رسالة الأردن

الثقافة في الأردن... بين الحكومات ومثقفيها

طارق حمدان

هل من الممكن للحكومات العربية أن تنتج ثقافة حقيقية وتسعى إليها؟ وفي ظل غياب ديمقراطية حقيقية وفي ظل السلطات الأحادية وفي ظل التشوه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هل يمكن أن يكون هناك ثقافة حقيقية؟ أين جهود المثقف ونشاطه؟ أين موقفه؟ هل يؤدي المثقف الأردني الدور المطلوب منه؟ هل هو مثقف فاعل و عنصر مؤثر  في مجتمعه؟ هل المؤسسة الثقافية الرسمية  كانت جادة بتنشيط الحركة الثقافية والتركيز عليها؟ هل نضع اللوم على الجهات الرسمية ونحملها كامل المسؤولية؟  ما هي أسباب صمت المثقف الأردني عن معظم القضايا المحلية التي تخصه بالدرجة الأولى بالإضافة إلى صمته عن القضايا العربية والعالمية، فلا يكاد احد يسمع له صوت لا في الداخل ولا الخارج؟ أين المثقف الأردني من تفعيل الحراك الثقافي العام بشكل حقيقي وجاد؟ أين المثقف من تلك الممارسات (المنع، المصادرة، التضييق على الرأي والفكر)؟ لماذا لايسجل موقفه؟ هل كل هم المثقف الأردني الشعارات الصداحة في البيانات الحكومية أم انه يحتاج إلى خطوات عملية وجادة لخلق حالة ثقافية حقيقية؟ وما هو الأهم، هل الوعود ببناء مقرات لمؤسسات ثقافية، ووضع خطط فلكلورية لا تقدم ولا تؤخر؟ أم العمل على ترسيخ حرية الرأي والتعبير وفتح الآفاق أمام المفكر والفنان والمثقف؟ هل كان لأي حكومة عربية أن تتجرأ على التقليل من حجم الثقافة، لولا وجود مثقف خامل وكسول لا يعمل ولا يمتلك صوت يسمعه لمن حوله؟ من هو بحاجة إلى ضربات كهربائية  هل هي الحكومات المصابة بشلل أطفال أم المثقف الذي ينتظر منه الكثير؟

أسئلة كثيرة لا أول لها ولا آخر يمكن لأي متتبع أن يطرحها عند النظر في أي قضية تخص الحالة الثقافية في الأردن، وكما يعلق احدهم فإن "المثقفين يحق لهم أن يسخطوا على حكوماتهم، ولكن أليس الأولى على المثقفين أن يسخطوا على أنفسهم؟ فأين هم وماذا قدموا لمجتمعهم؟"

ففي أواخر نوفمبر الماضي كان الأردن قد شهد تغيير حكومي، حيث كلف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة جديدة، خلا بيانها من أي إشارة لموضوع الثقافة، الأمر الذي دعا رابطة الكتاب الأردنيين إلى إصدار بيان، استنكرت فيه خلو بيان الحكومة الجديدة الذي قدمته لمجلس النواب لنيل الثقة على أساسه، من "أية إشارة لموضوع الثقافة، الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في أي بيان حكومي منذ مدة طويلة" وفي البيان إشارة إلى أن هذا الأمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ الحكومات الأردنية! مما يضعنا أمام تساؤل قاس قد يوجهه الكثير لرابطة الكتاب: ماذا فعلت الحكومات السابقة للثقافة في الأردن؟ وماذا أفادوا الثقافة في زجها بشعارات بياناتهم الفلكلورية؟

ويعود بيان الرابطة الذي صدر مؤخرا  ليتساءل "هل أهمية الثقافة تراجعت بين ليلة وضحاها؟ أم أن الأمر متعلق فقط بالحكومة الحالية؟ وهل يعني هذا أن الحكومة الحالية قد أسقطت الثقافة من حساباتها عامدة متعمدة، أم أن الأمر حدث سهوا؟". كما ويضع هذا التساؤل سؤال آخر موجه للسادة رابطة الكتاب مفاده: ماهي الأمور العملية والحقيقية التي قدمتها الحكومات السابقة للثقافة أيتها الرابطة؟ وتتابع رابطة الكتاب وتستغرب في بيانها "هذا التجاهل الذي تبديه الحكومة تجاه موضوع الثقافة في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن التنمية والنهوض والتطوير". ودعا البيان إلى "استدراك هذا التقصير ومعالجته، ودعا أيضا نواب البرلمان الأردني الجديد الذي جاء مؤخرا، إلى "إثارة المسألة الثقافية والتركيز عليها"، ولكن لا احد يدري ما يمكن أن يخرج من هذا البرلمان الجديد، والكل يتذكر تصرفات البرلمان السابق الذي صادق على حبس وتوقيف الصحفيين بتناغم واتفاق مع الحكومة!

رئيس رابطة الكتاب "سعود قبيلات" قال في احد الصحف الأردنية "إن خلو البيان الحكومي من أي إشارة إلى موضوع الثقافة يعد سابقة تستدعي قلق المبدعين وقلق كل المعنيين بالشأن الثقافي".ويصف هشام غصيب رئيس جامعة الأميرة سمية الحكومة الجديدة بأنها "حكومة نيولبرالية قلبا وقالبا تسعى إلى تجسيد إيديولوجية النيو ليبرالية بحماسة وتجسيد أمين". وفي تعليق  كاريكاتوري جاء في نفس الصحيفة، يعلق مصدر حكومي على خلو بيان الحكومة من الموضوع الثقافي ليقول "أن الثقافة كانت متغلغلة في طيات البيان، لأنها موجودة في التعليم وكل الحقول الحكومية"!! ولا عجب من هذا التعليق، فقد كانت الحكومة السابقة قد عينت مدرسين جامعات وموظفي وزارة التربية والتعليم وموظفي وزارة الأوقاف في لجنة للترتيب لمشروع "القدس عاصمة للثقافة العربية 2009"!!.

لا احد يعلم إلى الآن ما إذا كان سينشب أزمة بين رابطة الكتاب وبين الحكومة الجديدة، أم أن الحكومة الجديدة "ستسترضي" الكتاب، وتستدرك ما اعتبره البعض "هفوة ". ويجمع الكثير من المتابعين أن من حق رابطة الكتاب والمثقفين في الأردن أن يعربوا عن قلقهم من هذا الموقف، ولكن أسئلة كثيرة توضع أمام طاولة المثقفين في الأردن، ماذا سيفعلون إن اهتمت بهم الحكومة؟ وماذا سيفعلون إن تجاهلتهم؟ هل الثقافة هي عقار مرهون بأيد الحكومات؟ أم أنها من صنع مثقفيها؟ ومن يصنع الثقافة الحكومات أم المثقفين؟.  


tarikil@yahoo.com