الفلسطينيون لا يفتشون عن وطن بديل، بل يعتبرون ذلك خيانة

باريس ـ من عادل محمود

قال د. عدنان بدران رئيس الوزراء الأردني الإسبق أن الفلسطينيون لا يفتشون عن وطن بديل، بل يعتبرون ذلك خيانة. وجاءت تصريحات بدران خلال ندوة الكترونية أقامها مركز الدراسات العربي الأوروبي ومقره باريس، حول مما يتخوف الأردن، من توطين الفلسطينيين لديه أو من أن يكون الوطن البديل. وإضاف بدران أن توطين الفلسطينيين لدى الأردن، أو أن يكون الوطن البديل معناه إعطاء فلسطين هدية لإسرائيل، وتصفية القضية بكاملها لصالح إسرائيل، وإلغاء التاريخ والتراث والهوية والوطن. وتساءل بدران هل يعقل أن يفرض على شعب بأكمله أن ترك وطنه الذي عاش به منذ التاريخ، وفرض الهجرة عليه لاستبدال آخرين من المستوطنين القادمين من الخارج، بدلاً منه؟ وإضاف بدران ان الفلسطينيون لا يفتشون عن وطن بديل، بل يعتبرون ذلك خيانة، هم قاطنون في بيوتهم ومزارعهم بين زيتونهم في قراهم ومدنهم الفلسطينية، حيث عاش أجدادهم، ولا يرضون عنها بديلاً. فهم ليسوا بحجار شطرنج ينقلون من مكان لآخر دون إراداتهم، بل هم بشر لهم حقوق إنسانية وشرعية وقانونية ووجدانية في موئلهم التاريخي. وحول الموقف الأردني قال بدران لماذا الأردن يتحمل هجرة جديدة وهو بلد محدود الموارد وشحيح المياه. وما هي كلمة الأردن ومواطنيه حيال ذلك. هل تعتقد أنه لو جرى استفتاء في الأردن وهو بلد ديمقراطي، وبموجب دستوره الكلمة النهائية فيه للأمة (للشعب)، سيرحب الشعب الأردني باحتلال الوطن الفلسطيني وتهجير أهله إلى وطن بديل! الوطن البديل هدفه واضح، مصادرة فلسطين كوطن وتهجير أهله. وعلينا جميعاً ألا نروج لهذه المقولة وأن يقف الجميع سداً منيعاً دونها.

من جانبها رأت توجان فيصل برلمانية سابقة أن التوطين بات مفهوما ملتبسا بفعل تفسيرات خاطئة او مغرضة له. فالتوطين الذي نصت عليه إتفاقية وادي عربة، في سياق المادة المتعلقة باللاجئين والنازحين، هي في حقيقتها تنكر لحق العودة. واضافت توجان لهذا رفضناه منذ ورد في الإتفاقية. ولكن التوطين بمعنى ان يصبح الفلسطيني الموجود في الضفة الغربية مواطنا أردنيا، فقد جرى حتى قبل إعلان وحدة الضفتين، وبقرار أردني منفرد، وذلك عند قيام الحكومة الأردنية بتعديل قانون الجنسية الأردني، بحيث يصبح "جميع المقيمين عادة عند نفاذ هذا القانون في شرق الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة الأردنية الهاشمية، ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية، ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق، ويتحملون ما عليهم من واجبات". وهذا القرار الأردني الذي أسند بقانون، أسقط الجنسية الفلسطينية التي كان يحملها كل الفلسطييين في كامل فلسطين حسب قانون الجنسية الفلسطينية الذي أصدرته سلطة الإنتادب عام 1925، بل وألغى ذلك القانون بإفراغه من فحواه. إذ لا يمكن ان يحمله الفلسطينون سكان ما اصبح يمسى إسرائيل. «وضم الضفة للأردن والذي سعى له الأردن عند بريطانيا ـ وهذا تثبته الوثائق البريطانية ـ حال دون قيام دولة عموم فلسطين», الذي أجمعت عليها الجامعة العربية باستثناء الأردن والعراق ولبنان، على ما تبقى من الضفة لم تحتله إسرائيل, مما حال دون تبلور جنسية فلسطينية مستقلة عند انتهاء الإنتداب البريطانية، كما استقلت الأردن والعراق. وهذا يعني أن الأردنيين من أصل فلسطيني من سكان الضفتين أصبحوا أردنيين بكامل الحقوق والواجبات الدستورية، ولا يمكن اعتبار جنسيتهم تلك "توطينا"، بعد ان وردت الكلمة لأغراض أخرى في إتفاقية وادي عربة.

وحين احتلت الضفة الغربية عام 67 كانت جزءا من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، وفي القانون الدولي والقرارات الدولية هي أراضي أردنية محتلة. والقانون الدولي لا يجيز احتلال الأراضي بالقوة، ولا مكافئة المحتل على احتلاله. كما ان دستورنا لا يجيز التنازل عن أي جزء من أراضي المملكة، من هنا عدم دستورية لا إتفاقية وادي عربة التي رسمت "حدودا دولية" مع إسرائيل يتنازل فيها الأردن عن كل ما وراء حدود الإنتداب على شرق الأردن، وعدم دستورية فك الإرتباط. والملفت انه لحينه لم تقم أية جهة اردنية بالمطالبة "بدسترة إتفاقية وادي عربة" مقابل "دسترة فك الإرتباط" بإضافة مادة تحدد ما هي حدود المملكة المقصودة، بصورة تستثني الضفة الغربية. وهذا تحايل على الدستور وليس تعديلا كون حدود المملكة كانت واضحة عند وضع الدستور، والغرض منه غير دستوري في فقه الدساتير كلها (باعتبارها عقود حكم)، وهو الإنتقاص من حقوق مواطنين اردنيين (المحكومين). ولكن في حال تحرير كامل الضفة التي احتلت عام 67، وقيام دولة فلسطينية مستقلة فعلا، كاملة السيادة فعلا يمكن لشعبها أن يقرر فك عرى الوحدة مع الضفة الشرقية، وعودة كل طرف لحدوده السابقة. عندها يمكن للأردنيين من أصول فلسطينية أن يختاروا العودة للوطن الفلسطيني، او البقاء في الأردن. هذا عن "التوطين" بكل الإسقاطات التي جرت عليه.

أما  حول "الوطن البديل" فقالت توجان فيصل هو مشروع صهيوني قديم، كان يخبىء في كم إسرائيل لحين يتسنى لها الإستيلاء على كامل الضفة، وهو ما تستكمله الان. وهو مشروع يهدف لخلق كيان يصب فيه كامل السكان الأصليين لفلسطين المتبقين على كامل ارض فلسطين التاريخة، وليس فقط "الفائض الديموغرافي". وذلك عن طريق الترانسفير الذي شرع فيه في الضفة عبر قرار ترحيل سبعين الف فلسطيني، وسيليه إفراغ للضفة وترانسفير لعرب ال48. وهو خطر يستشعره الأردنيون والفلسطينيون في أرضهم وفي الشتات لأنه يستهدف الأردن وفلسطين بذات القدر. فالكيان الذي سيختلق شرق النهر يتوجب ان يكون تابعا لإسرائيل، بما لا يقل عن تبعية الضفة الغربية الآن، ولو تحت مسميات إستقلال كاذبة. وذلك لردع أية محاولة، ووأد أية فكرة أو حلم، لدى أي فلسطيني بأي حق من حقوقه التاريخية في وطنه فلسطين. وفي السياق نفسه رأى البرلماني الاسبق سليمان عبيدات ان مشروع الوطن البديل هو مشروع اسرائيلي، يستهدف الاستيلاء على كامل ارض فلسطين والمتضرر الأول والاخير دائما الشعبين الفلسطيني والأردني.