تنطلق الباحثة والأكاديمية السودانية إلى الجوهر العميق لما وراء العاصفة التي اندلعت مؤخرا على كبير الأساقفة كاشفة عبر حفرها في أركيولوجيا المسيحية عن الجذر البنيوي لها.

عاصفة على كبير أساقفة انجلترا

تربص الافانجليين الانجلوأمريكان بالمسيحية الغربية وراء ستار العداء للاسلام

خديجة صفوت

قدم الدكتور روان ويليامز كبير اساقفة الكنيسة الانجيلية الانجليزية ـ وهى الكنيسة الام ـ وقس كاتدرائية كانتيربرى محاضرة الخميس 7 فبراير 2008 أمام محفل للمحامين وبدعوة منه حول دور الاسلام فى المجتمع البريطانى. وقد صرح كبير الاساقفة بما هو بداهى كونه امرا واقعا ـ من "أن تبنى بعض عناصر الشريعة فى القانون البريطانى بات امرا لا راد له" ـ فلم يزد القس على القول بأهمية تناول الايسكريم فى الصيف مثلا. وكانت المحاضرة فى كلياتها معقولة وتطالب باعطاء المسلمين البريطايين الحق فى النظر فى قضاياهم الخاصة بتقاليدهم. فالمسلمين والجاليات المشابهة من حقها المطالبة بالنظر فى قضاياها مثل الزواج والطلاق وغيرها من الاحوال الشخصية وفى شئون أعضائها المالية بطريقتهم واسلوب حياتهم الثقافى الذى يخصهم ويدل عليهم. ذلك أنه فى سياق حرية العقيدة، فان القانون البريطانى يضمن لكل جماعة دينية بريطانية الحرية فى ممارسة ما يناسبها من الشرائع المتصلة بثقافتها فى مجالات معينة من حياتها الخاصة. إلا أن روان ويليامز اسقف كانتبربرى أتهم  بانه دعى الى إحلال عناصر من الشريعة الاسلامية كقانون مواز للقانون البريطانى "المقدس". 

قداسة القانون البريطانى المتكاذبة:
جأر بعض نقاد القس تخاتلا بان القانون البريطانى أكثر معطيات الحياة والثقافة البريطانية قداسة فى الوقت الذى ليس للقانون المذكور أى من ذلك. فالقانون البريطانى مأخوذ من اكثر من جهة حيث ترجع بعض نصوص القانون مثلا الى عهود وثنية سابقة على المسيحية والى القانون الرومانى مما ما يبرح معمول به حتى اليوم. وتعود أسماء أيام الاسبوع وبعض الاعياد والمناسات الوطنية الى الديانات الوثنية. وتعود بعض القوانين المتعلقة بالملكية والارض الى الصين والهند واخرى الى سنين معدودة سابقة على تحور المسيحية الغربية الى مسيحية يهودية، مما اعقب الحرب العالمية الثانية. ومن المفيد تذكر أن القوانين البريطانية لاقداسة لها، ولا تدعى ذلك لو لمحض كونها قابلة  للتعديل والتغيير باستمرار. فالقوانين البريطانية ليست مكتوبة بهذا الوصف. وهى إلى ذلك ليست متضمنة فى دستور. فليس لبريطانيا دستور مكتوب. سوى أن البعض يزعم أن ما يدعو اليه كيير الاساقفة من شأنه أن يمس القانون البريطانى الذى يصدر عن المسيحية اليهودية. وقياسا فقد مس الاسقف قلب وروح الثقافة واسلوب حياة  البريطانيين. 

هل الاعتراف بقوانين المسلمين الشخصية والمالية سبب كل تلك الزوبعة حقا؟
حيث اندلعت حرب شعواء على الدكتور روان ويليامز غب المحاضرة المذكورة، لم تنفك عقيرة بعض المتربصين بالاسلام وكل من يهاجم الاسلام ولا يذكره دون أبلسته أن انخرط فى السخط على القس. وقد نظم بعضهم مظاهرات بليل أمام مقر الاسقف بقصر لامبيث Lambeth Palace ـ و يقع على  الشاطى الجنوبى لنهر التيمس على مبعدة قصيرة من قصر باكينجهام ـ كما  تظاهر آخرون أمام كنيسة القديس بولص فى قلب لندن مطالبين باستقالته. وحيث لم يقل روان ويليامز بأن القوانين الاسلامية سوف تطبق على غير المسلمين، فلماذا لا يكون للمسلمين مثلهم مثل اليهود فى مزاولة بعض قوانين الاحوال الشخصية، وبخاصة شئون المال والحق فى عقد محاكمهم فى ذلك الشأن، وانشاء مصارف تخصهم تعنى بعلاقتهم بالربا والفائدة؟

ومن المفيد تذكر أن جهات عديدة ـ بما فيها وزير المالية الاسبق غردون براون، ورئيس الوزراء  الحالى، تسابقت على تكوين مصارف للمسلمين وكون بعضها بالفعل اجزاء من المصارف القائمة للتعين على شئون المسلمين المالية، وبخاصة فيما يتعلق يوجهة نظر الاسلام فى الفائدة والربا. وقد راح المسلمون يثابرون على انشاء مصارف تخصهم. وازعم أن مطالبة المسلمين بمصارف تعمل خارج النطاق القانونى والاقتصادى لتلك المصارف التى تفرض ارباحا خيالية مهلكة حري بان يخصم على المراكمة المالية. هذا فى وقت تتعرض فيه المصارف المذكورة لنقد كثيف جراء فضائح ما يسمى بازمة اسواق الائئمان العقارى الامريكية. وكانت تداعيات انهيار اسواق الائتمان قد راحت منذ يوليو 2007 وتباعا تنداح فى كل مكان مهددة بازمة اقتصادية عالمية، ما تنفك امريكا تتعاطى فانتازيا نكران in denial مثول  الازمة، فيما لا يجرؤ أحد على النطق بالسؤال الملح " أين يذهب رأس المال الهارب Flight Capital ذاك؟

ولم يقتصر انهيار اسواق الائتمان العقارى على فضيحة الفرع  البريطانى لمصرف نورثارن روك  Northern Rock وهو تنويع على شايلوك المرابى الشهير فى رواية شكسبير تاجر البندقية. فاسواق الائتمان العقارى تغويك بالاستدانة بنسبة من الربا تفوق طاقتك عل السداد، لتعود وتستلبك عقارك المرهون مقابل الدين. ويلمح كبير الاساقفة مرارا الى ما تفعله اسواق المال من استعباد اغلبيات الناس العاديين بغوايتهم بالاستدانه. الا انه كان حريا بان يحجم ـ خشية من أعراب الشتات ـ عن عقد قياس بين ما تمارسه اسواق الائتمان العقارى وما فعله يوسف. وكان يشارف وزير الخزانة أو رئيس وزراء العزيز ـ بعامة الشعب المصرى واليهودى. فقد قايض يوسف عامة الشعب على الخبز، ببيع أبقارهم، ثم ببيع اراضيهم، الى أن اجبرهم على العمل على اراضهيم السابقة لحساب تجار الماشية واعراب الشتات.

وبالمقابل بقيت الدولة الخراجية تضمن سعرا عادلا للذرة وهطول المطر وفيضان النهر والا سقط الفرعون كونه ضامن لاستقرارا المجتمع ومواعيد الفصول ووفاء الحصاد فى كل مرة. ويلاحظ الناس كيف باتت الدول ما بعد الصناعية دولا خراجية بدورها فى كل مكان. ذلك أن الاخيرة تضمن عن طريق البنك المركزى مصارف الائتمان خصما على دافع الضريبة فى كل مكان فى امريكا واوربا على الاقل، أن لم يكن فى المجتمعات المستقطبة فى الدائرة الجهنمية للمراكمة ما بعد الرأسمالية المالية. ذلك أن دافع الضريبة يجبر على تعويض المصارف المفلسةن والا انهار الاقتصاد، مما يلاحظه الناس فى خطر التهديد بالازمة الاقتصادية الماثلة فى كل مكان تباعا.

المهم فورا هو أن تداعيات الفضيحة تعاصرت ومحاضرة روان ويليامز حول حق المسلمين فى تصريف شئونهم المالية بشريعتهم هم. وقياسا فلن يعتق المسلمون من التعامل بالربا وانما سوف يعتقون من مغبة اسواق الاثتمان. فما هى بعض خلفيات العصاب الذى يبدو انه اصااب اعدادا متزايدة جراء قولة روان ويليامز؟ 

روان ويليامز وتوماس بيكيت
يعتبر الدكتور روان ويليامز الويلشى الجنسية وكبير اساقفة الكنسية الانجيلية الانجليزية من أميز رجال الدين البريطانيين وأكثرهم ثقافة، مما يثير عليه حنق بعض المتفلسفين. ويدعو الأخيرون الاسقف الى التفرغ للاكاديميا وترك الكنيسة. فهو ليس رجل دين بهذا  الوصف، اشارة الى أن رجال الدين كانوا لوقت طويل أميين قياسا. وقد بقى  الفلاسفة والمفكرون المسيحيون ممن كان يدعى العلمانية تكاذبا يبادلونهم الخصومة والذراية منذ ما يسمى بعصر النهضة. وروان ويليامز الى ذلك من أشد الاساقفة المسحيين الغربيين تسامحا فى مناخ راحت الكنيسة الانجيلية ـ خاصة فى تنويعاتها الافانجلية الانجلو امريكية ـ تتعقب كل من عدى الافانجليين. والافانجالية تنويعة انجلو امر يكية ـ تطهرية بمعنى متطرفة ـ على الانجليلية، والاخيرة هي أول ما كان قد خرج على الفاتيكان فى القرن السادس عشر.

وبدأت بعض الصحافة تتساءل عن  فائدة منصب كير الاساقفة. سأل البعض ما اذ كان الناس بحاجة الى وساطة هكذا مكلفة بينهم وبين الرب فيما يشارف خطاب الطوائف البروتستانتية المتطرفة إبان انقسام الكنيسة فى القرن السادس عشر. فقد طالب كثيرون من مناصرى ونشطاء حركة القضاء على الانجيلية المعتدلة باستقالة روان ويليامز والتخلص منه. وقارن بعضهم بين روان ويليامز وتوماس بيكيت (1118 ـ 1170) اسقف الكنيسية الانجيلية الذى تخلص هنرى الثانى منه فى القرن الثانى عشر. الا أن البعض نبه على مخاطرة التخلص من كبير الاساقفة، بوصف ذلك ليس بالامر السهل، الا بقدر ما يجعل ذلك منه شهيدا مثلما حدث مع توماس بيكيت. ونبه الاخيرون على أن بيكيت كان مع ذلك قد اقترف امرا أقل شناعة مما اقترف روان ويليامز. والواقع فقد كان الاخير قد ارتكب خطايا مميتة ليس وحسب بمعارضة الحرب على العراق، وانما وصفها بانها حرب غير عادلة، وهو مفهوم مسيحي يعود الى الصليبيات. وكان روان ويليامز الى ذلك قد أعلن بمناسبة الاحتفال بمرور 200 عام على "نهاية" تجارة الرقيق "ان الثروات التى راكمها ويتمتمع بها الغرب هى محصلة فظائع ارتكبت بحق شعوب غير اوربية". وحيث لم يقتصد روان وليامز فى قول الحقيقة مثله مثل كافة زعامات الغرب قاطبة، فليس غريبا أن اعتبر البعض أن روان وليامز قد اقترف ما يسئ الى الحضارة او الثقافة الغربية ـ الرأسمالية فى المحصلة النهائية.

وقد كان التخلص من توماس بيكيت كبير اساقفة كانتيربرى على عهد هنرى الثانى ـ وقد اغتاله اربعة من فرسان اللمك ـ بتحريض من الملك ـ حدثا مأساويا وغير مسبوق فى التاريخ الانجليزي. ويرجع ذلك الى أن هنرى الثانى (1154-1189) كان فى حالة  تنافس على سلطة الكنيسة وصراع مع توماس بيكيت حول تحجيم الكنيسة ووضعها تحت سيطرة العرش، مما أثار عليه بيكيت فقتله فرسان هنرى فى كاتدرائية كانتيربيرى وهو يصلى متوقعا موته. وكان الملك إلى ذلك يغار من توماس بيكيت ويعشقه، وينفث عليه علمه ورصانته فى قت واحد. ومن المشوق قياس عهد هنرى الثانى والامبراطورية الامريكية. فقد كانت امبراطورية هنرى الثانى قد توسعت فتورطت فى الحروب، ومنيت بالقلاقل جراء الادعاءات والادعاءات المضادة حول التوسع فى اوربا، والتنافس على أحقية وراثة العرش بين الفرنسين والنورمانديين والهولنديين وابني هنيرى الثانى ريتشار وهنرى ـ بتحريض أمهم الفرنسية. وقد أصبح الابن الاكبر الملك ريتشارد الاول.

كما عاصرت تلك  الفترة كل من الصليبية الاولى والثانية وكذا إحدى محارق اليهود التى انتشرت فى التاريخ الأوربى الغربى على مر السنين. إلا أن التاريخ غير المكتوب او الرسمى يزعم أن عهد هنرى الثانى شهد اول ما يسمى ب "المحرقة" فى التاريخ الغربى. وكانت تلك المحرقة قد وقعت بمغبة ثراء أعيان اليهود ثراءا فاحشا، مما قض مضجع العرش وأحرج الكنيسة الغربية. فقد فاقت ثروات بعض أحبار وأسباط وتجار اليهود من عداهم. وكانوا قد اثروا بالربا وبمديونية الفلاحين والعمال الحضريين المفقرين على نحو فاحش منذ منتصف القرن الثالث عشر، أى بداية ما غدأ يشار اليه بحروب الالف عام عام الاوربية الغربية. وكانت ثروة احد التجار المرابين ـ و يدعى القديس إيرون اليهودى St Eron the Jew ـ قد قدرت  ب 2% من الناتج القومى الاجمالى للمملكة الانجليزية بكاملها. وقد أدى ثراء بعض أعيان اليهود الى استقطاب الشعب والحكام وتربصهم باليهود حتى وصلت العداوة الى "خروج" اليهود مطرودين من انجلترا بعنف فى 1290 مثلا. هذا وقد بقت تلك المحرقة وغيرها مما تستر التاريخ ـ الانجليزي ـ الرسمى ـ الحديث ـ عليه من ناحية. ومن ناحية اخرى وجدت الكنيسة الغربية نفسها عاجرة عن تبرير نعمة الرب ـ ممثلة فى النجاح والثروة ـ على قتلته.

ولعل ذلك دفع المسيحية الغربية كما نرى الى تسويغ النجاح والثراء للمؤمنين مثلهم مثل قتلة المسيح فى الوقت الذى راحت تقايض فيه العفو عن قتلة المسيح. وبالمقابل فقد خرجت بعض الطوائف المسيحية عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية ووقفت فى صدام معها وصولا الى هزيمة الكاثوليكية الغربية فانقسام الكنيسة المسيحية الغربية مرة واحدة. وازعم  أن ذلك الانقسام كان حريا بأن يقيض للطوائف المنشقة تسويغ العفو عن قتلة المسيح الخ.  

الدكتور روان ويليامز وانقسام الكنيسة الانجيلية.
كانت أولى الطوائف البروتستانتية قد نشأت مع خروج الملك الانجليزى هنرى الثامن فى 1553 على البابا واندلع الصراع من يومها بين الكنيسة البروتستانتية والفاتيكان ولم تتصالح الكنيستان بصورة رسمية حتى زار الدكتور روان ويليامز البابا فى 23 نوفمبر 2006 مما اثار تطيير الافانجليين الانجلو امريكان. هذا ومن المفيد تذكر أن الطوائف البروتساتنتية الانجلو امريكية تصدر عن تعاليم الاباء الاوائل لطوائف المهاجرين الى العالم الجديد من كل من انجلترا وهولندا على الخصوص. ويؤلف معظم الاخيرين اليوم ما يسمى بالحزام الانجيلي الجنوبى. ولا يناصب الافانجليون الانجلوامريكان الكاثوليكية العداء وحسب، ويتربصون بها الدوائر، وانما يتعقبون كل من عداهم من الطوائف المسيحية الاخرى، بما فى ذلك  الكنيسة الانجيلية الانجليزية الام، بعدما اخترقت الافانجلية الانجلوامريكية الكنيسة الكاثولكية الغربية وابتذلتها وابتزتها بفضائح الاختلاس وقضايا العصف جنسيا بالاطفال.

ولعله من المفيد تذكر أن الحرب على الاسلام ليست سوى تنويعة متأخرة على الحرب على طوائف المسيحية الكاثوليكية الغربية منذ سقوط الامبراطورية الرومانية. فقد تعقب كل من نالته القوانين التى سنها الامبراطور قسطنطين الاول ـ من عداه بمثابرة ابداعية منذئذ وحتى اليوم.  ويعتبر قسطنيطن أول امبراطور مسيحي ـ ويزعم أنه أول من نصر الامبراطورية وجعل لها عاصمة فى القسطنطينة. ومن اهم  قوانين قسطنيطن الغاء الرق (تكاذبا). فحيث  زعم أن الغاء الرق  قيض ـ افتراضا ـ نهاية العبودية تخاتلا. فنشوء الاقطاع الغربى ـ فقد اضر ذلك بتجار الرقيق مرة. ومرة اخرى اتهم قسطنطين باضطهاد اليهود وتعقب اثريائهم ومنع زواج المسيحيهن باليهود الخ، فيما يشاؤف المحارق الباكرة مما يكون بعض القراء قد شاهد تمثلات افتراضية Virtual representations  منه فى افلام هوليوودية قديمة مثل سبارتاكوس وبين هور Ben Hurr الخ.

المهم خرجت اعداد من اثرياء الامبراطورية الرومانية والفت لها قوى بات همها مناصبة البابوية العداء وصولا الى نشوء الطوائف البروتستانتية أى العاصية والمنشقة على الكاثوليكية الغربية.  وكانت تلك الطوائف قد انشقت على طاعة البابا منذ القرن الخامس عشر اى بعد 7 اعوام من سقوط غرناطة. وازعم أن تلك الطوائف حولت المسيحية الغربية البروتستانتية على الخص،وص الى طوائف يهودية. مما يسر ما يلاحظه الناس فى كل مكان من استدعاء ما يسمى بالمسيحية اليهودية، وما يفسر تطرف الافانجليين الانجلوأمريكان معا. ومن المفيد تذكر أن الافانجلية تعنى التطهرية اى التطرف فى الدعوة فى نشر كلمة الرب. وتدعى الافانجلية الثورية، وتصدر عن مفهوم أن على المؤمن نشر كلمة الرب، وجمع صفوف البشرية من اجل عبادة الرب فى الايمان بابنه المسيح المخلص. وكان الزعيم البروتستانتى السويسرى ـ الالمانى ـ كالفين يجأر بان الرب ينير عقل المؤمن الافانجلى، فيقوده الى معرفة الرب  وحده، وإلى رؤيته رؤية العين مما يصدر عنه أمثال بوش الابن مثلا.

فالافانجليين هم وحدهم ابناء الرب فى هذا العالم وأن عليهم أن يتعرفوا على أنفسهم بوصفهم أمة واحدة تعرف هى وحدها الرب وتعبده فى ابنه المسيح المخلص  بوصفهم امة مباركة. فأن يضمن المسيح المخلص الخلود للمسيحين على الارض دون سواهم لم تنفك الافانجلية أن اعادت انتاج دين الخلود فجعلته دين النجاح والثراء. ذلك أن الجنة المسيحية ـ وكان المؤمن موعود بها فى السماء ـ باتت على الارض. وقياسا فقد بررت المسيحية اليهودية كافة سيناروهات جنة الارض بلا انتقاء، او تبكيت من عدوان الافانجليين على من عداهم، والاستحواذ على حق غيرهم، إلى المثلية مما يلاحظه الناس فى كل مكان. 

مستقبل الكنيسة الانجيلية وثورة القساوسة المثليين المضادة:
من المفيد تذكر أن وشوك انقسام الكنسية الانجليلية على نفسها، كان نتيجة لتعميد قساوسة وكرادلة مثليين أمريكان كما فى حالة الاسقف جين روبنسون، مما أدى الى تكريس الدعوة الى مباركة العلاقات المثلية بين رجال الدين. وتوشك الكنيسة الانجيلية على التفكك جراء حركة بعض القساوسة الامريكان المثليين، حيث تزوج القس المذكور صديقه عام 2006 فى حفل حضره جمع غفير من اتباع الكنيسة الافانجليية الانجلوأمريكية تحديا للكنيسة الأم. ويشارف مجمع الكنائس الانجيلية العالمى ـ وقد اصرت الكنيسة الامريكية الشمالية على موقفها من تعيين قسس مثليين ـ الانقسام بصورة دورية.

ويهدد روان ويليامز رئيس الاساقفة الانجيليين ـ للكنسية الانجليزية ـ بطرد الكنيسة الامريكية الشمالية، ولو مؤقتا، حتى تفكر فى مغبة سياستها. الا أن معظم الكنائس الانجيلية فى العالم الثالث وقد ضاقت ذرعا، راحت تهدد بالخروج عن الكنيسة الانجيلية الام. وقد قررت كنيسة غانا الخميس 14 فبراير 2008 مقاطعة اجتماع لامبيث مقر كبير الاساقفة ورئاسة محفل قساوسة الكنيسة الانجيلية المقرر عقده فى مارس 2008 ويعقد كل 10 سنوات لان بعض القساوسة والكرادلة المثليين مدعوين لذلك اللقاء. وقد  صرح كبار اساقفة افارقة واخرون من امريكا اللاتينية انهم سيعقدون محفلهم بالمقابل فى القدس الشريف،.ومن المفيد تذكر أن ما حاق بالكنيسة المسيحية الغربية كان قد تلاحق تباعا منذ تنصير ـ أو الفشل فى تنصير ـ الامبراطورية الرومانية وتباعا. وان المعركة حول تنصيب رجال الدين المثليين الخ لا تمت الى المسيحية الشرقية أو غير الغربية بصلة تاريخية تذكر الا بالتماس وحسب.

وتحأول حركة بعض الطوائف الصهيونية تصفية الكنيسة الانجيلية الأنجلوساكسونية وفروعها فى المجتمعات الآخرى من امريكا اللاتينية الى اسيا وافريقيا بالاصرار على تدشين القس جين روبنسون النشط مثليا مما لا يهدد الكنيسية الانجيلية بالانقسام وحسب ما من شأنه تهديد حركة توحيد الطائفتين الانجيلية والكاثوليكية وكانتا انقسمتا منذ زواج هنرى الثامن كما ذكرنا اعلاه. 

عود على ذى بدئ:
يقول البعض أن الطريقة التى قدم بها كبير الاساقفة دعوته للاعتراف باجزاء معينة من الشريعة الاسلامية لتسهيل حياة المسلمين كغيرهم من بعض الجاليات البريطانية لم تكن واضحة مما ألهب مشاعر بعض الناس. فرغم أن كبير الاساقفة لم يقل بان تتجاوز الشريعة الاسلامية القانون البريطاني وكانت مقاصده نبيلة حول احتواء المسلمين، إلا أن النقاد ما انفكوا أن انقضوا عليه من كل جانب، من الساسة من كافة الاحزاب، والمستمعين والقراء. ويقول البعض أن تلك الهجمة كانت مغاليه ولم يكن لها مبرر. فلم يقل الأسقف بتضمين الشريعة كاملة، ولا بتطبيق الحدود، ولم يقل بتكرس مفهوم الشريعة حول شهادة المرأة، وتعدد الزوجات الخ ـ مما يبدو أن تركيا بسبيل النظر فيه وتنقيحه، كما لو على سبيل نوع من الاصلاح الدينى. فقد كان روان ويليامز يدعو لمحض ما يتصل بالاحوال الشخصية من الاسرة وشئون المسلمين المالية. وتساءل بعض المنصفين عن موطن الخلاف. فلليهود محاكم للاحوال الشخصية.

وعلى موقعه الاليكترونى اكد روان ويليامز السبت 9 فبراير 2008 انه لم يعن سن قانون مواز للقانون البريطانى بل كل ما قاله إنه من المحتم أن تحتل قوانين الاحوال الشخصية للجاليات البريطانية مكانها بين نصوص بعض القوانين البريطانية النظيرة وان ذلك من شأنه خلق شرط التماسك الاجتماعى والتراضى والتفاهم بين اصحاب الثقافات المتعدة التى تؤلف الثقافة البريطانية. هذا وكان ما ألم بكبير الاساقفة قد ازعج العرش. فقد صرح مصدر فى قصر باكينجهام بان الملكة تكدرت للازمة التى نتجت عن مسألة الشريعة، وان ما تعرض له كبيرالاساقفة يهمها بوصفها رئيس الكنيسة. ولعلى بدورى قد اعزو ـ بحسن نية ـ تفاقم افتعال ازمة كبير الاساقفة ـ فيما اعزوه ـ الى طبيعة الصراع بين اؤلئك الذين يتسارعون الى توفير الاخبار لقراء ومستمعين تغويهم الصحافة بالقصص الفضائحية 24 ساعة بصورة مرضية، وبين رجل ينزع الى الخلود ويطمح الى الابدية. 

باحثة وأكاديمية سودانية