى مجموعة أحداث متوالية دينامية. وعليه، فهي تعين على الفهم والنمذجة (Topologie).

هناك عَلَمان بارزان يمثلان محطتين مهمتين في نظرية الكوارث. فأما الأول فهو روني طور(R. Thom) صاحب كتاب "الاستقرار البنيوي وقوانين الأشكال" الذي وضح فيه مشروعه والقوانين المحددة للشكل والبنية والدينامية، من مثل: اختزال المفاهيم اللسانية إلى مورفولوجيا - الشكل يحكم الموضوع-وسيلة الإدراك الرئيسة هي الحواس...إلخ.

وأما العلم الثاني، فهو جان بتيطو-كوكوردا (J.P. Cocorda) الذي عرض مشروعه في كتابه"les principes de la théorie des catastrophes" –قدم له طوم-. والواقع أن هذا الكتاب تفصيل وتوسيع للأفكار الواردة في كتاب طوم السالف ذكره، وأن صاحبه هو الذي عمق البحث في النظرية الكارثية وأعطى لمشرع طوم كل أبعاده الفلسفية والإبستمولوجية والنظرية والمنهاجية.

يقول بتيطو في كتابه المذكور إن نظرية الكوارث "لغة صورية بمعنى جديد كل الجدة. إنها لغة، ولكنها ليست منطقية، وإنما هي هندسية طوبولوجية مبنية كلغة طبيعية". وقد تأثر الكاتب-في مشروعه- بفلسفة ألبرت لوتمان (A. Lautman) الرياضياتية، وببعض المقولات الكانطية، والكانطية الجديدة، وبالفينومينولوجيا.

وبصفة عامة، فالنظرية الكارثية مثالية جديدة من الناحية الإبستمولوجية، وتعتمد من الناحية الأداتية الرياضيات وخاصة الهندسة، وتتوخى من الناحية الغائية تحطيم الحدود بين العلوم الإنسانية والعلوم البحتة[13].

لقد كان الكاتب حريصا- وهو يستعرض مقومات هذه النظرية وخلفياتها – على تجلية تمظهرات الدينامية فيها. حيث اعتبر أن " الأحداث (النفي الكيفي) والكوارث (النفي الحرماني) هي جوهر دينامية النص، فبها ينمو ويتناسل، وتتحقق الدينامية ضمن مسبقة الفضاء-الزمان، وتصاغ مفاهيمها من خلال هندسة الفضاء"[14].

3.1.3   نظرية الشكل الهندسي:
وهي نظرية تركز على "الشكل الهندسي" باعتباره وسيلة لتوليد المفاهيم وتصنيفها وخلق النظريات. وصاحبها هو طوماس بالمر الذي عرض نظريته في كتابه "Biological foundations of linguistic communication". وقد استفاد فيها من جهود الكارثيين (طوم خاصة)، والداروينية الجديدة القائمة على الطفرة (Mutation) والانتقاء (Sélection)، والرياضيات (الهندسة بخاصة).

تتفق هذه النظرية مع النظرية الكارثية أداتيا وغائيا، في حين تختلفان في الجانب الإبستمولوجي. فإذا كانت النظرية الكارثية مثالية جديدة، فإن نظرية الشكل الهندسي تجريبية رياضياتية تتخذ الاستقراء أساسا وتعتمد الآلة وتتجه نحو العمل.

تنبني نظرية الشكل الهندسي على عديد من القضايا والأمور، ولكن الكاتب ركز خلال عرض هذه النظرية على ثلاث قضايا متشابكة، هي: العلاقة الحميمية بين البنية اللغوية والبنية الدماغية، والشكل الهندسي، والدينامية.

4.1.3 نظرية الحرمان:

الحرمان نقيض التمتيع. ويراد به "نفي شيء عن شيء، أو شيء أو عضو عن إنسان، أو إنسان عن إنسان، أو ميت عن حي، أو حي عن ميت...." والنفي نوعان؛ نفي كيفي، ونفي حرماني/عدمي. وبين النفيين علاقة خصوص بعموم، إذ يقول الكاتب إن "النفي الحرماني أعم، وإن كل نفي حرماني نفي كيفي، على أنه لا عكس"[15].

يعتبر الكاتب أن " النفيية" تسهم في انسجام النص واتساق عناصره، حيث يقول:" إنها النفيية، سواء أكانت كيفية أم حرمانية أم عدمية أم تضمنية، أو أكانت حادثة أم كارثة، أو أكانت تشعبا نموذجيا أوليا أم تشعبا ديناميا، ولكنه لا ينبغي أن يفهم من هذه النفيية عدم الارتباط بين أجزاء النص"[16].

وقد ركز الكاتب خلال عرضه هذه النظرية على رصد مظاهر الدينامية والتفاعل فيها. وكان قد سبق له أن أكد أن النفي الكيفي والنفي الحرماني هما لباب دينامية النص وجوهرها[17].

1.1.3  نظرية الذكاء الاصطناعي:

الذكاء الاصطناعي هو مجموعة من المناهج والتجارب والخبرات المتحكمة في عقل الإنسان ونفسه. ويسعى هذا الذكاء إلى استعمال هذه التجارب في الآلة المفكرة الذكية التي أنتجها. ويختلف الذكاء الصناعي عن الذكاء الإنساني الطبيعي اختلافا جوهريا. ذلك بأن الذكاء الطبيعي يقتضي أنه لا وجود لنحو بدون معان، في حين يقوم الذكاء الاصطناعي على البرمجة والشكلنة الرياضية. ويقسم بعض العلماء الذكاء الاصطناعي إلى قوي وضعيف تبعا لعلاقة الإنسان بالآلة.

 إن نظرية الذكاء الاصطناعي نظرية نسبية توليفية بالغت في المشابهة بين ذاكرتي الكائن الإنساني والحاسوب. وتقوم على الدينامية والتفاعل. وقد حاول الكاتب أن يجلي تمظهرات الدينامية في هذه النظرية العلمية الحداثية.

لقد استمرت نظرية الذكاء الصناعي- بحكم طابعها التوليفي-نتائج عدة علوم ونظريات، واستغلت مناهجها ومفاهيمها بشكل واضح. (مثل: علم النفس المعرفي، والبيولوجيا، ونظرية اللسانيات التحسيبية، ونظرية البنيوية الدينامية).

6.1.3 نظرية التواصل والعمل:

ترتكز هذه النظرية –هي الأخرى – على الدينامية والتفاعل، بل إنها ذهبت بهذا الأخير إلى أبعد الحدود محاولة التقنين له. وتهتم أساسا بميداني نحو النص ونظرية الحوارية.

ومن المسائل التي يثيرها أصحاب هذه النظرية طبيعة العلاقة بين نظرية النص ونظرية العمل. فيجيبون بأنها" علاقة اشتقاقية"؛ حيث إن العمل لا يفهم إلا بوصفه عنصرا ضمن عائلة أعمال، كما أن الجملة لا تفهم إلا بإدماجها في نظام جُمْلي.

إن نظرية التواصل والعمل توليف بين نظريات معاصرة شتى، فهي" تنتقي من نظرية العمل التاريخية والاجتماعية، وهي تمتح من نظرية الأفعال الكلامية، ونظرية اللعب اللغوي وغيرهما"[18].

يلمس المطلع على النظريات السابقة كلها أن الهاجس المشترك الذي يجمعها هو "قصد البرهنة على انسجام النص"[19]، والكشف عن ديناميته. كما أنها تلتقي عند ثوابت ثلاثة رئيسة، وهي: الإفادة من البيولوجيا ومفاهيمها ونظرياتها في معالجة الخطاب- استثمار علم الرياضيات (الهندسة خاصة) لتوليد المفاهيم وخلق النظريات – الارتكاز على النزعة التوليفية.

شكلت هذه النظريات العلمية المرجعية النظرية محمد مفتاح في "دينامية النص". استورد منها ماهيمه الإجرائية وبنى على أساسها مناهجه التي وظفها في مقاربة نصوص شعرية ونثرية، قديمة وحديثة، ودينية.

 2.3 الأسس الفلسفية والتاريخية:

        ذكرنا سابقا أن الكاتب عمد إلى إبراز الأسس الفلسفية والتاريخية لمنطلقاته العلمية. حصرها في مسألتين أساسيتين:

1.2.3 مسألة الثابث:

تقول النظرية البيولوجية الكانطية بوجود غايات طبيعية هي سبب وعلة لنفسها وهي قوانين التكون والانتظام وإعادة الإنتاج والعلاقة التكيفية مع المحيط، وهذه القوانين ذات تنظيم ذاتي تحكمها العلاقة الوثيقة بين الكل وأجزائه. ويجمع كانط بين التجربة والعقل بتطرقه لمفهوم التعالي الذي يعني أن المعطيات الحسية موجودة ولكنها منظمة بالفهم من خلال المفاهيم والمقولات، وهذا ما نجده لدى الظاهراتية التي تمزج بين الذات والواقع للتوصل إلى المعرفة، ويجد الكاتب جمعا للجمع بين الكانطية والظاهراتية لدى كلود ليفي ستراوس، الذي ينطلق من المجتمع ونشاطه التواصلي إلى الثوابت الإنسانية اللاواعية المتجذرة في الفكر البشري. وقد عرف هذا الاتجاه" بالوضعية الجديدة" التي تدرس الوقائع الموضوعية والأحداث الاجتماعية لاستخلاص القوانين العامة الصالحة للتفسير والتوقع.

        بهذا يقرن الكاتب بين الفلسفة الكانطية وأفقها المتمثل في الوصف الظاهراتي الواقعي وبين البنيوية التي اتخذته ركيزة لها، إذ يقول: "هذه البنية لها عناصر متفاعلة متنافية وتضمينية"[20].

        جعل الكاتب هذه الأسس الفلسفية والإبستمولوجية أساسا بنى عليه النظريات التي تعرض إليها لكن مع بعض الاختلاف في المنهاجية وطرق الإجراء، ويوضح ذلك في النقط التالية:

·                     تقوم النظرية السيميائية لغريماص على التمييز بين البنية السطحية والبنية العميقة. على أن الأهم بالنسبة إليه هو البنية الثانية التي تتكون من مورفولوجيا تصنيفية قوامها المربع السيميائي والبنية العاملية. أما البنية السطحية فما هي إلا تجليات لإسقاط مكوِّني البنية العميقة. ولكن المستويين (أو البنيتين) معا ليسا سوى إظهار وتحويل للخطاطة (Schéma) بتعبير جوته أو للبنيات الأنثروبولوجية للمتخيل بتعبير دوراند.

·                     تتبنى النظرية الكارثية مفهوم المورفولوجيا المتغيرة باستمرار، وذلك ضمن بنية سطحية ظاهرة وبنية عميقة خفية. ولا ريب في أن بين البنيتين تعالقا أكيدا وترابطا جدليا، بيد أن شكل أولاهما مظهر محسوس للبنية الثانية الدينامية.

·                    تصنف نظرية الشكل الهندسي (بالمر) الوسائل المحقِّقة للمعرفة الإنسانية إلى خمس، أبرزها ما يسمى" النماذج الأولية" (Archetypes) التي تتفرش وتتشعب عند نقطة التفاعل تشعبا مزدوجا (أوليا وديناميا) يكشف عنه الانطلاق من الظاهر.

·                    تستعمل نظرية الحرمان اللغة استعمالا لا يشي بتبنيها لثنائية الأصل/الفرع. وتسير نظرية الذكاء الصناعي في الاتجاه نفسه، فتوظف مفهوم الإطار (cadre) وما يتصل به من مفاهيم. أما نظرية التواصل والعمل، فتقوم على مبدإ أساس هو التسلسل والترابط.

إن مسألة الثابت مهمة في هذه النظريات كلها، مع وجود تفاوت في درجتها من نظرية إلى أخرى. ومهما كان الأمر فهذه النظريات دائما" تنطلق منه (أي الثابت) معتبرة إياه مفروضا على الفكر، مثل الحياة والتغذية والجنس بالنسبة للإنسان....ثم تتبع تجلياته بواسطة المورفولوجيا، والتجليات تنطلق من ثابت يبنى عليه الشكل والمضمون بحسب مبدأ المشابهة، ولكن الثابت والمتغير كليهما تحكمهما علة مادية أولى هي: الدينامية.

2.2.3  مسألة الهدف:

أشار الكاتب سابقا إلى أن تلك النظريات تختلف في المنهاجية وطرق الإجراء وتوظيف العلم. وفيما يلي بيان ذلك:

·                    إن نظرية غريماص نظرية مفاهيمية علاقية وصفية، تنطلق مفاهيم أولية غير محددة بدقة تعدها كليات فرضية (الاتصال / الانقطاع-التمايز- الكلية / الجزئية...). ومن هذه المفاهيم المركزية تُستخلص مفاهيم أخرى ترتكز عليها، وتتخذ موقعا وسطا بين المفاهيم الأولية والمعطيات التجريبية. ولكنها تسلم " بالاستقلال الوجودي للشكل السيموطيقي.

·                     إن هذه النظرية – بصفاتها المذكورة- لم تقنع أصحاب النظرية الكارثية، فحاولوا حل بعض مشكلاتها العالقة؛ وذلك بإعادة بناء رياضياتي لواقع ظاهراتي متجلٍّ في السيميائيات اللسانية، متخذين من التَّهَنْدُس (Géométrisation) أساسا لتوليد المفاهيم، وجاعلين من الموقع (Site) منطلقا لإقامة العلاقات بين المفاهيم التي يتم توليدها.

·                    إن نظرية الكوارث تستهدف كسر الحواجز المصطنعة بين الإنسانيات والعلوم البحتة. وقد توسع بالمر في هذا الأمر، وبلوره إلى حد بعيد، واستطاع أن يخرج بنظرية "تؤلف بين البيولوجيا التطورية والتنظير الرياضي، وتهدف إلى خدمة السياسة والاقتصاد.

·                    إن هذا الاتجاه البيولوجي الرياضياتي المرتبط بالاقتصاد والسياسة هو ما نلفيه يتحكم في نظرية الذكاء الاصطناعي النابعة من فلسفة تجريبية رياضياتية تبجل الآلة وتحلها المحل الأول للسيطرة على الطبيعة والإنسان معا. ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن هذه النظرية ما هي إلا استغلال أقصى لنتائج الأبحاث البيولوجية والرياضياتية والإعلامية والمعلوماتية.

وبعد أن رصد مفتاح- من خلال ما سبق – الثوابت التي ترتكز عليها النظريات المتقدمة (بيولوجية النص - استغلال الرياضيات، وخاصة شق الهندسة منها، لتوليد المفهومات وصياغة النظريات – النزعة الفلسفية التوليفية أو التجريبية المحض)، انتقل إلى مستوى التركيب. حيث استنتج -انطلاقا مما سلف- ثوابت بعينها هيمنت على تفكير أصحابها في النظر إلى اللغة وإلى تحليل الخطاب؛ ويتعلق الأمر بالمقصدية، والفضاء / الزمان، والإبداع / إعادة الإنتاج، والهيمنة / الجدال، والمشابهة / التفرد، والظهور / الكينونة. وبعد هذا، ولج الكاتب إلى المستوى الإجرائي. وفيه توقف عند مفاهيم هامة توظف في مقاربة النص؛ ويتعلق الأمر بالمقصدية، والتفاعل، والمعرفة الخلفية المشتركة، والفضاء/الزمان.

4.                الجهاز المفهومي للكتاب:

تناول الكاتب مجموعة من المفاهيم الإجرائية التي اعتمدها في تحليل النصوص المختارة، لذا لابد من التعريج على أهمها بغية تبين المنهج الذي اعتمده الكاتب في كتابه.

1.1          الدينامية (la dynamique ):

يقصد "بالدينامية" التحول والانتقال من حال إلى أخرى في خطية أو دورية أو انكسار. ويرتبط معناها أيضا بالانتشار والحرارة. فهي –إذاً- صيرورة وسيرورة. وهي عكس الجمود، وهي أُسُّ الحياة، فبفضلها يتحقق التواصل والتفاعل بين الكائنات الحية على المستويين المادي والفكري.

يشمل مفهوم "الدينامية" عند الكاتب مفاهيم أخرى ذات دلالات قريبة من دلالة الدينامية، مثل: النمو والحوار والحركة. يقول: "يرى المتصفح لهذا الكتاب أننا استعملنا مفاهيم مثل "النمو" و"الحوار" و"التناسل" و"الصراع" و"الحركة" و"السيرورة" و"الانسجام". وهذه المفاهيم ترجع كلها إلى مقولة جامعة هي " الدينامية".[21]

استعار الكاتب مفهوم" الدينامية" من البيولوجيا التطورية بالدرجة الأولى، واستخدمه في معالجة النصوص. بل إنه جعل الغاية من تأليف كتابه الكشف عن عنصري الانسجام والدينامية في النصوص المعالَجة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المفهوم حاضر في عدة علوم أخرى كالفيزياء والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا ونحوها، ولكن الكاتب جاء به من البيولوجيا التي صارت الآن"مرجعا لكل العلوم الراهنة الطبيعية ولجميع الفلسفات الحديثة"([22].

عندما عرض الكاتب الأسس العلمية ركز على مؤشر مشترك يجمع بين هذه النظريات جميعها، وهو دينامية النص، فالنظرية الكريماصية لمحت إليه وطبقته بكيفية ضمنية، إذ تنبني المقصدية على حركة بين أطراف وهي أساس كل عمل وفعل وتفاعل يجري في فضاء وزمان معينين ويتحقق فيهما عبر العلامات اللغويةـ، أما المربع السيميائي هو ميدان تحقق تلك النوايا وترجمتها إلى عمل وفعل وتفاعل من خلال الاختلاف والائتلاف اللذان يتمظهران في علاقات التضاد وشبه التضاد والتضمن، وتولد هذه العلاقات نفسها البنية العاملية نفسها، إلا أن العلاقة المهيمنة هي العلاقة التضمينية فالمرسل يتضمن المرسل إليه، والذات الباحثة تقتضي موضوعا مبحوثا عنه، وتُعين للحصول عليه مساعدات وتمنع منه معوقات، وهذا مكمن الدينامية والتفاعل. كما بنت النظرية الكارثية أسسها على البنيوية الدينامية، وهمها هو البحث عن الاستقرار والتحول في آن واحد، فمركز الجذب  يجب أن يحافظ عليه بالإبقاء على استقراره البنيوي ليحصل الانسجام ويدرك الموضوع، والأحداث (النفي الكيفي) والكوارث (النفي الحرماني) هي جوهر دينامية النص، فبها ينمو ويتناسل، وتتحق الدينامية ضمن مسبقة الفضاء-الزمان وتصاغ مفاهيمها من خلال هندسة الفضاء. وجعلت نظرية الشكل الهندسي الدينامية مركزا لها وأقر بوجود ثلاث مراحل أساسية لضبط الدينامية وقوانينها: خلق المفاهيم، وتنظيمها، وصياغتها في قوانين تبين كيفية حصول التطور، وفي هذا ربط بين الدماغ وبين اللغة، وهو نفس الاتجاه الذي نجده لدى نظرية الحرمان التي تؤكد العلاقة بين البيولوجيا والسيميوطيقا واضحة من خلال رصد تطور الدماغ في علاقته بالمحيط...

2.4          الانسجام (la cohérence ):

يرتبط الانسجام بالتشابه والنظام والتوازن والتكرار والتعالُق. وهو صفة لازمة للنص، بحيث لا يخلو نص- كيفما كان- من عنصر الانسجام. يقول الكاتب: "إن النص بمعناه الاصطلاحي يقتضي وجود انسجام بين أجزائه"[23]. ويقول في موضع آخر: "كل نص منسجم مهما تراءت فوضويته وعبثيته وعدم التحام أجزائه"[24]. ولا يقتصر تحقق الانسجام على مستوى دون آخر، بل إنه يظهر على مستويات عديدة. إذ "يتحقق على المستوى اللغوي والعاملي والزمني والهدفي"[25].

لقد اهتمت الدراسات اللسانية الوضعية اهتماما كبيرا بانسجام النص، واقترحت بعض الآليات التي تعين القارئ على فهم الخطاب، وأهمها: التساؤل عمن فعل؟ وماذا فعل؟ وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ - الارتباط المعجمي (التراكمي والتقابلي)- الارتباط التركيبي- نظرية الإطار- المدونات(Scripts )... إلخ. ولكن هذه الآليات قد لا تسعف الدارس في الربط بين معاني النصوص؛ الأمر الذي يستلزم الاجتهاد وإعمال آلية الاستنباط لملء فجوات النص، بالتقيد بضوابط تقنن عملية القراءة والتأويل، أهمها: مراعاة المجاورة الزمكانية.[26]

ومثل البحث عن انسجام النص شغلا شاغلا للكاتب في جميع تحليلات " دينامية النص". يقول الكاتب: "ولكن هاجسين اثنين كانا - فيها يخيل إلينا - يشغلاننا في كل تحليل،هما: دينامية النص وانسجامه، سنعمقهما في دراسة قادمة خاصة بالاستعارة"[27].

 3.4  المقصدية (L'intentionnalité):

يعرف الكاتب المقصدية قائلا:" نعني بها ما يمكن ويحكم من معتقدات ومقاصد وأهداف... فعل الكلام الصادر من متكلم إلى مخاطب في مقتضيات أحوال خاصة"[28]. ويفسرها في موضع آخر من الكتاب بقوله:" أي ذات موضوع؛ بمعنى أن هناك توقا ونزوعا من الذات نحو الحصول على موضوع ذي قيمة، فهي –بهذا المفهوم- أساس كل عمل وفعل وتفاعل، وهي شرط ضروري لوجود أية عملية سيميوطيقية"[29].

فالمقصدية توجد وراء أي نص، وتحكم كل خطاب. لذا، "لم تخل كتابة (...) من الإشارة إلى القصد [والمقصد]، والقصدية والمقصدية، ومما يفيد هذا المعنى"[30]. بل إن الباحثين مجمعون على أن الميزة الفارقة بين لغة الإنسان ولغة غيره هي " المقصدية".

وترتبط المقصدية بمختلف أطراف العلاقة التواصلية. فعلاوة على كونها عنصرا أساسيا في توجيه المتكلم، فإنها تحكم أيضا تصرف المخاطَب/ المتلقي وكلامه. كما أنها لا تتحدد إلا بالسياق الاجتماعي والظروف المختلفة الحافة بها.

4.4 المربع السيميائي (Le carré sémiotique)

يعرف غريماص (A.J. Greimas) وكورتيس (J. Courtés) في معجمهما المشترك المعروف المربع السيميائي بأنه "التمثيل المرئي للمتفصل المنطقي لأي مقولة دلالية"[31].

وهو يستعمل لتمثيل نسق العلاقات القائمة بين الوحدات الدلالية لتوليد الدلالات. وتتجلى هذه العلاقات في التضادية (التضاد وشبه التضاد)، والتناقض، والتضمن. وهذه العلاقات تحكمها قيم موقعية (Valeurs positionnelles) وتعارضات كيفية (تعتري التضادية) وحرمانية (تعتري التناقض).

وعلاوة على كونه نموذجا منطقيا يوضح العلاقات بين الوحدات، فإن المربع السيميائي يعد "نموذجا تركيبيا يضبط تنظيم العمليات". وتتمثل هذه العمليات بعمليتي النفي (تناسب علاقة التناقض) والانتقاء (تناسب علاقة التضمن).

5.4  العوامل (Les actants):

العوامل جمع عامل. ويراد به- في الاصطلاح النقدي السيميائي- كل قائم بالفعل أو خاضع له سواء أكان من الكائنات أم من الأشياء أم من المفاهيم، وسواء أكان فرديا أم ثنائيا أم جماعيا. ويعد العامل" نموذج وحدة تركيبية ذات طابع شكلي خالص سابقة على كل استثمار دلالي و/ أو أيديولوجي".

تتألف البنية العاملية من ستة عناصر، هي: العامل المرسِل، والعامل المرسَل إليه  والعامل الذات، والعامل الموضوع ، والعامل المساعد، والعامل المعاكس. وتكشف هذه البنية – ككل - أن ثمة دينامية وتفاعلا داخل النص الذي تدرس فيه.

ولا يخلو الخطاب - وأي خطاب - من العوامل. يقول الكاتب: "إن كل خطاب مهما كان جنسه تتحكم فيه بنية عاملية هي بمثابة مسرح تحرك، وتتحرك عليه، البنيات الأنثروبولوجية الإنسانية."[32]

يكتسي العامل (l'actant) أهمية كبيرة في الوقت الحاضر. إذ غدا من أكثر المصطلحات دورانا في المشهد النقدي، وصار كثير الاستخدام في معالجة النصوص؛ وخاصة لدى محللي الخطاب السردي الذين استعاضوا عن مفهوم "الشخصية" (Personnage) التقليدي باستعمال مفهوم العامل لشموليته.

6.4  المورفولوجيا (La morphologie):

ركز الكاتب على المورفولوجيا العلاقية الأولية التي تتحمل أدوارا دلالية كلية في إطار تحويل نموذج بنيات، وما يحكم البنية العاملية ويسيرها هو العملية الدينامية المحايثة للتعبير اللساني، وأهم خصائص الدينامية ومرتكزاتها: الطوبولوجيا وما تعنيه من موقع قار بنيويا ومنظم ذاتيا للالتحام بين القيم الموقعية، ومواقع العناصر والعلائق فيما بينها وتمايزها وتفردها هي ما تعطي للعنصر هويته. وترتبط المورفولوجيا بالمربع السيميائي وعلاقاته المعروفة وهي التي تتحكم في النص.

ويبدو أن الكاتب قد تبنى المورفولوجيا بالمعنى الشكلي: ويقصد بها دراسة الأشكال أو البنى هذا المعنى، واستثمره في بعض تحليلاته المبثوثة بين دفتي كتابه.

وتعد المورفولوجيا أو الخطاطة الركيزة الأساسية التي قامت عليها نظرية الكوارث. وهي ليست ستاتيكية، بل إنها "تتبدل وتتشكل تبعا لتبدل وتشكل البنية السطحية والبنية العميقة في كل نص أيا كانت مضامينه ومجالاته وأطره"[33]

7.4  الحوار (Le dialogue):

"الحوارية" مفهوم جوهري في الكتاب. وهو نوعان: خارجي وداخلي.

الحوار الخارجي: ويعبر عنه بمصطلحات عدة (الاقتباس-السرقة الأدبية- التداخل النصي-النص الغائب...)، ولكن أظهرها وأشهرها مصطلح "التناصّ". ويقصد بالحوار الخارجي العلاقة القائمة بين نص مركزي ونصوص فرعية أخرى. وتتخذ مظهرين متقابلين؛ فهي إما علاقة تعضيدية (المحاكاة الجدية)، وإما علاقة تنافرية (المحاكاة الساخرة).

ويشمل هذا الحوار جميع مستويات النص. بحيث لا يقتصر على مستوى المعجم فقط، بل يظهر –إلى جانب المعجم- على المستويات التركيبية والدلالية والتدَاولية.

الحوار الداخلي: وهو " ما يتجلى في توالد النص وتناسله"[34]. وقد اهتم به الكاتب بشكل يفوق اهتمامه بالنوع السابق، حيث يقول:" وأهم شيء بالنسبة إلي هو التناص الداخلي؛ كيف يتجادل النص، كيف ينمو، كيف يخصص بعضه بعضا".

ويتحقق الحوار الداخلي بمجموعة من الميكانيزمات، أهمها: الكلمة –المحور التي تمثل الأساس الذي ينبني عليه النص، والجملة- المنطلق التي تتوالد عنها عدة تراكمات وتداعيات، والكلمة –الرابط، والحوار المباشر وغير المباشر، والحوار الأفقي، والحوار العميق....

ولكل من الحوارين متغيراته ومشتقاته، كما يمكنهما أن يتفرعا إلى ثابتين، هما: حوار التعضيد وحوار التنافر.

إن المفاهيم المذكورة آنفا هي بعض المفاهيم الأساسية التي حواها الكتاب، لكن ثمة مفاهيم أخرى مضمنة فيه لم يتسع المقام لذكرها وهي: التفاعل، والتملك، والتشاكل، والتوليد/التحويل، والفضاء/الزمان... إلخ.

5.                منهج الكاتب في فصول الكتاب:

زاوج الكاتب في كل فصل من الفصول الستة  بين تقديم نظري وشق تطبيقي، ولعل هذه المزاوجة تثبت الرؤية المنهجية التي يتمتع بها الكاتب، فبعد بسطه للفرش النظري في المدخل، يعود في بداية كل فصل ليقوم بتذكيرنا بهذه المفاهيم، ويعدلها أو ينتقي منها ما يناسب النص قيد التحليل، محترما بذلك خصوصيات النصوص واختلافها وما يفرض ذلك على المنهج من مرونة، إذ "لا بد من مراعاة  الخصوصية تلافيا للاختزال"[35]، لكن يجب تحديد الثوابت التي تجعل نصا ما ينتمي إلى جنس أدبي معين، لذلك نجد الكاتب في المدخل حين تعرضه للأسس العلمية وتقديمه للجهاز المفهومي يقدم ما هو ثابت، "ففي كل نص بنية سطحية، لأن النص جملة ارتباطات، وهناك مفاهيم تدرس هذه البنية. ثم هناك بعد ذلك مرحلة وسيطة في النص وهي بين السطح والعمق؛ هي ما يدعوه كريماس مثلا بالعوامل وقد جعلها أحيانا سطحية، ولكنها في حقيقة الأمر ثوابت، وإلا ما كنا نجدها في جميع النصوص. ثم نمر بعدها إلى المورفولوجية: المربع السيميائي في علاقاته المعروفة. ثم نمر إلى ما هو أعمق، وهو المقصدية، أي الإيديولوجيا والخلفيات. وجميع النصوص تشترك في المراحل الثلاث أي في كل ما بعد السطح."[36]

لهذا بحث الكاتب عن مكمن الدينامية والانسجام في النصوص التي اختارها للدراسة في فصول الكتاب، مراعيا في ذلك خصوصية كل نص التي تميزه، وسنلحظ ذلك خلال تقديم منهج الكاتب في كل فصل على حدة.

1.2          الفصل الأول: نمو النص الشعري

ركز الكاتب على جانب الدينامية في معالجة النص الشعري ويؤشر هذا على إيمانه بأن "النص يدرك في صيرورته، وليس باعتباره وجودا ثابتا"[37].

بسط الكاتب في بداية هذا الفصل كلاما نظريا يضم مبادئ كلية مجردة تحكم أي نص مهما كانت طبيعته، ومفاهيم نوعية تخص النص الشعري دون سواه، ومفاهيم محلية لدراسة قضايا جزئية منه.

 حصر د.مفتاح المبادئ الكلية (عناصر فيزيولوجية ونفسية واجتماعية)، في مقصدية المرسل، وتفاعله مع المتلقي الذي يجعل المرسل يكيف خطابه مستحضرا متلقيه ليحصل التفاعل المنشود ويستميل المتلقي، وتملك المهارات والقدرات والمعارف، والتوليد-التحويل بإحداث معنى جديد معضد أو مناقض فالنص الأدبي هو توليد-تحويل لقالب لغوي في زمان وفضاء ينبغي افتراضهما إن لم يوجدا بالفعل وذلك باتباع قراءة خطية سببية وطبقية تضمن انسجام الخطاب، والانسجام الذي يجب التقيد في البحث عنه بقواعد للقراءة والتأويل. وقد توقف الكاتب عند كل عنصر على حدة تحديدا وتفسيرا ونقدا.

 تناول الكاتب المفاهيم النوعية من خلال رصد التمايز الحاصل بين بين الخطاب العلمي - المتسم بخلو معجمه من الإيحاء، وبمنطقية تراكيبه وترابطاته، وبدقة دلالته وأحاديتها - وبين الخطاب الشعري الذي من أجل تحديد مميزاته، اقترح مفاهيم إجرائية: الشعر الراقي والشعر العادي تبعا لكثرة خصائص الشعر أو قلتها فيه. فالشعر الراقي هو الذي تكثر فيه هذه الخصائص، ومميزاته أربعة، هي: أيقونية الصوت أو الحرف (الرمزية الصوتية والإيقاع)، وقصدية الكلمة (أي الارتباط الطبيعي بين الدال والمدلول)، وأيقون وحدة العالم (وركنه الأساس الاستعارة)، وأيقونية الفضاء التي يقصد بها استثمار فضاء صفحة ما ببياضها وسوادها (شكل الخط-طول البحر وقصره-التركيب وترتيب المقولات النحوية-طول المعطى أو قصره). وإذا تضاءلت هذه الأيقونات الأربع، نكون بإزاء شعر عادي.

 بعد عرضه لهذا الشق المفاهيمي،  عمد الكاتب إلى توظيفها في تحليل قصيدة "القدس" لأحمد المجاطي. بدأ د.مفتاح محاولته التحليلية بدراسة عنوان القصيدة متوسلا بمفاهيم محلية سياقية، إذ سلك في ذلك مسلكين اثنين، أحدهما يتجه من القمة إلى القاعدة (القِمْعَدة)، والثاني من القاعدة إلى القمة .

وأكد الكاتب على أهمية مبدأ التأويل المحلي الذي يعير الانتباه إلى السياق المحيط باللفظ أو بالجملة، ووحدته، والمحاذاة الزمانية والمكانية، والعلاقات المعجمية، وتفضيل المعنى الأقرب على الأبعد، ومقصدية الشاعر. وبعد ذلك انتقل إلى المستوى الموضوعاتي، فدرس فيه معجم القصيدة باعتباره "مادة خاما لا يكتسب ماهيته إلا بالصورة التي يتشكل فيها، وتتحكم في تشكله إواليتان أساسيتان، هما: الترابط والتداعي الحر"[38] . وقام بتصنيف هذا المعجم إلى محاور مركزا على دور التداعي الذي لا يتوقعها القارئ مما يجعله متلهفا إلى المزيد من المعلومات، وبعد الفراغ من المعجم باعتباره أوضح مستوى يمكن الانطلاق منه لدراسة مستوى أخفى، ولج المحلل مستوى رمزية الصوت، فعالج فيه ثلاث قضايا رئيسة، هي: الرمزية الصوتية، والإيقاع، والنبر والتبئير. وأكد الكاتب على أن "الإيقاع جاء متماكنا مع دال المعم فتعززت دلالة اللفظة المعجمية والسياقية بدلالة ذرية صوتية ودلالة موازية مما حقق انسجاما على هذين المستويين"[39]. ثم شرع في دراسة مستوى انسجام الوجود (مبحث الاستعارة) في القصيدة باتباع منهج الهجوم على النص من الجانب الضعيف إلى القوي، ومن البسيط إلى المركب، ومن الأوضح إلى الأقل وضوحا، ومؤكدا على كون الاستعارة تميل إلى أن تجعل المجرد محسوسا وتقوم بتطويع الواقع وبضمان انسجام العالم وتخلق واقعا جديدا، هذا الخلق الذي يرمي الإقناع. وتؤدي الوظيفتان السابقتان وظيفة الانسجام مع المحيط وتحقيق التفاعل معه، وفي هذا المستوى من التحليل يقوم الكاتب باستحضار المتلقي من خلال التطرق إلى عوامل الخطاب التي تكون فيها علاقة بين المتكلم والمخاطب خصصها في مكونين، مكون الزمان : زمان كلامي نحوي يفقد جهته ليصبح خاضعا للسياق مما يجعله زمانا اجتماعيا مكثفا، هذا الزمان لا بد له من إطار ينجز فيه هو المكان: مكان لغوي تدل عليه موجهات وترهينات ك(أنا وهنا والآن) ليصبح هذا المكان بدوره مكانا اجتماعيا يرصد مجموعة من الأحداث والشخوص تدخل في علاقات فيما بينها، مما يجعل "التفاعل النصي، سواء أكان على مستوى العوامل أم الأزمنة أم المكان وتعابيره، يظهر أن (حياة النص) وصيغته تحكم فيها مبدأ الصراع القائم على شبه التضاد أو التضاد أو التداخل الممثل على جميع مستويات اللغة"[40]. وخص الكاتب النقطة الموالية ببحث الانسجام في النص بوصفه مبدأ كليا يحضر في كل نص، مؤكدا على أن الصراع ليس المبدأ الوحيد الذي يحكم حياة النص، بل مبدأ التراكم والتشاكل  اللذان يشتغلان في كل مستويات النص الصوتية والمعجمية والتركيبية والدلالية والتداولية، وبهذا يصبح الصراع والتشاكل وجهان لعملة واحدة كامنة في جوهر النص لا في سطحه.  ويتحقق هذا الانسجام في نظر الكاتب في قصيدة "القدس" بالروابط اللفظية والروابط المعنوية والتكرير والتدوير، ولا يكتفي بمظاهر الانسجام السطحية والبنيوية في النص، بل يبحث عن تأويل للنص من خلال تحريك مفهوم الحوار الخارجي (الإطار) الذي يدعو فيه الشاعر من خلفياته المعرفية ما يحتاج إليه لصياغة قصيدته، وتحريك مفهوم الحوار الداخلي (تناسل النص)الذي ينبني على مبدأ التشاكل وتطرق الكاتب فيه إلى العنوان الذي يحدد هوية النص، وبحث فيه عن بؤرة القصيدة (الجملة الهدف)، وأول فيه الفضاء بنوعيه المكتوب (تأويل أيقوني) والأبيض.

ونلاحظ في هذا الفصل اعتراف الكاتب بتجاوزه للانغلاق البنيوي ليربط النص بخلفياته المتعددة، مستحضرا ذات الشاعر وتجاربه ومعارفه، ومستحضرا أيضا المتلقي والتفاعل الحاصل بينه وبين المرسل، وإن كان تفاعلا مفترضا، لهذا عالج د. محمد مفتاح مستويات مختلفة في النص من خلال لجوئه إلى مناهج مختلفة، لم يصرح بها، بل ظهرت من خلال المفاهيم الإجرائية التي وظفها في سياق تحليله للقصيدة وفي معرض بحثه عن ديناميتها:

·                    المنهج السيميائي (المربع السيميائي)

·                    المنهج الأسلوبي ( إحصاء الأصوات)

·                    نظرية التلقي (القارئ الحقيقي والضمني، الانتظار، التفاعل، التأويل)

·                    المنهج التداولي (السياق والخلفيات المعرفية للشاعر)

·                    المنهج البنيوي (انسجام النص الداخلي)

2.5          الفصل الثاني: الحوارية في النص الشعري

ينطلق الكاتب في هذا الفصل من إشكال حوارية النصوص في علاقتها بإنتاجها وإعادة إنتاجها، وذلك باستحضار بنيتها وقصدية المنتج ودور المخاطب، ليبحث في قضية ما سمي بــــــ"الاجترار"، وركز على "الحوار الخارجي" و"الحوار الداخلي" اللذان مثلا مبحثا جزئيا في الفصل السابق، ويتغيى بذلك الكشف عن النظام الذي يحكم حوار النصوص، والبحث عن الآليات التي يتناسل بها النص ويتوالد حتى يصير كيانا قائم الذات. 

·                    الحوار الخارجي هو حوار النص مع نصوص أخرى سابقة أو معاصرة له لغاية ما. عالجها الكاتب اعتمادا على أربعة مفاهيم إجرائية من خلال منظور شبكة من العلاقات، وهي:

1-              المقصدية: أي ما يحرك منتج النص، وهي ثنائية القطب لكون المنتج والمتلقي يشاركان في صنع القرار اللغوي، سواء اتفقا من حيث الموضوع أم لم يتفقا، وسواء تشاطرا الزمان والمكان أم لا.

2-              المماثلة والمشابهة: ركز الكاتب على وضع اللامواجهة بين النصوص، وذلك إذا وجدت خصائص ذاتية مشتركة بين نصين أي مماثلة، أو إذا وجدت خاصية ذاتية مشتركة بينهما فنصبح عنذئد أمام المشابهة. وبناء على هذين الخاصيتين يمكن الحكم على العلاقة بين النصوص في ضوء التحليل بالمقومات الذي يراعي مقصدية المتكلم وتأثير المتلقي فيه.

3-              نوع العلاقة: هو الغاية أو الهدف من حوار منتج للخطاب مع منتج آخر ، وهي إما علاقة تعضيدية  تتنوع بين التبجيل والاحترام والوقار، وإما تنافرية تتنوع بين الاستهزاء والسخرية الدعابة.

     وانتقل الكاتب  من الشق النظري إلى الشق التطبيقي الذي درس فيه النصين المتحاورين (نص أبي نواس، ونص ابن الخطيب) معتمدا على المفاهيم التي قدمها. وقبل أن يباشر تحليله، أثبت مسلَّمة مؤداها أن الحوار مع النص المركزي عملية تحويل يحكمها مبدأ المماثلة والمشابهة في الشكل والمضمون أو في أحدهما، وكل نص مركزي يحتوي بالضرورة على نصوص فرعية تختلف نسب وجودها.

ركز الكاتب في بناء المماثلة والمشابهة على ظاهرتين. أولاهما "الإحالة"، وهي نوع من العلاقة الحوارية يتحقق عن طريق إحالة الشاعر إلى أمور خارج – نصية (قصة، حادثة، أعلام...). ولتحليلها، توسل الكاتب بالمفاهيم الآتية: المؤشر والتلميح والتلويح والوظيفة. وتتمثل ثاني الظاهرتين في "التورية" التي تعتمد على التلاعب بالكلمات. والظاهرتان معا يحكمهما ميكانزيم واحد تقريبا.

·                    الحوار الداخلي: ويتجلى في آليات توالد النص وتناسله ونموه داخليا. وينطلق الكاتب من تحديد للنص الشعري: "عبرة عن نواة لغوية فكرية قلبت في صور مختلفة محكومة بعلاقات ضرورية ومتداعية"[41]. اعتمد الكاتب في دراسة الحوار الداخلي على أربعة عناصر:

1-              الكلمة-المحور: هي ما يبنى عليه النص سواء أكانت مذكورة أم مضمرة.

2-              الجملة-المنطلق: جعل الكاتب مطلع القصيدة الجملة-المنطلق، وهي ما تتولد عنها الموضوعات الأساسية في القصيدة.

3-              الحوار: يقر الكاتب بكون الموضوعة الأساسية التي ينطلق منها النص تنمى بواسطته سواء أكان حوارا صريحا أم ضمنيا مما يؤدي بالضرورة إلى علاقة بين الجمل أو القضايان وبحث في مبادئ الحوار : التعاون (مبادئ كرايس) والصراع (نظرية العمل).

4-              انسجام النص:  بحث الكاتب في أدوات انسجام النص وركز على قضية "الفصل والوصل".

من الواضح جدا أن الناقد اعتمد في هذا الفصل –بشكل كبير- على نظرية الحوارية. وهذا لم يمنعه من الاستعانة بمناهج أخرى كالسيميائيات (وخاصة نظرية العوامل الغريماصية). ويتضح هذا من قول مفتاح: "إن شكل النص القصصي اللاواقعي الذي نمارس عليه التحليل يفسح المجال واسعا لمناهجية كريماص." ونجد تطبيق هذه النظرية بارزا في دراسته الحوار العميق في قصيدة ابن الخطيب الثانية. كما استفاد من نظرية العمل والتداولية واللسانيات... ووظف بعض المفاهيم العلمية كالتشاكل الذي اقتبسه النقاد السيميائيون من مجال الفيزياء، وكالحوار والتناسل والانسجام المستوحاة من البيولوجيا... إلخ.

3.5 الفصل الثالث (تناسل الخطاب الشعري):

يتعامل الكاتب في هذا الفصل مع قصيدة الشاعر محمد الخمار الكنوني "قصائد إلى ذاكرة رماد" على ضوء مفهوم الحوارية. وقد جعله – كما فعل سابقا- قسمين، هما:

الحوار الخارجي (التناص): ورصد فيه النصوص الخارجية (نص مركزي ونصوص فرعية) التي حاورتها قصيدة الگنوني، ووظفتها قصد تعضيد أطروحتها ومنحها امتدادا تاريخيا، ووظف الكاتب نفس المفاهيم التي اعتمدها في الفصل السابق (الإحالة، المقصدية، المشابهة والمماثلة)، وأكد على كون النصوص الخارجية "تقوم بوظائف متعددة داخل النص، أهمها: اتخاذها حجة للإقناع، ويأتي في مقدمتها القرآن والتصوف والمأثورات الشعبية، والثقافية العامة. واتخاذها وسيلة لتحقيق المتعة بتقديم صور بلاغية"[42].

الحوار الداخلي: وتكلم فيه الباحث عن وسائل توالد القصيدة وتناسلها من خلال جملة من المفاهيم كالكلمة –المحور، والجملة- المنطلق، والكلمة – الرابط، والجملة – القنطرة، والجملة- الهدف، والحوار بشتى أشكاله (المباشر واللامباشر والأفقي والعميق)... وتستهدف هذه المفاهيم كلها "البرهنة على دينامية النص."[43]

تناول الكاتب الحوار الداخلي في النص من خلال رصده للعلاقات بين العناوين الواردة في النص، وعلاقة كل عنوان بمقطعه، كما يلي:

عنوان القصيدة: قصائد إلى ذاكرة الرماد

مقاطع

غربة الماء     العبور    تناوب النباح   شمس هرمة   سيدة الضوء

 
   
ومن خلال استثماره لمعجم القصيدة وتركيبها، وظف الكاتب العلاقات التي تجمع بين مقاطعها فهي إما علاقة تخصيص أو تعميم أو تمطيط. ولم يغفل تحليل الاستعارة على المستويين الأفقي والعمودي، وأظهر دورها في انسجام النص. وبين دور الترابط حين تدعو الكلمة الكلمة بكيفية تكاد تكون ضرورية، ودور التداعي وذلك حينما ينساق الوهم ليعقد الصلة بين أشياء أو كلمات لا رابط بينها ظاهريا، فحين يذكر الشاعر كلمة محورية فغنه يجد نفسه ملزما أو مخيرا بالإتيان بكلمات أخرى تنتمي إلى نفس الحقل، وبهذا فالمحور يشترط المنتج والمتلقي في آن واحد بما يبعثه من انتظار في كل منهما، وذلك بحسب مقصدية المتكلم وهيئة المخاطب ونوعية الخطاب.

يتناسل النص الشعري إذن بواسطة شبكة العلاقات المعجمية الحقيقية أو الوهمية كما يتناسل بالتركيب، ووظيفة كليهما هي تحقيق الدورية من خلال الحوار بين المفردات المعجمية وبين التراكيب مما يخلق علاقات تعضيدية وتصادمية.

لقد استفاد الكاتب في تحليل قصيدة الگنوني من السيميائيات، واللسانيات، ونظرية العمل التواصلي بعد أن كيفها وأدخل عليها بعض التحويرات. كما استعان ببعض مفاهيم العلوم كالتناسل.

4.5  الفصل الرابع (سيرورة النص الصوفي):

استهل الكاتب هذا الفصل بإشكالية تتمثل في ماهية الخصائص البنيوية والوظيفية التي تجعلنا ندعو كتابة ما بالكتابة الصوفية، أيرجع ذلك إلى الأغراض التي يتناولها المؤلف؟ أم يرجع إلى المعجم الصوفي وكيفية استعماله؟

يعتبر الكاتب الكتابة الصوفية نوعا أدبيا يهدف إلى "تكوين إنسان كامل بطرق خاصة في سياق معين"[44]،وعن أركانها الأربعة (الغرض – المعجم التقني – كيفية استعمال هذا المعجم- المقصدية)، وأنواعها. وقد اقتصر د. محمد مفتاح على دراسة نوعين من الخطاب الصوفي، كالآتي:

كتب الطبقات الصوفية :وتمتاز بجملة من "القوانين المحتملة"، أظهرها: الاستشهاد بالشعر – سرد الأمثال والأخبار والحكايات – الاستدلال بالحديث – تنوع الاستدلال من مؤلف إلى آخر. ويعد تاريخ البطل وأفعاله/كراماته لباب هذه الكتب[45]. ولما كانت كرامات الصوفية متعددة وموزعة بين الدنيا والآخرة، فقد ارتأى مفتاح أن يتحدث عن تلك المتعلقة بالحياة الدنيا فقط، فصنفها إلى ستة مواضيع كما يلي: الخوف (من الطبيعة أو من البشر) ومقاومته – التعصب (للبلد) – التعليمية - الاقتصادية والاجتماعية – التحكم في الكائنات (الحيوانات خاصة) – السفريات باعتبارها أحد أبرز أركان التصوف الشعبي. وبعد ذلك، انتقل الباحث إلى بحث الوسائل التي تتجسد بها هذه الموضوعات لغويا، حاصرا إياها في السند، والرؤية والرؤيا، وحالة عدم السواء.

وحلل مفتاح في هذا الصدد بعض الخوارق والعجائب والحكايات المقبوسة من تشوق ابن الزيات على ضوء المنهاج السيميائي ومفاهيمه الرئيسة كما يصرح بذلك الكاتب نفسه[46]  (المربع السيميائي – العوامل الستة – التحولات- البرنامج السردي).

الشعر التعليمي الصوفي: وحاول مفتاح في هذا المقام استثمار السيميائيات في دراسة إحدى قصائد الشعر الصوفي ذات المنحى التعليمي؛ ويتعلق الأمر برائية طويلة للشريسي. وقد استهل المحلل تحليله بتفكيك المنظومة إلى وحداتها الرئيسة، ثم حاول إبراز الوسائل التي سلكها الشاعر لتبليغ مقصديته إلى المتلقي وإقناعه بما يريد قوله له، وتوقف عند دراسة مواضع التناص والأشكال البلاغية ونحوها في القصيدة نفسها.

وعلاوة على السيميائيات، اعتمد مفتاح في مقاربة هذه الرائية على مسلمات مناهج ثلاثة، وهي: المنهج الإحصائي الذي أعانه على تبيين فقر الجانب الوظيفي لدى الشريسي، ونظرية التداولية. وبالإضافة إلى ما سبق، نستطيع أن نلمس استفادة الكاتب من نظريات أخرى كالكارثية والتلقي، ومن مفاهيم علمية كثيرة كالسيرورة والتحول المنحدرين من البيولوجيا.

5.5  الفصل الخامس (الصراع في النص القصصي):

تشترك الفصول الأربعة الأولى في كونها تحتوي على نصوص شعرية قديمة وحديثة، سلك الكاتب في تحليلها منهاجية معينة عالج النصوص من خلال اعتماد مفاهيم إجرائية كالمربع السيميائي والعوامل والحوارية والانسجام الداخلي والتناسل، وكان الكاتب في كل فصل يركز على مفاهيم بعينها دون أخرى مراعيا في ذلك ما يفرضه النص قيد التحليل ومبتغيا تحديد دينامية النص وانسجامه، لذلك سيحاول في هذا الفصل تمحيص منهاجيته من خلال تحليل النص القصصي الممثل في نص أحمد بوزفور "الغابر الظاهر" لتبيين مدى ملاءمتها لمختلف الأجناس الأدبية، وسينصب اهتمامه على محورين: أفقي وعمودي.

     * أفقية النص: ابتدأ الكاتب بتحدي هوية النص من خلال طرح الإشكال التجنيسي، إذ تعامل مع "الغابر الظاهر" على أنه خرافة ذات بنيات أسطورية. ثم تطرق إلى الحوار الخارجي أي مختلف الأصوات التي نُسج منها النص واعتمد عليها، وهي:

·                    الموقف الأسطوري: وهو الأساس التي تبنى عليه الخرافة-الأسطورة وهو الإحساس بالتناقض وازدواجية المواقف ومحاولة حل التناقض. ويتمثل هذا الموقف في اعتماد آية قرآنية.

·                    تحديد المسار: حدد فيه الكاتب مسار بناء النص شكلا ومضمونا، منطلقا من العنوان الذي يشير إلى تناقض ظاهر تترجمه القصة، ويقر أن ما ضمن تماسك بناء النص هو امتزاج الثقافة الشعبية بالثقافة العالمة، وإذا كانت الآية قد عينت جوهر النص ومداره، فإن بدايته جاءت في لغة استعارية تحمل تناقضا واضحا على المستوى الحرفي: العرجا تقز الحيطان، والعوار تخيط الكتان، والطرشا تسمع الخبار فين ما كان.

مر الكاتب بعد ذلك إلى الحديث عن الحوار الداخلي، من خلال التطرق إلى عملية التحويل والتمطيط في النص، أي هيكلته والعلاقات التي تجمع عناصره: علاقة عموم بخصوص، تمطيط أو تكثيف، ثم وظيفة الكلمة-المحور والعلاقات التي تنسجها داخل النص من تقابل وتكامل وتناقض وتضاد وتراكم، من خلال آليتي الترابط والتداعي، ويعرج بعد ذلك إلى وظيفة التركيب في انسجام النص من خلال تحليل الأدوات التي تضمن اتصال بعضه ببعض (أدوات العطف، التراكيب المتناقضة، التراكيب المتوازية المتشابهة، الشرط، السببية). ليختم المحور الأول بالتطرق إلى عملية التحويل والتكثيف التي تتحقق بالحذف الإيجاز ونحوهما. وهما معا يسهمان في ضمان انسجام النص وديناميته.

عمودية النص: دأب كثير من محللي السرديات على تناول عنصرين رئيسين: المحور الأفقي والمحور العمودي، وجعلوا العمودي نوعين: عاملي ودلالي. ولكن البحاثة مفتاح أضاف إلى النوعين نوعا ثالثا؛ وهو التداولي. ومن هنا، عالج نص بوزفور انطلاقا من ثلاثة مكونات؛ أولها تركيبي عميق يعين على تبيان الآليات والمقولات التي تحكم نمو النص وديناميته (العوامل مثلا)، وثانيها دلالي عميق يسعف على رصد البنيات الرئيسة في النص (القرابة – الدين – الاقتصاد)، وثالثها تداولي يكشف عن البنيات الاجتماعية الموازية لبنيات التخريف.

وظف الكاتب في هذا الفصل سيميائيات غريماص، ولكن ليس بشكل حرفي سلبي، وإنما أدخل عليها بعض التعديلات لتساير أحدث الاجتهادات في ميداني تحليل الخطاب والأساطير.[47] واستفاد كذلك من كتابات بروب وليفي شتراوس وآخرين، واعتمد جملة من المفاهيم الإجرائية في التحليل كالانسجام والاتساق والحوارية والمقصدية والسياقية والصراع وغيرها.

علاوة على احتفاله بالبنية الداخلية للنص، اعتنى مفتاح بإبراز الشروط والظروف الاجتماعية والسياقية المحيطة بالنص. ومن هنا، دعا إلى الثورة على البنيوية التي تركز على داخل النص ولا شيء غيره، وتبني بنيوية متفتحة تأخذ في الاعتبار البنيتين الداخلية والخارجية للنص. وهذا ما فعله مفتاح في هذا الفصل. يقول: "لا مناص لباحث في مثل تلك النصوص أن يبرز المقولات التالية: الحياة–الممات؛ الطبيعي-الثقافي؛ الديني-الإنساني؛ الكسمولوجي-الاجتماعي... بل لا مفر من أن يبين "الحد المركب"، ولكن الوقوف عند هذا القدر سيجعل كل تحليل متأخر تحصيل حاصل. وعليه، فإن وسيلة الخروج من هذا الدور هي الثورة على البنيوية المحافظة لصالح بنيوية متفتحة تعير الاهتمام إلى مقاصد المؤلف وهيئة المخاطب ومقتضيات الأحوال. وهذا ما فعلناه وإن لم يكن إلا خطاطة".[48]

6.5 الفصل السادس (الانسجام في النص القرآني)

ركز الباحث في هذا الفصل الأخير على إحدى القضايا الشائكة في مجال علوم القرآن؛ ويتعلق الأمر "بناسخ القرآن ومنسوخه"، وحاول دراستها ومناقشتها بنظريته النصية التي كرس مشروعه النقدي كله لتثبيتها وتبيين نجاعتها وفعاليتها في تحليل الخطاب الأدبي كيفما كان. والواقع أن مثل هذا الأمر صعب وشاق، ولا يخلو من مصاعب ومخاطر. وقد أقر الكاتب بصعوبة اختبار تلك النظرية في تحليل الخطاب القرآني، لذا، فقد اعتبر محاولته التحليلية هذه "ضربا من المغامرة الفكرية المحفوفة بكثير من المخاطر".[49]

استهل مفتاح هذا الفصل بالحديث عن مسألة النسخ القرآني واستعراض آراء العلماء فيها.. وبعد ذلك، صرح بمنهجه في مناقشة هذه المسألة/ الإشكالية؛ حيث ذكر أنه "لا يريد أن يتقمص دور الداعية، ولا وظيفة الواعظ. وإنما سينظر إلى المشكل في موضوعية مسترشدا بما تراكم له من خبرات في ميدان "تحليل الخطاب"".[50] وقد توصل الكاتب إلى نتيجة مفادها عدم وجود النسخ الإبطالي في القرآن الكريم.

وبعد هذا، عرض الباحث المبادئ التي سينطلق منها في تحليله للنص القرآني، حاصرا إياها في اثنين. أولهما اعتبار آراء السلف الصالح (خصوصا من صاحب منهم الرسول ومن قارب عهدُه عهدَه) في قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن، وغضُّ الطرف عن الآراء الأصولية المتأخرة التي هي نتاج للصراع الفكري بين مفكري الإسلام ومفكري الأمم الأخرى (اليهود خاصة). وثاني المبدأين هو استثمار المناهج اللسانية والسيميائية والتداولية... والملاحظ أن هذه المبادئ ترجع إلى رافدين رئيسين، هما: الثقافة العربية الإسلامية الأصلية، ونتائج الدراسات الحديثة.

ولإخراج هذه المبادئ من حيز النظر إلى مضمار التطبيق، ومن الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، لا مناص من اعتماد بعض المفاهيم الإجرائية، وهي: المقصدية، والمماثلة والمشابهة، ونوع العلاقة. بحيث يعين المفهوم الأول على التعرف إلى ما يقبع وراء الخطاب من معتقدات ومقاصد، ويساعد المفهوم الثاني على تبيُّن عناصر المماثلة بين الخطاب القرآني ومحتويات الديانات والأعراف والعادات السابقة والمجايلة له، ويرصد المفهوم الإجرائي الأخير علاقة الخطاب القرآني بغيره. وتنقسم هذه العلاقة إلى خارجية (التعضيد/ شرع من قبلنا – الرفع / ما خالف شرعنا)، وداخلية (التناقض – التضاد – شبه التضاد- الاقتضاء).

وفي أواخر هذا الفصل المتميز استعرض الكاتب النتائج النظرية والمنهاجية والعملية. وناقش بعض المبادئ الأصولية على ضوء نظريته في التحليل (مبدأ التدرج في التشريع – مبدأ تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه). وحلل بعض الآي القرآنية (آيات الصيام) بناء على المفاهيم الآتية: المماثلة والمشابهة، ودعاوى النسخ، ورفضها، وانسجام النص القرآني.

لقد اجتهد الكاتب في تبيان انسجام الخطاب القرآني على جميع المستويات (ممثَّلا في الآي المشار إليها آنفا) والبرهنة عليه انطلاقا من نظريته في قراءة النص، واسترشادا بالمفاهيم الإجرائية الآتية: الكلمة – المحور، والثابت البنيوي، والجملة المكثفة، والجملة – الهدف.

يتضح من عمل الكاتب في هذا الفصل مدى استثماره بعض المناهج والنظريات الحديثة (كاللسانيات والسيميائيات والتداولية وتحليل الخطاب) في قراءة النص القرآني المقدس. وذلك رغبة منه في التدليل على صلاحية نظريته في مقاربة النص بصرف النظر عن طبيعته والزمن الذي ينتمي إليه.

خاتمة:

نلحظ من خلال تقديم كتاب "دينامية النص" لمحمد مفتاح تمتعه بحس منهجي جعله يزاوج بين النظري والتطبيقي، إذ عمد إلى تقديم الأسس العلمية والفلسفية والإيبستمولوجية، ثم قدم المفاهيم الإجرائية التي يتخذها عمادا للتحليل في بداية كل فصل، محترما في ذلك خصوصيات كل نص، وساعيا إلى بناء نظرية تتناول كل النصوص. لقد "توسل الكاتب بمجموعة من النظريات والمناهج المعاصرة. إذ نجده قد وظف- بشكل واعٍ – النظرية السيميوطيقية ومفاهيمها الرئيسة (المربع السيميائي والعوامل) لرصد العلاقات بين الوحدات الدلالية، وكشف جو التفاعل في النصوص المدروسة. كما استعان ببعض ميكانيزمات الأسلوبية (الإحصاء خاصة)، واللسانيات (دراسة الانسجام والعلاقات الداخلية...)، والتداولية (الإلحاح على ضرورة تكييف الخطاب بحسب وضعيات المتلقين، ودراسة المقصدية...). ونجد لنظرية التلقي حضورا واضحا في هذه الدراسة"[51].

لقد وظف الكاتب في "دينامية النص" نظريات البيولوجيا التطورية ومفاهيمها بشكل واضح. وهناك مؤشرات عدة تؤيد هذا الكلام؛ أولها عنوان الكتاب الذي يحيل على مفهوم مركزي في البيولوجيا (الدينامية)، وثانيها تصدير مفتاح مدخل كتابه بإثبات عبارة لجان بياجيه، نصها "البيولوجيا هي مفتاح البنيوية"[52]، وثالثها إشارات مفتاح المتكررة إلى هذا العلم واستعماله الواضح لمفاهيمه ونظرياته في تحليل الخطاب.

باحث في البلاغة والخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة –المغرب-

كما وظف مفاهيم استوردها من العلوم الحقة، وأولها مفهوم الدينامية الذي يشكل جوهر الكتاب وغاية بحثه، وهو مفهوم يتنمي إلى البيولوجيا التطورية، اعتمده الكاتب بوصفه مقولة جامعة لعديد من المفاهيم البيولوجية الفرعية كالنمو والحوار والصراع والحركة والتناسل والسيرورة والانسجام...

 

باحث في البلاغة والخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة –المغرب

 

لائحة المراجع:

·                     سويرتي محمد، شعرية ما بعد حداثية: قراءة في دينامية النص لمحمد مفتاح، مطبعة الامنية، 1999.

·                     مفتاح محمد، دينامية النص، : تنظير وإنجاز، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1987.

·                     )دراسات سميائية أدبية لسانية(، التحليل السيميائي؛ أبعاده وأدواته، حوار مع الدكتور محمد مفتاح، العدد 1، خريف 1987.

·                     أمعضشو فريد، النقد المغربي والمناهج العلمية المعاصرة: من الاستقدام إلى الاستخدام، قراءة في دينامية النص لمحمد مفتاح، http://www.arabicnadwah.com/articles/nakd-farid_amadshu.htm نظر بتاريخ 02/05/2015

·                     A.J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, 1979.



[1]  مفتاح محمد، دينامية النص: تنظير وإنجاز، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1987، ص 5.

[2]  نفسه، ص 5.

[3]  نفسه، ص 6.

[4]  نفسه، ص 6.

[5]  نفسه ص 8.

[6]  دراسات سميائية أدبية لسانية، التحليل السيميائي؛ أبعاده وأدواته، حوار مع الدكتور محمد مفتاح، العدد 1، خريف 1987، ص 11.

[7]  نفسه، ص11.

 

[9]  محاضرات الأستاذ د. عبد المجيد النوسي، ماستر البلاغة والخطاب، مادة السيميائيات، الفصل الثاني، 2015.

[10]  سويرتي محمد، شعرية ما بعد حداثية، ص 48.

[11]  مفتاح محمد، دينامية النص، ص 14.

[12] نفسه، ص 13.

[13]  نفسه، ص 19.

[14]  نفسه، ص 14.

[15]  نفسه، ص 10.

[16]  نفسه، ص 41.

[17]  نفسه، ص 14.

[18]  نفسه، ص 38.

[19]  نفسه، ص 29.

[20]  نفسه، ص 33.

[21]  نفسه، ص 7.

[22]  محمد سويرتي: شعرية ما بعد حداثية، ص ص138-139.

[23]  نفسه، ص 162.

[24]  دينامية النص، ص 44.

[25]  نفسه، ص 31.

[26]  نفسه، ص 53.

[27]  نفسه، ص 48.

[28] شعرية ما بعد حداثية ، ص 193.

[29]  دينامية النص، ص8 و9.

[30]  نفسه، ص 38.

[31]  A.J. Greimas et J. Courtés: Sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette, Paris, 1979, P: 29

[32]  شعرية ما بعد حداثية ، ص 169.

[33] نفسه، ص:168

[34]  دينامية النص، ص 103.

[35]  دراسات سميائية أدبية لسانية، التحليل السيميائي؛ أبعاده وأدواته، حوار مع الدكتور محمد مفتاح، العدد 1، خريف 1987، ص 11.

[36]  نفسه، ص 11.

[37]  نفسه، ص 11.

[38]  دينامية النص، ص 61.

[39]  نفسه، ص 65.

[40]  نفسه، ص 70.

[41]  نفسه، ص 94.

[42]  نفسه، ص 105.

[43]  نفسه، ص 106.

[44]  نفسه، ص 129

[45]  نفسه، ص 136

[46]  نفسه، ص 147.

[47]  نفسه، ص 183.

[48]  نفسه، ص 184.

[49]  نفسه، ص 189

[50]  نفسه، ص 191.

[51]  أمعضشو فريد، النقد المغربي والمناهج العلمية المعاصرة: من الاستقدام إلى الاستخذام،

[52]  دينامية النص، ص 7.