رسالة السودان

فرعُ الهيئةُ العربيّة للمسرح بالسودان: سائلين عليك!

عصام أبوالقاسم

تفاجئتُ من أيامٍ، عندما أجاب الأستاذ علي مهدي علي تساؤلٍ لي عن فرع الهيئة العربيّة للمسرح في السودان! وكنت قد قرأتُ منذ فترة ببعض المواقع الاسفيريّة حديث عن فعاليات للهيئة بالأردن، وبعض الدول العربية الأخرى. ظننت إن الفرصة فاتت علي المسرح السوداني أيضا مثلما فاتت فرص عديدة عليه أو طُويت من البعض؛ بحيث لم نعلم أهي فاتت أم تم تفويتها. وكذا، ما لا يعلمون! كان مفاجئاً لي، إذن، أن يعلمني الأستاذ مهدي أن فرع الهيئة بالسودان قد تمّ تكوينه وان به فلان وعلان وان ذلك حدث من وقتٍ مبكرٍ. (علي الأقل قبل سؤالي عنها)!

لا ازعم إن لي المعرفة الكاملة بكل ما يطرأ علي مستوي الساحة المسرحية هنا بالرغم من ضآلة ما فيها وبؤسه! إلا إنني لا زلت في حيرةٍ حامضةٍ من أمري، أسال: كيف يكون بمقدوري أن أعرف، بسهولة تامة، كل ما يتعلق بفرع الهيئة العربية للمسرح في الأردن والمغرب ومصر وسوريا وغيرها من بلدان عربية، وفي مصادر موزعة علي هذه الجغرافيات المتعددة، ولا اعرف أن ثمة فرع لهذه الهيئة، طيبة الذكر، بالسودان! الحال، هنالك ما يشبه الشعور العام في الساحة المسرحيّة السودانية ان هنالك الكثير من الأمور تتم بالُمدارة والالتفاف، وهذا الشعور يتربي ويتغذي بالكثير من التوابل ومحسنات الونسة بالطبع دائماً لكن لا تعوزه الأسباب المحفزة؛ فالأفاعيل علي قفا من يشيل، كما يقال!

افتقرت الساحة المسرحية منذ وقت مبكر لتلك النوعيّة المؤثرة من المسرحيين والتي كان بمقدورها، في مرحلة مبكرة، ان تُدِخل المسرح في العصب الحي للحياة السودانية العامة! كان بمقدورها ان تُعطي لسهمها في النهضة بالمواطن والوطن حضوره الساطع إلي جانب أسهم فعاليات المجتمع الاخري! افتقرت الساحة لتلك النوعيّة المسئولة من المسرحيين التي أحدثت مواعيد المسرح الفعلية منذ الثلاثينيات إلي نهاية مواسم الفكي عبد الرحمن؛ لتدخل، بسبب من قبضة السياسي البائس من جانب وخيبة من عملوا في خدمته من المسرحيين من جانب آخر، إلي مواقيتها الزائفة، الملتبسة، الكسول، الكاذبة، المغشوشة، الحائرة، الممزقة، الهينة، المتوارية، الميتة، الدنيئة! إلا من بعض الاشراقات الخافتة هنا وهناك في الثمانينيات وحتى هي لم يكن بمستطاعها أن تعين نفسها بأكثر من كونها لمعات خافتة في بحر من الظلمات، إن استجاب المجاز!

بصفة عامة بمقدورنا أن نلاحظ أن الحركة المسرحية السودانية ألان تتجلي، في مناسباتها الشحيحة، وعبر الصحف، والمنتديات، متربة.. مغبرة بالمؤامرات والدسائس، لا بالورش والمؤتمرات والأنشطة الخلاقة، التي تعمق الفعل المسرحي وتثريه! وبمقدورنا أن نقرأ بالطبع في غياب المنابر.. الصالات والمجلات والدوريات.. بإمكاننا أن نقرأ في ذلك العديد من علامات هذا التجلي الكسيح! هل سألنا عن اتحاد الدراميين، عن حفاظه علي حقوق الدراميين، حمايته لهم وإبراز قيمتهم كمبدعين؟ أم ترانا سألنا عن ضعف حس المبادرة لدي قطاع واسع من الدراميين، سلبيتهم في مقابلة حقيقة مريرة مثل: الحاجة إلي كيان!؟

في كل حال، لا يحتاج بالطبع أمر تعيين وجوه التردي في الساحة المسرحية لبذل الكثير من الحبر؛ فهو من الأمور التي أُستغرق فيها، إشهاراً وتبيان. صحيح أن ثمة جيل جديد من المسرحيين يعافر ألان، ويكابد من اجل أن يأخذ استحقاقاته ويخلق فرصه التي تلبي تطلعاته وطموحاته، ضمن شروط في غاية التعقيد ـ قل معادية أيضا ـ مُحفزاً ومُلهماً بالحركة المطلبية العالمية، متوسطاً بالانترنت وعطاياها المعلوماتية، وبالدفع النشط لبعض المنظمات والمؤسسات الأهلية، وهو يتمظهر بهياً، وبقوة عين في مجاميع مثل جماعة السودان الواحد، ومجموعة المسرح التنموي، وفرقة المشيش، وجماعة الورشة المستمرة لتطوير فنون العرض وغير ذلك! أقول صحيح تماما هذا الحضور لهذا الجيل لكن الأكثر (صحة) أن جبال من التواريخ الكاسدة من خلفه وفي دوربه الجديدة!

كثير من مفاتيح قنوات العمل المسرحي العام لازالت صدئة في تلك الأيادي القديمة، كثير من العلاقات العامة جري حصر وتضييق مجراها لتصب في تلك البرك الراكدة العجوز! لذلك أنت عندما تنظر تجد ـ مثلا ـ انه منذ بدء المسرح هنا لم يتوفر إلا علي خشبة المسرح القومي اليتيمة تلك! وذلك لأن لا احد من أولئك الديناصورات امتلك تصوراً فعلياً لخدمة المسرح ليبني خشبة مسرح أخري، لان لا احد منهم استشعر مسؤوليته، بصفة عضويّة؛ فرأي في عجزه ما يجعله يتنحي لغيره، تسيدوا طيلة الوقت في عروشهم الزائفة، وأورثوا هذا الجيل الجديد خيبات لا حصر لها لا تبدأ هنا ولا تنتهي هناك!

إذن ليس أقلّ، ضمن هذه الظروف، من أن يسود ذلك الشعور العام الخبيث، المتشكك، اللئيم، ليس أقل البتة! وان من (الأفاعيل) الداعية حالياً فيما نري هذا التكوين الجديد الموسوم بـ(مركز الهيئة العربية للمسرح بالسودان)؟ ولكي نبين ذلك نورد إننا كنا قد كتبنا ـ إلي جانب آخرين ـ في وقت سابق عن كيان مماثل هو مركز الهيئة الدولية للمسرح (iti)، وتساءلنا عن غياب المعلومات التي تعرّف بهذا المركز، جاء ذلك في إطار محاولة لتعيين بعض المشكلات التي تتردي في حفرتها الساحة المسرحية تساءلنا كيف إن هيئة دولية للمسرح وتعد واحدة من الفعاليات المهمة في إشاعة ونشر المعرفة المسرحية، لا يُعرف عن مكتبها بالسودان شيء يذكر، واشرنا إلي أن علاقة هذه الهيئة بواقع المسرح في السودان تبدو لنا مفقودة تماماً، فليس ثمة مشاريع منظورة اقترحتها، او على الأقل أن ذلك غير معلن عنه!.

ليس ذلك فقط بل إن هذه الهيئة ليست معروفة ـ في حد ذاتها ـ بالنسبة لكل المسرحيين السودانيين ـ عدا القلة التي تدير مكتبها ـ لا احد يعرف مكانها، لم يطلع أي مسرحي على أية منشورات تعرف بها، وبطبيعة ما تقدمه بوصفها هيئة دولية معنية بالمسرح! لا نعرف لماذا نجدنا في حاجة إلي إعادة هذا الحديث ألان أيضا ونحن بصدد فرع الهيئة العربية للمسرح في السودان، اذ انه، وبالرغم من مضي نحو عام علي تأسيس هذه الهيئة بمبادرة من حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لا نجد أي ذكر لها أو عنها في المنابر المتيسرة للمسرح هنا، وفيما لو كان ذلك بسبب ان الهيئة عندما تم تأسيسها في القاهرة في 8 سبتمبر 2007 لم يكن من بين مؤسسيها واحدا ممن تم اختيارهم لإدارة مركزها بالسودان، فماذا بخصوص الاجتماع الذي تلي تعيين اللجنة التأسيسية بالشارقة بتاريخ 9 ـ 10 ـ 11 يناير 2008 م الم يذهب البعض ممثلاً للسودان (ممثلا للساحة المسرحية بشبابها وكبارها)!؟

شوف مرّ كم شهر!؟ وشوف كيف ألا احد قال بذلك! أليس سؤالاً وجيهاً ان نقول لماذا لم يجد من ذهب الي هناك ـ ودعنا لا نسأل في انتخابه ـ داعياً إلي أن يذكر بالخير (ساي) مبادرة حاكم الشارقة لواحدة من صحفنا!؟ دعك من (ينوّر) الساحة المسرحية، من خلال مؤتمر صحفي عن أهمية هذه الهيئة دعك من ان يثقل علي نفسه بالحديث عن جدول الأنشطة المزمع إنجازها للفترة المقترحة بين 2008 و 2009 عن ورشة في الشارقة ورشتان في كل مركز بالأقطار العربية،عن منح دراسية للمبدعين العرب لمواصلة الدراسات العليا في مجال التقنيات المسرحية.عن وضع صندوق لتوثيق الأعمال المسرحية يمول توثيق عشرة أعمال مسرحية.عن إنتاج أربعة أعمال للشباب في الأقطار العربية على أن يتم مفاضلة الأقطار العربية ذات الدخل القومي المحدود.عن إنتاج عمل عربي مشترك لتقديمه في مهرجان المسرح العربي يناير 2009 في القاهرة،بحيث يدرج ضمن فعاليات القدس عاصمة الثقافة لعام 2009.عن تبني مسرحية للتجوال الدولي. عن ترجمة خمسة أعمال معاصرة من اللغة العربية إلى لغة أجنبية.

دعك من ان يثقل علي نفسه بالحديث عن مكتب للهيئة بالسودان تم تكوينه من: الدكتور سعد يوسف، والدكتور شمس الدين يونس وعثمان جمال الدين وعادل حربي والسر السيد وعلي مهدي دعك من أن يتحمل وزر الحديث عن ورشة إقليمية تحت عنوان (مسرح المجتمع) ستقام في أكتوبر القادم بالخرطوم بمشاركة الصومال وموريتانيا وجيبوتي!؟ دعك من أن يزحم جدوله بوقفة لتنبيه المسرحيين الشباب: ان ثمة مسابقة في التأليف المسرحي سُيغلق باب التقديم لها في أكتوبر القادم تخص الهيئة ومن حقكم ان تنتفعوا بها!.