يقدم الباحث المغربي هنا تحليلا لرواية الكاتبة السورية يعتمد فيه على منهجية الكشف عن بلاغة الخطاب، ودورها في بلورة موقف النص من شخصياته، وخاصة شخصية المرأة أو النساء فيه، في تقابلاتها البلاغية مع الشخصيات الرجالية. ويسعى للكشف عن الجدل بين طبيعة الخطاب المنتصر للمرأة، وبنية السرد.

صورة المرأة وبلاغة الانتصار

في رواية «سجاد عجمي» لشهلا العجيلي

هشام مشبال

يتوخى هذا المقال رصدَ صورة المرأة في رواية "سجاد عجمي" لشهلا العجيلي، وتلمسَ مختلف الصيغ الجمالية والبلاغية التي استطاعت بوساطتها أن تنتصر للمرأة، على اعتبار أن هذا الانتصار يمثل معنى مضمرا داخل المتن السردي. والحق أن البحث في الصيغ البلاغية التي تبرر فعلا ما داخل الخطاب، يوازيه أيضا تأويلٌ للصور الروائية ودلالاتها المجازية والإنسانية.

تخوض الرواية في زمن تاريخي معين، وتسبرُ حياةَ شخصيات متنوعة ومتباينة. وهي شخصيات تتماثل أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى. كما أنها تسرد حكايات عشق غير مكتملة يسودها اللا توازن باستمرار. وهي حكايات إنسانية تنطوي على مغزى إنساني نبيل، وتمثل دعوةً حقيقية لقيمة الحب في الحياة. كما يكشفُ تأويل الصور السردية في الرواية، الطريقةَ التي بموجبها يحمل السرد وظيفته التأثيرية. حيث يعمد إلى ترسيخ قيم معينة كالحرية والإرادة والمعرفة والحب. وهي وظائف تضطلع بها المرأة في سياق اجتماعي وثقافي يعاني الفتنة والخوف من المجهول.

لقد تضافرت عناصر عديدة في ترسيخ وتجسيد الانتصار للمرأة في الرواية. ولأجل ذلك سيسعى هذا المقال إلى البحث في مختلف هذه الصيغ التي أسهمت في تحقيق تلك الغاية وتبرير ذلك الانتصار.

1- صورة المرأة وبلاغة التدرج:
تبدأ الرواية بنسج صورة قائمة على التشبيه لبطلتها لبانة القادمة من بغداد إلى الرقة: "وما أن وضعت قدميها على اليابسة، حتى انتصبت أمام عمر كالسارية، أدارت حولها الطرف، وهي تملأ رئتيها من الهواء بنشوة من يعتل كأسا حرمه زمنا"[i]. تطأ قدما لبانة أرض الرقة بعد غربة وسفر طويلين، إنها تكتشف ذاتها من جديد في عودتها وتشعر بانتشاء يجعلها تنسى همومها. ينبغي أن ينظر إلى التشبيه الذي صاغته الكاتبة (انتصبت كالسارية)، في علاقته بالسياقات المختلفة التي ينطوي عليها النص. وسيمنحُ هذا الانتصاب، الذي يماثل معاني الارتفاع والثبات والصلابة، المتلقي أفقا لتأويل النص والاستدلال على أطروحته المضمرة. فهي تختزل جوهر الرواية التي تنتصر للمرأة وتسعى إلى الدفاع عنها. ويؤكد هذا الاعتقاد تلاحق الصور التي تدعم الانتصار وترسخه روائيا. فها هو عمر يتحدث عن لبانة: "إنها امرأة ليست كغيرها، لقد شعرت بها قوية وراسخة مثل نخلة، وطالما تاقت نفسي إلى هذا الصنف من النساء، الذي حدثتنا الحكايات بحديثه، ولم أقابله إلا يوم قابلتها"[ii].

يتوخى أسلوب التوكيد (إنها) الممزوج بالنفي (ليست) جعل صورة لبانة متفردة. ينضاف إلى هاتين الصيغتين الأسلوبيتين تشبيه يؤكد الصورة ويرسخها تدريجيا (مثل نخلة). فهذا التشبيه الذي يروم جعل المشبه يحتل مكانة رفيعة وخاصة، بُني بواسطة تلاحق الأوصاف وتدرجها. كما أنه يكشف طبيعة الشخصيات وسماتها ورغباتها وأسرارها. يختزل التشبيه هنا ماهية المرأة التي يتوق إليها عمر ويفضلها طوال حياته.

والحق أن الصورة التشبيهية (مثل نخلة)، تدعم بلاغيا الصورة الأولى (كالسارية)، وتؤكدها تدريجيا في خيال المتلقي. التشبيه هنا وظيفي؛ فهو يقوم بترسيخ صورة الموصوف على نحو ما يعكس معنى النص القائم على فكرة الانتصار للمرأة القوية الثابتة المتجذرة. إن الغموض الذي يلف لبانة وتفردها جعلا عمر يتوق لمعرفتها على نحو ما دفعه لطرح الأسئلة المتعاقبة حولها، أسئلة تعكس عبر النص رغبة الرجل في المعرفة وعدم قدرته على التحكم في المرأة. يولِّد السؤال رغبةً في البحث ويعكس نقصانَ المعرفة وتوقا إلى الإدراك الكلي لهذا الآخر المغاير.

وينسجم هذا الموقف الذي يلخص علاقة عمر بلبانة وتوقه إلى معرفتها، مع الموقف العام الذي تصدر عنه الرواية في تصورها للمرأة. فالنص يبدأ بالكشف عن وسيلة السيطرة على القرية (الرقة) من قبل الوالي الجديد (سعد). فلا حل في نظره سوى استبطان المرأة ومعرفة خفاياها. إنها الوسيلة الوحيدة للسيطرة؛ فهاهو سعد يخاطب مرافقيه: "يا صاحبيَّ، إذا ما أراد قائد دخول قرية، فعليه أن يستبطن ثلاثة: ماءها، وهواءها، ونساءها"[iii]. سيشكل هذا الاقتراح جوهر الحبكة التي تلخص النص؛ تلك العلاقة الشائكة بين الرجل والمرأة ومحاولته الدائمة السيطرة عليها والتحكم بها. وهي علاقة تقوم على التنافر أحيانا والانسجام أحيانا أخرى، لكنها تظل ملغزة وخاضعة لثنائية الشد والجذب.

وتتلاحق الصيغ التي تؤكد صورة النخلة أو المرأة الثابتة القوية عبر النص. فهذا عمر يمضي في البوح بأحاسيسه المفاجئة التي استبدت به ويشبه لبانة بالصاعقة: "ثمة نساء أشبه بالصاعقة، تلمع أمامك على حين غرة، وقبل أن تدرك نفسك، تحط عليك، فلا تستطيع منها فكاكا، وحين تتلاشى، تكون الأرض حولك قد تغيرت، وصارت أوسع وأصفى."[iv]

يضطلع التشبيه هنا بوظيفة كلية؛ الحديث عن المرأة عموما وليس عن لبانة؛ إنها واحدة من نساء يشبهن الصاعقة. لنقل إذن، إن الوجه البلاغي المتمثل في أداة التشبيه، يأخذ صيغا متعددة لكنها تهدف جميعا إلى تثبيت وظيفة واحدة هي صورة المرأة القوية. ليست لبانة حالة متفردة في النص، بل هناك شخصيات أخرى تدعم صورتها، لكنها متفردة في حياة عمر الذي لم تحركه امرأة من قبل:
" - امرأة، حلت، أخذت قلبه، ثم ارتحلت.
- لابد من أنها قادرة، فلم أره في حب امرأة قبلا، على هذه الحال.
- ليست المرأة وحدها، بل معها طفلها.
- إذن، ربة بعل هي، ويحك يا عمر
! أفيذوق من الهوى مره رجل أذاق نساء الرقة حلاوته! بالله خبرني من هي"[v].

هكذا تتلون صورة لبانة بأوصاف نبيلة ومدحية تجلعها في صورة أبهى وأمثل، بينما يظهر عمر منكسرا عاشقا مسلِّما أمره. إن أوصافا مثل السارية والنخلة والصاعقة تنضاف إليها سمة أخرى تكثف الصورة وتوضحها (قادرة). ستأخذ هذه الصفات البلاغية التي تجعل الموصوف في رتبة أعلى منحاها عبر النص وتتدرج في تأكيد صورة المرأة وتنتصر لها.

2- صورة المرأة وبلاغة التماثل:
يضطلع التشبيه كما رأينا بوظيفة استدلالية داخل النص؛ فهو يؤكد صورة المرأة القادرة التي لا تستسلم للظروف؛ المرأة التي تقرر وتبدأ وتقوم بالفعل باستمرار. لكن لبانة ليست الشخصية الوحيدة التي عمدت مختلف الصيغ الأسلوبية إلى صياغة صورة مدحية لها، بل إن الرواية تزخر بشخصيات مماثلة. فها هي ريا أخت عمر وصديقة لبانة تترك مجلس القائد سعد بعدما اقتادها الجند بالقوة:
"لكن ريا خرجت من المكان، مثل هبوب ريح، فودعها."[vi]

يماثل التشبيه هنا صورة ريا المنفلتة على الدوام؛ صورة تقوم على الصد والتمنع. إنها تماثل لبانة في تمنعها وقدرتها على الرفض والهروب والمواجهة. مثلما تتماثل صورة سعد مع صورة عمر؛ كلاهما يحب المرأة القوية المبهمة والرافضة. إن تشبيه ريا بالريح يعكس تلك الصورة التي ترسمها الرواية للمرأة؛ وهي صورة تجسدها قيم الصلابة والشجاعة والثقة بالذات. ألم يخاطب وهاب سليمانا بقوله:
"العربية شيء آخر يا سليمان
! إنها موصوفة بالعزة، والعزة حقيقتها الامتناع، والعزيز لا يدرك، ولا يقبل الغير"[vii].

تتحدد هذه المعاني المشتركة التي تجسد صورة المرأة في الرواية وفق علاقات التماثل بين الشخصيات؛ فكل شخصية تفسر لنا شخصية أخرى؛ تعلل سلوكها وتجعله أكثر تأثيرا في ذهن المتلقي. فهذا سعد على الرغم من مكانته وقوته، وعلى الرغم من أنه أقبل على المدينة من عل وهو يبتسم ويصيح ويردد الأشعار[viii]، وعلى الرغم أيضا من أنه كان ينفر "من الضعف في النساء، مثلما ينفر منه في الرجال، وكان يهوى المرأة إلى أن تتكشف له هشاشتها، التي غالبا ما تكمن في تعلقها به."[ix] إلا أن ريا أنزلته من عليائه[x] على نحو ما فعلت لبانة سواء مع عمر أو مع سليمان.

"بدأ سعد يطلب لقاء ريا، وكانت تتمنع وهي راغبة، فيرسل الرسل، يحملون كتبه إليها، ولا يلقى منها سوى الصد، فأثاره أمرها، وضيق الخناق عليها، حتى بدأت تتغيب عن السوق، وتلزم دارها."[xi]

هكذا تتماثل شخصيات الرواية في قوتها وضعفها داخل المتن السردي لتقدم رؤيتها الخاصة. إن تشبيه ريا على سبيل المثال بالريح التي تهب فجأة، يفسر لنا روائيا صورة لبانة القادرة والثابتة والمتجذرة في أرضها وتاريخها مثل النخلة. إنهما يعمدان معا عبر النص إلى خلق صورة متعالية للمرأة القادرة. فها هي ريا تخاطب لبانة: "ديجور! لا يا لبانة، فإن النفس لا يمكن أن تهفو إليها، ثم إن من عنده امرأة مثلك، متقدة كمشعل يضيء في الظلام، ويلهب ما حوله، لا يمكن أن يلتفت إلى ديجور، إنها باردة وصفراء مثل الموت"[xii].

تنزع جميع هذه الأوصاف التي تميز لبانة في النص إلى الإعلاء من شأنها وتفضيلها عن غيرها. يروم التشبيه هنا (كمشعل) ترسيخ صورة المرأة والانتصار لها. إنها تضيء في الظلمة وتنير الحياة، وهي بذلك تمثل مشعلا للإنسانية. غير أن التشبيه هنا اعتمد المقارنة والمفاضلة في تثبيت أطروحته؛ حيث بنيت صورة لبانة بواسطة التقابل مع صورة ديجور (باردة وصفراء مثل الموت). فالمرأة المضيئة الملهبة تقابلها الباردة والصفراء، مثلما يقابل الموت تلك الحياة المضمرة في الحوار. إننا بصدد صورتين متعارضتين. لكن، ألا تحمل هذه المفاضلة التي تعلي من شأن امرأة وتحط من قدر الأخرى، تقويضا لذلك الانتصار الذي تتوخاه الرواية للمرأة عموما؟ يكشف التحليل النصي أن الانتصار يخص امرأة معينة، وليس كل النساء؛ إنها المرأة الفطنة والذكية. إن جميع الصور التي تتجسد وفق قيم إنسانية رفيعة (الصد والتمنع وصلابة الذات)، تساندها في النص صور أخرى تعمد شهلا العجيلي من خلالها إلى ترسيخ سماتها لدى القارئ؛ إنها صورة المرأة المحدثة والعارفة.

3- شهرزاد وبلاغة التشويق العقلي:
تقدم الرواية في سياق انتصارها للمرأة صورا متعددة ومختلفة لعل أهمها التركيز على الجانب العقلي والفكري. وهي في الحقيقة صورة لها امتداد في تاريخ الثقافة العربية؛ حيث تروي شهرزاد الحكايات كل ليلة، وتمنح شهريار متعة التخيل التي يفتقدها فينقذها ذلك من الموت ويمنحها حياة متجددة. تتماثل صورة شهرزاد في النص مع شخصيات أخرى؛ وسيأخذ هذا التركيز على الجانب العقلي للمرأة حيزا مهما في الرواية، ويتوزع عبر شخصيات متباينة في الطبيعة لكنها متماثلة في الوظيفة. فهذا الحوار المقتضب بين حارثة وسعد ووائل يثبت أفضليةَ الجانب العقلي للمرأة وذكاءها وقدرتها التواصلية:

"قال حارثة مغالبا صمته، وكأن صمتا أصابه:
- بل الأخرى أحسن
!
- أيهن قال وائل
- ربة الحديث.
- خود، اسمها خود، وفي وجهها خير كثير
!
- قال سعد: لكنها دون الخزافة جمالا.
- حارثة:
- نعم، هي أقل جمالا، لكنها أكثر ملاحة، طلقة، وجريئة، وحين تتكلم تنضح الحياة من محياها
!
سعد: - وجدتها ربعة، ونحيلة، ولها رعونة الأطفال، أما الخزافة، فأشبه ما تكون بدمى الأديرة، مرسومة رسما، وليس على الناظر إلا أن يقدم بين يديها القربان
!
- حارثة:  أصبت أيها القائد، لكن النساء عندي أحاديث، وخود أحسنهن حديثا
!"[xiii].

يبدو هذا الحوار الذي يقوم على المقارنة والتفضيل بين امرأتين أشبهَ بخطاب تناظري بين طرفين لكل منهما حججه؛ فبينما يركز سعد على قيمة الجمال الشكلي، يدحض كل من وائل وحارثة خطابه بخطاب آخر مغاير يفضل التركيز على القيم العقلية؛ ويصبح الحديث معيارا حاسما لتفضيل الشخصية. ويتوسل حارثة في رده بجملة من الأساليب التي تؤكد تصوره؛ منها على سبيل المثال، أداة الاستدراك (لكن) التي تنفي خطابا سابقا بخطاب لاحق يمجده ويرسخه في ذهن المتلقي. وكذلك فعل التفضيل (أحسن) الذي يجعل شخصية خود أعلى مرتبة. والحق أن التفضيل في الحوار بني على مبدأ الأقل والأكثر مما يؤكد توجه النص إلى الإعلاء من قيم على حساب قيم أخرى.

بيد أن التركيز على قيمة الحديث ليس حكرا على شخصية خود وحدها؛ بل إنه يكاد يطغى على شخصيات الرواية النسائية كلها بقصد إثبات ضرورة القيم الإنسانية العقلية وأهميتها في الحياة. ويرد هذا التأكيد في صيغ سردية متنوعة؛ أحيانا على لسان السارد، وأحيانا من خلال أقوال الشخصيات النسائية، وأحيانا أخرى من خلال منطوق الشخصيات الذكورية في النص. يروم هذا الخطاب الإثباتي ترسيخ قيم التواصل لدى المرأة والإعلاء من جانبها العقلي والروحي؛ أي القيم المشتركة في الحياة المتمثلة في مقولات مثل: الحكمة والتواصل والإرشاد والفطنة وغيرها من القيم.

ولعل جعل الحديث أحد أهم قيم الوجود التي تركز عليها شهلا العجيلي في النص، مرده إلى ثقافة عربية مجدت التواصل ورفعت من شأنه. فهذا أبو حيان التوحيدي يفتتح نصه "الإمتاع والمؤانسة" بقوله مدافعا عن الحديث: - "إن في المحادثة تلقيحا للعقول، وترويحا للقلب، وتسريحا للهم، وتنقيحا للأدب"[xiv]. "ولهذا قال بعض السلف: حادثوا هذه النفوس فإنها سريعة الدثور، كأنه أراد اصقلوها واجلو الصدأ عنها، وأعيدوها قابلةً لودائع الخير"[xv].

في هذا السياق الذي يعلي من قيمة الحديث وينظر إلى المرأة بوصفها عقلا محدثا منيرا، وهو سياق يتناص مع الثقافة العربية القائمة على الحكي ورواية الأحاديث، تتساند الصور داخل الرواية لتؤكد هذا التصور وتنتصر للمرأة القادرة على التواصل الجذاب. فها هي لبانة التي ارتدت ثوب شهرزاد وأضحت شخصية حكائية تمارس الغواية بامتياز، تترك سليمانا في حالة انجذاب دائم: «لم تكن لبانة تتورع عن أن تقول أو تفعل أي شيء يتعلق بتفاصيل العالم من حولها، فتتركه دائما يفكر فيما تقول وتفعل، لكنه يجد نفسه منتظرا منها قولا آخر، لم تبح به، قولا يتعلق بقلبها، وبه معها، لكنها لا تقوله، ولطالما أراد منها أن توافق هواه في حركتها وسكونها، ورواحها وغدوها، لكن لبانة لا تطيع سوى هواها، فهي تأتي حينما يجزم أنها لن تأتي، ولا تأتي حينما يكون على يقين بأنها آتية، وتنشغل عنه حينما تبرحه الصبابة إليها، ثم تعود حينما يكون قد عود أيامه بعدها، وذلك ما كان يضرب في جبروته، فيعاقبها بالصد حينا، وبالغياب حينا. ورغم مكاشفات الجسد التامة بينهما، ظل يشعر بأنها ليست في متناول يده، وأنها قد تختفي بعد أية لحظة يقودها إليها هواها، إذ تكون معه في المساء، وتنسرب من بين يديه في الصباح، وكأنها لم تكن في فراشه ساعة، وقد سلبته غلال جسده، كما تحب أن تقول دائما، في حين يجد هو أنها تسلبه غلال الروح.»[xvi]

إنها صورة امرأة تقرر ما تريد؛ تراوح بين الحضور والغياب، ولا تبوح بمشاعرها العميقة، بل تترك الطرف الآخر في حالة انتباه وانجذاب مستمرين. ورغم مكاشفات الجسد بينهما فإنها حريصة أكثر على جعل صورتها منفلتة على الداوم لا يقدر أحد على الإمساك بها.

تمثل ثنائية الجسد والروح التي تعمد الكاتبة إلى تفعيلها في النص، وجعلها مرآة تقدم من خلالها الشخصيات، من وجهة سردية، أحد العناصر الكفيلة بتفسير الحبكة القائمة على فكرة الصراع بين الرجل والمرأة. فلبانة تمنح الجسد لسليمان، لكن ذلك لا يمثل لها شيئا، لقد كانت مدركة أنه يريد قلبها وكلمتها. إن رغبته في امتلاك كلمتها جعلت روحه متوترة ومضطربة على الدوام. لم تستسلم لبانة لضعفها ولمشاعرها العميقة، وكان سليمان موقنا أن منح الجسد ليس برهانا على منح الحب، لذلك ظل حريصا على سماع اعتراف منها، اعتراف قد يولد لديه شعورا بالانتصار. لكن عزاء لبانة في هذه الحكاية "أنها احتفظت بروحها، وذلك حينما احتفظت بكلمتها، فهي لم تقل له يوما بأنها تحبه، رغم أنه كثيرا ما كان يسألها، بل كان يسألها كلما التقاها، وكانت تهرب من الإجابة إلى الشهوة، فيسكت عنها، لكنه يظل مهما منحته، من غير رواء، منتظرا الكلمة التي منعتها لبانة عنه، لأنها أدركت منذ وقت مبكر أن المرء تواق إلى ما لم ينل!"[xvii]

هكذا استطاعت لبانة/ شهرزاد أن تحول مشاعرها إلى طاقة حية حين أدركت أن القوة الحقيقية تكمن في روحها، وفي انتصارها بالحكمة والتعقل والذكاء. فها هو سليمان يعترف لوهاب بقوله: "كم أفتقد أنسها! كيف لي وأنا الملول العتيد ألا أمل صورتها، أو حركتها، أو كلامها، أو ديدنها، حتى عندما تكون معي، أكون في شوق لكل ما تقول وتفعل، وبانتظار العبارة التالية، والحركة التالية، التي تحمل دائما ما يدهشني، وما لا أعرفه، وما تسعدني معرفته!"[xviii]
هكذا تأخذ العلاقة بين الرجل والمرأة صيغة تراوح بين الشد والجذب؛ لقد انتصرت لبانة على سليمان حين أدركت أن قوتها في ذكائها، على نحو ما جعلته تابعا حائرا وفي حالة انتظار دائم.

4- صورة المرأة وبلاغة التقابل:
تقابل الصورة التي تقدمها الرواية للمرأة صورة أخرى مناقضة يتسم بها الرجل. فهذا حسن الأشجعي تأخذه الشهوة في النهار وهو يمر على زوجته ريا في دكانها فيغلق بابه عليهما ويتركها بعد قضاء حاجته تمضي يومها متذمرة[xix]. وها هي لبانة تتذكر "أن أحدا لم يصنع لها طعاما منذ زمن طويل، منذ ماتت أمها، ولم يهتم أحد بأن يغطيها، حتى زوجها الذي اعتاد على أن يعريها فحسب"[xx]. وها هي من جهة أخرى تجد سليمانا أشبه ببغل[xxi]. أما خود فتسأل أمها وتعاقبها بحديثها عن ترك الرجال لزوجاتهن من أجل الجواري[xxii].

صحيح أن الرواية لا تحتقر الرجل ولا تقدمه في صورة وضيعة على امتداد المتن السردي، وكثيرا ما تقدمه في صور متوازنة وتضفي عليه صفات حميدة مثل الشجاعة والكرم. بل يمكن القول إن حقل الصفات النبيلة التي يندرج ضمنها الرجل حين تقاس بصفات المرأة وتأمل القيم المهيمنة، تؤكد أن النص يعلي من شأن المرأة وينتصر لها، لكنه من جهة مقابلة لا يقدم أوصافا قدحية مطلقة للرجل. ويدل هذا على أن أطروحة النص المنتصرة للمرأة، تتوسل بجميع الصيغ البلاغية الممكنة في تصويرها، ومنها على سبيل المثال، وضع صورة المرأة مقابل صورة الرجل أو ما نصطلح عليه في هذا المقام ببلاغة التقابل. حيث تسعى الرواية إلى صياغة موقف تظهر فيه المرأة مظهر الإنسان القادر والكامل؛ وبتأمل الحقول الدلالية في النص ومفاتيحه، يتبين أن النص يتراوح بين مقولات تكشف لغز الذات في علاقتها بالعالم والآخر، يمكن إجمال هذه المفاتيح في كلمات من قبيل:

(التحمل- الفطنة –الحسن -الروح –الخفة –الانطلاق –الشد –الجذب –المنع –العطاء -القهر-الهلاك –النشوة –الجسد -الحب- الكره- الظلام- النور... إلخ). إنها المفاتيح المكونة لعالم القيم، والتي تعكس وجود الذات في عالم شديد التناقض.

ليست لبانة امرأة فحسب، بل هي امرأة تعرف ما تريد وتقرر، وتصنع لنفسها حياة خاصة بها. إن قيمتها ليست في جسدها الجميل، بل في روحها وعقلها. فلنتأمل هذه الصورة: «كانت جائعة جدا، وكان جسدها كله يؤلمها، وروحها كانت متعبة، ولم تكن تقوى على السير عكس الريح، فأكلت، وغسلت وجهها ويديها بماء من ليمون وورد، حضره لها سليمان الذي جلس إلى جوارها، وأسند رأسها إلى صدره، وطفق يمرر أصابعه على ظهرها جيئة وذهابا، استسلمت لبانة لذلك الدفء كله، ونامت مثل جنين أرهبته الحياة، ففضل العودة إلى رحم أمه"[xxiii].

تسند لبانة رأسها إلى صدر سليمان. لقد أرادت الكاتبة أن تقول إن قوة وجمال المرأة يكمنان في عقلها. ويذكرنا هذا برواية "الحياة هي في مكان آخر" حيث يتجول جاروميل مع صديقته التي تضع رأسها على كتفه. ويحلل كونديرا هذه الصورة بقوله: «كان في قمة سعادته، بل وكان مستثارا جسديا. أتوقف عند هذا الحدث الصغير وألاحظ: "إن أعظم سعادة عرفها جاروميل تمثلت في الإحساس برأس فتاة على كتفه». وبدءا من ذلك أجهد في إدراك إيروطيقية جاروميل، «كان رأس فتاة يعني في نظره شيئا أهم من جسدها». وهذا لا يعني، وهو ما أنبه إليه، أن الجسد لا يمثل شيئا بالنسبة له، وإنما أنه «لم يكن يرغب عري جسد فتاة، وإنما كان يرغب امتلاك وجه فتاة، وأن يمنحه هذا الوجه الجسد كبرهان على حبه»[xxiv].

يعكس الفعل الذي قام به سليمان (وطفق يمرر أصابعه على ظهرها جيئة وذهابا) صورة المرأة التي ترسمها الرواية. لقد استسلمت للدفء ونامت مثل جنين أرهبته الحياة". يروم التشبيه هنا تأكيد وظيفتين؛ إحداهما جمالية تفسر توق "لبانة" إلى الهدوء بعد رحلة البحث عن اليقين وتحقيق الذات كما يتبين من خلال المتن السردي، والتعبير إنسانيا عن خصوصية المرأة التي تتوق دوما إلى السكينة والسلام الروحي. بينما الوظيفة الثانية تداولية، تتوخى الانتصار لصورة المرأة كما تتجلى من خلال الحبكة التخييلية، وهي صورة ترفع قدرها وتنتصر لإنسانيتها.

والحقيقة أن توجه الكاتبة إلى الإعلاء من المرأة والانتصار لها لم يستند إلى المقولات الجاهزة والمباشرة أو الأحكام الأيديولوجية أو الصيغ التقريرية، بل سعى إلى ذلك من خلال تصوير سردي إنساني ووجداني، ومن خلال تشبيهات تتوافق مع التوتير الدرامي للنص، ومع الرؤية البلاغية التي توسلت بكل الصيغ الفنية الممكنة من أجل التأثير. هكذا يمثل المجاز عموما في النص، إمكانية بلاغية تجمِّل على نحو ما تؤكد أطروحة معينة مضمرة في النص. إن التشبيه بقدر ما هو إنساني يعكس فكرة العود الأبدي إلى البداية وإلى الأصل وإلى الهوية وغير ذلك، فهو يحمل وظيفة فاعلة في السرد، أكثر اتساقا وانسجاما مع الوظيفة التصويرية التي يتوخاها السرد. وتأخذ بلاغة التقابل، التي تضع صورة المرأة في مقابل صورة الرجل بغرض إثبات تفوقها، أشكالا وصيغا متعددة في النص. فهذا وهاب يخاطب سليمانا بقوله:

"القوي هو القادر على نفوذ مشيئته، وأنت لا تستطيع تسخير أفعالك لخدمة قلبك، أما هي، فامرأة قادرة، لأنها بقلمها تحول الصور، وتجري في حياتها المجرى ذاته، وأنت تشبهها من حيث أنك تحول بآلتك خيوطا وأمشاجا منفلتة وكثيرة ومتعددة، صور بهية واحدة فردة، تدعو إلى التدبر، لكنك ما أن تخرج من صومعتك حتى تنسى ذلك، ولا تعتبر به في حياتك .. إيه، يمحو الله ما يشاء ويثبت!"[xxv]

هنا ينتصر الرجل للمرأة ويدافع عنها ويسهم في تأكيد صورتها. فالخطاب في هذا الحوار بين وهاب وسليمان أحادي الاتجاه؛ حيث ينزع وهاب صفات معينة من سليمان ويمنح صفات أخرى للبانة. يبدأ خطابه بمقدمة أو مسلمة حجاجية مشتركة تقوم على التحديد: "القوي هو القادر على نفوذ مشيئته"، ثم يعقبها بصفات لسليمان تتعارض مع تلك المقدمة، وتنزع عنه صفة القوة؛ حيث يفتقد سليمان للعبرة والقدرة على التدبر الفعلي في الحياة والسلوك.

إن الخطاب هنا لكي يدعم فكرة الانتصار للمرأة بني بوساطة التقابل بينها وبين الرجل؛ وبوساطة ترجيح كفتها. يأخذ التساند هنا دلالة رمزية ونصية استثمرت كل الصيغ من أجل ترسيخ قوة لبانة وقدرتها. ولعل الأوصاف التي تميز لبانة في النص تبين ذلك؛ فهي قادرة وكاتبة وحكيمة. إن صورتها، القائمة على بلاغتي المشابهة والمقابلة، تؤكد توجه الكاتبة إلى إكسابها صفة التفوق والانتصار تخييليا وتداوليا. والحق أن إثبات قدرة لبانة لم يُصَغ في الرواية بوساطة لغة خطابية مباشرة أو صيغ مقحمة، بل صيغ فنيا وعبر امتداد السرد بوساطة التصوير الفني ومن خلال المجازات والإيحاءات وتأويل الدلالات التي يختزنها الحوار بين الشخصيات. وأيضا من خلال علاقتي التوازي والتقاطع بين النساء عموما في النص؛ حيث تحمل خود صورا من ريا ومن لبانة وهكذا. تتساند الصور فيما بينها داخل بنية التحبيك السردي لتجسد في النهاية صورة امرأة منتصرة وقادرة. ولعل توجه الكاتبة إلى إسناد جملة من الأوصاف للمرأة يؤكد ذلك. فها هي لبانة تتحدث عن وصفة شعر أعدتها بنفسها وأكسبتها لون شعر متفرد: "لقد قرأت الوصفة في سفر كنت أعمل على نسخه، يحكي عن خضاب تخضبت به ملكات بابل"[xxvi].

إنها تنتج الجمال بوساطة القراءة والمعرفة. لقد مكنها ذلك من إرساء قيم الجمال في حياتها الاجتماعية. وها هي ريا أيضا تسأل لبانة عن زينة العقرب التي تتزين بها: "هذه زينة لا أقدر عليها، كيف تحتملن ألما لستن مضطرات له.

حياة المرأة جماع آلام: ألم الحيض، وألم العذرة، وألم الوضع، وكلها تأتي رغما عنها، أما ألم الوشم فهو ما نختاره بإرادتنا"[xxvii].

صحيح أن السؤال هنا يولد إجابة خطابية تعكس تصورا إزاء المرأة، لكنها إجابة تولدت في سياق سردي حواري - نسائي بامتياز؛ حيث النساء يبحثن عن هويتهن وخصوصيتهن. إن السؤال حين يخوض في المعرفة بخصوصية المرأة وتفاصيلها وتقاليدها يكون إحدى الأدوات التي تسهم في تحقُّق الجواب السردي المقنع. إنه يولد الجواب المعرفي الشامل الذي يدافع عن حرية المرأة ويبرر توقها إلى الاختيار. معنى هذا، أن الجملة التي تبدو خطابية في بدايتها: "المرأة جماع آلام" ليس سوى مقدمة لخطاب ثان ومناقض يحمل استثناء "أما ألم الوشم فهو ما نختاره بإرادتنا". إن حذف الجملة الأولى من الجواب قد يفقد هذا الاستثناء خصوصيته. وبناء عليه، أمكن القول، إن صوت الانتصار للمرأة في الرواية تخييليٌ وبلاغيٌ أسهمت جميع العناصر في تأكيده، من لغة وتصوير وحوار وتحبيك.

وتتوضح بلاغة التقابل التي تنتصر للمرأة على حساب الرجل في هذا الحديث بين سليمان ووهاب عن لبانة: "نعم، هي عزيزة في المنع، وعزيزة في العطاء، بل إنها تهب ولا تعطي، والهبة منح وتودد من غير احتياج إلى محتاج إليه، ولا تكون بشرط استحقاق.

- أو ترمي إلى أنني لا أستحقها؟

- بل أرمي إلى أنها تهب، وأنت تقهر!

صمت الجليسان برهة، ثم تابع وهاب:

- القهر يا سليمان غلبة، لكنها هلاك، وكل شيء هالك، إلا وجه الكريم!"[xxviii].

يضع وهاب في هذا الحوار الرجل والمرأة في مفاضلة بين قيمتي الهبة والقهر. ويبدو وهاب مدافعا عن لبانة ومنتصرا لقيم العطاء والهبة والحب، في مقابل رفضه للقهر الذي يتسم به سليمان. لا تخضع تراتبية القيم هنا لتبرير مرجعي معين، بل اقتضاها السياق السردي بين شخصيات تتصارع من أجل إثبات الذات والهوية. فسليمان القوي والجبار والعارف بأسرار السجاد والحياة والذي لا يقهر، سوف يحوله العشق إلى إنسان حقيقي:

"سرى الشراب في عروق سليمان، فغلبته تباريح العشق بدموع مثلما لم يحصل من قبل. لقد كان مضنى بين جبروته الذي أرباه كل ذلك الدهر، فأحاط نفسه بسياج العز والهيبة، وبين نشوة الفرح الذي يعمر قلبه، فيجعله بكفاية عن الدنيا وأهلها، ساعة تكون لبانة السلمية بين يديه!"[xxix].

لقد سرى الشراب في عروق سليمان، وليس الشراب هنا سوى لبانة التي استبدت بمشاعره، فغلبته وانتصرت عليه. لقد حوله الحب إلى إنسان يحس. إننا أمام صورتين لسليمان؛ صورة الرجل المستبد وصورة الرجل العاشق المحب الذي يتخلى عن جبروته من أجل الحبيبة السلمية. لكن، ألا تتحقق السعادة إلا بسلمية لبانة وطاعتها واستسلامها؟

يكشف التحليل الكلي للنص، أن سعادة الرجل لا تتحقق إلا بالانتصار على امرأة عنيدة وقوية مثل لبانة. إن شعور سليمان بالسعادة وليد لحظات سلام مع امرأة فطنة استبدت بعقله. بينما يحوله عنادها وعزتها إلى قاهر مستبد. يكشف التقابل بين الطرفين بلاغيا عن توتر العلاقة، وسعي كل طرف إلى الانتصار على الآخر. ولعل انتصار لبانة يؤكده خطاب ريا المؤازر والمدعم عبر الخطاب السردي: "وليس أقدر من لبانة على مساعدتها، فلعلها أنضج من عرفت من نساء، وأكثرهن علما بأسرار القلوب، فضلا عن كونها عاشقة كليمة أيضا، لكنها أثبتت، حتى الآن، أنها تملك من القوة والتدبر، ما يفوق قدرة الهوى على إطفاء جذوة حلمها"[xxx].

تضطلع صيغ التفضيل هنا بوظيفة رئيسة في تثبيت صورة لبانة القادرة. فهي تسهم في تصوير امرأة عارفة وناضجة وعالمة بالنفوس وأكثر قدرة على التحمل. وهذا ما يبرر لنا سرديا أفضليتها على سليمان. إن خطابها يذعن للحب وللقيم النبيلة عكس خطاب سليمان الذي يستند إلى القوة والقهر. تتوزع صورة لبانة عبر الخطاب السردي عموما، وعبر عناصر متفرقة، ويؤكد هذا التوجه الجمالي تلك الحوارات المتنوعة والمتعاقبة والمتدرجة، على نحو ما ترسخ تلك الصورة، الاعترافات الشخصية الذاتية التي يحملها خطاب الشخصية: "نمت وحدي، وصحوت وحدي، ومرضت وحدي، وولدت الطفل وحدي، وعشت غريبة وحدي، حتى بتنا غريبين اثنين، أنا وصغيري [...] لم يكن يخرجني من همومي سوى العمل في ما أحب وأعرف، في نسخ الكتب"[xxxi].

هذا الاعتراف الذي يسانده التكرار (وحدي) ويرسخه عبر الخطاب السردي، لا يتوخى في النهاية سوى تأكيد قيم العلم والحرية والمعرفة والسلام لدى لبانة في النص. وهي قيم تعكس توق المرأة إلى الاختيار والرغبة في تحقيق هويتها. ليس خطاب لبانة إذن، سوى جزء من خطاب عام يخص كل شخصيات الرواية النسائية (خود التي تعزف وتتوخى تعليم صغار المسلمين العلوم الدينية/ أو ريا التي تصير الطين خزفا..). إنهن نساء قادرات على العطاء والإبداع والاضطلاع بوظائف اجتماعية رئيسة في مجتمع تسود فيه الفتن.

5- في بلاغة التحول - نحو انتصار الذات:
في سياق هذا الصراع الذي تعيشه شخصيات الرواية بين الاستسلام والرفض والانتصار، وتصوير كل ذلك بصيغ مجازية وبلاغية متعددة من قبيل التدرج والتماثل والتقابل، يمكن القول؛ إنه تصوير يعكس تحولات الذات وارتقاءها من حالة إلى حالة أخرى. هذا التحول الذي يمكننا من تمثل مصير الشخصيات في الرواية؛ انتصارها أو استسلامها، هروبها أو قدرتها على المواجهة.

فخود على سبيل المثال قررت أن تطرد حبيبها عمر "من قلبها، من غير أن تنكر أن ظهور حارثة الجهمي بدأ يقود روحها نحو مسار جديد"[xxxii]. وريا تتخلى عن سعد، تترك مجلسه وتخرج مثل هبوب ريح[xxxiii]. فأثار انسحابها هذا جنون الغضب بداخله[xxxiv].

يصاحبُ التحولَ في الشخصيات تحول في الفضاء أيضا؛ فالرقة لم تعد كما كانت؛ قتل وفوضى وخوف وموت متربص[xxxv]. وها هو حرز الذي يمثل في الرواية المؤنس والمعين وُجد ذات صباح مذبوحا أمام حانوت ريا. ولعل مشهد الخزف الذي يتناثر مثل أشلاء بعدما اجتاح ودهس المكانَ سربٌ من الفرسان الملثمين يعكس هذا التحول: "راحت الخيل تدوسها بلا رحمة، ومضى السرب، من غير أن يلتفت أحد إلى ذهول ريا وأوجاعها، وهي ترقب الخزف الذي أفنت روحها وزمانها في شغله، يفنى بسنابك خيل آخر رجل أمكنها أن تحبه إلى الأبد"[xxxvi].

يكشف تأمل الحقل الدلالي الذي ينتمي إلى الرجل في هذا النص وما قبله، عن معجم عنيف وصلب مثل:  (اجتاح - زوبعة - الرهبة - ملثما- الطراد - سهم - لهب - غيظ - تخطف - يندفع - مخترقا - تدوسها - من غير أن يلتفت..)

تنم كل الأفعال والصفات المرتبطة بالرجل عن شخصية عنيفة بلا رحمة ومجردة من الإنسانية. تقابلها صفات أخرى للمرأة تدل على الدهشة والفزع: (الفزع- تشهد ما يحدث فحسب- تدرك أجلها-لم تتدارك نفسها- فتهاوت- ذهول ريا وأوجاعها- ترقب الخزف- أفنت روحها وزمانها في شغله..)

بين الحقلين الدلاليين ثمة فعل وتقبلٌ للفعل. عنفُ الرجل يقابله دهشة المرأة ورهبتها. لقد خلق الفعلُ لديها حالة خوف شديدة، لكنه أيضا طردَ الرجل من قلبها "آخر رجل أمكنها أن تحبه إلى الأبد". هكذا تولد القوة من الضعف، بل إن ثنائية الجسد والروح يمكن أن تفسر في الرواية بتحليل تلك العلاقة الجدلية بين العاطفة والعقل.

يعكس التحول الذي أصاب كل الشخصيات في الرواية تحولا في القيم الإنسانية الكبرى؛ الحرية والاختيار والأمان والحب والإرادة. ولعل صورة لبانة في الرواية وتحولها من اللايقين إلى الإرادة الحقيقية أن يفسر لنا الانتصار للمرأة ولإرادتها. إن تفسير هذا التحول الذي يميز شخصية لبانة في النص ومحاولة ضبط منطقها، لابد وأن يدرجا ضمن تحليل فضائها الإنساني العام؛ أي بعلاقاتها وهواجسها وردود أفعالها مما يجعلها شخصية تتميز بخصوصية نفسية، بل إنها نموذج فريد وامتداد لصورة المرأة المبثوثة عبر السرد؛ تلك المرأة التي تجعل من عللها قوة. فهذه البطلة التي كابدت ويلات العشق واكتوت بنار الحب، قررت في لحظة تحول حاسمة أن تبدأ من جديد مع إنسان جديد وفي أرض جديدة. هذا الاختيار المبرر سرديا يعكس إرادة امرأة قوية لم تستسلم لسطوة الرجل وقهره، فقررت البداية حين اكتشفت ذاتها من جديد واستدعت إرادتها: "وهي اليوم بعد أن تلقت سهام الدهر وحدها، وبلا سليمان درعا، لم تعد تحفل بوجوده في هذا العالم"[xxxvii].

أدركت لبانة أن سعادتها تكمن في إرادتها، لقد انتصرت لذاتها وقررت أن تتحرر من سلطة الرجل وصورته فرحلت. "لكنها اجتهدت لصناعة الألفة، وقد قررت أن تكون سعيدة، وبهذا القرار أدركت أنها في قطعة من الجنة، وطفقت تستبدل بالأصفر الذي تركته، هذا الأزرق الممتد حتى عنان السماء"[xxxviii].

لكن التحول في سلوك لبانة وفعلها لم يأت مصادفة واعتباطا، بل مهدت له جملة من الصور، كما صيغ وفق تدرج بلاغي يفسر لنا الفعل ورد الفعل. فعلى نحو ما قررت ريا الانسحاب من حياة سعد، ها هي لبانة تقرر الانسحاب أيضا من سليمان بعدما لاقت منه سلوكا ينم عن الصد والهجر والمراوغة:

"لقد سلمته روحي يا أخية، فعاث بها فسادا، إذ قابلني بالذي منه فررت، بالوحدة، والقلق، والهجر. نكأ جرحي بجرح أعمق، ونكأ القرح بالقرح أوجع يا ريا.. أوجع!"[xxxix].

إن بوح لبانة واعترافها بالألم ووجع روحها وظمأها، هو الذي سيبرر فيما بعد، رد فعلها على سلوك سليمان. لقد دفعها الإحساس بالقهر إلى تغير حقيقي في السلوك. والحق أن هذا التغير صيغ بتدرج بلاغي عبر امتداد الحبكة السردية، وتم التمهيد له بصيغ جمالية متعددة. ولعل "استعارة الغرق" أن تبين ذلك. "كانت كلما حاولت أن تطفو على الماء، تجد نفسها تغرق، فتقوم وتقف على قدميها، وبعد محاولات عدة تيأس، وتعرض عن ذلك. لكن عالما جديدا ينبثق أمام عينيها، وهي تشاهد الأشجعيات يخترقن الماء بأجسادهن اللدنة التي تشيع البهجة في البر والبحر. حملت ريا لبانة في الماء، وقالت لها: أريدك الآن أن تثقي بي، وأن تفعلي مثلما أقول. استلقي على صفحة الماء، وكأنك تستلقين على أديم، واسترخي، استرخي تماما، ارمي حمولك كلها على الماء، ولا تخشي شيئا، فيداي تحتك تماما، هيا..

راحت لبانة تنفذ تعاليم ريا، إذ قررت أن تثق بها، وراحت تتخفف شيئا فشيئا من أحمالها، وتمنح ذاتها للماء تحتها، حتى بدأت تتوازن وتطفو.."[xl].

مابين حالتي الغرق والتوازن، تخوض لبانة حياتها المضطربة ورحلة بحثها عن الذات والإرادة الحقيقية. يفسر لنا مسيرُ حياتها وهو يتأرجح بين الإخفاق والنجاح، بين البدايات والنهايات المتكررة، طبيعةَ الذات التي تبحث عن معنى عميق لحياتها. توحي استعارة الغرق هنا بجانب مظلم في حياة لبانة؛ اللاستقرار والرحيل والرهبة والوحدة والخوف والموت، بينما يدل فعل السباحة على معاني النجاح والشجاعة والإرادة والحياة.

إننا إذن أمام صيغتين لتصوير الشخصية الروائية وهي تسعى إلى تحقيق انتصارها. وهما صيغتان تعكسان جوهر التحول في الرواية من وضعية هشة غير متوازنة إلى أخرى أشد توازنا وثباتا. هكذا تمثل لبانة نموذجا فنيا للمرأة التي تنتصر لها الرواية عبر الحبكة السردية.

لقد أذعنت لبانة لأوامر ريا التي تفيد الطلب. استسلمت لها بإرادتها حتى تمكنت من التوازن والسباحة. نجاحها إذن كان نتاج رغبة داخلية شديدة وبطلب من صديقتها. تضطلع ريا هنا بوظيفة المنقذ والموجه. إنها في الوقت الذي تنتصر لصديقتها فإنها تنتصر لذاتها أيضا. لقد "رمت جسدها على الماء، واستلقت على ظهرها، وكأنها في فراش وثير، ترقب السماء، وتبتعد بهدوء نحو الضفة الأخرى القريبة."[xli] يتماثل فعل ريا مع لبانة؛ كلاهما يتحرر من أثقاله وهواجسه ويغتسل بالماء لينطلق من جديد في رحلة تحقيق الذات والانتصار[xlii].

تشعر لبانة بالسعادة وهي تطفو على الماء وتعوم، "ملأها سرور لا عهد لها به، وأسفت كيف أمضت سابقات أيامها من غير أن تتمتع بهذه الأعطية الربانية. كانت ممتنة جدا لريا، التي ساقت هذا العلم إليها. راحت المرأتان تسبحان معا مرات ومرات، وشيئا فشيئا تقدمت بها ريا إلى عرض النهر: اتركي الآن نفسك للفرات يا لبانة، دعيه يستلم عنك ما يثقل طينك، وستجدين نفسك خفيفة ونقية مثل روح فرت من جسدها.."[xliii].

تمثل المغامرة وسيلة رئيسة في تحقيق الانتصار. لقد استسلمت لبانة لريا وكانت تقودها رغبة عارمة في خوض التجربة. لنقل إذن، إن الفعل الذي قامت به لبانة هو الذي يمكننا من تفسير سلوكها في نهاية الرواية (حيث ستقرر الابتعاد والانغماس في حياة جديدة بعيدا عن الماضي). إن نجاحها في السباحة، يعادل فعل السفر الذي قامت به من قبل بحثا عن تحقيق الذات، وهي أفعال تعكس توق الشخصية إلى مستقبل جديد. لقد حولت لبانة حبها وألمها إلى طاقة منتجة للقيم الإنسانية الفعالة.

السباحة هنا استعارة للمقاومة التي تقوم بها الذات في واقع مضطرب. لقد أحبت لبانة سليمانا، وقد تطلب منها ذلك أن تستنفر كل قواها كي لا تغرق وتموت. إن نجاحها يعني أنها تخلصت من الضعف الإنساني الذي يطاردها، وأنها ترفض الاستسلام.

بيد أن التحول الذي نشأ في سياق تجربة ملموسة ومغامرة إنسانية، يوازيه تحول آخر سيحول ضعفها إلى قوة أكثر صلابة. لقد استجابت لطلب ابنها الصغير قيس بأن ترافقه إلى الفرات للسباحة مع أصدقائه:

"وبينما كانت لبانة تهيم مع أفكارها وتحن إلى ما فات، تفقدت قيسا الذي كان يلعب مع الصغار، فلم تجده، غاب قلبها، وراحت تمحص عن رأسه بين رؤوس السابحين، وإذ بهم يتحلقون حول الماء في حيص وبيص، يحاولون إغاثة جسد لفته دوامة نهرية، بلا جدوى، إذ راحت الدوامة تدور به وتدور، ولم يكن من الناس الذين هبوا للتجدة من يستطيع اقتحام دوامات الفرات الغدارة. كانت لبنى قد أحجمت عن الخوض في الماء، وقفت على حصى الشاطئ ثابتة، ترقب قيسا يختفي عن عينيها إلى الأبد، وروح الثكل تتلبسها على مهل. اختزنت صورة غرقه لحظة فلحظة، ثم مضت في طريقها، لأنها تعلم أن الفرات لا يعيد أجساد الغرقى"[xliv].

لقد غرق قيس الصغير في النهر الذي أنقذ لبانة وجعلها إنسانة ثانية بلا أثقال ولا أحمال، وهو أيضا النهر الذي حول ريا ولبانة إلى امرأتين قادرتين مفعمتين بالقوة والإرادة. موت الطفل هنا يعني أن لبانة ستتخلص من كل ماضيها لتبدأ من جديد حياة أخرى مختلفة تماما لا شيء يربطها بالماضي الحزين. ويمثل الموت هنا لحظة تحول حاسمة في الشخصية الروائية التي تنتقل من حالة الخوف واللاتوازن إلى حالة المواجهة وتقرير المصير الإنساني المعقد. لقد فقدت لبانة والدها وابنها، وتركها زوجها، وعانت تجربة حب قاسية مع سليمان، لكن ذلك كله حول حياتها إلى طاقة حية ودفعها إلى المقاومة والبحث عن الخلاص لمشكلتها الوجودية.

إن رحيلها مع أول شخص يطرق بابها تبرره سرديا تلك المحن المتعاقبة والتي تولِّد فيما بينها ذاتا صلبة أكثر قدرة على المقاومة. لقد استعادت لبانة الأنس عبر حكايات عبد الرحمان[xlv]، وعبر لمعان عينيه وبريقهما المدهش[xlvi]. لقد وُلِد الحب من استعارة الدوار الذي أصابها بين يديه:

"فكادت لبانة تذوب في هذه اللحظة التي لا يمكنها تحديد ماهيتها، فانتابها دوار محبب، ومالت، والتقطها الرجل الجالس إلى جانبها، واحتضنها بقوة، فألوت عليه بكلها وبأثقالها، وبقي عبد الرحمن محتضنا إياها وقتا لا تدري كم كان، لا تسمع فيه سوى وجيبه ووجيبها، وكلما أرادت أن تبتعد، كان يشدها إليه أكثر، ويعيد جذعها إلى صدره"[xlvii]. الدوار هنا يعني الحب؛ الرغبة في الاستسلام لحياة جديدة هادئة تخلص الذات من همومها الأزلية. هو بحث عن بداية جديدة بلا ماض يثقل الذات[xlviii]. لقد استطاعت لبانة رغم كل آلامها أن تتخلص من ماضيها "لم تنظر وراءها، ولم تودع أحدا، ولم يتمكن إخوتها بمحاولاتهم غير الجادة، من ثنيها عن تلك الزيجة"[xlix]. إن رحيلها يعني أنها "جديدة وطليقة من كل وثاق أوثقها بهذا المكان وأهله"[l].

الرغبة في النسيان، والتخلص من الماضي الذي يطارد الذات، كل ذلك يتكشف بصورة أوضح في مشهد السجاد الذي اشتراه عبد الرحمن هدية للبانة. وهو السجاد الذي يختزن تفاصيلها مع سليمان ويستدعي ذكرياتهما معا. لكن لبانة التي تخلصت من ماضيها بكل أحزانه وأفراحه، والتي حولها فعل السباحة إلى كائن يغتسل من كل الهموم، وخلق لديها السفرُ إرادةً حقيقية لأن تصبح إنسانا جديدا لا يتوقف عن الفعل "لفَّت السجادة النفيسة، وأعطتها لأول سائل طرق باب الدار، ثم عادت للانغماس في الحياة الطبرقية، وكأنها لم تكن يوما إلا فيها ومنها"[li].

هكذا يحمل السفر انتصارا للذات وهي تبحث عن هويتها وعن معنى جديد لها. إنها ذات قادرة أن تتخلص من كل أثقالها وماضيها لتصنع بوساطة الإرادة هدفا لها في الحياة. ذاتٌ تطوي حزنها وتحوله إلى قوة داخلية منتجة للمعرفة والقيم النبيلة. لقد تعرفت المرأة في الرواية ذاتَها حين أدركت أنها ليست جسدا فحسب، وحين حولت مشاعرها إلى رحلة طويلة بحثا عن الحقيقة والهوية.

***

لقد أرادت شهلا العجيلي أن ترسخ في وعي قارئها معنى جديدا ووضعا مغايرا للمرأة من خلال الحبكة السردية. إنها المرأة القادرة على العودة من جديد. إذ لم يكن يعني السفر بالنسبة إلى بطلتها سوى رحلة جديدة في البحث عن إمكان وجودها في عالم شديد التعقيد. والحق أن مفتاح الشخصية لدى الكاتبة يتوضح من خلال المغامرة الإنسانية لاكتشاف الذات، وكذلك من خلال قرار السفر المفاجئ الذي تولد عن استعارة "الدوار" والاستسلام للحب بوصفه منقذا باستمرار. هكذا يمثل التحول لدى شخصيات الرواية النسائية تحولا في قيمها وتجسيدا لرغبتها في إثبات وجودها بواسطة صيغ سردية وأسلوبية متنوعة تعمل كلها على ترسيخ بلاغة الانتصار.

 

باحث بفرقة البلاغة وتحليل الخطاب المغرب-تطوان


[i] - شهلا العجيلي، سجاد عجمي، منشورات ضفاف- الاختلاف، الطبعة الأولى 2013، ص:13.

[ii] - نفسه، ص:20.

[iii] - نفسه، ص:7.

[iv] - نفسه، ص:18.

[v] - نفسه، ص:5.

[vi]- نفسه، ص:106.

[vii] - نفسه، ص: 118.

[viii] - نفسه، ص: 7.

[ix] - نفسه، ص: 91.

[x] - نفسه، ص: 7.

[xi] - نفسه، ص: 102.

[xii] - نفسه، ص: 127.

[xiii] - نفسه، ص: 25.

[xiv] - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، الجزء الأول، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين، المكتبة العصرية بيروت صيدا، ص:26.

[xv] - نفسه، ص:23.

[xvi] - سجاد عجمي، ص: 98.

[xvii] - نفسه، ص: 115.

[xviii] - نفسه، ص: 120.

[xix] - نفسه، ص: 52.

[xx] - نفسه، ص:56.

[xxi] - نفسه، ص: 38.

[xxii] - نفسه، ص: 58.

[xxiii] - نفسه، ص: 56.

[xxiv] - ميلان كونديرا، فن الرواية، ترجمة بدر الدين عروكدي، أفريقيا الشرق، 2001، ص:34.

[xxv] - سجاد عجمي، ص: 120.

[xxvi] - نفسه، ص: 29.

[xxvii] - نفسه، ص: 30.

[xxviii] - نفسه، ص: 118.

[xxix] - نفسه، ص: 121.

[xxx] - نفسه، ص: 122.

[xxxi] - نفسه، ص: 124.

[xxxii] - نفسه، ص: 59.

[xxxiii] - نفسه، ص: 106.

[xxxiv] - نفسه، ص: 151.

[xxxv] - نفسه، ص: 152.

[xxxvi] - نفسه، ص: 153.

[xxxvii] - نفسه، ص: 157.

[xxxviii] - نفسه، ص: 166.

[xxxix] - نفسه، ص: 126-127.

[xl] - نفسه، ص: 84-85.

[xli] - نفسه، ص: 84.

[xlii] - نفسه، ص:140.

[xliii] - نفسه، ص: 85.

[xliv] - نفسه، ص: 156.

[xlv] - نفسه، ص: 161.

[xlvi] - نفسه، ص: 163.

[xlvii] - نفسه، ص: 164.

[xlviii] - يعرف كونديرا الدوار بقوله: "لقد أصيبت بالدوار. ولكن ماهو الدوار؟ أبحث عن التعريف وأقول: رغبة خانقة، لا تقاوم، في السقوط. لكني سرعان ما أصحح نفسي وأدقق التعريف: أن يصاب المرء بالدوار يعني أن يكون سكرانا من ضعفه. إننا نعي ضعفنا ولا نريد مقاومته بل الاستسلام له". مرجع مذكور، ص: 35.

[xlix] - سجاد عجمي، 165.

[l] - نفسه.

[li] - نفسه، 168.