يكتب الناقد المصري ان الروائي تناول تلك الفترة التي أعقبت الثمانية عشر يوما، وقبل حكم الإخوان، متسلحا بالفترة الزمنية التي مضت من حينها وحتى كتابة عمله الروائي «الكومبارس» التي سعي فيها للحفاظ علي الجانب الإنساني، كعمل روائي، والجانب التأريخي، تأكيدا لدور الرواية في تصويب التاريخ الذي يزوره المؤرخون.

الكومبارس .. في دور البطولة

شوقي عبدالحميد يحيى

وتهدأ الأنفاس قليلا بعد ثمانية عشر يوما من الإقامة في ميدان التحرير، دارت عجلات الطباعة متسارعة في إخراج العديد من الأعمال الإبداعية، وعلي رأسها الرواية، مسجلة تلك المفارقات، والأحداث التي تؤرخ لشعب خرج تلقائيا، بعد أن فاض به الكيل، ليعلن عن وجوده الذي لم يزل.. بينما ظنه الكثير، في الداخل والخارج أنه مات. بينما كان هو حي يتنفس الهواء، ويعيش حالة اليأس والإحباط التي أوصلته للاجدوي واللاأمل، فهجر الصراع مع ديدان علي سطح الأرض، ليستعد للصراع معها تحت الأرض.

وإن كانت الرواية في تسارعها لتسجيل الحدث .. قد توقفت عند الثمانية عشر يوما، وتوقفت عند مجرد التسجيل، وهو ما أسميناه من قبل "المرحلة التسجيلية"، متوقفة عند تصوير فرحة النهاية، التي تُوجت برحيل رأس النظام، فكانت نقطة الوصول لدي الكثيرينن ممن لم يدرسوا تاريخ الثورات، وآلاعيب الساسة، واستماتة السلطات في التمسك وعدم المغادرة. فإن هناك من الروايات التي تريثت قليلا، وتحدثت عمن اختطفوا الثورة، وأمموها لصالحهم، وهم بالطبع، جماعة الإخوان ومن والاهم من الجماعات المتأسلمة، بعد الإشارة بالطبع إلي تلك الثمانية عشر يوما التي زلزلت الثوابت، وحركت الجوامد، فظلت هناك فترة وسط، غفل عنها ما قدم من أعمال روائية –حتي تاريخه- ربما تحرجا، وربما خشية، وربما أملا. حتي اقتحم "ناصر عراق" تلك الفترة التي أعقبت الثمانية عشر يوما، وقبل ركوب الإخوان، متسلحا بالفترة الزمنية التي مضت من حينها وحتي كتابة عمله الروائي "الكومبارس"(1) والذي، كما أشار في نهايتها، كتبت ما بين 26 أغسطس 2014 و 25 فبراير 2016. والتي سعي فيها للحفاظ علي الجانب الإنساني، كعمل روائي، والجانب التأريخي، تأكيدا لدور الرواية في تصويب التاريخ الذي يزوره المؤرخون في أغلب الأحيان.

علي المستوي الإنساني، تدور الرواية حول عبد المؤمن السعيد، ذلك الممثل الطموح، الذي حلم بأن يحتل دور البطولة والشُهرة والنجومية، غير أنه ظل في دور الكومبارس، إلي مالا نهاية، مصابا بالعديد من محطات الإحباط الذي لازمته طوال مسيرته. ففي صباه الباكر، كانت أمه تستقبل الغرباء، فحطم أبوه رأسها ودخل السجن الذي مات فيه. وفي طفولته تمني "نرمين" ويوم أن قرر الاعتراف لها، وجدها علي علاقة بغيره. وفي معهد التمثيل، تمني "فايزة السعدني" فصارت حلمه، حتي تحولت لكابوسه الذي لازمه، حين اقترنت بزميله، رُبع الموهوب "حسن والي". فتزوج من "إيمان" زميلته أيضا في رؤية يائسة عبر عنها ب { إيمان في اليد ولا فايزة علي الشاشة}. حيث سعت إيمان إليه، بينما كانت فايزة تتألق في أدوارها علي الشاشة.

أنجبت "إيمان منه فاطمة" التي تزوجت أحد رجال الشرطة  "أمن الدولة" ، وفاتن التي بدأت رحلة التمثيل مثل أبيها، ووقعت في غرام أحد شباب اليسار، شاعر، وتحول إلي الرواية في نهاية الرواية، ربما في إشارة لتحول الكثير من الشاعرات والشعراء لكتابة الرواية، جريا وراء مقولة "زمن الرواية".  وبعد طول انتظار، أنجبت إيمان من عبد المؤمن، "أحمد" الذي هام به عبد المؤمن، حيث هو من سيحمل اسمه ويخلده، وربما كانت تعويضا نفسيا عن فشله في الحصول علي دور يمنحه البقاء والشهرة. غير أن "أحمد ما أن وصل لسن السابعة، حتي مات في حادث أليم، كان نهاية الأمل في حياة "عبد المؤمن"، وعلي أثره قرر إعتزال الحياة. ترك أسرته بعد أن ترك لهم كل ما يملك، وعاش باسم سلامة، في بلدة "كفر الحوا" دون أن يعلم أحد عن ماضيه شيئا. وهناك تعرف عليه "الدكتور دسوقي أبو حوَّ" والذي لا هو بالدكتور ولا يحزنزن، وإنما هو تاجر مخدرات، خارج للتو من السجن. فيجنده الدكتور للعمل في توصيل البضاعة، بعد أن اختبره في حفظها عنده كأمانة. وبما يوحي بأنه المؤتمن، ومحل الأسرار... عندما تقوم أحداث الثمانية عشر يوما، في ثورة يناير، لم يجد الشاب الثائر "ياسر الطوخي" من يأتمنه علي حفظ المنشورات إلا الحاج سلامة ، ليسخر عبد المؤمن من نفسه قائلا: { أنا الوحيد في العالم الذي يحمي تجار المخدرات .. والشباب الثوري}. ليفتح بذلك نافذة علي العالم الخلفي للرواية، وبُعدها السياسي، الذي أحكم الكاتب نسجه، في تخطيط يضع لكل شئ مقابله، فيعادله ويفصح به ما كان مستترا وراء الجانب الإنساني، الذي أضاف له بعض اللمسات التي تقربه من أرض الواقع، خاصة تلك الواقعة القابعة في خلفية حياته، والكافية لخلق إنسان به من العقد ما يجعلنا نسلم بتلك الانعزالية والصمت، والقلق والشك، تلك الحادثة التي وجد فيها أمه في حضن الغريب، وتحطيم رأسها بيد أبيه. حيث أفاض علم النفس في مدي تأثير مثل ذلك في حياته، كفرد. وما يحيلنا إلي مدلوها وبعدها الرمزي، علي المستوي السياسي.

ومثل الغيرة الإنسانية من جانب عبد المؤمن السعيد وحسن والي واتهامه له دائما بأنه ممثل فاشل. فحين سأله ياسر : { ما رأيك في حسن والي؟ أشعر أنه ممثل مفتعل رغم كونه مشهور جدا.

بحدة لم يرها كفر أبو حوا من قبل انفعل عبد المؤمن السعيد صائحا وكأنه كان يتوق لهذا السؤال: إنه ممثل ردئ .. ردئ جداً!}.ص245. 

ومثل طريقة تناول الطعام، بين الدكتور نجيب، الزوج الثاني لإيمان، العائد من فرنسا بعد طول إقامة بها، وبين أولائك الذين لم يغادروا الأرض المصرية، فكانت المقارنة كاشفة، عندما قالت "فاتن" ابنة عبد المؤمن عندما دعاهم الدكتور نجيب علي الغذداء والمناقشة في أحوال الثورة:

{ لاحظت أن عمو جميل لا يأكل سوي القليل وبهدوء، بينما انهمك الشباب في ازدراء الطعام بشهية لافتة}ص254.

غير أن تلك اللمسات الإنسانية، وغيرها، لم تُخفِ ذلك البعد الرمزي الذي كشف عنه الكاتب في فصله الأخير، وليته لم يفعل، فما كانت الأحداث، والشخصيات بخافية عن رؤية القارئ.

فإذا ما تأملنا العناصر الجسدية للشخصية الرئيسة في العمل "عبد المؤمن السعيد" وذلك التقابل بين "السعيد" وحالته الفعلية، وما وصل إليه من يأس ولا جدوي. لتبينا مدي المفارقة المقصودة في ذلك. فضلا عن طوله الفارعن وقوته الجبارة، والمتوارية، والتي لم تظهر إلا لمرات معدودة{ مشكلتك تكمن في عملقة جسدك أو صوتك الجهوري، وكنت تظنهما يقودانك إلي الشهرة والمجد}.

وإذا كان الكاتب قد قرن عناوين الفصول الخاصة بالكومبارس تحديدا بالتواريخ، ففي الوقت الذن ذكر فيها اسم أفراد الأسرة (إيمان –فاطمة – فاتن) بتواريخ تقع حول 25 يناير، قبلها بقليل أو بعدها، بينما في الفصول التي تتحدث عن "عبد المؤمن السعيد" فكان عناوين تلك الفصول إما شبرا بتواريخ تبدأ من العام 1968 وهي التي يتحدث فيها الكومبارس عن طفولته وصباه، وكأنه يعود بنا إلي ذلك الزمن البعيد –نسبيا -. أو كفر أبو حوا، مُرفَقا بتواريخ حديثة تبدأ من هجرته الأسرة وهروبه من واقعه، أو من الحياة. وكأنه يعيد النبتة إلي تربتها، أو يصل بنا إلي جذور المشكلة، والتي يتضح أنها تبدأ من العام 1967، رغم عدم ذكر التاريخ، إلا أنا نلحظ بدايات حرب الاستنزاف، والتي بدأت بالطبع بعد 1967 ، وكيف كان استقبال الصبي لها فاترا، أو بدون اهتمام، كما كان لدي الكثيرين ممن حوله، الأمر الذي يؤكد لنا أن بوادر المرض ، أو أعراضه كانت قد بدأت في الظهور.

ثم بمتابعة استخدام عبد المؤمن لجسده العملاق، فسنجد أنه لم يستخدمه إلا مرتين اثنتين. الأولي عندما فكر بعض الشباب أن يسخروا من صمته واستكانته، ظنا منهم بضعفه، والثانية عندما سيطر بقوته علي تاجر المخدرات، الذي استغله وانصاع له (عبد المؤمن/سلامة) فصفعه تاجر المخدرات، فكان مصيره القتل، علي يدي ذلك الذي ظنوه غير قادر علي الفعل. أي أن الكومبارس المستسلم، لم يَثُر إلا عندما أهينت كرامته.

كذلك بتأمل طفولة عبد المؤمن، تلك الطفولة المسالمة في بيت عمه، وقد شهد له مدرسوه، حيث حصل علي المركز الأول في التمثيل علي مستوي منطقة شبرا الخيمة التعليمية. أي أنه كان متفوقا في التمثيل، ولم يكن مجرد كومبارس. غير أن عبد الناصر ابن عمه – وليس أخاه الآخر، هو الذي قاده وعلمه شرب السجائر { هذه أول مرة أذوق فيها طعم السيجارة، لقد شجعني عبد الناصر ابن عمي علي التدخين، وأهانني واصفا إياي بأنني مازلت طفلا جبانا عندما رفضت في أول الأمر} ص85.

ثم هو أول من أذاقه الفاحشة مع البنت "عنبة" في المقابر {سأجعلك تتذوق طعم البنات}.

وهو الذي قاده للفرجة علي الصور الجنسية { اضطرم جسدي في لحظة بالانفعال والاندماج .... لكن عبد الناصر هب واقفا فجأة، وناولني المجلة، ثم واساني هامسا (سأدخل الحمام أولا .. ثم يأتي دورك..... هكذا إذن عرفت الطريق المحزن إلي دنيا المسرات السرية)}ص134. أي ان "عبد الناصر – وأفعاله – هو ما دفعه للانحراف نحو الموبقات. وهنا يبرز الدور الرامز لاسم عبد الناصر، وما كانت عليه حال الشعب بعد النكسة في يونيو 1967. وما حالة الشاعر الذي طالما تغني بالثورة ورجالها، صلاح جاهين، وما عرف عنه من إكتئاب وميل للعزلة بعد النكسة. ليقودنا كل ذلك إلي أن ناصر عراق ما أراد بشخصية الكومبارس إلا تمثيل، أو الرمز للشعب المصري الذي استكان، وتهمش دوره بعد النكسة المزلزلة للكيان، بعد أن كان قد عاش الوهم وصعد بالشعارات لعنان السماء، فإذا بقدميه تغوصان لسابع أرض. وهو الشعب المستكين الذي يرضي الكثير من الإهانة والتهميش، فلا يملك إلا الدموع واعتصار الألم لمشهد شكري سرحان في فيلم الزوجة الثانية، وصلاح منصور يجبره علي طلاق زوجته. إلا أنه يرفض ويثور إذا ما مُست كرامته.

وهنا يمكن رؤية تلك الواقعة التي تكمن في خلفية الشخصية، شخصية عبد المؤمن، الإنسان، وعبد المؤمن، الشعب. إذ قد لا نكون مبالغين إن تصورنا والدة عبد المؤمن، في الجانب الجمعي منها، مصر التي غزاها العديد من الجنسيات، فكم مر عليها من غزاة، وحكام، خضعت لغزوات احتلالية. ليأتي والده، والد عبد المؤمن، علي الجانب الإنساني، عبد الناصر، علي الجانب الجمعي، ليدمر العقل والجسد معا، حين أراد أن يثأر لمصر ممن غزوها، فإذا به يثأر من مصر ذاتها.

 وهي نفس النظرة التي يمكن النظر بها إلي إيمان والتي يمكن أن نراها في صورة مصر، مصر التي قبلت ذلك الشاب الذي رأته ممثلا بارعا، وله مستقبل، هي التي سعت إليه، ومنحته كل ما تملك، ولم يكن يملك من حطام الدنيا شيئا، فعاش معها في شقتها التي ورثتها عن أبيها بمدينة مصر، والتي كانت – مدينة نصر- في حينها مدينة المستقبل، وأنجبت منه البنتين، ثم في الرابع من يناير 1999منحته يحيي، ذلك الطفل الذي كان كل أمله، فكان صديقه الذي لا يتحدث مع أحد غيره. حتي مات بحادث سيارة المدرسة أمام عينيه في يوم من أيام يناير2007. وهي الحادثة التي أوقفت سير الدنيا في نظره وقرر إعتزالها، فكانت وجهته إلي "كفر أبو حوا" والتي فيها مات علي يد تجارالمخدرات الذين ذهبوا إليه ليسألوه عن بضاعتهم بعد أن كان قتل كبيرهم. بينما كانت زوجته "إيمان" قد هامت حبا وتزوجت دكتورجميل الشناوي – ونلاحظ جمع الإسم بين الدلالة والصفة- الذي أقام ربع قرن في فرنسا يدرس المسرح وحصل علي الدكتوراه منها وهو { مهذب خفيض الصوت.. شعره ضارب للرمادي المفضض، وقسمات وجهه متناسقة ومريحة، ومن عينيه البنيتين تنطلق أشعة حادة تربك أي أنثي}ص67. ونكتشف أن الدكتور جميل أحد أعضاء لجنة التغيير، مع دكتور محمد البرادعي، ويتحول إلي قائد للشباب في ميدان التحرير، حيث رشحته لذلك مقالاته اليومية، خاصة مقالته عن "الثورة المغدورة". وبذلك تحول دكتور جميل، الإيجابي المثقف، الجامع بين الحداثة الفرنسية، والأصالة المصرية، تحول إلي أيقونة الثورة التي تعلقت بها إيمان/ مصر، رافضة عبد المؤمن، السلبي المستسلم، والذي شعرت أنها معه لم تكن متزوجة.

وينطلق من نفس الرؤية ايضا نظرتنا للضابط عاطف، ضابط أمن الدولة، زوج فاطمة ابنة الكومبارس عبد المؤمن. والذي أذاقها كل ألوان الإهانة، من ضرب، واجتلاب العاهرات إلي منزل الزوجية، واستدعاء زوجته من منزل أمها بالشرطة، وقاتل المتظاهرين، حيث ظهرت صورته متلبسا بالفيديو، فطلبت زوجته منه الطلاق، فهدد وتوعد وأقسم ألا يطلقها.. ولم يرضخ إلا بالتهديد من مساعد الوزير. وحيث لعبت التواريخ في عناوين الفصول دورها أيضا. حيث (فاطمة 11 فبراير 2011 السادسة مساء ) حيث إعلان عمر سليمان تخلي مبارك عن السلطة، وبداية ظهور "ياسر الطوخي" أحد شباب الثورة الناشطين. في ذات  الوقت الذي يعود فيه الضابط عاطف لمنزله، ويطلب "فاطمة"  للفراش، فترفض، ف { زمجر واشتعل غضبا، ولكمني بقيضته في كتفي ودفعني فارتطم ظهري بالباب .. وفي أقل من دقيقة ارتدي عاطف ملابسه وقال بصوت كريه قبل أن يغادر:

والله يا بنت الكلب .. لن أطلقك ولو بعد مائة عام}ص190.

 ليتحول عاطف إلي أيقونة الشرطة، التي قامت عليها ثورة يناير في الأساس. ولترحل برحيل مبارك. حيث تقول فاطمة: {للأسف .. زواجي بدأ نسمة طرية وانتهي عاصفة هوجاء} ص215.

وكأنها تعبر عن صورة العلاقة بين الحكم العسكري والشعب.

إلا انه رغم تلك الرؤية التي تعيد أسباب الثورة إلي نكسة يونيو، إلا أن طائفة من الشعب، خاصة اليساريين، لم تكفر بعبد الناصر، في الوقت الذي صب جام غضبه علي من أتوا بعده. ففي حوار بين فاتن. النسخة الثانية من عبد المؤمن، في الشبه، وفي حب التمثيل، والتي انتقلت من حب أحد أعضاء جماعة الثوريين الاشتراكيين، إلي حب زعيم الجماعة "باسم" – ونلاحظ أيضا دلالة التفاؤل التي يوحيها الاسم – حيث تحلم فاتن بأنها رأت أباها فوق دبابة في ميدان التحرير ويتقمص شخصية جمال عبد الناصر أمام الحشود وسط هتافات تزلزل الميدان، وحكت الحلم لخطيبها باسم، زعيم "الثوريين الاشتراكيين" فقال لها { حلم جميل حقا.. وعبد الناصر كان زعيما وطنيا لم يسرق شعبه بعكس من جاءوا بعده}ص178. ولذا  تغاضيت الرواية عن تحول كبير في حياة الشعب المصري، حيث كانت حرب أكتوبر 1973، نقطة تحول جوهرية، ولم يرد لها إشارة في حياة الكومبارس. 

الثورة المغدورة
في سابقة روائية – علي قدر ما طالعت من روايات الفترة – يتعرض ناصر عراق لفترة ما بعد مغادرة حسني مبارك، وما قبل فترة الإخوان. كاشفا عن الكثير الذي لم يكن قد اتضح تماما فيما خرج من روايات، كانت تسابق الزمن. وهو ما يؤكد ما سبق أن كررناه كثيرا، من احتياج الرواية لفترة بحث وتأمل، بخلاف الشعر والقصة القصيرة. ٍحيث أثير الكثير من الأقاويل التي تدين المجلس العسكري، بطريقة سياسية لإحباط الثورة. حيث لم تكن مشكلة المجلس مع مبارك ولكن في أن يأتي جمال مبارك وهو المدني ليحكم المجلس العسكري. وهو ما أكدته رواية "الكومبارس" في الحديث عن تصرفات المجلس العسكري فيما قبيل تخلي مبارك، فيوضح "باسم" زعيم الثوريين الاشتراكيين بقوله:

{أعتقد أن هذه القيادة انزعجت كثيرا من فكرة توريث الإبن، فجمال مبارك رجل لا ينتمي للمؤسسة العسكرية بأية صلة، فما إن شاهدت هذه القيادة الملايين يملأون ميادين مصر كلها حتي قررت الإطاحة بالأب والإبن معا}ص140.       

وهو نفس المعني –تقريبا – الذي جاء في حوار بين "إيمان" وزوجها "د جميل" عمن غدر بثورة يناير، فيجيب د جميل:

{غدرت بها الطبقة القديمة المسيطرة منذ عقود وممثليها في السلطة الآن.. أعني المجلس العسكري.. صحيح أنه انحاز للشعب في ثورته ضد مبارك، لكنه لم يقتلع نظام مبارك من جذوره، وهكذا اكتفب بإبعاده وعائلته وبعض رموزه عن المشهد، لكن لا السياسات تغيرت ولا التوجهات الاقتصادية تبدلت}ص 306.

خاصة وأن العديد من الشواهد والأدلة قد أكدت ذلك، سواء علي أرض الواقع، أو ما شهدت به "الكومبارس" علي لسان ثوار الميدان {امتلأت صدورنا بالحماسة بعد انتهاء اللقاء، وشعرنا أننا يجب أن نخطو خطوة عملية نوقف التلكؤ الذي تتسم به إدارة المجلس العسكري للبلاد}ص255.

حيث كان هناك من يستعد لاستغلال ذلك التلكؤ، للوثب علي الثورة، فيواصل فيلسوفها (د. جميل) في تحليله {لكني حزين، فأنت تشاهدين كيف يتلاعب المجلس العسكري بأهداف الثورة، وكيف تصعد التيارات الإسلامية بانتهازيتها التاريخية وتسطو علي عقول الناس، وكيف تتفتت قوي اليسار الاشتراكي وتتناثر في تجمعات واتلافات وأحزاب، فكل واحد يريد أن يصبح زعيما}ص302.

وهكذا أصبحت الثورة مغدورة، حيث ضاع الأمل وتحول الحلم إلي كابوس. وهو ما دعا ناصر عراق، أن يؤرخ فصوله كلها فيما بين يناير وفبراير، لا علي أن الثورة قامت في يناير، ورحل مبارك في فبراير، فقط، وإنما لأنهما من الشهور الشتوية، تكثر فيهما الأمطار، وتغضب فيهما السماء وتزمجر، وهو ما يضفي المزيد من جو التقوقع والانكماشن، وهو ما يعبر خارجيا عن الحالة النفسية، الداخلية للكومبارس، وما يؤكده أحد الثوار بغضب أمام عدم الوضوح الذي يسود المشهد {يا جماعة.. ألا تشعرون أن في الجوغيوم كثيرة؟}ص267. فكان تعبيرا فعليا ومجازيا في ذات الآن.

وهكذا استطاعت "الكومبارس" التزاوج بين الواقعي والرمزي، في تخطيط محكم، عبر عنه في كليته، بما أحدثته ثورة يناير 2011، من نقلة فردية تمثلت في انتقال الأسرة جميعها من مدينة نصر، حيث كانت الأسرة تسكن مع عبد المؤمن، وحيث تراجعت مدينة نصر عما كانت عليه في السابق، إلي التجمع الخامس، بعد زواج "إيمان من د.جميل، حيث يمثل التجمع الخامس في الحاضر ، الحاضرة، أو المنطقة المميزة، وربما هي المستقبل.

فإذا كان الشعب المصري قد عاش في دور الكومبارس لعقود طويلة، فإنه في 25 يناير 2011 قد حصل – أخيرا – علي دور البطولة.

غير أن فصل الرواية الأخير، أصر الكاتب علي تفسير المفسر، أو تقريب القريب، فرؤية الرواية وفق ما تقدم، ليست بعيدة علي فهم القارئ العادي. إلا ان طلب الشاب الثوري "باسم" كتابة حكاية "عبد المؤمن" في رواية، فأجابه نجيب { فلتكن قصة حياة عبد المؤمن إدانة للضيم والظلم، ولتكن كذلك خلفية لوقائع ثورة يناير الحائرة المرتبكة والتي لم تُكتب بعد}ص318.

بل وزادها وضوحا يصل للمباشرة التي تفسد الإبداع { وليكن اسم الرواية .. الكومبارس!}.

 

Em:shyehia48@gmail.com

 

(1)  ناصر عراق – الكومبارس- رواية – الدار المصرية اللبنانية – ط 2 – 2016 .