نقدم هنا قصيدتين من الديوان الأخير للشاعر الفلسطيني (عشتار والمطر الأخضر) يدفع عبرهما بالشعر الكابوس الذي يخيم على الواقع الفلسطيني ويتعلل به عن ترديه.

قصيدتان

لطفي زغلول

 

الليلة شعر .. وغدا أيضا شعر

حِينَ تُضَاءُ فَضَاءاتِي .. شِعْراً

أَصْحُو مِن غَفوَةِ لَيْلِي المَصْلُوبِ ..

عَلى جُدْرَانِ مَنافِيهِ

يَتَسامَى الليْلُ ..

يَذُوُب رَذاذَ رُؤىً

يَخْضَوْضِرُ حِينَ يقَبِّلُهُ .. قَمَرٌ

قَد جَفَّت عَيْناهُ يَبَاباً

وتَصَحَّرَ فِي زَمَنِ التِّيهِ

الليلُ .. إذا تُلِيَت آياتُ الشِّعْرِ ..

تُلَوِّنُهُ الأَشْوَاقُ العَطْشَى ..

المَخْبُوءةُ سِرَّاً

نازِفَةً من شَبَقِ العُشَّاقْ

يَجْتاحُ الشِّعْرُ فَضَاءَ الكَوْنِ ..

الشَّمْسَ القَمَرَ ..

النَّجْمَ الطَّيْرَ الزَّهْرَ ..

النَّهْرَ البَحْرَ ..

المَوْجَ المَرْجَ الأَوْجَ الآفَاقْ

الشعْرُ عَشِيقُ الليلِ ..

رَبِيبُ الطُّوفَانِ الأَخْضَرْ ..

يُزْهْرُ أَلَقاً .. يَهْمِي عَبَقاً

يُبْحِرُ في زَوْرَقِهِ ..

يَصْطادُ الأَنْجُمَ والأَقْمارَ  ..

يُلَوِّنُها شَبَقاً

ويُلَوِّنُ وَجْهَ الأَرْضِ ..

يُسافِرُ بَينَ حَنايَاها

يُمْطُرُها عِشْقَاً .. يُغْرِقُها

يأسِرُها بَينَ ذِرَاعَيْهِ ..

لا يَعتِقُها

الليلَةَ شِعْرٌ ..

وغَدَاً شِعْرٌ مِدْرَارٌ

حتَّى تَنْتَحِرَ الشَّمْسُ ..

وُيْغِمضَ عَيْنَيْهِ القَمَرُ المَحْزُونُ ..

وَيَرْحَلُ عِنْدَ الفَجْرِ ..

يَجُرُّ حَقَائِبَهُ الثكْلَى

لَم يَُبْقِ بِعُهْدَتِهِ إلاَّ بَعْضَ الأوْرَاقْ

تَنْزِفُ أسْطُرُهَا ..

شَيْئَاً مِن تَارِيخِ العِشْقِ ..

وَتَحْكِي بَعْضَ فُصُولٍ ..

مِن سِيَرِ العُشَّاقْ

عشتار والمطر الأخضر

كيفَ أُناجِيكِ .. بِأَيةِ لُغَةٍ ..

أَرْوِي تَغْرِيبةَ شِعْرِي

أَخْشَى أَنْ تَسْرِقَ مِنْ سِرَّي ..

يَوماً سِرِّي ..

نَجماتٌ تَرصدُنِي .. تَترَبَّصُ بِي

وَتبُوحُ بِهِ فِي نَزْوَةِ شَبَقٍ لِلأَقمِارْ

أَخْشَى أَنْ أَصحُو فِي عَينَيكِ ..

وَقَد أَصبَحتُ غَريبَ الدارْ

آهٍ عَشْتَارْ ..

أَنَا تَارِيخٌ حَطَّ التَّارِيخُ ..

رِحَالَ قَوَافِلِهِ فِي بَاحَةِ أَيَّامِي

وَغَدَاةَ ارْتَاحَ زَمَانَاً ..

شَدَّ حَقَائِبَهُ

وَبَقِيتُ وَحِيدَاً أَجْتَرُّ الذِّكْرَى

أَتَدَثَّرُ دِفْءَ عَبَاءَتِِهِ شِعْرَا

آهٍ عَشْتَارْ

أَنَا طَيْرٌ .. لَم أَتْبَعْ سِرْبِي

لَمْ أَتَرَجَّلْ عَنْ صَهْوَةِ كِبْرٍ

سَافَرَ بِي .. ظَلَّلَ بِغَمَامَتِهِ دَرْبِي

مَنْ غَيْرُكِ أَنْتِ يُلَوِّنُ أَوْجَ خَيَالاتِي

بِصَلاةٍ تُوقِظُ أَوْتَارِي

وَتَسُوقُ إلَى مِحْرَابِي ..

المَطَرَ الأَخْضَرَ مِدْرَارَا

مَنْ غَيْرُكِ تَغْتَسِلُ الرَّعْشَاتُ بِصَبْوَتِهَا

فَتُصَلِّي سِرَّاً وَجِهَارَا

مَنْ غَيْرُكِ أَتْلُو الشِّعْرَ لَهَا

كَيْ تُشْعِلَ فِي شِعْرِي النَّارَا

لا تَرْتَحِلِي .. الَّلَيْلَةَ شِعْرٌ ..

وَغَدَاً شِعْرٌ يَا عَشْتَارْ

لَنْ أَصْحُو مِنْ سَكْرَةِ قَلَمِي

الشِّعْرُ شِرَاعٌ يُبْحِرُ فِي أَنْوَاءِ دَمِي

لا تَرْتَحِلِي

مَازَالَ صَهِيلُ كُؤُوسِ الشِّعْرِ يُطَارِدُنِي

يُدْنِينِي السَّاقِي مِنْهُ ..

وَيَرْجِعُ عِنْدَ الصَّحْوِ يُبَاعِدُنِي

وَسِيَاطُ قَوَافِيهِ تَزْحَفُ تَتْرَى نَحْوِي

تُلْهِبُ صَحْوِي .. حِمَمَاً مِنْ نَارْ

لا تَرْتَحِلِي

أَغْلَقْتُ عَلى ذَاتِي .. ذَاتِي

هَيَّأتُ لِهَوْدَجِكِ الأَزَلِيِّ مَدَارَاتِي

وَوَقَفْتُ عَلى شُطْآنِ بِحَارِي أَزْمَانَاً

أَرْنُو مِن نَافِذَةِ الكَلِمَاتِ ..

أُجَدِّفُ شَطْرَكِ لَيْلَ نَهَارْ

فِي كُلِّ مَسَارْ

يَحْمِلُنِي فَوْقَ جَنَاحَيْهِ نَبْضُ حُرُوفِي

يَرْمِينِي بَيْنَ يَدَيْكِ ..

أُصَلِّي .. عَلِّي أَفْرُشُ مِحْرَابِي

بِرُؤى خَضْرَاءَ ..

تُضِيءُ ظلام فَضَاءاتِي

آهٍ عَشْتَارْ

لَوْأَنِّي لَمْ أَقْرَأْ فِي لُجَّةِ عَيْنَْيكِ ..

الأَلَقَ بُحُورَا

لَوْ أَنِّي لَمْ أُبْحِرْ فِي تَارِيخِكِ ..

أَزْمَانَاً وَعُصُورَا

لَوْ أَنِّي لَمْ أَنْزِلْ فِي تَارِيخِكِ ضَيْفَاً

لَوْ أَنَّكِ لَمْ تَلِدِي عِشْقِي

لَرَسَمْتُكِ فِي أَوْجِ فَضَائِي ..

غَيْمَةَ عِشْقٍ ..

تُغْرِقُنِي بِالمَطَرِ الأَخْضَرْ

وَأَضَأتُكِ فِي مِحْرَابِ جُنُونِي قِنْدِيلاً

يَزْرَعُ لَيْلاتِي أَقْمَارَاً

بِوِشَاحِ رُؤاهَا أَتَدَثَّرْ

لَوْ لَمْ تَنْحَتْكِ رُؤىً ..

ثَمِلَتْ لَيْلَةَ عِشْقٍ

لَنَحَتُّكِ مِنْ شَبَقِ حُرُوفِي

أَلَقَاً عَبَقَاً .. نَارَاً نُورَا

شاعر من فلسطين