رواية 'النهر المحول' للكاتب الجزائري الراحل رشيد ميموني

الخير شوار

عن الزمان الستاليني ومكانه!

الخير شوار
كاتب من الجزائر

صدرت ترجمة هذه الرواية، التي كتبها صاحبها باللغة الفرنسية في إطار جهود بعض المترجمين، في سبيل ''عودة النص'' الجزائري المكتوب بالفرنسبة، مثلما جاءت تسمية لدار نشر تونسية نشطت في هذا السياق، وتم نشر هذه الرواية التي ترجمها الكاتب والأكاديمي المعروف، عبد الحميد بورايو، في إطار ملتقى رشيد ميموني السنوي الذي تنظمه مديرية الثقافة لبومرداس بالجزائر، وذلك عن '' دار الحكمة''، وقد اعتمد المترجم على الطبعة الأصلية للرواية التي صدرت عن دار لا فوميك سنة 1986م
النهر عندما يكون مساره طبيعيا في العادة يصب في البحر، وبهذا تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن المفارقة تبدأ عندما يراد بمياه هذا النهر أن تتحول عن مجراها الطبيعي وتسير في سبل أخرى غير طبيعية، وانطلاقا من هذه المفارقة العجيبة، انزاحت الأحداث عن المسار العادي، وبدأت أحداث تلك الرواية، منذ هذه اللحظة الصادمة التي تسلسلت منها الأحداث، ودخلت الشخصيات في دوامة من الأجواء العبثية، لتستمر على هذا المنوال إلى النهاية، عندما يقتحم عالم السرد شخص ذو هيئة متخفية ليعلن لنا موت ستالين، نهاية كابوس وفجر عصر جديد، لينتهي بذلك العصر الذي بدأ بلحظة تحويل مجرى النهر إلى غاية موت السيد جوزيف ستالين، الذي يأتي فجأة هكذا بدون سابق إنذار، ونحن نعرفه خارج النص كزعيم للاتحاد السوفياتي السابق تميزت فترة حكمه بالبطش والترهيب، بل أصبحت تلك الحقبة تسمى ''الستالينية'' بل وأصبحت ''الستالينية'' نزعة تسلطية خارج الزمان، وقد تربط بأي مكان ولا ندري إن عاد النهر المحول إلى مجراه الطبيعي أم لا، لأن السرد كان قد توقف عند هذا الحد، وكأنه خرج مع أنفاس ستالين
ولئن كان ستالين كاسم قد اقتحم المشهد فجأة بدون مقدمات منطقية، فإنه كنزعة تسلطية ''ستالينية'' كان حاضرا منذ البداية بسلطته الأبوية البتريركية، بتعبير المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي، ونلمس هذه السلطة منذ الصفحات الأولى عندما يقول لنا السارد، أن أباه أخذ بيده وقاده إلى حيث دكان الإسكافي، آمرا إياه أن يبقى عند هذا الإسكافي الغريب، ليساعده في عمله وليتعلم هذه الحرفة، رغم إرادة السارد الذي يسأل بتلقائية عن السبب، ليجيبه الأب البتريرك بلغة ستالينية قاطعة '' أنا أبوك، يجب ألا تناقش أوامري''
في ذلك الجو البتريركي المحول عن مجراه الطبيعي، تقترب الأحداث من السريالية، ويغيب المنطق الذي يضبط العلاقة بين الأسباب والمسببات، عند تصاب العصافير مثلا بما يشبه الجنون فقد'' هبطت من أغصان الأشجار وأخذت تنقر الازهار في لحظة تم القضاء على الحديقة، بعد ذلك طارت العصافير واختفت''.. ولا تسأل عن سبب هذا التصرف الغريب طالما أن الواقع انزاح عن طبيعته وأطبقت الستالينية قبضتها على منطق الأشياء..
ويذهب النص بعيدا في البحث عن جذور تلك السلطة البتريركية الأبوية، ليرجعها إلى أصلها البيولوجي، قائلا في بداية النص، أن الإدارة (الأبوية) تدعي بأن حوينياتنا المنوية مخربة، ولا يشاطر السارد الإدارة هذا الرأي، وعلى الأقل فيما يخصني معلنا تملصه من هذه السلطة التي سيطرت على منطق الأشياء كلها وقولبتها في منطقها الخاص، ولم تتمكن منه، وهو الذي رصد تلك المآلات العبثية لهذا العالم الستاليني الغريب، معلنا تمرده على هذه السلطة صراحة في مواقع أخرى من النص، عندما يقول مخاطبا الأب البيولوجي، والرمزي في نفس الوقت، ''ماذا فعلت لكي تكون مستحقا لهذه التسمية، إذا ما تركنا جانبا كونك وفرت الحيوان المنوي الغامض الذي خصّب البويضة التي ولدت منها''.
وفي هذا الجو الغرائبي تختفي العصافير وتشيد الجسور العملاقة فوق وديان جافة، ويتحول الفلاحون إلى تماثيل من حجر، ولا يعرف عبثية هذا المشهد إلا ذلك الذي رفض الانصياع للسلطة الستالينية وما يلاحظ في الأخير، هو زئبقية الزمن، إضافة إلى غياب أبعاد واضحة للمكان، فإحدى الشخصيات واسمها '' الشيخ خمسة وعشرون'' يبرر اسمه، بأنه ولد في سنة25، لكننا لا نعلم التقويم إن كان ميلاديا أو هجريا أو تقويما آخر، فالحيز الذي تدور فيه الرواية يبقى خارج الزمان والمكان، لكنه في زمان ومكان ستالينيين وهذا هو المهم، بل تلكم هي المأساة.
Khierchouar@gmail.com