في مراجعة الكاتب الكاتب المغربي لكتاب التشكيل الحركي للباحث عبدالصاحب نعمة مرعي كشف عن جدلية تشكيل «النص» والذات الجماعية وجوديا وجماليا عبر بناء الميزانسين الكلي.

التشكيل الحركي

«الميزانسين» في العرض المسرحي

أحمد الفطناسي

يؤكد الدكتور عبدالصاحب نعمة مرعي في تقديمه لكتاب (التشكيل الحركي:الميزانسين في العرض المسرحي)* أن الميزانسين mise en scène، هي جواب على الأسئلة المنبثقة عن الصراع بين النص والعرض. ولعل التنويعات التي أحدثت على مهمات الميزانسين قد ساهمت في معرفة حدود النص الفارقة على العرض المسرحي وهو ما قامت عليه جدلية الإخراج في محاولتها إخراج النص من أدبيته ووضعه في دائرة المسرحية. وأي معالجة جمالية لهذا النص ما هي إلا تأويل جمالي وبناء للتشكيل الحركي، الذي هو المفهوم المركزي لبنية العرض المسرحي.

ويقوم تصور الدكتور عبدالصاحب نعمة مرعي، على أن العرض المسرحي يتكون من نظامين:

     مسموع
     مرئي

الأول الكلام هو الحامل للأفكار، أما الثاني فهو صور تشكيلية متصلة بكلية الرؤية. ولتناول هذا الإشكال النظري قسم المؤلف الكتاب الى فصلين: تناول الفصل الأول تطور الميزانسين في المسرح العالمي من خلال دراسته لمفاهيم بنائه كـ«الخطوط، السطوح، الكتل، الحركة» كما تم الكشف على أنواع الميزانسين أما الفصل الثاني فقد خصه الباحث لتجارب عدد من المخرجين من خلال تقديم أساليبهم ورؤاهم. ومادام الميزانسين يرتبط بالمخرج بشكل رئيسي يخصص الباحث الفصل الأول من كتابه، لجرذ تاريخي يقدم من خلاله سمات تطور الميزانسين في المسرح العالمي، وذلك من خلال الأقسام ثلاثة:

     بناء الميزانسين 
     أنواع الميزانسين
     الميزانسين والأفكار الفنية

ينطلق الباحث عبدالصاحب نعمة مرعي من مبدأ عام يتمثل في تطور حركة الميزانسين في الزمن باستمرار محدد في الوقت، وبارتباط وثيق بإحساس المخرج. وهكذا يعود الباحث الى مرحلة أولى تمتد من مرجعيات المسرح الإغريقي والتي رغم تمتع العرض المسرحي داخلها ببنيته الناضجة وبعد التاريخي العميق إلا أنه ظل بدائيا، ويصل الباحث في هذه المرحلة الى مرحلة العصور الوسطى والذي يسم التشكيل الحركي =الميزانسين داخله بأن ظل حبيس شرطية المكان المتكرر، ورغم ديناميته إلا أنه ظل ضمن فضاء مغلق. في عصر النهضة أفرزت التجارب المسرحية بتنوعاتها تشكيلا للحركة تستمد تنوعاتها من الطبيعة المكانية للمشهد والفصل الذي يجري فيه الحدث المسرحي.

أما العصر الحديث فقد مثل نقطة تحول حقيقية، أحدثها التنظيرات الجمالية. وهو ما ساهم في بلورة تجارب جعلت من التشكيل الحركي ورشا مفتوحا بتعدد الرؤى، ولعل تعاليم المسرحي ستانسلافسكي تمثل ثورة حقيقية في هذا الباب.

يحدد الباحث في بناء الميزانسين آليات اشتغال هذا المفهوم في العرض المسرحي والتي تقوم على الإنسان (الممثل)، المكان (الفضاء المسرحي)، الصورة (موضوع التكوين). وهكذا نحصر بناء الميزانسين في:

1ـ الخطوط
2ـ السطوح
3ـ الكتل
4ـ الوحدة والتنوع
5ـ الحركة
6ـ التوازن
7ـ الضوء والظل
8ـ الفضاء

وهكذا فإن الميزانسين يصور سلوك الشخصيات بارتباطها بهدف أعلى، ويصوغ صورة العرض المسرحي في تكامله.

يقدم الباحث أنواع الميزانسين في نوعين، الميزانسين المفتوح والميزانسين التناظري، وهما نوعان يشكلا ما يسمه بالميزانسين القطري ويضيف الباحث الميزانسين الدائري (المغلق). جميع هذه الأنواع تساهم في وضع تشكيل حركي لأي عرض مسرحي سواء تم تقديمها بأشكال قطرية مائلة أو عمودية على خشبة المسرح. وفي اعتماد واختيار الأسلوب المسرحي، اختيار للعرض والفكرة الإخراجية.

ينهي الباحث فصله الأول بالحديث عن الميزانسين والأفكار الفنية وفيه يؤكد على أساس نظري يقوم على أن العرض المسرحي هو إطار معرفي لإنتاج مرجعية جديدة غير مرجعية النص، ذلك لأن النص يتكون من منظومة علاماتية، ومهمة العرض تحويل تلك العلامات الى نظام مرئي: بلغة العرض المسرحي تتحول العلامة اللغوية الى علامة بصرية/ مرئية. وهكذا يتأسس فكر المخرج الفني من خلال تمثله لفكرة المسرحية والتي بدأت تأخذ في وعيه صورة دينامية بصرية. إن التشكيل الحركي (الميزانسين) يبدأ مع بداية خلق العلاقة مع العناصر التشكيلية للفضاء المسرحي، بالتالي فحركة الميزانسين هي حركة العناصر المساهمة في بنية العرض المسرحي.

الفصل الثاني من كتاب الدكتور عبدالصاحب نعمة مرعي يخصص للمخرج وإنشائية الفضاء وللقدرة التشكيلية عند الممثل. فالعملية المسرحية تتمحور في علاقة المخرج بالفضاء الدلالي الشامل، وهو فضاء يتحول من الثابت الى فضاء متحرك. لذلك يستدعي الباحث في طرحه، إشكالية تعددية القراءة والتأويل.وفي تسيد المنحى التجريبي في تشكيلية الفضاء، العديد من التجارب العربية وعلى الخصوص التجربة المسرحية العراقية. سعيا منه لإفراز المنظورات التي تبنى عليها ميزانسين العروض المسرحية.

أما في باب القدرة التشكيلية عند الممثل فإن الباحث يرسم فيما يشبه الخطاطة الدراماتورجية لبناء العرض المسرحي وذلك حينما يؤكد على أن إدراك المعنى الباطني الروحي في الشخصية يمنح الممثل وسائل جديدة لتحقيق تعبير رائع، وعندها يأتي الميزانسين "نتاج النسيج الجمالي/ التشكيلي لمخيلة الممثل محملا بالرؤى الفلسفية والفنية للفكرة الإخراجية".

في النهاية يمثل كتاب "التشكيل الحركي: الميزانسين في العرض المسرحي" للدكتور عبدالصاحب نعمة مرعي فتح لمسارات تشكل وتطور الميزانسين عبر تجارب المسرح العالمي، ولعل هذه التنويعات والمسارات كفيلة بإعادة قراءة تجربتنا المسرحية العربية، في استشرافها لدينامية هذا المفهوم وفي انفتاح متخيلنا المسرحي على آفاق جديدة. 


كاتب ومسرحي من المغرب
elfatnassi@maktoob.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "التشكيل الحركي:الميزانسين في العرض المسرحي" د/عبدالصاحب نعمة مرعي ـ دائرة الثقافة والإعلام الشارقة ـ السلسلة المسرحية(الدراسات) ـ ط1/ 2003.