رسالة سورية

دمشق درة التاريخ واللغة بين الواقع والطموح

باسمة حامد

خلال الفترة الواقعة بين 16 ـ 28 من الشهر الجاري يحتضن خان أسعد باشا العظم معرضا للتصوير الضوئي بعنوان:"دمشق درة التاريخ" الذي ينظمه نادي فن التصوير الضوئي في سورية بالتعاون مع محافظة دمشق ومديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة. و يحتوي المعرض على أكثر من 150 صورة فوتوغرافية لمعالم دمشق القديمة توثق لأماكنها  أزقتها الضيقة وحاراتها وبيوتها وحدائقها وأوابدها الأثرية وتطورها العمراني. وقد التقطت هذه الصور بكاميرا أعضاء نادي فن التصوير الضوئي البالغ عددهم 67 مصورا. ‏حيث تتجول كاميرات الفنانين المشاركين في تفاصيل أقدم مدينة مأهولة في التاريخ مسلطة الضوء على الطراز العمراني القديم  للبيت الدمشقي من الداخل والخارج ثم تنتقل إلى الأماكن الجديدة والشوارع العريضة راصدة حركة النهار وأضواء الليل ونشاط الناس في الأسواق والمقاهي وأماكن العمل. وتعود أغلبية الصور لشركة بوزانت يعقوبيان الرائدة في عالم التصوير في سورية وهي تعمل دائما لدعم المعرض كما ذكر مجلس إدارة نادي فن التصوير الضوئي في كتاب المعرض. وقد تأسس هذا النادي  عام 1982 وهو عضو في الاتحاد الدولي لفن التصوير الفوتوغرافي فاب.

وتقيم مكتبة دار إنانا للطباعة والنشر على هامش المعرض جناحا صغيرا لبيع الكتب المتعلقة بالرسم والفن التشكيلي والتصوير الضوئي كما تبيع شركة خاصة بالكاميرات أنواعا من كاميرات التصوير بأسعار خاصة لمناسبة المعرض. ‏

"اللغة العربية بين الواقع والطموح"  تعبير عن هوية الأمة.
قدم الدكتور محمود السيد  في مكتبة الأسد محاضرة هامة بعنوان "اللغة العربية بين الواقع والطموح" مركزا فيها على  محاور رئيسية: منها اللغة مفهوماً ووظيفة، حيث تعرف دائرة المعارف البريطانية أو الفرنسية  اللغة بأنها: "أصوات وإيحاءات وإيماءات وإشارات"، وان لغة الأصوات تأتي بالمرتبة الأولى، والإشارة تدخل ضمن مفهوم اللغة وأسارير الوجه أيضا.‏ ويفرق علماء اللسان  بين اللغة واللسان والكلام، واللغة المكتوبة من أوسع هذه الجوانب شيوعاً وانتشاراً ـ وفق ما ذكره السيد في المحاضرة ـ فاللغة هي الظاهرة الاستغراقية العامة، واللسان هو لغة قوم معين، والكلام يكون بلسان قوم معين، والكلام هو أداء أي فرد في هذا اللسان، أما فيما يتعلق بوظائف اللغة فهي ثلاث وظائف أساسية: التفكير والتواصل والتعبير، في هذا السياق يقول المربي الأمريكي جوندوي: "التعبير ما هو إلا ضرب من التواصل"، و بدوره يؤكد عالم النفس الروسي  أن الإنسان عندما يعبر عن تجربته الذاتية، فإنما يريد أن يتواصل مع الآخرين وهو يعبر عن تجربته الذاتية، بينما يقول الدكتور طه حسين: "نحن نشعر بوجودنا وبحاجاتنا المختلفة، وعواطفنا المتباينة وميولنا المتناقضة حين نفكر ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير، ولا نستطيع أن نفرض الأشياء على أنفسنا إلا مصورة في هذه الألفاظ، والتي نديرها في رؤوسنا، ونظهر منها للناس ما نريد ونحتفظ منها لأنفسنا ما نريد فنحن نفكر باللغة ونحن لا نغلو إذا قلنا: أنها أداة للتعامل والتعاون الاجتماعيين فحسب وإنما هي أداة للتفكير والحس والشعور".‏ ويقول الفيلسوف الفرنسي كونديلاك في هذا الإطار:"إن عملية التفكير نفسها مستحيلة بغير اللغة ورموزها ولا معرفة بغير تحليل، ولا تحليل بغير رموز وهناك وظائف أخرى للغة الانفعالية والتأثيرية والجمالية والنسبية والماورا لغوية والاستمرارية".‏

وعن واقع اللغة العربية أشار السيد أن الدساتير العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، إلا أن الممارسات تدل على أن:"ثمة هوة بين ما تنص عليه الدساتير وما يطبق على أرض الواقع" فلقد حددت مؤتمرات التعريب وندواته التي عقدت في وطننا العربي في النصف الثاني من القرن الماضي أن تكون سنة 2000 سنة التعريب باللغة العربية في جميع الجامعات والمعاهد العربية وأكد هذا التوجه مؤتمر وزراء الصحة العرب ومؤتمر وزراء التعليم العالي العرب في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.‏

و أكد السيد أن  العربية الفصحى "لا تحاصر في المؤسسات التعليمية فقط وإنما تحاصر أيضا في مواقع الحياة الأخرى" فنرى نفرا من أبناء الأمة يعتقد أن في استخدام اللغة الأجنبية إمارة على "التقدم والعلم والآنافة، في الوقت الذي يرى فيه استخدام اللسان العربي دلالة على التخلف"!!.‏ وبالرغم من أن لغتنا العربية ـ يقول السيد ـ "معتمدة بين اللغات العالمية الحية في الأمم المتحدة".. إلا أن الممثلين العرب في ‏ المحافل الدولية "يستخدمون اللغة الأجنبية في مداخلاتهم ومناقشاتهم وإلقاء كلماتهم"! ومصيبة العربية برأيه في "عقوق أبنائها" الذي "زاد على مكر أعدائها فهي بين مهمل غير مبال ومقصر غير صالح".

ويرى السيد أن اللغة تعبير عن هوية الأمة لكن هناك انحسار آخر للغة في أجهزة الإعلام التي تستخدم العامية في الأعم الأغلب في برامجها وفي المسرحيات التي تنفذ بالعامية وفي المسلسلات التلفزيونية التي تعرض بالعامية، وشرح الدروس في العملية التعليمية  بالعامية ويلاحظ المحاضر على الصعيد العالمي، أن أمماً متعددة اعتمدت لغتها الأم في شؤون حياتها ولم تكن للغاتها عراقة لغتنا العربية في مسيرة الحضارة البشرية فها هي كوريا ورومانيا واليونان والفيتنام تدرس بلغاتها الوطنية، والكيان الصهيوني "يعيد لغة ميتة منذ ألفي سنة إلى الحياة، وتبقى العربية ذات البعد الحضاري ولغة القرآن مستبعدة ومعزولة، في أغلب جامعات الوطن العربي"، وإذا حاولنا رصد بعض أبعاد هذا الواقع ألفينا أن من هذه الأبعاد أولا "التلكؤ في إصدار القرار السياسي"، لأن "التسويف لا يحسمه إلا قرار سياسي" و ينوه السيد  بالتجربة السورية مثالا على نطاق الساحة القومية، فقد ربطت سورية بين "الإيمان بمكانة لغتها الأم وقدرتها على مواكبة روح العصر واستيعاب معطياته وتقانته، وبين تنفيذ هذا الإيمان ممارسة وسلوكا وأداء في الكليات الجامعية منذ أن افتتحت الجامعة السورية 1919 ".

واستشهد السيد بما قاله مدير المعارف العام في المفوضية العليا إبان الاحتلال الفرنسي (بونور) لأساتذة الجامعة السورية حين خاطبهم قائلا: "لستم مخطئين في اختياركم اللغة العربية للتدريس بل كونوا واثقين أنكم أحسنتم صنعاً باختيارها. فإن من يزعمون أن اللغة العربية غير صالحة للتعبير عن مصطلحات العلم الحاضر، هم على خطأ مبين، فالتاريخ يثبت أن لغة الضاد كسائر اللغات الأخرى غنية باشتقاقها،وكافية بكثرة تراكيبها للتعبير عن الأفكار الجديدة"..و‏ إن من يدافع عن لغته إنما يدافع عن أصله وعن حقه وعن كيانه عن لحمه وعن دمه وأنكم تفهمتم هذا الأمر جيداَ.‏

و ذكر  السيد بالتحديات التي تواجه لغتنا العربية من هذه التحديات ما كان في الماضي وهنالك هجمات المغول والتتار وحملة نابليون على مصر وحملة التتريك ومحاولة المستعمرين فرض لغاتهم ومحاولة المستشرقين والدعوة للكتابة بالأحرف اللاتينية. والكتابة بالعامية وفي العصر الحاضر العولمة الثقافية، وتصر على أن تنشر الانكليزية لغة القطب الواحد، وتقف أمريكا ضد التنوع الثقافي والتنوع اللغوي وهناك تهميش للغتنا العربية وحضارتنا وتعتيم على ثقافتنا وسرقة ذاكرتنا في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق ثم سرقة مليون كتاب من الكتب وسرقة 800 مليون وثيقة و170 ألف لوحة أثرية منها 14 ألف لوحة ليس لها مثيل والأمية حوالي 100 ألف أمي في الوطن العربي: نصيب الفرد من الكتب في أوروبا 35 كتابا وفي إسرائيل 40 كتابا وفي السنغال 4 كتب للفرد الواحد وفي الوطن العربي كتاب واحد لكل 80 شخصاً.‏  وختم الدكتور السيد محاضرته بالقول:" نطمح إلى سيرورة اللغة العربية وانتشارها سليمة على الألسنة والأقلام".‏متمنيا إدراك  الأثر الكبير للغة العربية و دورها في الانتماء القومي وفي البناء الثقافي وفي الوعي الوطني.