سالة الأردن: بين القمحة والشعيرة

في الحصاد الثقافي لعام 2007

طارق حمدان

 

هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟؟ هذا هو التساؤل الذي تسائله الكثير عند بداية العام 2007.

انقسم المثقفون والفنانون الأردنيون إلى فئتين، الأولى نظرت إلى العام 2007 كعام تحقق فيه انجازات ثقافية عديدة خدمت المثقف والفنان، وفئة أخرى نظرت إلى العام الماضي، كباقي الأعوام التي انقضت دون أن يكون فيها أي تقدم جوهري في موضوع الثقافة، الفئة الثانية ظلت تنظر إلى الأولى على أنها سطحية وشكلية، وظلت تشكك في ماهو مطروح، بينما كان للفئة الأولى رأي آخر يرى أن العام الماضي هو العام الذي حققت فيه الثقافة حضورا كبيرا، وظلت تلك الفئة تشيد بجهود الحكومة وجهود وزارة الثقافة، وظلت تصفق لها على مدار عام كامل في الصحف الرسمية الأردنية. 

شهد العام الماضي  قوانين ومشاريع وميزانيات، بعضها نفذ والبعض الآخر ينتظر التنفيذ. وتساؤلات كثيرة طرحت من قبل المثقفين والمراقبين للوضع الثقافي، في ظل عام كامل من التصريحات والوعود من قبل الجهات الرسمية، بوضع خطط جادة "للتنمية الثقافية" والعمل على تفعيل الحياة الثقافية في الأردن. حيث تم رصد عشرة ملايين دينار وضعها الملك لاستحداث صندوق للتنمية الثقافية ـ الصندوق إلى الان غير معلن وغير معروف ما إذا كان سيدعم الثقافة من خلال تقديم الدعم للحركة الثقافية، أم سيتم استخدام الأموال في بناء مجمع ثقافي ضخم في وسط العاصمة عمان ـ، تم إقراره في الجلسة التي جمعته مع رؤساء ومديري بعض المؤسسات والدوائر الثقافية، كما وحصلت وزارة الثقافة على موازنة جديدة بلغت ثلاثة أضعاف الموازنة التي كانت تحصل عليها، في الوقت الذي وجد فيه الكثير من المتابعين أن المشكلة ليست مشكلة موازنات وتمويل وبنى تحتية، بقدر ما هي مشكلة إدارة ورؤية واهتمام.

خرج العام 2007 بوزير ثقافة شهد الكثير بنشاطه، حيث تم العمل على العديد من المشاريع، كان منها، نظام التفرغ الإبداعي، ومشروع المدينة الثقافية، ومكتبة الأسرة، وغيرها من المشاريع التي تحققت ـ وان كان الكثير لم يرض عن مستوى تحققها ونجاحها. وظلت وزارة الثقافة على مدار عام كامل تتحدث عن "التنمية الثقافية". خطة التنمية الثقافية هي خطة قام بوضعها وزير الثقافة الأسبق عادل الطويسي، وتهدف حسب راي الوزارة، إلى تفعيل الحراك الثقافي في الأردن وتنشيطه من خلال رزمة مشاريع تحقق بعضها. "موال التنمية الثقافية" لم يرق للكثير من المثقفين والمتابعين، الذين كانوا يتحدثوا في جلساتهم بأن التنمية الثقافية المطلوبة ليست سوى فتح باب الحرية الفكرية، وحرية الرأي والتعبير، وأن التنمية الثقافية المطلوبة هي محاربة الجهل والأمية، والتخلص من المحسوبية والشللية، والاهتمام بالإعلام وتثقيفه، وإفساح المجال للمبدعين الشباب، والتخلي عن "الديناصورات"، وتعديل المناهج التعليمية التي تفرض الجهل القسري وتكرس الأمية الثقافية، والتركيز على كيان المواطن لتأكيد وعيه بحريته وكرامته وقدراته العملية والفكرية.

الثقافة وحرية الرأي والتعبير
شهد العام الماضي ممارسات من الجهات الرسمية أعادت الجسم المثقف إلى الخطوات الأولى في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، حيث شهد العام 2007 مصادرة ومنع العديد من الكتب كان أبرزها منع رواية "أصل الهوى" لكاتبتها حزامة حبايب، وشكلت حادثة منع "أصل الهوى" سابقة في تاريخ الرقابة كله، حيث تم الموافقة على تداول الرواية، ليتم منعها بعد صدور قرار الموافقة بأقل من 24 ساعة!!، فلم يكن قرار المنع مستغربا بقدر الملابسات التي انطوت على قرار المنع، والذي عكس مقدار الفوضى والتخبط الذي تعاني منه المؤسسة الرقابية.

كما وشهد العام الماضي صدمة للمثقف والصحفي الأردني، عندما اقر مجلس النواب وبتناغم وانسجام مع الحكومة، التعديلات التي أوصت بها لجنة التوجيه الوطني فيما يتعلق بحبس وتوقيف الصحفيين والكتاب، وبرزت من جديد أزمة عدم الثقة الموجودة أصلا بين النواب وبين المواطن العادي، طارحة الكثير من الأسئلة حول أداء النواب و حول مستوى الكفاءة وطريقة العمل، وحول ثقافة الديمقراطية والأسس والمعايير التي يتم فيها الترشح والانتخاب، فشهدت الساحة الأردنية، حالة من التساؤلات والاستغراب والاستهجان جراء مواقف النواب الذين يفترض أن يكونوا الداعي الأول للديمقراطية وحرية التعبير، لا أن يرسخوا النظم الباطريركية والرجعية.

ويبدو أن الرقابة الأردنية التي لا يفوتها شيء قد قررت أن تواكب التقدم والتكنولوجيا في العام 2007!!، وان تفتح أعينها على المواقع والصحف الالكترونية، التي يبدو أنها وجدت فيها خروجا خطيرا على نمط الإعلام الذي اعتاد المواطنون سماعه، والذي تنظر له شريحة واسعة وكبيرة من الأردنيين على انه إعلام مدجن، يغرد خارج سربهم ولا يحظى بالمصداقية والمهنية والثقة، التي ينبغي توفرها بين المؤسسة الإعلامية والمتلقي. حيث تفاجأ الكثير من المثقفين والصحفيين بإعلان "دائرة المطبوعات والنشر" أنها ستبدأ رقابتها على كل المواقع والصحف الالكترونية،التي باتت تخضع لرقابتها، وستقوم بالإشراف على هذه المواقع ومتابعة (التجاوزات) التي من الممكن أن تصدر عن تلك المواقع. وخرجت ردود فعل سلبية من قبل الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف الالكترونية، الذين لوحوا باللجوء إلى القضاء الأردني في حال تم تنفيذ القرار. وعبروا "أن القرار يندرج تحت الأحكام العرفية التي تعود بالمجتمع إلى الوراء، وان القرار هو وسيلة لكبح جماح الحريات التي بدأت بالتنفس قليلا عند ظهور الصحف الالكترونية".

التفرغ و التفرج
رحب الكثير من الفنانين والمثقفين بالانجاز الذي تحقق بإقرار نظام "التفرغ الإبداعي" ـ التفرغ الابداعي هو عبارة عن منحة مالية تقدر ب 29 الف دولار تتيح للمبدع ان يتفرغ سنة كامله لإنجاز عمله الابداعي ـ واعتبره الكثير خطوة هامة في بناء حركة ثقافية جادة وسليمة، ولكن كان هناك أيضا خيبة أمل كبيرة، عند قراءة القوانين والتعليمات المتعلقة بنظام التفرغ الإبداعي. وعززت خيبة الأمل تلك من موقف ممن كانوا يشككون بجدية الجهات الرسمية، في تعزيز وتطوير الحركة الثقافية في الأردن. حيث وصف الكثير من الكتاب والمثقفين "نظام التفرغ الإبداعي" بأنه نظام "تفرج" وليس تفرغ!!، وجاءت تلك الخيبة عند الاطلاع على التعليمات التنفيذية لنظام التفرغ الإبداعي، والتي بحسب رأيهم "حرمت الجزء الأكبر والأقدر إبداعيا من التقدم والاستفادة من نظام التفرغ الإبداعي"، وبحسب رأي الكثيرين جاءت تلك التعليمات (الشروط ) بشكل ارتجالي غير مدروس دراسة معمقة وجادة. وكان من أكثر تلك الشروط استغرابا وإثارة للجدل، بأن النظام يشترط على المتقدم أن لا يقل عمره عن أربعين سنة!! وان يكون لديه ما لا يقل عن أربعة مؤلفات فردية منشورة في حقل التفرغ الأدبي أو الفكري المطلوب، وأربعة معارض فردية معلنة في حقل التفرغ التشكيلي المطلوب، وأربعة مؤلفات مؤداة علنا في حقل الموسيقى أو المسرح أو الأفلام القصيرة!، وعند الإعلان عن أسماء الفائزين في التفرغ الإبداعي لم يكن مستغربا أن الغالبية العظمى هم من موظفي الحكومات!! الأمر الذي أدى إلى استياء كبير في الأوساط الثقافية وصل إلى حد السخرية.

جرش في يوبيل "لايحسد عليه" ومهرجانات أخرى "تحتضر"
مؤشرات خطيرة ظهرت في العام 2007 العام الأسوء على الإطلاق بالنسبة للمهرجانات الأردنية، وبشكل واضح، ظهرت أزمة حقيقية في العلاقة مابين المهرجانات والمتلقي، فمعظم المهرجانات كانت باهتة وخافتة وأشبه بحفلات مهجورة. ومني مهرجان جرش بفشل ذريع، فضائح علنية، مدرجات فارغة، فرق وفنانون يلغون حفلاتهم، أبواب تفتح مجاناً لاستقطاب الجماهير وحفظ ماء الوجه، اعتذارات بالجملة لنجوم لهم وزنهم، تبريرات واهية، أمن مكثف، وجوه متجهمة، اتهامات متبادلة بين الفنانين وإدارة المهرجانات. هذا ماكان عليه مهرجان جرش في عيده الخامس والعشرين. فقد ظل المهرجان في هذه الدورة بلا جماهير تقريبا، حيث ظلت مسارحه شبه خاوية طيلة فترة انعقاده، المسرح الجنوبي الذي كان يغص بالجماهير سابقا، ظل في هذه الدورة خاويا إلا من بضع مئات تواجدوا أحيانا بدون تذاكر حتى. أما مهرجان الشعر، فكانت هناك أسئلة كثيرة يمكن لأي مهتم بالشعر أن يسألها, تتعلق بتكرار الأسماء ونوعية الشعراء الذين تتم دعوتهم، وانفضاض جمهور الشعر. حيث لمس الجميع انعدام الجمهور في أمسيات جرش الشعرية، إلى حد دفع بعض الشعراء المدعوين إلى الشكوى " لماذا على الأقل لا يحضر الشاعر الأردني؟"، الأمر الذي يستدعي تفكيراً جدياً في جدوى ظاهرة المهرجانات الشعرية, ولماذا لا تحقق النجاح المرجو لها. وظل شعور عام بهشاشة هذا الزخم (المهرجاني) يسيطر على الأجواء، وتحدث الجميع عن تكرار الأسماء التي تتم دعوتها في كل دورة, وكأن هناك مقاعد حجزت خصيصا لشعراء اعتادوا المجيء إلى هذا المهرجان.

فتح هذا "العيد المؤسف" بوابة التساؤلات في وجه الجميع وتدفقت الأسئلة صارخة : هل شاخ المهرجان فعلا في يوبيله الفضي؟ هل كان ضحية سوء إدارة وتخطيط؟ هل بات الخبز الأولوية الوحيدة التي تجهد تفكير المواطن الأردني بحيث لم يعد يلتفت للمهرجانات وغيرها؟ هل طغت الفضائيات على تلك النوعية من الهرجانات؟ أين السائح؟ أين المهتم؟ أين ابن البلد؟ أين المهرجان؟ هل هي مشكلة تسويق؟ هل هي مشكلة إدارة؟ ومن المسؤول عن هذا الفشل والسقوط المدوي؟.

بينما سيطرت القاعات الفارغة على أجواء المهرجانات الأخرى، وذلك ابتداء بمهرجان أيام عمان المسرحية، مرورا بمهرجان الفحيص، وتعريجا على مهرجان المسرح الأردني. وظلت التساؤلات تحوم حول أسباب هذا الفشل، هل العولمة وما أطلقته من سينما وأنظمة إرسال وتلفزة هي السبب في فقدان الجمهور؟ هل الأزمة هي أزمة وضع ثقافي عام ومجتمع تنخره الأمية من جهة وإرهاصات الحياة من جهة أخرى؟ هل أسباب تلك الأزمة هي غياب هامش الحرية والمنع الذي تفرضه السلطات الرقابية، وغياب الدعم والتمويل من قبل الجهات الرسمية؟ هل المسؤولية تقع على المسرحيين ووقوعهم في الروتينية والتقليد وغياب الخيال المسرحي الخلاق؟ أم أن الانبطاح الذي تمارسه العديد من الفرق المسرحية لمنطق السوق وإسرافها في السطحية والإسفاف وإضاعة وقت الناس هو المسؤول عن فقدان الحلقة التي تربط المسرح بالمتلقي...؟.  

تطبيع على شرف "نوبل"
شهد العام 2007 "مؤتمر الحائزين على جوائز نوبل" اسم المؤتمر الذي جمع عدد من الحائزين على جوائز نوبل على مدار سنتين، لمناقشة المخاطر التي تهدد البشرية، وذلك حسب قول الجهات المنظمة لهذا المؤتمر، في السنة الماضية فلم يختلف المؤتمر كثيرا عن باقي السنوات، ولم ينجح إلا في استفزاز مشاعر الناس، عندما استضاف المؤتمر في أول أيامه رئيس وزراء الكيان الصهيوني "اولمرت"، حيث تزامن ذلك مع ذكرى اغتصاب فلسطين "يوم النكبة الفلسطينية"، وفيما بدا انه محاولة واضحة لتطويع الشباب وغسل عقولهم لتقبل الجانب الإسرائيلي، فقد جمع المؤتمر طلاب جامعات عرب من الأردن ومصر والكويت والسعودية ولبنان والمغرب بالإضافة،إلى طلاب من إسرائيل، جيء بهم ليتحدثوا عن السلام بشكل ساذج ساوى بين الجلاد والضحية، ووجد الكثير من المتابعين أن ذلك "يندرج تحت محاولات تجري حاليا من قبل أطراف عديدة لاختراق الشاب العربي، لتصوير إسرائيل بشكل دولة طبيعية تسعى إلى السلام". لم يخرج المؤتمر بشيء، سوى ببعض التوصيات التطبيعية الباهتة والتي لا تمس جوهر المعضلة، نذكر منها على سبيل المثال "تدريس اللغة العبرية للطلاب العرب والعربية للإسرائيليين" و"إقامة ورش عمل بين الأساتذة العرب والإسرائيليين" و"تنسيق فلسطيني إسرائيلي لتأمين أوضاع صحية ملائمة للفلسطينيين"! و"ضرورة خروج الإيديولوجيات من قطاع العلم والتعليم من خلال مشاركة حقيقية بين الأطراف المتنازعة".

لم يتحدث الإعلام الرسمي الأردني أبدا عن حضور اولمرت للمؤتمر، وعندما تحدث التلفزيون الأردني عن الطلاب الذين حضروا، تم عمل مقابلات معهم اقتصرت فقط على الطلاب العرب دون إظهار الطلاب الإسرائيليين. ولم يسمع أصوات مؤثرة من "المثقفين الأردنيين" بينما اعتصم المئات من أعضاء ممثلي النقابات المهنية في عمان، لمدة ساعة احتجاجا على المؤتمر.

باولو كويلو.. أبعاد فضائحية
كان من المفترض أن يزور "باولو كويهلو" عمان في حزيران العام الفائت، بدعوة من مؤسسة "أفلام بلا ميزانية" و"شركة الرواد للصوتيات" وذلك لحضور افتتاح الفيلم الروائي "أحلام رفيعة" لكاتبته حنان الشيخ، والفيلم الوثائقي "ذاكرة طي النسيان" من إنتاج "أفلام بلا ميزانية" المشروع الذي تديره غادة سابا رئيسة "أفلام بلا ميزانية"، لكن "كويلو" ألغى زيارته بصورة مفاجأة ليأخذ الأمر بعدا فضائحيا، حين كشف "كويلو" وبشكل فاضح على موقعه الالكتروني، الأسباب التي دفعته إلى إلغاء زيارته إلى عمان. حيث قال كويلو على موقعه الالكتروني، انه قرر إلغاء زيارته إلى الأردن، لأنه لا يقبل "التصرفات والحيثيات التي أحاطت ببرنامج الزيارة الذي كان من المفترض إيقاعي به"، ويقول "كويلو" انه لم يكن يعلم بمعظم البرنامج الذي أعده داعوه، وبأن معظم الترتيبات التي حصلت لم يكن له علم بها. حيث علم بأن منظمي الزيارة، فرضوا على الجمهور المهتم بزيارة الكاتب الاتصال على رقم يبدأ ب 09 ليتم تسجيله، علما بأن تكلفة الاتصال تقارب الدولار الواحد للدقيقة، أي ما يعادل 70 قرشا، وتمتد المكالمة إلى 4 دقائق على الأقل للحصول على نتيجة!، بالإضافة أن على من يود حضور توقيع كتاب كويلو "ساحرة بورتوبيللو" يمنع دخول الحفل دون شراء الكتاب الذي كان سيباع بضعف سعره العادي!، وان لم يحالفه الحظ في أول مرة، فبإمكانه الذهاب إلى حفل العشاء الذي سيقام على شرف الكاتب والذي بيعت تذاكره بمبلغ 100 دولار، أي ما يعادل 70 دينارا للشخص الواحد!!..

غالب هلسه التفاتة متأخرة
كانت مفاجأة من الطراز الأول، أن تلتفت الجهات الرسمية إلى ابن "ديرتها" الروائي "غالب هلسا"، فبعد تنكر وتغييب دام 15 عاما، تم الإعلان عن اسم "غالب هلسا" كأحد الفائزين في جوائز الدولة التقديرية. الاستحقاق الذي " أخيرا " جاء متأخرا، وجده البعض انجازا حقيقيا لوزارة الثقافة، بينما وجده البعض الآخر خطوة،كان لابد من اتخاذها، لتتناغم مع ما يتم التصريح به من محاولات الانفتاح وتغيير المناخ " العرفي الأحادي " الذي كان سائدا لعقود طويلة. ويكاد معظم الأردنيين لم يسمعوا عن اسم "غالب هلسا"، وذلك نتيجة التغييب والتعتيم الذي مارسته الجهات الرسمية، على امتداد عقود من منع كتبه ومؤلفاته، وحتى ترجماته التي ظلت الجهات الرسمية تنظر إليها بنوع من الريبة والحذر.

سنة من الموسيقى.
شهد العام 2007 الماضي بداية موسيقية جيدة، وكان الحدث الأبرز هو ولادة "اوركسترا عمان السيمفوني" التي انطلقت بنشاط كبير وقدمت العديد من الحفلات على مدار السنة. و ظهر المنتدى الأردني للموسيقى، وكان اللافت للنظر في العام الفائت خروج الكثير من الفرق المستقلة، وظهور ما يسمى "بالموسيقى البديلة" التي بدأت بالتطور إقليميا لتأمين خيار فني بديل عن الموجة التجارية للجمهور العربي "غير تجاري". حيث شهدت عمان مهرجان " برايم " للموسيقى البديلة الذي جمع شباب كثر من البلاد العربية، أرادوا أن يقدموا شيئا مختلفا بهدف خلق فن بديل عن الموجة الاستهلاكية التجارية الطاغية، وجاء المهرجان "ليعرف الجمهور العربي بتلك المحاولات الموسيقية في ظل التهميش الإعلامي الذي تعاني منه".، وتكاتفت "المؤسسات الثقافية الأهلية " لإنجاح " نقاط لقاء " وهو اسم المهرجان الذي انطلق قبل خمس سنوات في عدد من المدن العربية والأوروبية، وبدأ هذا العام في بداية نوفمبر الماضي واستمر لمدة ثمانية أيام، قدم خلالها عروض موسيقيةوفنية من مختلف أنحاء العالم، كان ابرز تلك العروض،عرض الفنانة الفلسطينية "كاميليا جبران" التي قدمت أعمالا من آخر نتاجها الفني ـ البوم "مكان"، وتألف العرض من عشرة أعمال من تأليفها ـ قصائد عربية مغناة مع عود واحد ـ عبرت عن تناقض وتعدد طبقات تجربة الفنانة عن اللامكان، كما وشارك في المهرجان فرقة "بيكيا " المصرية، المعروفة بموسيقاها التي هي مزيج من عدة أساليب متنوعة ومتباعدة: الدرمز آند بيز، والتكنو الكلاسيكي، موسيقى الفنك والتريب هوب، والإلكترونيكا و الآمبيانت إلكترو ـ. ومن البرازيل برونو بيلترآو ومجموعته "غروبو دي روا نيتيروا" التي تتكسر عندها تقاليد وقوانين رقص الشارع و الرقص المعاصر، مصاحبةً دوماً بالسخرية الخفيفة والصحية.

كما وشهد العام الماضي انطلاق "ملتقى الموسيقى الشرقية/ الغناء الصوفي" والذي نظمه المنتدى الأردني للموسيقى بالتعاون مع وزارة الثقافة، حيث قدم المهرجان عروضه من الغناء والموسيقى الصوفية، وجمع العديد من الفرق العربية والإسلامية جاءت من تونس ومصر والسودان وتركيا وسوريا، حاملة معها ألوانا من الأشعار والألحان والابتهالات الصوفية. كما وحاز الموسيقي "طارق الناصر" على الجائزة الذهبية في الموسيقى التصويرية للعمل السوري "رسائل الحب والحرب"والعمل المصري "الملك فاروق" وذلك في مهرجان القاهرة للاعلام العربي.

اما الحدث الموسيقي الأبرز فكان عرض مسرحية فيروز "صح النوم"، فعلى مدى ليلتين، امتلأت قاعة مسرح الارينا التي تتسع لحوالي أربعة آلاف شخص، بحضور كثيف جاء معظمهم من فلسطين المحتلة (أراضي الـ48) بالإضافة إلى جزء كبير من (أثرياء) عمان استطاعوا أن يدفعوا مايعادل 200 دولار!! ليشاهدوا نجمتهم الكبيرة "فيروز" وهي تقدم مسرحية "صح النوم"، ولم تخلو الأجواء حينها من عدة انتقادات حول ارتفاع أسعار التذاكر،التي يجد فيها حتى ميسور الحال الأردني صعوبة لشرائها، حيث تراوحت أسعار التذاكر ما بين "40 دينار لتصل إلى 125 دينار " أي ما يعادل راتب كامل لموظف عادي، كما وأثيرت أيضا انتقادات حول الجهة المستهدفة من هذا العرض، "هل الساحة المحلية هي المستهدفة أم غيرها؟" حيث كان من اللافت حجم الجمهور الكبير الذي جاء من أراضي الـ "48" لحضور الحفلة، مما دل على حجم تسويقي هائل استهدف تلك الشريحة.  

دراما أردنية..
وشهدت الدراما الأردنية شيء من التقدم في العام الماضي، فقد حققت بعض المسلسلات ذات الإنتاج الأردني، انتشارا عربيا جيدا، كان أبرزها مسلسل "نمر بن عدوان" عن سيناريو وحوار الزميل مصطفى صالح وإخراج بسام الخطيب وإنتاج المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ومسلسل "الاجتياح" إخراج شوقي الماجري عن نص لرياض سيف وإنتاج "المركز العربي". كما وحصل الممثل الأردني "نديم صوالحة" على جائزة "أفضل ممثل" عن الدور الذي قام به في أول فيلم روائي أردني منذ 30عاما وهو فيلم "كابتن أبو رائد" إخراج أمين مطالقة، في مهرجان دبي السينمائي. وكانت أزمة قد نشبت بين "أمانة عمان الكبرى" وبين نقابة الفنانين الأردنيين ، حين احتفى بيت تايكي وأمانة عمان الكبرى بأسرة المسلسل السوري "باب الحارة"، الذي حظي بمتابعة عربية غير مسبوقة، والذي استحوذ على المركز الأول في قائمة أكثر المسلسلات مشاهدةً في البلاد العربية خلال شهر رمضان الجاري، وذلك حسب شركات الإحصاء التلفزيوني. وكان هذا التكريم قد أثار حفيظة بعض الفنانين الأردنيين الذين اتهموا الجهات المنظمة، بأنها تنظر بشيء من الدونية تجاه الفنان والعمل الأردني الذي كان قد قدم ثلاثة أعمال أردنية، هي "نمر بن عدوان" و "الاجتياح" و "وضحا وابن عجلان"، والتي كانت أولى بالتكريم من وجهة نظرهم، أما الجهات المنظمة لهذا التكريم فقد اعتبرت " أن المسلسل حقق أعلى نسبة مشاهدة عربية وحقق نجاحا كبيرا "وعلقت على تصريحات بعض الفنانين الأردنيين بأنها "مشبعة بالحس الإقليمي الضيق، والغير ملائم أبدا لطبيعة الفنان.."

فنون تشكيلية
ظل الفن التشكيلي محافظا على التقدم الذي بدأ به منذ عدة سنوات، وسجل الفن التشكيلي حضورا لافتا وفاعلا في الحراك الثقافي العام، حيث وصل عدد المعارض التي أقيمت في عمان إلى ما يقارب 57 معرضا، وظهرت العديد من "الجالريهات" الجديدة، بشكل أمكن الكثير من المتابعين التحدث عن سوق إقليمي مهم في حقل الفنون التشكيلية، فقياسا بالدول العربية نستطيع التحدث عن سوق لا بأس به ، وتكاد تكون عمان الآن هي واحدة من أهم العواصم العربية التي تأتي على رأس القائمة من الناحية التسويقية التجارية ، وذلك حسب رأي التشكيليين أنفسهم . ولعل من ابرز المعارض التشكيلية التي شهدتها عمان، هو معرض "ادونيس وحيدر" للشاعر السوري "ادونيس" والفنان العراقي "حيدر"، والذي احتضنته مؤسسة خالد شومان دارة الفنون، وهو العرض الأول لهذه التجربة المشتركة التي ستجوب العالم العربي والاتحاد الأوروبي، قدم كلٌّ من الفنانين في المعرض الذي نظم بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في عمّان ثلاثين عملاً. أغلب قطع كولاجات أدونيس بمساحة 32 × 41 سم، وستخدم فيها مواد مختلفة من القماش والورق والألياف والحصى. أما حيدر، فتوزعت أعماله على مساحات مختلفة، استخدم فيها الأكريليك والزيت والإسمنت والرمل، كما ادخل فيها القطع المعدنية كالكولاج. وقدمت هذه التجربة المشتركة مزيجاً من التشكيلات بالكولاج التي تستدعي كل ما تختزنه المخيلة الفردية والجمعية في ضفتي المتوسط وضفاف ما بين النهرين. 


tarikil@yahoo.com