تطرح الباحثة السودانية المرموقة في هذه الدراسة الشيقة ظاهرة صعود نوع جديد من المحظيات الملكيات بنات النمط الآسيوي للإنتاج إلى قمة السلطة بوسائل تتسم بالالتواء والخداع والفساد.

الهولات المجنحات في السياسة المعاصرة

من نمط الانتاج الشرقى ما بعد التقليدي إلى نمط اللاإنتاج الأمريكي ما بعد الحداثي

خديجة صفوت

أحاول تأمل فتحليل ظاهرة وصول تنويعات من النساء إلى سلطة تشارف السلطة الاسراتية ـ الوراثية ـ بمثال كل من بونازير بوتا وهيلارى كلينتون وعقد قياس بينهما. وأزعم أنهما قد تمثلان ما أعرفه بالهولات المجنحات أو المحظيات الملكيات. وتعبر إحداهما عن هولة ما بعد تقليدية والاخرى عن هولة ما بعد حداثية. وتنتمى احداهما إلى النمط الشرقى بامتياز والأخرى إلى ما اسميه نمط اللا انتاج الشمال امريكى. وقياسا أدعي أنهما حريتان بأن تؤلفا نويعتين على بعضهما أن اردت(ى).  

أن الديمقراطية هى اهم انتقام.ممن؟ ولصالح من؟
ورّث ذو الفيقار على بوتو ابنته بونازير بوتا زعامة الحزب والسلطة وأورثت الاخيرة زعامة الحرز لابنها وزوجها بالوكالة. وكانت بونازير بوتا اغتيلت الخميس 27 ديسمبر 2007. وكانت أول رئيسة وزراء مسلمة لدولة نووية أيضا ودفنت بجوار والدها فى ضريح من المرمر الابيض، ذى قباب ثلاث ـ يشارف مسجد تاج محل ـ فى قرية بالقرب من لاركانا باقليم السند جنوب باكستان، ويقال إنها كانت راغبة عن العمل بالسياسة حتى قتل ضياء الحق رئيس الجمهورية العسكرى أباها ذولفيقار بوتو فى 1979، فنشأت من وقتها خصومة دائمة بينها وبين العسكر. وكان أبوها قد اغتيل لقربه أكثر من اللازم من السوفيت، واغتيلت هى لقربها اكثر من اللازم من الامريكان.  

تنويعات ما بعد تقليدية وما بعد حداثية للهولات المجنحات:
يلاحظ الناس كيف أن بونازير بوتا وهيلارى كلينتون فضلتا القوة والسلطة والثورة على المبادئ واحدة باحبولة زواج المنفعة السياسية أكثر منها الاقتصادية من زردارى والتحالف مع نواز الشريف فيما يشارف زواج منفعة سياسى مرة اخرى، مما كان من شأنه ازاحة منافسيها. وقد تغاضت الثانية عن الإهانة العلنية التي لحقت بها جراء فضيحة مونيكا لوينسكى ومساومة روبرت ميردوخ حتى لا تترك شيئا يقف فى طريقها. ولعل كلاهما تعبير عمن أسميهن الهولات المجنحات اللواتى يتأهبن فى النمط الشرقى إلى التهام ضحاياهن. وكانت بونازير طموحة حتى الجريمة والفساد المعلن فلم تتورع عن شئ، مثلها مثل معظم النساء اللواتى تبوأن مراكز كبرى. فمن رئيسات الجمهورية فى كل من الهند والفيلبين وبانجالاديس وسيرلانكا واندونيسيا والصين ـ ارملة ماوتسى تونج التى تزعمت ما سمى بعصابة الاربعة بعد وفاته لتحتل السلطة لوقت طويل ـ إلى رئيسات الوزراء فلم تكن معظم هاتيك النساء ترعوين. وتتمثل ظاهرة الهولات المجنحات كتنويعة على النسووقراط ـ سواء ما بعد تقليديات بمعنى سليلات النمط الشرقى بدرجات علمية من اكسفورد وكيمبريدج وهارفاد وبرنستون الخ وما بعد حداثيات فيما تتمثل فى مجتمعات الاقطاع المسمى شرقى اكثر من أي مكان آخر من جنوب شرقى آسيا إلى أمريكا اللاتنية وحتى أمريكا الشمالية كما يلاحظ الناس تباعا. ذلك أن نشوء النسوية الغربية المغالية ـ النسووقراط ـ فى امريكا الشمالية يعود إلى أن أمريكا لم تمر كما ذكرنا فى بحث اخر بمرحلة الاقطاع الغربى ولا بمرحلة البرجوازية الصناعية.  

بونازير بوتا الاقطاعية العقلانية:
كانت بونازير تريد أن تزاول السياسة وكان ضروريا أن يبدو زواجها وكأنه مرتب، حتى تتحرك هى بحرية اكثر. وكان لم يكن اسيف على زاردارى زوج بونازير بوتا يساويها اجتماعيا أو اقتصاديا. فقد كان ابوه صاحب سينما ورغم أنهم كانت لهم أطيان فى السند منطقة آل بوتاو. وغدا زاردارى عضو برلمان إلا أنه كان أقل منها وكان بلاى بوى. وبعد زواجهما عقدا حلفا غير مقدس. فقد تواطءا من اجل تكريس زعامة بونازير لحزب الباكستان الشعبى Pakistani Peoples Party ـ الذى أنشأه والدها ذولفيقارعلى بوتا فى 1967 ـ متورطين فى الجريمة والاختلاس. وقد اتهمت بونازير وزوجها بقتل أحد اخوتها وقضى زردارى 7 سنوات فى السجن دون أن يعترف، ولم يحكم عليه بشئ، وما برح ينكر. وإلى ذلك فقد اتهم زردارى وبوانزير بغسيل الاموال وصودر 11 مليون دولار من أموالهم فى سويسرا. ويقال انهما كانا منفصلين الا أن بونازير لم تكن راغبة فى إعلان ذلك، لان الطلاق كان سيكون مكلفا لها من اكثر من ناحية. وقياسا، ورغم ما تكون بونازير بوتا قد دفعته مقابل الوصول إلى السلطة والانتقام لأبيها أو لأسباب ملفقة، فلم تكن امريكا حريصة عليها مقابل مشرف. فوجود مشرف يوفر تكريس فكرة أن باكستان متطرفة، لا يمكن حكمها بغير العسكر مرة ومرة ثانية. فان العسكر من شأنهم أن يفاقموا السخط فيتفاقم التطرف، مما ييسر لامريكا ادعاء أن باكستان النووية خطر على الامن العالمى، وهو ما قد يبرر بالتالي ضربها. الا أن الانتخابات خيبت ظن أمريكا وحلفائها. فقد اسقط الشعب الباكستانى كل من برواز مشرف والاحزاب الاسلامية، وانتخب أحزابا معتدلة نسبيا، رغم ما قد يدعو للتحفظ على الاخيرة بدورها. فتلك الاحزاب هى كل الموجود فى الباكستان فيما خلا حزب عمران خان لاعب الكريكيت الباكستانى ورئيس حزب التحرير والانصاف، وبعض الاحزاب الصغيرة الاخرى. 

عناد تنويعات الوراثة الاسراتية الشرقية:
فى وصيتها ورّثت بنازير ابنها من بعدها. وحيث اورثت بونازير بوتا ابنها بلاول ـ وكان عمره 19 عاما عند اغتيالها ـ فقد كان على زردارى أن يغدو وصيا على ابنه حتى يتخرج بلاول فى الجامعة، ويشتد عوده ليغدو سياسيا، ويحتل منصب رئيس الوزراء عن حزب أمه. ذلك أن وراثة زعامة حزب باكستان الشعبى ينبغى أن تبقى فى بيت أل بوتو. لذلك أضيف إلى اسم الابن أسم بوتا حتى تتصل الوراثة الاسراتية. ذلك أن اسم العائلة يغدو بمثاية الماركة المسجلة فيدعو للثقة أو العكس. فالبضاعة المجربة تروج وبالمقابل يتهيب الناس ما لم يألفوه. ويلاحظ ذلك فى جمهورية روسيا الفيدرالية وفى الجمهوريات الاشتراكية السابقة. فقد ورّث بوريس يلتسين فلاديمير بوتين، وورّث الاخير ديمترى ميدفيديف Medvedev. وأعادت معظم الكواكب الشرقية التى كانت قد بقيت تدور سابقا فى فلك الاتحاد السوقيتى انتخاب الاحزاب الشيوعية، وقد زوقت Euphemised الاخيرة فى تنويعات على نفسها. فحتى الثورة البرتقالية التى مفصلها بيت الحرية House of Freedom ـ وهو بدوره تزويق مجدد لوجه ودور لاستخبارات الامريكية فى أوربا الشرقية ـ حتى بيت الحرية لم يفلح فى إزاحة الرواسب العنيدة عن النظام القديم إلا وجيزا، ولم تلبث أوكرانيا أن اختلقت توليفة من الجماعات القديمة مع تحبيشة Icing on the cake من العناصر البازغة امثال الهولة العقلانية جوليا يوشينكا. وهى بليونيرة أوكرانية كانت قد أثرت كغيرها بخصخصة القطاع العام الاشتراكى، وسيدة أعمال قادت الثورة البرتقالية واصبحت رئيسة وزراء حكومتها. إلا أنها لم تجد سبيلا ـ بعد سقوط حكومة الثورة البرتقالية ـ سوى التحالف مع حكومة يسار الوسط الحالية فى اوكرانيا.

المهم اذا كان اسيف على زردارى سيكون من صناع الملوك أو يرث هو سلطة آل بوتا لنفسه فامر يحتاج إلى وقت؟ هذا وما ينفك مصير حزب بوتا أن بات مرتبطا بحزب نواز الشريف ـ رئيس حزب التحالف الباكستى الاسلامى Pakistani Moslem League الذى تدعمه السعودية ـ فيما يشارف زواج المنفعة تماما كزواجها من زردارى. فان اجتمعت بونازير بوتا الاقطاعية ونواز الشريف ـ أغنى رجل فى الباكتسان ـ فان المال القديم والمال الجديد يتحالفان من أجل الوصول إلى السلطة. وكان كلاهما مدين فى أسبانيا وبريطانيا وغيرهما بمبالغ معتبرة فى شكل ضرائب بقيت مستحقة جراء التحايل والمماطلة والمراوغة فى دفعها مما يجعلهما رهينى بعضهما كما أبطال الملاحم الكبرى.

هولة النمط الشرقى بامتياز:
كانت كافة الجهات والنظريات والسيناريوهات قد اسقطت تصوراتها على بونازير بوتا. ولم تكن بوازير بوتا هولة النمط الشرقى المجنحة وحسب وانما كانت تيسر عمليات ومشاريع نمط الانتاج الشمال امريكى. وحيث كانت بونازير بوتا عميلة للادارة الامريكية رقم 43 بامتياز وعلنا، فقد منحت بونازير امريكا مسبقا ـ ما أن تنجح الاولى فى الانتخابات ـ الحق فى دخول باكستان ومحاربة الارهاب ممثلا فى المدارس والقبائل العاصية على مر السنين، والطالبان ذلك الفرانكيشتاين الذى خلقته امريكا نفسها كما يعلم الناس فى كل مكان. ويعنى ذلك اجتياح منطقة قبائل الشمال الباكستانى على الاقل عن بكرة ابيها ل"تنظيفها" أو تطهيرهاTo Flush out من الارهاببين، وكذا القبائل المتمردة فى الشمال والقبائل المتاخمة للسند ـ ولاية بوانزير نفسها ـ وكذا الطالبان على حدود افغانستان. وكان ابوها ذولفيقار على بوتا من أهم من ساعد على نشوء الطالبان بصورة غير مباشرة وبدون قصد. وكانت بعض الفيمنيات ـ النسووقراط قد رحن بدورهن يدعين بونازير بوتا كونها نسووقراطية من الدرجة الاولى وبقصد. وكنت قد شاهدتها تعمل على الارض حيث كانت من منظمى مؤتمر البرلمانيات المسلمات فى كوالا لامبور فى 1995. وكنت قد حضرته بوصفى من المدافعين عن الديمقراطية، واستقر فى خاطرى هول ما تكون عليه المرأة الطموح والغافلة عن مشاكل بنات جنسها، ناهيك عن مشاكل غيرهن. وإلى ذلك بكتها القوى الشعبية الباكستانية التى تتزعمها اسرة بوتا ومعظم تنويعاتها التقليدية فى اشد تمثلاتها صميمية وخلعت عليها الشهادة رغم أن الاسلامويين والاستخبارات الباكستانية ـ الموال بعضها للاخيرة ـ أعتبرت بونازير بوتا ما بعد حداثية ومارقة. وقياسا جعل التقرير الطبى سبب وفاتها انشجاج جمجمى جراء ارتجاج رأسها على حافة سقف الشمس بسيارتها المدرعة حسب تصريح المسئول الباكتسانى الطبى الرسمي، فاسقط عنها الشهادة طبيا. ذلك أنها دقت هى رأسها بسقف السيارة الزجاجى. وقد قيض إسقاط الشهادة عنها رفع كل حرج من الكشف عن تاريخها، ولم يعد ثمة ما يحمى سمعة بونازير مما فعلته إبان حياتها شئ.

فلو انها ماتت شهيدة لغفر لها ما ما تقدم من أفعالها وما تأخر. وكانت بونازير بوتا متهمة بازاحة أمها ـ الشيعية ايرانية الاصل البيجوم نسرات اصفهانى ـ بعنف من رئاسة حزب باكستان الشعبى وقد ورثت الاخيرة الرئاسة عن زوجها ذولفيقار على بوتا، مثلما فعلت كل من كرواسان اكينو الفليبينية، وانديرا غاندى ابنة نهرو وزوجة ابن غاندى، وحسينة واجد رئيسة حزب عوامى المعارض ورئيسة بنجلاديش السابقة، وخالدة ضياء رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة أيضا ـ وكلتاهما متهمة فى قضايا قتل وفساد وإيزابيللا وإيفا بيرون الارجنتينيتين على التوالى عن زوجيهما ـ على التوالى ـ خوان بيرون وكريستينا فينتديز كيرشنر عن زوجها بدورها. فذلكم هو العهد بالاحزاب الاقطاعية الشرقية الاسراتية. المهم كانت بونازير بوتا إلى ذلك متهمة وما برحت بالتواطؤ فى/ والتستر على/ مقتل أحد أشقائها بالسم. وكانت بونازير قد أثرت مثلما لم تفعل امرأة باكستانية. فهى متهمة بالثراء الحرام، وقد أعتبرت مال الباكستانيين حلال عليها. فبونازير امرأة اقطاعية يحل لها مال الباكستان كما يحل لها خالص عمل أقنان النمط الشرقى، بوصفها ممثلة لقواعدها الشعبية لدى الآلهة والسلطة الوضعية القائمة والسوق والعولمة. 

تعالق ظاهرة الهولات المجنحات وتنويعات النمط الشرقى:
أزعم أن الاقطاع الشرقى كان وما برح حريا بأن ينظم نفسه فى حزب يدافع عن مصالحه، بقواعد شعبية من اتباعه ومواليه ورقيقه. وكان النمط الشرقى ولعله ما برح يبدع ما لم يتعين عليه نمط قبله. ولعه ألهم الرأسمالية بأن تنظم نفسها بقاعدة شعبة من البروليتاريا أو ـ وتخدع الاخيرة بسمسرة الطبقة الوسيطة مثلما فى حزب العمال البريطاني، بانها تدافع عن مصالح الطبقة العاملة. وقد ابدعت بونازير بوتا فى التوليف بين عدة أنماط من الانتاج من الوقوف على رأس تنويعة أسراتية اشتهرت بها جنوب شرقى آسيا من الفليبين إلى سيريلانكا والهند وبنجلاديش وباكستان مرة، ومرة اخرى تعينت على توظيف العولمة. وازعم أن تلك التوليفة ليست قاصرة على جنوب شرقى آسيا ولا حتى على شبه جزيرة أيبيريا ـ كما قال ماركس ـ وإنما يمتد فيروسها أو عدواها أو راسبها حتى امريكا الشمالية والجنوبية كما ألمحت أعلاه. وكنت قد جادلت فى بحث آخر أن نمط الانتاج الشرقى يعبر عن نفسه فى أمريكا الشمالية دون أن يلاحظ أي منا. فحيث بقيت الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ الامركة ـ ولم تمر أمريكا حقا بالبرجوازية الصناعية ـ تتمأسس فوق العمل العبودى الاقرب إلى علاقة العمل فى النمط الشرقى ـ بزيادة البعد الخاص بامريكا من الرق المنقول بتجارة الرقيق العبر اطلسية ـ فقد كانت أمريكا حرية بأن تعبر عن تنويعة من النمط الشرقى. وما برح تنظيم الانتاج الزراعى المتصل بمفهوم اللاتيفونديا Latifundia والمينى فوندياMinifundia ـ وهى اقطاعات شرقية عرفت فى شبه جزيرة ايبيريا ـ ماثل فى امريكا الشمالية. وكان المهاجرين إلى العالم الجديد من الحجاج والآباء الأوائل والفاتحون الاسبان ـ الكونكيستادوريس Conquistadores نقلوا ذلك النمط إلى جنوب امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية. وكانت بعض ولايات امريكا الجنوبية تابعة للفاتحين الاسبان حتى ورثت امريكا ما اشترته انجلترا من فرنسا جراء افلاس نابليون ـ مثل نيواورليانز ـ كما ضمت امريكا بعض الولايات تباعا حتى القرن التاسع عشر. وما برحت علاقات الانتاج والملكية الراجعة للنمط الشرقى منتشرة فى كاليفورنيا أكثر الولايات تطورا ومهد السيليكان فالى Silicon Valley أي وادى صناعة السيليكون وأصل الصناعة الاليكترونية وتجارة الدوت كوم وما حولهما، وأغنى ولاية فى امريكا. وتعد ميزانية ولاية كاليفورينا وحدها خامس ميزانية فى العالم.

ولعل التعاطف المتخاتل أو التماهى التاكتيكى المتكائب بين بونازير بونا وامريكا كان حريا بان ينشأ من تشابه الخلفيات والقدرة على التفاهم بينهما. فامريكا تملك إرثا من التعامل مع العبيد المعتقين والمحظيات الملكيات، وتنتج منهم ومنهن نظائر بدورها. ولعل ذلك حري بدوره أن ينتج أو ربما يفسر نشوء ظاهرة هيلارى كلينتون بوصفها تنويعة على بوانزير بوتا مما قد يفسر ادعاء أن هيلارى كلينتون تنويع على الهولات المذكورات اعلاه. ذلك انه حيث ترث بونازير بوتا سلطة اسراتية اقطاعية شرقية، فان هيلارى كلينتون حرية بان تقف بوصفها تنويع مالى بالضرورة، وما بعد حداثى بالنتيجة، أو ما بعد ليبرالى ـ فى تنويع على المحافظين الجدد واليسوعوقراط ـ على الوراثة الاسراتية للسلطة. وتتمثل ظاهرة السلطة المالية الاسراتية فى أمريكا فى نشوء ثقافة توارث السلطة بين عائلات بعينها من عائلة كينيدى إلى عائلة بوش إلى عائلة كلينتون. وقد راحت ظاهرة السلطة الاسراتية تعبر عن نفسها تباعا منذ عائلة كينيدى وعائلة بوش الابن وكلينتون حيث قد تتوالى توأمتى بوش وتشيلسى ابنة كليننون وغير ذلك من ابناء الرؤساء الامريكا تباعا. واجادل أن تلك الظاهرة حرية بان تقوى ناشئة بصورة صاعدة تباعا مع مرور السنين القليلة القادمة. 

السلطة الاسراتية وصناع الملوك:
رغم أن امريكا كانت قد وضعت امالها فى برفيز مشرف وفتح هو لها بدوره المنشآت النووية على مصراعيها إلا أنه بقى قابلا للاستغناء عنه ـ مثله مثل محمد ضياء الحق الذى ضحت به امريكا فسقطت طائرته رغم وجود سفيرها فوق متن نفس الطائرة. وتدرك امريكا أن بونازير ما كانت ـ لو انها عاشت ـ تغير فى السياسة الخارجية الباكستانية شيئا. فقد كانت الاستخبارات الامريكية قد مولت رجال الدين واقامت المدارس لمحاربة الشيوعية. وكان ذلك وراء مقتل ذو الفقار على بوتا. وفى دورة السلطة والموت فى الباكستان أخذت بونانزير بوتا بعد موت أبيها مركز الاخير، وبقى مشرف فى السلطة مثله مثل ضياء الحق بعد أن وعد بالتنازل عن السلطة، وتستمر الحلقة المفرغة من العسكر المغرورين وقد دفعتهم السلطة إلى الخيلاء، ولا غرو فهم محاطون بمنافقين يصورون لهم الوضع بغير ما هو عليه، كما أن "السلطة سمحة" بمعنى جميلة وحلوة كما يقول المثل السودانى. ولما جاءت بونازير إلى زعامة حزب أبيها لم تغيير فى الأمر كثيرا، ويقول البعض أنها ما كانت تملك أن تفعل أمام تغلغل الإسلام السياسى فى الخدمة المدنية والجيش شيئا يذكر أو ينسى.

فقد كان ضياء الحق قد كرس الاسلام السياسى فى الباكستان بمساعدة عضو الكونجرس تشارلى ويبستر Webster الذى قاد الحرب ضد الروس فى افغانستان وكان ضياء الحق مهووسا بكراهية الروس ويخشى انهم أن نجحوا فى احتلال افغانستان فإن بلده ستكون التالية فى الصف. وكان ضياء الحق يقول إن الجيش يحارب من أجل الله ضد الكفار. وقد قتلت قوات برفيز مشرف بدورها نصف طلبة المسجد الاحمر، وكان الاخيرون قد احتجزوا البنات لتعليمهن الدين، لأن المرأة بغير ذلك عاهرة. وليس معروفا كيف يفكر صغار اعضاء الجيش بين صفوف الجنود الدنيا وهل يرون غضاضة فى قتل المدنيين أم يرون أن الاخيرين اذ يقتلون يغدون شهداء، وان الباكتسان تقود معركة أمريكية وتحارب نيابة عن أمريكا.

وقياسا فهيلارى كلينتون قد لا تغير بدورها من السياسة الامريكية الخارجية شيئا يذكر. ذلك أنه حيث تزلمت بونازير بوتا لامريكا باكرا، وقبل وصولها إلى السلطة، فان هيلارى كانت بدورها قد تعينت مسبقا على التحبب إلى/ ونيل رضاء/ امبراطور الاعلام وصانع الملوك King Maker الاسترالي الجنسية ـ تماما كعهد العبيد المعتقين ـ روبرت ميردوخ. ذلك أن ميردوخ يملك أن يرفع ويسقط من يشاء بمحض احتكار الصحف الشعبية مثل الصن Sun البريطانية وواشينجتون بوست الأمريكية ومثيلاتهما. وكان روبرت ميردوخ قد دشن هيلارى باكرا ـ رغم أن ذلك التدشين غير مضمون ـ وقد يتحول إلى غيرها أي لحظة أو مع اى هفوة منها أو كلمة فى غير مكانها، مما حول هيلارى إلى محض لعبة خشبية متخشبة لا تبين حتى عن نوعها. فلا تصرح هيلارى كلينتون بشئ ينبى بأنها امراة ـ كما لم يصرح أوباما بشيئ ينتبئ بانه أسود حتى أحرجه قسه الاثير، الذى قام على مراسيم زواجه، وعمد بناته، بالتصريح بأن امريكا امة منافقة، وأن أحداث 11 سبتمبر 2001 الخ ما هى سوى عقاب الرب على مغالاة أمريكا وإباحيتها. وقياسا فقد بقى أحد مرشحى الديمقراطيين ينكر أنه أسود والأخرى أنها امرأة.

المهم من المفيد تذكر أن ثمة حقيقتين متناقضتين حول هيلارى كلينتون: وهما أن هيلارى لم يعد من ناحية ممكنا ايقافها ومن ناحية اخرى لا يبدو أن الامريكان مستعدين لرئيس امريكى يكون امرأة. وتلقى هيلارى لذلك كل من عاطفة الرفض وعاطفة القبول، بنفس القدر من القوة. ولا يستحب العديد من الامريكان هيلارى إذ يراها حتى الامريكان انتهازية وعقلانية اكثر من اللازم. فقد راحت تخطط لوقت طويل لحلول فرصة الترشيح للرئاسة، وقبلها لمنصب نائب عن مدينة نيويورك بقلب قاس وبرود. ويقال أن معظم اليهود يميل إلى هيلارى كلينون كونها تهتم باسرئيل. فان اسرائيل أهم قضية لدى يهود امريكا، ومعظمهم لديه هوية مزدوجة وجوازى سفر، ويصوت فى اسرائيل وامريكا. ومع ذلك يقول البعض أن رئيس ديمقراطى خبر سئ لاسرائيل ناهيك عن ديمقراطيى ربع مسلم، وأن الجمهوريبن ملتزمين بسلامة وأمن اسرائيل بلا تحفظ.

وتتصف هيلارى بمنافقة الناخبين بادعاء أنها إنسان عادي. ولعلها فى حقيقة الامر محض كائن مزيف ـ على طريقة مارجريت ثاتشر ـ بصورة طبيعية Naturally fake. وتجأر هيلارى بأنها أخطأت إشارة إلى التنازل عن كرامتها عقلانيا ازاء طموحها. فهى عقلانية بامتياز بالمعنى الاجرائى للعقلانية، كما أعرف العقلانية فى بحث طويل. وقياسا تدرك هيلارى أن من طبع الامريكان والافانجليين الانجلو امريكان غفران الإثم أن اعترف به الآثم. فثمة فى المسيحية الغربية ما أسميه غفران الخمس دقائق. وتدور هيلارى حول الولايات تجأر بأنها اخطأت وأنها تعلمت من اخطائها. فالسياسة فى أمريكا ممسرحة، وتعتمد على القول بانك انسان عادى، مما يساعد على استقطاب الناس العاديين بيسر. فالاخيرين هم كذلك لانهم ميالون لتصديق ما يرون ويرون ما يصدقون. أما اصوات النساء فلم تعد مضمونة بدورها. ذلك أن النسوية المغالية ـ النسووقراط ـ وهو مفهوم اخترعته منذ اكثر من 20 عاما إبان كانت النسوية الغريية المغالية فى أوج سطوتها وعدوانها ـ إن النسوية الغربية كانت قد تحورت Mutated فى العشر سنوات الماضية ولم تعد ما بعد النسووقراطية تجد فى هيلارى كلينتون أيقونة فيمينية.

فهى تلك المرأة التى وقفت إلى جانب زوجها بيل كلينتون رئيس الادارة رقم 42 وهو يخونها علنا، فقد ثابرت هيلارى على احتمال المهانة حتى تبقى زوجة الرئيس صابرة، مما كانت تتصور أنه قد يكسبها أصوات المشفقين والمشفقات. إلا أن ذلك انقلب عليها. فقد ادرك الناس أنها كانت تتحين فتستغل الفرصة لكل من الوصول إلى السلطة وللانتقام. وكأن هيلارى تنتقم من كلينتون وقد تحول إلى خصم لا تملك الفكاك منه بثمن كرامتها الذاتية. تنويع على بونازير إذ تنتقم من ضياء الحق والعسكر إذ تفعل ذلك بثمن مكافئ، هو القتل والنهب والدوس على مبادئ ابيها.

المهم لا يجد الناخبون أن هيلارى ليبرالية فهى لم تكن أبدا كذلك، بل كانت دائما تقليدية، فلم تشترك يوما فى الحركات الاجتماعية أيام كانت طالبة. ولم تشجع أيا من السياسات اليسارية، بل كانت وبقيت تتحور تباعا نحو اليمين. انظر(ى) www.bbc/radio4/ Start of the week،9.02am Monday 12th.Nov.2007 وإلى ذلك وربما بسببه فلا تملك هيلارى كلنتون الابتسام مرة، وقد تمررت جراء تجربتها، ومرة بتوجيه طاقم مستشاريها فيما تلبس، وما تتجمل به من مجوهرات، ولا تتنفس الا بحساب كمن يمشى على حافة سكين الخدامة (بكسر الخاء وتعنى عندنا فى السودان العبودية) لامبراطور الاعلام وسيد زمانه مثلها مثل المحظيات الملكيات على مر التاريخ. وحيث يبقى تدشين روبرت ميردوخ غير مضمون بحال كما ذكرنا، فإن نشوء ظاهرة باراك أوباما حرية بان تستقطب الناخبين الديمقراطيين خصما على هيلارى مرة. الا اذا اضعف التنافس بينهما الديمقراطيين لحساب الجمهوريين مثلما حدث فى 1860 عندما قيض انقسام الديمقراطيين فوز الجمهورى ابراهام لينكون ليغدو الرئيس رقم 16 فى 4 مايو 1861. ومن ناحية اخرى فان رالف نادر المرشح الامريكى المستقبل ذى الاصل اللبنانى قد يخصم اصوات الناخبين الديمقراطيين لحساب جون ماكين المرشح الجمهورى ـ الا اذا اغتيل أوباما.

ذلك انه مهما كان النمط الشرقى فان سلطة المحظيات الملكيات والعبيد المعتقين Manumitted slaves تبقى نادرة إلا بوصف الاخيرين صناع ملوك من وراء الستار أو عندما يتعينون على القيام بانقلابات بلاطية Court coups and counter coups وانقلابات مضادة لحساب الاسرة الحاكمة للابقاء على السلطة فى بيت الاخيرة فى مواجهة منافسيها على السلطة من الاسر المطالبة بالاحقية فى السلطة. 

هولة ما بعد حداثية لا اهمية لها Of little or no consequence
تدور جومانا ديفيد جولدسميث طليقة عمران خان لاعب الكريكيت الباكستانى الشهير بدورها تنتقد الباكستان وقد ظهرت فجأة كشخصية سياسية ـ وما فيش حد احسن من حد ـ فتتزعم جومانا ديفيد جولدسميث عمران خان حركة الدفاع عن حقوق الانسان فى الباكستان، وتتدافع مع النجوم الذين يؤدون فريضة الولاء لشركات التنقيب عن النفط واليورانيوم والنحاس الخ، للدفاع عن نساء دارفور. وكان أبوها زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة. وكان يدعو للخروج من السوق الأوربية وصاحب ما أسميه المال الجديد، وكان يترحل كرجل اعمال انجليزي بين بريطانيا والولايات المتحدة ليستقر فى الاخيرة فى ثمانينيات القرن العشرين ليصبح من اكبر ملاك الاراضى، فيلحق نفسه باصاحب المال القديم، ويغدو زعيم صفوة عالمية مالية تعينت على تخريب الاتحاد السوفيتي، تميهدا لانهياره بالكامل. وكان سير جولدسميث ومايكل ميلكين Michael Milkin الذى بات ـ ولم يكن يبلغ الاربعين ـ القائد العام لفيالق تلك الصفوة العالمية. وكان جولدسيث رئيس جد أركانها(1) يجندان كل وسيلة وشخصية عامة ومشهورة لنشر دعوتهما من نجوم السينما إلى الشخصيات العامة كفرانك سيناترا ـ وكان من اكبر حملة أسهم الزبالة Junk shares التى أدت إلى انهيارات مالية مماثلة على عهد رونالد ريجان ـ ودين مارتين وجين كيلى وسامويل ديفيز جونيور الخ وكلهم ـ وليس صدفة من أعراب الشتات ـ ممن اتضحت مؤخرا علاقته بكل من المافيا الامريكية ووكالة المخابرات المركزية سى أى ايه CIA. وكان سيناترا يتواطأ مع/ ويعمل لحساب/ ادجار هوفر مدير الوكالة المركزية للاستخبارات الامريكية. وفوق علاقة الاخيرين بالتنظيمات اليهودية المركزية فى كل من هوليوود والصحافة الامريكية فقد انفتح أمامهما مجال اختراق المجتمعات والجمعيات والتنظيمات السياسية والمطلبية والفنية والصحفية فى المنظومة الاشتراكية على الخصوص على سعتها. وترث جومانا جولدسميث عمران كل من سلطة والدها وزوجها فتسمسر لحساب المافيات الجديدة، كما سماها ميشا جلينى فى اخر كتاب له، ونيابة عن الاوليجاركيات المالية مجتمعة أو منفردة. فهذا زمان الفوضى المهيكلة بابداع إبليسى. 

* خديجة صفوت استاذ الاقتصاد السياسى متقاعد
اكسفورد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ سجن ميلكين بتهمة الاحتيال وسوء استغلال معلومات سرية Inside Information dealings فى المضاربة فى اسواق الاسهم والسندات وعاد جولد سميث الى بريطانيا فانشأ -قبل ان يتوفى بسنوات فى منتصف 1999 مفلسا ـ حزبا سياسيا معاد للوحدة الاوربية.