هذه تجربة جديدة في الكتابة على الكاتبة اللبنانية المرموقة، تجسد فيها رغبة عارمة في أن تسجل موقفها وتقول رأيها، وأن تعبر عن وجع عربي، وجرح يؤرقها على البعد في غربتها اللندنية.

دارفور

حنان الشيخ

 

(1)

أريد أن أكتب عن دارفور

أسرع في تحضير فطوري، عنب أحمر بلون كبد العصفور، لوز وجوز وبزر دوار الشمس،

مشمش مجفف بلون العسل، أسرع في المضغ اللذيذ،  أ سرع في الابتلاع .

أريد أن أكتب عن ادارفور

عن المرأة وهي تتكيء على أرض يابسة، جفت من القهر، تحفر بها،

تمسك بالتراب تعبيء به أسفلها حتى اذا خطفها الرجل وغرز عضوه بها ......

عن امرأة تحضن ولدها

تاركة ذبابة تمتص عينيه

تستبشر بها، تعيد لها الذكرى

يوم كانت تكش بها الذباب عن الطعام

عن الرجل المسالم

وهو يتطلع الى السماء يستعجل الملائكة صائحا:

لا داع الان لرتق أجنحتكم

اسرعوا لنجدتنا

فالشر يعدو راكبا على الجياد.

عن طفلة مدت  كفها الى نحلة صفراء

تعالي واقرصي يدي، لربما أمتص قطره من العسل

وطفلة تتباهى امام رفيقتها:

تعالي نلعب لعبة جديدة، نرمي برأسينا الى الوراء

ونفتح فاهينا لنلتقط رماد الحرائق

عن الفرس التي تمنت:

آه لو تنكسر احدى قوائمي حتى أتهالك وأرتمي في مكاني

فأنا لا أريد أن اتمثل بالبراق وأطير ...

مخترقة ولولة النساء ونحيب الاطفال

(2)

صبية تحتمي بالشجرة الوارفة وبالشجرة العارية

بفستانها، بكمشة من الفلفل الأسود ترشها في وجه ذاك الرجل

تنهش يده، تعض يدها

ومع ذلك احتمى سم الرجل برحمها

ونفخ لها بطنها

عن الكلب الظمآن الذي رف قلبه سعادة

عندما رأى قطيعا من الماشية يعدو

فلا بد أن القطيع  اشتم الماء ... هنا وهناك

القطيع يقترب والكلب يبكي

ويتساءل من أين أرتوي،

لأن افراد القطيع يعدون على الاقدام. و ليس على الحوافر.

والانتظار قال: لم أعد أشأ الانتظار

لا لأني أحس بالضجر،

بل لأن النساء تنتظر دون شكوى

تنتظر ماذا؟ تنتظرني دون شكوى.

طائرة كأنها طير ناصع البياض

اللون الابيض يبشر بالسلام دائما

يبشر بالطعام، بالمعونة، بالبطانيات، بالادوية

كل من رأى الطائرة في الفضاء ركض يستقبلها ..

ركض يسابقها

والطائرة البيضاء سعدت بهذا اللقاء

فأفرغت جوفها ترميهم بمن السماء:

كبيرا، حميم يدوي ويندلع ويسلخ الجلد والعظام

الفريسة المرأة تذكر الوحش وهي بين أنيابه

انما أنت تعتدي الآن على زوجتك، على أبنتك، على شقيقتك وحتى على أمك

فرحمي لا يختلف عن أرحامهن.

(3)

عن ذاك الرجل الذي فاته الوقت فترجل عن الجواد

مدد بندقيته الساخنه بكل حرص وحنان على الارض

تماما كما يرأف الوالد وهو يضع طفلته في السرير

يركع الرجل ويصلي صلاة الظهر

تراه المرأة المختبئة من خلال الشقوق الطينية

عجيب، أنه يصلي كما نحن نصلي  

يستغفر الله، كما نستغفره

يتضرع الى الله، كما نحن نتضرع اليه

وأنما نحن الآن نصلي، ونستغفر،  ونتضرع الى هذا الرجل ..

أريد أن أكتب  عن دارفور

لأني ادرك ما تعنيه كلمة "جبل"

وكذلك قرية تدعى "أبوسروج"

وأنا أقرأ عن العنف الذي حل في جبل أبو سروج

أسد أذني للذي ينبهني بألا أقع في فخ الغرب

الممسك بقميص عثمان

فالغرب في رأيه هو الذي خلق مأساة دارفور

يطمع بالمعادن والثروات الخامدة تحت التراب

وما اشتباك الرجال والحكومة والمليشيات

وتهجير وقتل الآلاف

سوى تجارة للطامعين ..

أسد أذني للذي يمسك بقلمي يحاول احادته بعيدا عن هذه الهباب

وتصويبه الى مآسي عربية أخرى في أمكنة تفوق عدد أصابع اليد ..

أسد أذني وأتساءل!!

أليس الألم واحدا، وأن تبدلت مواقعه؟

أريد أن أكتب عن دارفور

أسمع المرأة والرجل والطفلة والطفل والجدة والجد والعمة والعم

والخالة والخال وهم يتمنون:

لو أن الغيم الأبيض يهبط علينا من السماء

فيضفي بياضا على وجوهنا كي نصبح أقل سوادا

لربما أصبحنا حينها أهلا للشفقة،

للمساعدة من أخواننا العرب .