تطرح الباحثة المصرية هنا مجموعة من الإشكاليات التي تواجه أدب الطفل في الثقافة العربية، وتخلق بدورها وضعا إشكاليا لهذا الجنس الأدبي، وتقترح مجموعة من استراتيجيات مواجهة هذه الإشكاليات.

إشكاليات تواجه أدب الطفل

سمر إبراهيم

عند تأمل وضعية أدب الطفل في العالم العربي، نلاحظ أننا إزاء أزمة ما فعدد الكتب المنشورة وصل إلى أضعاف أضعاف ما كان ينشر قبل عام 1985، ولكن في الحصيلة النهائية نلحظ عدة أمور: أولها: اكتساح الكتب المترجمة وأنها ما زالت الأكثر ابهارًا وعددا بالنسبة للكتب المؤلفة، قلة الاهتمام بالكتاب العلمي للطفل، قدم الموضوعات المطروحة في الكتاب المؤلف. وذلك لأننا ما زلنا أسرى لمفاهيم تقليدية قديمة، فما زلنا نبحث عن المغزى الأخلاقى للقصص المكتوب، وكأنه هو أساس الكتابة للطفل، ولعل أكثر الشواهد دليلا على هذا الأمر، هو سؤال المذيعات للأطفال الدائم الطرح: ماذا تعلمتم من القصة؟ بل إنهن لا يعطونهم فرصة للتعبير عن ذواتهم، بل يقاطعونهم دائما، ويظهر هذا الأمر فى كافة برنامج الأطفال التليفزيونية، فنكون أمام دمى لا تنطق إلا بما نريد.

ولا يعنى ذلك أن أدب الطفل لا يجب أن يحمل قيمة ما أى كان نوعها: اجتماعية، فنية، ثقافية.. إلخ، وإنما يعنى أن الهدف الحقيقى لكافة الفنون المقدمة للطفل هى المتعة وخلق شخصية مبتكرة تطور وسائل المعرفة وتنظمها تخرجه من موقف المتلقي السلبي. ومن المفارقات الغريبة في التعامل مع الطفل أننا بالرغم من كل المحاولات الجادة لتطوير المكتبات والجهود الرائعة وافتتاح المكتبات، وتشجيع القراءة، ما زالت العملية التربوية للطفل والإبداعية تدار بنفس المنطق القديم، فما زال الطفل يمضى فى مدرسته طوال النهار حتى العصر تقريبا ويعود إلى المنزل محملا بالواجبات بقية يومه، فلا يعيش طفولته، ولا يجد وقتا للقراءة الحرة، ولا للتمتع بالموسيقى والفنون الأخرى.

والكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابات، وتتحكم فيها عوامل كثيرة، منها المرحلة العمرية، فكل سن له طريقة فى الكتابة والرسوم والإخراج الفنى، والحق أنه من واقع تجربتى فى الكتابة والترجمة وورش الحكى للأطفال، ومراقبتى لكافة أشكال الكتابة المطروحة، نلاحظ إقبال الطفل على الكتب المترجمة، وذلك بالطبع لجدة موضوعاتها، وجمال الطباعة، وكذلك تناولها لموضوعات حية مرتبطة به تجعل منه بطل العمل، تطرح آماله ومواهبه، ورؤيته للعالم، وذلك على النقيض من كتب الأطفال المؤلفة التي تكاد تنعدم فيها شخصية الطفل، وإن وجدت في عمل فهي هامشية لا تساهم في الحدث، أو ظل لما يريد الكبار التعبير عنه لغة وموقفا، فينفصل الطفل عنها، ولا يتفاعل معها، وكذلك فإن كثيرا من الكتب المترجمة تطرح موضوعات حية يمكن أن يعاني منها الطفل تكاد تكون محظورة من قبل المؤسسات التربوية مثل: ظاهرة الطلاق، أو اهتزاز شخصية أحد الأبوين، وبالطبع ترصد أثر ذلك على الأطفال، مركزة على كيفية فطرة الطفل والمشاركة الاجتماعية التى تؤهله للتغلب على تلك المشكلات التي تقابله.

ولا يعنى ذلك عدم وجود بعض التجارب المتميزة والخاصة لبعض كتاب الأطفال، ولا إنكار الجهود الخاصة لبعض دور النشر، ولكنها إلى الآن ما زالت جهودا ضيقة تحتاج المزيد من الجهد والتعاون من كافة المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية. وقد لاحظت شيئا هاما فى معارض الطفل، وهو أن المدرسين والقائمين على العملية التربوية لا يتواجدون فى هذه المعارض إلا البعض القليل الذين يزرون المعرض بتكليف من المدرسة فيقومون بزيارة المعرض بمصاحبة الأطفال وكأنها واجب ثقيل، ولا تتاح لهم الفرصة لمتابعة الجديد من الكتب فى المعرض، بينما فى معرض بولونيا مثلا فإن كل رواده من الناشرين والمدرسين والقائمين على العملية التربوية والتعليمية للطفل.

وأعتقد أن هناك عدة وسائل لتطوير الوضع الآن لأدب الطفل، ومنها الاعتماد على تقنية فاعلية الكتاب مع الطفل بجعل الكتاب وحدة للفنون المختلفة من الرسم والموسيقى والكتابة الجميلة واللعب والعرائس والكرتون، فيكون الكتاب بمثابة المحفز للطفل الذى يستثير شوقه وغرائزه الفطرية للفنون، وينميها، بحيث يصبح الكتاب هو البذرة الأولى وليست النهائية، بتحويل كتب الأطفال إلى ورش فنية تنتقل إلى المدارس بكتبها وموسيقاها ورسومها وعرائسها، وتمثيلها من قبل الأطفال، أو مع خيال الظل، بشرط أن تكون تلك الورشة من صنع الأطفال، ويكون الكتاب القصصى المؤلف هو محور تلك الورشة، فيصبح من خلالها الكتاب بقصته عدة قصص وعدة رسوم وعدة قطع موسيقية وعدد من العرائس وعروض فنية متكاملة، وبالطبع لابد أن تتبنى المؤسسات ووزارات التربية تلك الفكرة لكى تتم.

وجدير بالذكر الآن التحدث عن مجلات الطفل فهى من أهم مظاهر الكتابة للطفل، فما زالت مجلات الطفل فى العالم العربى محدودة العدد والرؤية، ففى الخارج هناك مجلات لكافة الأعمار حتى عمر ما قبل المدرسة، وذلك الأمر يحتاج أيضا لدراسة خاصة يطرح فيها سؤال هام: لماذا لا يرتبط الطفل العربى فى كل مرحلة من عمره بمجلة خاصة يحرص عليها؟ ويمكن من خلال التفاعل بين الطفل والمجلة خلق شخصية كرتونية عربية تعمق روح الهوية الوطنية داخل الطفل العربى. فبهذه الوسائل نحبب الطفل فى القراءة والمعرفة فتكون جزءا من حياته، وليست كائنا منفصلا عنه، وتكون المكتبة جزءا من المنزل وليست ديكورا، وذلك يتطلب نشر الوعى بين الآباء، وأعتقد أن من أهم الشخصيات التربوية المشرف على المكتبة العامة بالمدرسة، إذ أنه ليس حارسا على الكتب، بل يجب أن يكون شخصا مميزا ذا صفات خاصة تساعده على التعامل مع الطفل، فيحببه فى القراءة، ويخلق بداخله الشوق الدائم للمعرفة، والخلق والابتكار.

ويجب التعاون بين كافة المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية فى دعم كتب الطفل، والخروج عن مفهوم التلقى المباشر، والبعد عن الأسئلة الساذجة من قبيل: ماذا تعلمت من القصة؟ وماذا أحببته فى هذه القصة؟ وغيرها من أسئلة انتهى زمنها، واستبدالها بأسئلة جادة حول كيفية البحث عن المعلومة والمتعة والفن. والبعد عن السطحية فى مواجهة الأمور، وتنمية قدرة الطفل على الخلق والتفكير والابتكار بدلا من الحشو المدمر للعقول.