يكشف هذا النص الذي يقع هو الآخر على تخوم الشعر والنثر والتحليل الحضاري، جانبا آخر من اهتمامات لوكليزيو بالحضارات الدارسة أو المهملة، ويطرح مدنها المقدسة في مواجهة مدن الحضارة الغربية الحديثة المادية لنسائل عبر هذا الطرح المقدس والمادي معا.

ثلاث مدن مقدسة

ترجمة وتقديم: خالد النجار

جان ماري جوستاف لوكليزيو

لوكليزيو رجل القارات.. لوكليزيو رجل مفرد في نصه، مفرد في حياته أصدر في الثالثة والعشرين روايته الأولي (التحقيق) وحصل علي جائزة فرومنتان1963، ومن يومها لم يكف عن الكتابة.. أصدر (الحمي)، و(الطوفان)، (تيرا ارماتا) و(كتاب التيهان)، و(الحرب)، و(العماليق)، و(ثلاث مدن مقدسة) و(نبوءات شيلام بيلام)، و(الباحثون عن الذهب)، و(السمكة الذهبية).. و.. ولا يشبه احدا من مجايليه، عاش في الهامش والروحي والادبي لا علاقة له بالرواية الحديثة، ولا بتنظيرات الحداثة. ولكن لوكليزيو هو رجل القارات.. اجل، جان ماري جوستاف لوكليزيو رجل القارات.. كانه يقول مع سان جون بيرس، تركت غباري فوق جميع القارات.. وسفره ليس سفر رامبو الهارب إلي وهاد اثيوبيا القرن التاسع عشر من أم كاثوليكية متحكمة، ومن ثقافة ديكارتية تعقلن كل الحياة، وليس هو سفر غوغان الي تاهيتي بحثا عن بكارة العالم، وعن حسية وبدائية تلك الجغرافيات الدافئة، وليس سفر سان جون بيرس الي صحراء غوبي في الصين، ليصغي هناك في رمالها الهائمة وفي عرائها الألفي إلي «الزمن يصقر فوق السطح الارض».. منشدا ملحمة الانسان عبر الازمنة وعبر الحضارات، وليست هي رحلة هرمان هسة الصوفية الي الشرق، إلي ينابيع الشمس والحكمة في آسيا، ولا هو الولع الحديث بسحر الهند، بدياناتها وطريقة تفكيرها، وليس هو السائح البرجوازي الصغير اليوم في بلدان الجنوب، الذي يهجم مستبيحا حياة المدن والناس بكاميرا كانون، بشكل من العنف الصامت، متبعا دليلة السياحي المقدس لايحيد عنه، فهو في الحقيقة لا يسافر لا يكتشف، وانما يقوم بقراءة دروس تطبيقية لما بين يديه من كتب وأدلة سياحية.

ولكن.. لوكليزيو رحالة مختلف عن كل هذه الانماط التي عرفها الغرب بدءا من آخر القرن التاسع عشر: عندما بدأ أبناء اوروبا يبحثون عن كنوز الثقافات الشرقية والمدارية.. أجل لوكليزيو.. شخصية نوميدية، هائمة علي وجهها بلا هدف، ولكن ليس بلا معني، صوفي من رجال السياحات ولكن ببنطلون دجينز. وبحذاء تامبرلند.. ولد في نيس ولكنه ومن فجر طفولته وضعته الأقدار العائلية علي طريق الأقوام البدائية او اقوام الثقافات الاولية كما صارت تسمي اليوم، فكلمة بدائي تحوي معاني التقييم والتعالي والعنصرية.. وكان اول بلد يزوره في طفولته هو الغابة النيجيرية حيث كان ابوه يعمل طبيبا.

كل الشخصياته الروائية بدءا من شخصية هوغان في كتاب الفرار الي ليلي شخصية الراوية في (السمكة الذهبية) مرصودة إلي التيه، والصعلكة والتطواف. الكل يؤسس وجوده علي مبدأ الحركة الذي هو علامة حريتهم. شعوبه هي قبائل المايا/ الامبيراس/ الهويخلوس/ الكريستيروس/ الفوناناس/ الاميريديان. وجغرافياته الواقعية والتخييلية هي ادغال نيجيريا/ جزيرة رودريغيز/ جزيرة موريس،/ مكسيكو/ البوكيرك في المكسيك الجديدة/ جاكونا ـ المكسيك/ كويو واكان ـ المكسيك/ كل أقاليم الحضارات الماقبل كولمبية في الأمريكيين/ دارتيان بيانما/ هايتي / مدغشقر/ طوكيو/ موسكو/ تايلانده/ صحاري الساقية الحمراء. ولكن ولعه الاساسي هوهنود المكسيك، الذين عاش بينهم اكثر من اثنتي عشرة سنة.

كل نصوص وروايات لوكليزيو تروي في شكل تخييلي/ تقول هذه الاقوام وهذه الجغرافيات.. لانه ليس باحثا اثنولوجيا، او استاذا في الانثربولوجيا الثقافية.. الثقافة الهندية لديه هي مصدر معرفة ونظرة اخري غنية للعالم وأكثر انسانية. فقد تعامل كما يقول احد نقاده مع الاساطيرة من مقترب مادي فيزيقي، تعلم من جماعات الأمبيراس الهندية كل علائق الإنسان بمحيطة الطبيعي التي نسيتها الحضارة الحديثة. الامبيراس غيروا كل حياته.. يقول عنهم «كل شيء يختلف لديهم.. تصورهم للزمن، تصورهم للنفس، تصورهم للهدف من الوجود.. ان العلاقات التي تربط بين افراد العشيرة او الجماعة لهي اهم لديهم من التطور التكنولوجي» وهو لا يقول هذا بوصفه باحثا اثنولوجيا، فقد عرف الهنود من الداخل وكان مايهمه هو الناس، اذ يتحركون في حياتهم النهارية الواقعية، لان التنظير هو ايضا عنف يمارس علي الاخر. ويقول ايضا «الهندي لا يخاف من الموت ولايخاف من المرض، ولديه غياب لهذا الارتباط الهوسي بالوجود الذي يتحكم فينا نحن الغربيين» ولكنه يقدم كل هذه من خلال نص مفتوح يقول عن كتابته: «ليس من المهم تعريف ماهي الرواية أو ما هي القصة القصيرة. اعتقد ان المسألة في الكتابة هي مسألة ايقاع». ونص شانكاه وهو الفصل الاول من كتابه ثلاث مدن مقدسة، والذي كتبه بعد اقامة في مدينتي يوكاتان وكينتانا روو أيام بدأ يتعلم لغة المايا، نموذج للنص المفتوح، وللتعرف علي الناس في حياتهم اليومية، ومن الداخل، علي هذه الثقافات الغنية والرائعة والتي ران عليها صمت كبير وانتبذت بالنسيان، فهو يحييها، يسترجعها. في هذا النص ايضا نلمح كل خصائص كتابة لوكليزيو: غياب أنا الكاتب، الحديث الآني عن الاشياء المادية اليومية من ناس واحداث. وبالتالي ابتعاد عن التنظير والتجريد والعالم يتمظهر من خلال نصه دون تدخل منه. 

ثلاث مدن مقدسة
(1) تيكسكال
مرة أخري يصعد برد الليل فوق الأرض، قادما من الأعماق، فيزيد من صلابة الهضاب الكلسية، ويضغط علي جذور الأشجار. الريح تهب، ريح صحراء، ريح الشرق المصحوبة بالخطر. ويغلق البشر علي أنفسهم داخل بيوتهم، محتمين بالسقوف التي من ورق الأشجار، يتدثرون بفرشهم المؤرجحة التي من سعف السيزال. لاينتظرون. بيد أنهم لا ينامون. هنا مكان التربص الدائم، كما لو أننا نرصد الليل من فوق هضبة، مصغين إلي الهمهمات التي تحملها الرياح. البرد يصعد من فتحات الآبار، إنه تنفس ثالج قادم من باطن الأرض. والخفافيش تطير في الظلمة، تجنح صائحة في تيارات الهواء، إنها بداية الليل. وما تكاد الشمس تنطفيء في غرب الإقليم المنبسط، حتي تخيم الظلال فجأة فوق الأرض. وفي الليل، هل تخمد الحروب؟ زمن طويل مضي علي نشوب المعارك الأولي. كل ليلة تتناءي القري مثل طوافات، تائهة عن مركز الإمبراطورية، عن مدينة شان سانتاكروز الطيفية. والغابة هي قياس الزمن، فهي التي تفصل هكذا بصمت بفعل تنامي أغصانها وجذورها، وتتطاول دروب الغبار. ويأتي الليل، ليلة أخري تصعد من قبة كنيس البالام نا الرمادية. وكنيس البالام نا بناء خاو، وهو الآن متروك مثل جزيرة، ضائعا في الليل. عندما ينسحب الضوء، ضوء السماء الحارق، لا يبقي سوي هذا الحقل المقفر، حيث تومض نيران بعض القري. وبعد مسير طويل وعناء كبير، نظل نرتعد، فجمود هذا العالم مرعب، والطرقات مقطوعة.

الآن تتجلي السماء، شاسعة سوداء حيث تومض النجوم الباردة. وبين الأشجار ترتفع بهدوء اسطوانة القمر البيضاء. الريح تجعل الحجارة تطق وتتفتت علي سطح الأرض الكلسية. لا يوجد ماء. هناك فقط برد حاد، إنه برد الفضاء. علي هذا النحو يمر الليل، في قلب البلاد المسطحة، وبعيدا عن البحر، بعيدا عن الجبال، بعيدا عن المدن. وعندما يأتي صقيع الليل يعزف الناس بتاتا عن الكلام. حتي الكلاب تكف عن النباح. والأطفال الصغار يلتصقون بأجساد أمهاتهم ملفوفين في أردية معقودة، والشيوخ يتأرجحون في فرشهم المعلقة وأنظارهم شاخصة لليل. ليس هناك ما يقال الآن. ليس هناك ما يقال، الأسرار مغلقة داخل الأفواه بتأثير البرد. وبتأثير الظلمة. وكل ما نترجاه لا يجيء في الليل. الأحلام تعطلت، وليس ثمة ذكريات. وما نفع الذكريات؟ فهنا الحاضر هو المهيمن، وهذا الموضوع هو المكان الأكثر يقظة فوق البسيطة.

البرد يصعد إلي سطح الأرض، قادما من الكهوف، وينشر فوق ساحة القرية، ويغطي الغابة. يتملك الأشياء واحدا إثر الآخر. ويلج كل بيت مع الريح ومع الضوء القمري. ويتسرب البرد في أجساد البشر المتمددين في الفرش المتأرجحة، يوتر العضلات، يفقد الشفاه حساسيتها، ويشد علي النخاع. انسحبت الشمس والليل قاس. علينا أن نظل بلا حراك مدة ساعات، لساعات نظل جامدين: العيون مفتحة علي اتساعها، ناظرة من بين شقوق خشبات الجدران إلي المشهد الذي يضيئه القمر. هنا لا نستطيع أن ننام ولا أن نغيب عن الوعي، هذا هو مركز اليقظة، في هذا الجزء من العالم الذي اشاحت عنه الآلهة وجوهها وتركته للبشر. في أماكن أخري بعيدة عن هذا المكان، هناك الجرائم، والتجديف، والتكالب علي المال، وسيطرة الأجانب في القصور البيضاء، هناك الشعوب المجوعة والمهانة، في المدن الاسمنتية، هناك الهرج والانحطاط، هناك ذاك الذي يكذب، وذاك الذي يسرق، وذاك الذي يقتل، في مدن فالادوليد، وتيزيمين، وفي فيليب كاريو بويرتو، وفي شيتومال، وفي مدينة بويرتو خواريث، هناك الحياة الحيوانية الدميمة التي تتطاول علي كرامة الصلبان. هناك الحنث والتجديف، وكل هذا يتكرر كل يوم، بيد أن العقاب لا يحل ابدا، الجفاف، الذي هو غياب كلمة الماء. ولكن الماء يتدفق في البلاد الأخري سائبا بلا جدوي، في الخزانات وفي أحواض السباحة. في حين أن الصلبان هنا صم أمام الآبار، والكتب منسية. وكل الأحداث التي وقعت: انتصار الجنرال برافو، الاستيلاء علي مدينة شان سانتاكروز، وخيانة انكليز منطقة بيليز، وخيانة الجنرال ماي، كل هذا غير مدون في الذاكرة، ولكنه يتجلي فوق الأرض، وفي ساحات المدن.

في وسط البلد الأفقي، في مركز المدينة المقدسة، وداخل كنيس نيت نوهوخ تاتيش، يوجد الوجه الذي بلا انفعال، الوجه الشامخ للجندي العجوز المسمي مرسالينو بوت. وجه بلون الأرض، له خطوط عميقة. ووجنات عريضة مع الفم ذي الأشداق المتهدلة، والأنف المقوس الكبير. والعينان برموشهما الثقيلة ترسل نظرات بلا حقد ولكن بثقة هادئة ومتعالية يخفيها إلي حد ما وهن الشيخوخة. والوجه لا يقول شيئا. انه يهيمن وسط البيت. في ضوء النهار الغارب، ونظرته البعيدة تتابع تحركات الرجال من حول دار الحراس، فهو الذي يقود خطاهم.

أيام وليال كثيرة تتباعد ببطء عن قلب الامبراطورية، عن الحرم المهجور لكنيس بالام نا، تتباعد عن ساحات القتال، وعن المقابر، وصراع الناس وتقاتلهم هنا ليس من أجل الحصول علي بعض فدادين من الأرض، ولكن لإنقاذ الكلمة الحقيقية. الكلمة التي كنا قد سمعناها من قبل عندما كان الكاهن نوحوخ تاتيش يلقي أوامره لجنود كريزوب، وعندما كان الكاهن التاتابولان مفسر الصليب، يملي رسالاته الاخيرة. كان وقتها ياوم بول ايتزا يدون ما يوحي به إليه خوان دو لاكروز من كلمات، وكان كلامه كلام الأرض كلها، والغابة بأكملها، وكان كلامه هو كلام الماء البارد الذي يتدفق في الدياميس تحت الارض. وكان كلامه هو كلام الحياة التي لا تنسي ابدا.

هكذا، أيها الأخوة المسيحيون، أوصيكم كلكم كبارا وصغارا، اذ يجب أن تعلموا أن هذا اليوم هو اليوم والسنة الذي سيهب فيه هنودي مرة أخري لمقاتلة البيض، كما قاتلوهم في الماضي، أوصيكم كلكم كبارا وصغارا حتي تعلم كل المفارز التي تحت امرتي.. فأنا أوصيهم أن يحفظوا ما سأقول في قلوبهم وفي أنفسهم، حتي إذا ما سمعوا وشاهدوا اطلاقات بنادق البيض موجهة لهم لا يرهبونهم، اذ سوف لن يلحقهم أي اذي. إذ ها هو قد حل الآن اليوم، وجاءت الساعة التي علي هنودي أن يقاتلوا فيها من جديد الجنس الأبيض... القاسي واللطيف، والذي بلون الطين ـ لون الأرض المحروقة بفعل تسعين سنة من الشموس والحرائق، الوجه الذي براه المطر، وطهره الجوع والعناء، الوجه الحقيقي الأكثر جمالا والأكثر هدوءا، انه يهيمن علي مركز القرية. لم يعد يحرض ابدا علي الحرب. ولم تعد نظرته تشع بالانتقام. والآن ها قد صار منسيا، تفصله الغابة، بينما ينمو ظل الليل القريب الذي قد يمحو صورته إلي الابد، بعيدا عن عنف وعن أطماع غزاة المدن. ويمتد سلطان الظل علي بلد الأشجار، وعلي حقول الذرة واللوبياء، وعلي بيوت الورق، وعلي الآبار. إنه حاكم القري الحقيقي، حاكم بيوت إيكسمابن الطينية وبيوت سينار، وتوزيك، وايكسكيشي المبنية بصفائح القصدير وبالآجر. الظل يهيمن علي قصور تيهوسيكو، وآكام بالام، وزاسي الخربة. والرجال المسلحون لم يعودوا يجوبون السهوب. وفوق الطريق المسفلتة التي تنحدر من الشمال إلي الجنوب، تمر الشاحنات سريعا وهي تهدر بمحركاتها، وعلي الدروب المغبرة تزحف الحيات تاركة آثارها الشبيهة بآثار الدراجات فوق الرمال. إنها تمضي لصيد الجرذان والضفادع في ضوء القمر.

بيد أنه هنا في مركز البلد المسطح، لا توجد حركة. وجه الرجل العجوز يهيمن باستمرار، بلا حراك وبلا كلام. ومن قبله، من عينيه ومن كل ملمح من ملامحه ينبثق الوعي، وتنبثق القوة التي تنظم هذه الارض. أجل، هنا يقع المكان الأكثر يقظة في الأرض، مكان الوعي الشامل. الوعي لا ينتظر، لا يتأمل نفسه. ولا يتطلب شيئا. لا يتذكر الأيام ولا يحسب الليالي، ولا يحفظ الساعات، ولا يسجل المناقب، ولا يرسل أحكاما. وكل ما يطلبه يطلبه هكذا بصمت، وبكبرياء. وما يطلبه ليس هو الانتقام، ولا هو المال. فالوعي متوافق مع ارادة الالهة، ولا يطلب سوي هذا: الخبز والماء. العطش الشديد، فوق الارض، نهارا وليلا، عطش ييبس الشفاه، ويجفف الحلوق، ويدمي أطراف الأصابع، الحقول أيضا عطشي، الأرض متشققة، مصدعة، تخترقها أثلام خاوية. وحول المدينة الاشجار ذات الجذوع النحيلة صامدة، وداكنة في الهواء الثلجي. والليل شبيه بالزجاج الحجري يلتمع ضوؤه الأسود، رحيبا وبلا ماء، والريح تزفر ولكنها لا تحمل غيوما ولا ضبابا. لا تحمل سوي برد السهول الحجرية اللاسع. الهواء. والأرض، والسماء كلها عارية. في أماكن أخري ربما هناك أنهار وبحيرات، ومواسير مفعمة بالمياه وبفقاقيع المياه. في أماكن أخري هناك أحواض السباحة الشديدة الزرقة، والمغاطس الدافئة، والأحواض الشفافة التي تفور في قصور أصحاب المصارف، وتجار ورق السيزال. هناك المروج الناعمة لقطعان الثيران، وهناك الينابيع، وعيون الماء. في أماكن أخري، وعلي طاولة ما هناك كأس ماء، نستطيع شربه بيسر وملأه باستمرار.

بيد أن الوجه القاسي والناعم للرجل العجوز يهيمن هنا من وسط الغابة. إنما هنا يقع مكان ولادة دورة المياه. هنا، بفضل صلاة الرجل العجوز في مركز الغابة. في هذا المكان، لا يعرف الماء الولادةاليسرة. انه ينبثق بعد عذاب، مثل الحياة التي تصلي لها مدة أشهر طويلة، نترجاها، نرغبها، ونتأملها، ونناجيها بأرواحنا وبأجسادنا ليلا نهارا. داخل الليل الوجه العجوز جامد. ولكن وبلا توقف تنبثق منه الكلمة. الكلمة القديمة التي تقود أعمال البشر، وتقود حياة الأرض. ربما لم يعد لنظرته الآن ذاك الحقد، بل رأفة كبيرة لأنه صار يري التاريخ من بدئه حتي نهايته. وبصره يري عبر سجف الليل ما يحدث في الناحية الأخري من الغابة، يري القري التي تلتهب، والمزارع المخربة، والأطفال الميتين، والأفق الذي تغطيه الأدخنة الحمراء. بصره يخترق الليل البارد، ويري كل شيء يذوي. إن صدي كلمة المدحورين يترجع أعلي من كلمة الغزاة. فهو يمرق فوق أوراق الاشجار مثل الريح. يتحرك في شقوق الأرض، ويكدر صمت الآبار العميقة.

الصوت الشاكي مازال يتكلم في الظلمة. يتكلم عن الحرب التي لا يمكن أن تتوقف، بما ان الماء غير متاح للبشر، ولكنه ينهمر من السماء في الوقت الذي يتدفق فيه الدم من القلب ويغوص في الأرض. ولكن الأرض باردة اليوم، ضاغطة من حول قرية الحرس. وجه مارسيلينو بوت صلب كالحجارة، وتجعيداته غائرة، وبشرته ساخنة بالنهار وباردة بالليل. مرسيلينو بوت، إنه آخر سدنة الصليب، والجندي الأخير لمعركة لم تنته بعد. وهو لا ينام، إنه الرجل الأكثر تنبها في العالم، إنه حارس أرض السهوب. وهو المطلع علي الغيب. والساهر علي الذرة، وعلي الآبار، والأشجار، وهو الذي يرصد الغيم اللامرئي الذي لابد أن يأتي، وهو الذي يصغي إلي كلمة الصليب بيدرو باسكوال باريرا الاخيرة، وهو الذي يري في وسط بيته، الطرقات التي تقود إلي جهات الكون الأربعة.

إنما هنا، داخل الليل، يعطي الوجه أوامره في الفضاء ليس بالقوة، ولا بالعلم، وإنما وببساطة بالنظرة. ونحن لا نستطيع أن ننسي، لأن التاريخ متواصل لم ينقطع. وفي القرية، للنساء وللرجال تنفس متناغم، والأشجار والنباتات تنمو بإيقاع واحد. الأيدي تقوم بنفس الحركات، والشفاه تتلفظ بالكلمات نفسها. أجل لم يتوقف أي شيء. والماضي شيء لا وجود له، فقط تجد البشر يشيخون ثم يموتون، والكلمة المهموسة تنزلق من جسد إلي آخر. الوجه منغلق وهاديء. وسلطانه قوي لدرجة أن الكلمات الأجنبية لا تقدر علي المجيء، تظل حيث هي صخب، تعجب، نداءات ناشزة وبلا جدوي. والأجانب تعدادهم بالملايين. تراهم يشعلون أضواءهم، ومحركاتهم الميكانيكية تهدر: وهم يشربون الماء بيسر، ويأكلون خبزهم بلا اشتهاء. سفالتهم تنمو بسرعة، وأموالهم تتحرك: تشتري وتبيع وتشتري بلا توقف. في بلدانهم المليئة بالعنف لم يعد للآلة وجود، وهي لا تظهر أبدا. كيف تريدها أن تأتي، والسماء مفصولة عن الأرض بالسقوف وبالجدران.

في هذا المكان السماء شاسعة الي درجة تبدو كما لو لم تعد هناك أرض. فوق البلد المسطح السماء منتصبة، سوداء عميقة. النجمات الباردة تلتمع بوميض جامد، والقمر مكتمل. وفوق الغابة ضوء الليل جميل وقصي، وفي ساحة القرية ظلال البيوت شديدة الدكنة. قد تكون هناك بعض الحيات تعبر المسارب، والخفافيش اللامرئية تصيح وهي تطير حول الآبار. الليل كثيف وبارد، كما لو كنا علي قمة جبل عال.

الجنود لا ينامون، لا ينامون أبدا. عندما يطلع النهار يذهبون للعمل في مزارع الذرة. وعندما يجن الليل يذهبون الي الدار الكبيرة، ويتأملون نيران الشموع التي تشتعل أمام الصليب. أو يتطلعون الي الليل وهم ممددون في فرشهم المأرجحة وأنفاسهم تتردد بيسر، والآن ها الأطفال ملتصقون بصدور النساء، والنيران مطفأة. وفي وقت متأخر من الليل، عندما يبدأ القمر بالنزول نحو خط الأشجار، ربما في ذلك الحين يغلق الناس جفونهم، ولكن الرجل العجوز يظل وحيدا. نظره لا يكف عن الانبثاق من وجهه، ساهرا علي المدينة. أمام بوابة دار الصلبان، يقف الحارسان متكئين علي عصيهما. لا ينبسان بكلمة. لقد جاء من القري الأخري للقيام بالحراسة. العناء، والبرد والجفاف موجع. ولكن نظرة الرجل العجوز المتوحد متمازجة بالليل، وبالبرد وبضوء الكواكب الجامد.

ليس ثمة بشر حول بيت الصلبان، وهنا، فوق هذا الفقر تولد النظرة التي تراقب الأرض، والآبار، والأشجار، والحرب لايمكن أن تنتهي لأن الأجانب غزوا الامبراطورية. لو أخفض الرجل العجوز نظرته، وأنزل الحارسان عصيهما أمام باب الكنيس، ولو يستسلم الرجال ولانساء للنعاس، ربما وقتها تقفز السماء وإلي الابد من الغيوم، وتحترق الذرة فوق الأرض الجافة، وقد لاتعود وإلي الشمس التي انطفأت في المغرب للطلوع مرة أخري من المشرق. فهذا هو المكان الأكثر يقظة علي وجه البسيطة، إنه المركز الذي يقوم علي الحراسة، حتي يتسني للمياه أن تأتي: تولد في السماء فوق البحر، وتجيء وسط الريح، فوق دربها وتتدفق في الخزانات، وتتسرب إلي أعماق الأرض عبر التشققات، إنها المياه، إنها الحرية. وصوت الكاهن خوان دو لاكروز مايزال يتلو:

إذن اعلموا يا أبنائي، هذه تعاليمي علي الأرض، اذ يجب أن تعلموا، يا شعب القري المصطفي إنه اليوم هو اليوم الذي حدده الرب لأخاطبكم فيه، يامخلوقات الأرض وأقول لكم، ياشعب القري والمحبوب أني ذهبت أمام الرب حتي أستسمحه الكلام إليكم من جديد، ذلك أنه محرم علي مخاطبتكم، ولكن ها أنا أفعل ذلك لأني أشفق عليكم، يا أبنائي، ولأني خلقتكم، وأنقذتكم، وأهدرت دمي الثمين لأجلكم. ألا ترون كيف أني مستمر علي الصليب المقدس جدا، تحملني ملائكة، وسيرافيمات لاعدلها؟ وأيضا ها أنا أغفر لكم يا أبنائي مخالفتكم لتعاليمي. لأنه أنا الذي خلق مسيحي القري، ولأني أذهب في كل آونة حتي أصل إلي الرب، إلهي في مملكة السماء، تحيطني آلاف الملائكة والسيرافيمات لأطلب منه أن يمنحكم رضاه ونعمه، ذلك أن الرب إلهي قال لي أيها الأبناء ان الغلبة لن تكون أبدا للأعداء، وأن الصلبان وحدها هي المنتصرة، ولأجل هذا يارفقائي الأعزاء، لن أترككم مطلقا للأعداء.

الجفاف متطاول فوق الأرض المنبسطة وفوق الأحجار الصلبة، وفوق الكاهن مرسلينوبوت وفوق آلاف الأشجار المحترقة. ولكن الماء يجب أن يأتي، الحرية يجب أن تأتي، الماء دم الألهة، حتي يرتوي الأطفال والنساء، حتي ترتوي جذور شجرة السابيا وحتي يرتوي شعب الحيوانات والبشر. في مياه السماء نلقي المرأة والرجل متحدين، في الماء تلتقي السماء مع الأرض. وفوق الحصيرة الكاهن آه بو مقعي علي ركبتيه يخصب العذراء إيكسكي. ولكن الكلمات تأتي بعد وقت يطول. وصمت الليل يهيمن علي البلد السطح، والسماء السوداء ممالك خاوية. لابد من أن تتلي كلمات كثيرة، وصلوات كثيرة، لتحفظ الحياة علي الأرض. وعلي النظرة ألا تهن وألا تتوقف عن الإنبثاق من الرجل العجوز، المنعزل في وسط بيته. يجب ألا يتوقف صمغ الكوبال عن الإحتراق في الكنيس في مواجهة الصليب العملاق الملتف برداء أبيض. إنها ليست دروب الغبارة هي التي تقود إلي الصليب، بل هي طريق النظرة، وذاكرة الكلمات التي كان قد ترجع صداها ذات يوم فوق الإمبراطورية، الكلمات المنتهية التي جعلت الرجال يهبون في القري في مواجهة جيش ومدافع الأجانب، والكاهن ياوم بول إيتزا المفسر ما يزال يدون كلم الكاهن خوان سانتا كروز في مدينة شان سانتا كروز: وهكذا إذن أيها المسيحيون الأعزاء، يا أبناء القري، إحفظوا في قلوبكم وصايايا، لأني أنا نفسي يا أطفالي، لا أستطيع أن أتوقف، فأنا دائما ماض علي الدرب. حلقي وبطني ناشفان بفعل عطش لايروي، ذلك أني دائما علي مسير عبر أرض اليوكاتان للدفاع عنكم.

لم تخب الكلمات، إنها تظن في الفقر بلا توقف، تظن فوق الغابة الداكنة وفوق حقول الذرة، وفوق فوهات الآبار. وفي الليل تومض بلا ضجيج في قلب السماء السوداء، إنها تضيء الأرض ببصيصها الشاحب الغريب والآتي من الأقاصي. الكلمات هي أيضا بشر يهربون عبر السباسب، يغلقون علي أنفسهم أبوابا من عوسج، يقسمون الدروب البرية، يشعلون النيران في بقايا حصادهم. وعندما لايبقي هناك شييء، سوي تلك الخرائب وتلك القبور، حينئذ تدلف الكلمات داخل الوجوه، وتنغلق عليها الشفاه. الكلمات تلج داخل جذوع الشجر، واللحي الصلب ينغلق فوق جروحها. الكلمات تؤوب إلي الآبار التي كانت قد صدرت منها، تؤوب إلي آخر ملاجيء الماء. في قلب الأجواء، بعيدا وراء الأفق تختبيء الكلمات ولا أحد يستطيع أن يسمعها، ولكن النظرات وحدها ماتزال تتكلم. النظرات ثابتة قوية وهي لاتغادر الأماكن التي ولد فيها البشر. النظرات لم تعد تعرف الحقد. ولا الإنتقام. إنها ملتفتة نحو ينبوع الماء، نحو المستقبل.

ونفر المعتزلة في حالة صلاة، المعتزلة متوحدون، ولكن ليس من أجل التخفي ولا للدفاع عن انفسهم، ولكن للوصول إلي حالة الصفاء. هناك بعيدا، في مدن التجار، الناس وهنون، شرسون، عيونهم تلتمع من شدة الطمع. ولكن ليس لأجلهم تشرق الشمس كل يوم، فالضوء والظل، الماء والرياح لاتجيء لأجلهم. لم يكن المعتزلة هم الذين هربوا. لقد ظلوا في أماكنهم، مثل الأشجار المشدودة من جذورها إلي الأرض الصلبة، بينما ظل الأجانب من حواليهم مشتتين ومدفوعين مع التيار. لم يغلق المعتزلة أعينهم، لقد حافظوا علي نظرتهم حية، بينما نام الأجانب من حواليهم. والآن وقد انتهت الحرب. أين هم المنهزمون؟ أولاتك الرجال الذين يشبهون الأرض، الرجال الذين هم كالأشجار الرجال ذوي البشرة التي بلون الأرض، والنساء ذوات البشرة التي بلون الذرة، أولائك الذين يعيشون فقط علي الخبز والماء.. لا، لم يهزموا أبدا. وهم لايطمحون في الإثراء ولا في الإستيلاء علي الأراضي الاجنبية. وهم لايبغون شيئا آخر غير استتباب نظام العالم الذي يسكنون، هكذا هم بصلابة يبحثون عبر القوة الوحيدة للنظرة وللكلمة. لقد رأي المعتزلة الفراغ وهو يوغل في بلدهم، وشاهدوا الليل يأتي، وتعرفوا علي الصمت. قوة نظرتهم مسكنهم في هذا المكان بينما العالم من حولهم ضعيف وقاتل. وليس الزمان هو الذي يفصل بين الاشياء، بل الأشجار، والبحر.

هذا مكان الانتصار، إنتصار الحقيقة الهاديء والدائم. لم تعد هناك كلمات ولا أفكار، ثم تعد هناك آلهة ولا شرائع، هناك كل تلك الحركات التي للأيدي، حركات الجسد، وتلك النظرة. كل نهار يضيء نور الشمس حقول الذرة، سقوف الأوراق ودروب الغبار. وكل ليلة يصعد البرد من فوهات الآبار ويجعل الأحجار تطق. لاصلاة أخري. إذن من الممكن أن تظهر الغيوم في الناحية الأخري من الأفق، وتنزلق ببطيء، منتفخة بالماء، نحو كل الوجوه التي تترجاها.

نفر المعتزلة ما تزالون يصغون إلي الكلمات، إنها تتجاوب في السراديب المحفورة تحت الأرض، لم تعد الآن كلمات الحقد بل هناك فقط كلمات الحرية لأولائك الذين لم يهزموا أبدا: ثمة أمر آخر، يجب أن أبرح به إليكم يا أعزائي المسيحيين، يا أهل القري بإمكانكم رؤيتي كما أنا، لست سوي ظل شجرة، بيد أنكم تستطيعون كلكم أن تروني، جميعكم صغارا، وكبارا، وكل أولائك الذين يدعون انهم كبار، ذلك أن الرب لم يضعني في صف الأغنياء، ولأن الرب لم يضعني إلي جانب الكرماء، ولا إلي جانب الفؤاد. ولأن الرب لم يضعني في صف الذين يعتبرون أن لهم مالا كثيرا، ولا في صف الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب كرامة وأقوياء، ولكن وضعني في صف الفقراء، والبائسين، لأني فقير، ولأني ذاك الذي يشفق عليه الرب، وهو يحبني ذلك أن إرادة الله تنص علي أن من يمنحني شيئا سوف يري أملاكه تنموا... هل هناك رب آخر، قولوا، ذلك أنني سيد السماء والأرض، وكل الناس أبنائي..

حينئذ قد ينجلي الظلام، ويولد النور ثانية بهدوء، برد الليل يؤوب داخل الأرض، والظلال تمتد فوق الأرض المغبرة، النظرة الثابتة التي تخترق الفضاء، وتخترق الزمن، النظرة الشبيهة بإشراق الكواكب، تتحد بالنور الجميل، وقدام بيت الصلبان يلقي الحارسان المتعبان عصيهما ويبحثان عن ملاذ للنوم، لم يحدث شيء، لا شيء، لا غيوم في السماء الصافية والشمس ترتفع فوق الاشجار التي بلا حراك. ترتفع بلا صخب إلي عنان السماء، وفي الساحة التي ما تزال باردة، تخطو السماء نحو البئر. 

(2) شون بوم
طريق الأزهار تمضي مستقيمة فوق الأرض المستوية. للأشجار جذوع نحيلة رشيقة، ترتفع منتصبة في الغبار الأبيض. الشمس نائية في كبد السماء، وهي تشتعل علي الدوام في مركز الضوء. نسير تحتها نجر ظلالنا القصيرة. بين حيطان الأشجار، الغبار ينز تحت أقدامنا مشكلا سحابات صغيرة تحبط بالأقدام. أحيانا، تهب الريح حارة ولافحة، معمية وكأنها قادمة من السماء، إنها عجاجة الشمس، الأرض عطشي بشكل رهيب، الأشجار والأدغال عطشي. العطش شديد الآن، والحمي لاهبة. والأفواه متيبسة كالحجارة. منذ أيام وشهور ونحن نترقب الماء. لم نعد نكثر من الحديث، ذلك لأن الكلمات صارت تسلخ الحناجر، وتدمي الشفاه. لم نعد نتنفس كثيرا، لأن الريح ملتهبة. والعيون موجعة من جزاء كل هذا البياض، وكل هذا الجفاف. في كل النواحي لاشيء غير القساوة. دوائر متناهية، بيضاء تحيط بالشمس، أسراب من نسور، ودوامات ذباب دقيق. ورغم ذلك نتقدم علي عجل في الطريق، كما لو أن فرحا كبيرا سيفاجؤنا أعني خلاصا ما.

باصات الدرجة الأولي توغل علي الطريق المسفلتة وحيدة وسط الغابة متجهة إلي مدن تولوم، وشيتومال. الباصات ذات البلور الأمامي الأزرق تتقدم، صافرة في الهواء الحار، تعبر غابة الشيكليروس، تعبر وبلا توقف أرض الماشولس البلقع، وهدير محركاتها يضخ ثم يتلاشي. بيد أن هذا ليس هاما، الضوء يحرق ويجفف. إنه حاضر يلتمع في السماء الخاوية وفي الأرض المقفرة، لأنه هنا مكان الخلاص، ولأجل هذا نحن نتقدم فوق درب الغبار نحو قلب الغابة. الشمس تحرق القفا، تحرق اليدين، والدم عاد ثقيلا يختضفي الشرايين، وكل خطوة تصطدم بالأرض المغبرة تتراجع في الفضاء كما لو كان هناك راقصون وضاربو طبول متخفين بين الأشجار. وهي موسيقي غريبة خرساء، بيضاء مثل الضوء، تلك التي تتردد داخل الرأس بينما نحن نسير عبر الغابة. إلي أين سنمضي الآن؟ المدن المقدسة لم تعد قائمة. المدن الشديدة البياض الطافية فوق الافق مثل السراب: قباب كنائس، مساجد، حدائق معلقة، معابد حمراء ذات مدارج شاقولية حيث تصعد في صفوف متعرجة مواكب الرجال المرتدين ريش طائر الياكسوم، هناك الهياكل، والمناضد الحجرية حيث يضوع طيب المباخر، والجدران الجافة التي تحيط بالباحات الصقيلة كالسماء، والألعاب، والأسواق، وساحات الرقص.

كل ما تبقي أسماء، أسماء شبيهة بتلك المحفورة فوق أضرحة القبور. ادزبلام دزيل شلتون، إيزاميل أوكسكينتوك، مايابان شيشان إيتزا، جاينا أوكسمال يكسونا، كاباه، لابنا كوبا، ساييل، تولوم، كويبك، إكستامباك، إيترنا، إتزيبيلنوكاك، بوسطونيش إيشباتوم، بيكان، إتزيباش، ريوباك. طرقات الحجر متصدعة، والأقواس منهارة. والجبال التي شيدها البشر مكسوة بالأشجار وبالعوسجان. لا أحد يحدق في السماء من علو المصاطب، ولا أحد ينقش تاريخ اليوم فوق مسلة من الحجر الرملي، 200061 9 آهاو 31 إتزيك.

فالآلهة ذوو الأنوف الكبيرة، الآلهة، ذوو أقنعة التن ين، والخفافيش، والآلهة المرتدية جلود الأيائل، كلهم مختفون الآن في أعماق الفضاء، والصمت يسود البراري ويشد علي الأشجار، يضغط علي الأرض، ويغلق الآبار، ويجعل السماء صلبة. إنما في الصمت نسير كما نسير، متوحدين فوق الطريق البيضاء، تتقدم بعناء، منحنين إلي الأمام، عبر اللفح الساخن، لنبلغ آخر الطريق، لنصل إلي البرزخ حيث مايزال الكلام، والوعي، والحياة. صمت الجفاف يهيمن علي المدن الصماء والبكماء. هناك ينام الناس منطوين علي أنفسهم، بلا أحلام، تحيط بهم علاماتهم اللعينة، متوحدين بلا حماية علي جوانب مفترقات الطرق المسفلتة، في ظل الشاحنات، وفي الاروقة والمخازن. واذ نصل اليهم نتابع مسيرنا، نتجاوزهم، نتقدم متوحدين علي طريق الغبار، ونقترب من المدينة الحية حقيقة، عاصمة البلاد الصامتة، في قلب الغابة حيث ينتفي العطش والجهد، حيث ننشد ابتهالاتنا ونصلي، للمدينة المقدسة.

علي جانبي الطريق البيضاء، الزهور ملتصقة بالعوسجان وبالأشجار. الزهور الحمراء تلتمع في قلب الغبار. ننظر اليها، ونسير بدون توقف غارسين اقدامنا في الغبار. الزهور الحمراء لاتتكلم بيد أنها جميلة جدا، بتويجياتها الواسعة المنحنية وبمدقاتها الطويلة الصفراء، انها نضرة جدا ونقية، زهور لشعور النساء الطويلة، زهور طافية فوق دوامات المياه، لم نر اجمل منها أبدا. إنها الزهور ذات الرائحة الناعمة، الزهور القادمة من الليل الهاديء، حادة الرائحة في بياض الغبار، زهور أوراق الخطميات الداكنة صقيلة مثل أجساد النساء، الزهور الغريبة المفعمة بالروائح، والملتمعة بقطرات الندي. ونحن نسير علي امتداد الطريق. ونمضي من زهرة الي زهرة كما لو أننا نتشر بها. ووقتها نزل الماء، جاء من كبد السماء لأجل البعث الجديد. ناعما كان فمه، وطرف لسانه، لطيفا كان مزاجه. حينئذ هبطت الأربع خفافيش السحرية الكبيرة، لتمتص رحيق الزهور ولأجلها ستتفتح الزهرة الحمراء بكمها الواسع، والزهرة البيضاء بكمها الواسع، والزهرة السوداء بكمها الواسع، والزهرة الصفراء بكمها الواسع. الزهرة التي بحجم نصف السعفة، وتلك التي باتساع سعفة النخل، ومع هذه الزهور كبرت زهرة ماكوال كسوشيت زهرة الازهار الخمس وزهرة الكاكاو المخرمة، زهرة الصوان، زهرة البنت الصغيرة، الزهرة ذات القلب الملون، زهرة الدفيء الزهرة ذات الساق الحلزونية. وعندما تكبر، تصير هي الزهور التي يزورها السادة واهبو العطور. هنا كانت دار الأزهار، حيث تكبر باقة كاهن الشمس، باقة الرب، باقة المحارب.

تلك هي رسالة كاتون الازهار الذي عليه ان ينزل. لا احد غيره حسب مايروي. لكنه لايأتي بالخبز في تكليفه ذاك. وقتها تكبر الزهرة وتينع، خطئية بولون تيكو الاله التاسع للجحيم. ثلاث سنين مرت قبل ان يعلن خلق بولون تزاكاب إله الجحيم. في ذلك الزمان نزل فوق قلب الزهرة الطفل الصغير اهبيزميلتاك، نزل متنكرا في زي طائر الطنان بصدره الاخضر، جاء يمتص رحيق الزهرة ذات الأكمام الخمسة. ثم إن الزهرة ذات الأكمام الخمسة اعتبرته زوجها. ثم ان قلب الزهرة تقدم وشرع في المسير. فوق الدروب التي تأتي من الشمال، ومن الشرق، ومن الجنوب، ومن الغرب الأزهار تقود الخطي. ولكن إنما من الشرق الأحمر يأتي الرسول، الزوبعة الحمراء، الرجل الذي ينبيء بالنوء. الزهور الحمراء تلتمع بقوة فوق الأشجار الداكنة ووسط الغبار، انها تدعو. تريد ان تسير بلا توقف نحو المدينة. منذ زمن بعيد، ويوما بعد يوم، الحرارة شديدة في الشمس، وتحت السماء المقفرة. الان الارض تتموج، والأشجار ترتعش، والهواء يرجع الصدي انها اصوات الناس التي تبتهل محتمة الأصوات التي تتهجد، والنظرات التي تبحث. وفي الكهوف الحجرية يترجع نقيق الضفادع.

نحن نتقدم، هكذا، ببطء علي اطراف الاصابع نسير خفافا عند خط الافق. نقترب، نصل شهورا مكثنا هناك، فوق البحر، ظللنا ننتظر ان يرد علينا النداء وان ينفتح المعبر في الهواء الساخن كنا نراوح مكاننا مثل ساعي بريد مستعجل: وقرب الافق التمعت يروق غريبة خططت السماء وجعلتها شبيهة بجلد حصان الوحش، لأن الغضب والرغبة كانا يكبران. والان، الطريق مفتوحة، ونحن نصل بسواعد ممدودة مثل جناحين من ظل يضمان الارض، وينغلقان في توءدة. نندفع الي الامام، صارخين، وبحركة واحدة نغادر البحر ونطير فوق الاراضي المنخفضة. اشجار الشوري تتحني، والرمل يثور، ومياه السباخ تتجعد ثمة أمواج تتكسر علي الشواطيء، فوق صخور طولوم الحمراء، وصفير الريح يهتز في جذوع اشجار الجوز. ثمة شهوة شديدة، وغضب وانتشاء شديدين في اجسادنا. بشرة الوجه المنحني الي الامام زرقاء بفعل احتقان الدم. والعيون ترسل شرارات ضوء. ونحن نلهث. نقترب، نصل اليوم، والجسد ينتفخ ويتكيء علي الاقليم المتكلس، يغطي الأرض ويحجب السماء. اولائك الذين هم الان في صلاتهم، في المدن المقدسة الثلاث، يعلمون اننا، مانزال نسير. لأجلنا هيأوا الزهور الحمراء المشدودة الي الاشواك، علي امتداد طريق الشرق الاحمر. والان هانحن نتقدم علي الطريق. امام سحابة الغبار والظل الكبيرة، نسير، ونرقص مكاننا مثل راقص الفلامنكو، او نزحف في الغبار مثل ثعبان الجلجلية. نصل اليوم ثملين بالكلمات، بالموسيقي، بالرقص، سكاري بالصلوات وبالبخور.

رجال القرية مهدوا الطريق، حتي نجيء فالآبار والخزانات تنتظر منذ ايام وايديهم أيديهم المدمات قابضة علي فئوس وقد حفروا ثقوبا في الارض، تم انتقاء البذور السوداء والصفراء. منذ ايام، وشهور والناس في تهجد وصوم يهيئون الاعياد. هناك كلمات كثيرة أنشدت، اناء الليل واطراف النهار، الرجال يدعون مثل الطيور بأصوات حادة وسريعة، او صامتين مثل الارض، بكل وجوههم، وبكل اجسادهم. في اليوم الأول لياكس يغسلون المعابد، انه أوكنا وأمام كل اله يحرقون بخور الكوبال في اليوم الاول لزاك يهدئون غضب السماء، ويستغفرون من ذنب دم الحيوانات المقتولة في الصيد، الدم الذي لم يهرق لارضاء الالهة ولكن لاطعام البشر. حينئذ تختلج السماء، ويصاعد البخار الكثيف فوق البحر. والشمس تلتهب بلا هوادة، ولانسيان. في يوم 7 آهو يصومون ويقدمون أضحية. وفي اليوم الاول لماك يعط م الشيوخ الشاكات الاربعة والاله ازامنا. انه توب كاك، خمود النيران. والحيوانات تجمع في صحن المعبد. كاهن الشمس، وممثلوا الشاكات يقفون في كل زوايا صحن المعبد، وفي يد كل منهم جرء ماء. وفي الوسط يحترق الكانون الذي من خشب جاف مزين بالكوبال. الرجال يقتلعون قلوب الحيوانات ويرمونها في النار. رائحة اللحم المشوي ورائحة البخور تصاعد حتي كبد السماء. انها غذاؤها. الرجال يسوون اشكالا علي صورة قلب السبع بعجينة الكوبال ويلقونها في النيران. وعندما تكون النار قد أكلت القلوب، يقترب منها الشاكات الأربعة ويلقون ماء الجرار علي الجمر. والنيران تنطفيء ونحن، نحن نري كل هذا من مخبئنا في الغيوم، ونكبر، نباعد مابين سواعدنا فقوبل البحر، ونصغي لدق الطبول وضجة الكستنات. فالاناشيد تدعونا والاشجار النحيلة المحروقة بالضوء، جذورها موجعة.

في اليوم الاول من باكس انه باكوم شاك يجتمع كهنة الشمس ونبلاء القري. يصومون ويصلون مدة خمسة ايام وخمس ليال داخل سور معبد سيت شاك كوه امام السيد ناكوم، الا له الحي، والرجال يرقصون رقصة المحاربين. يذبحون كلبا صغيرا ويقدمون قلبه قربانا. جرار الباكاب bacad الاربعة، تلك التي تحوي ينابيع الماء، ملقية علي الارض ومكسورة. ونحن نحس بالرغبة في نغمر الارض، في ان نسيح فوق الارض. إذن نحن نتقدم، اليوم، ببطيء نحو الارض الجديدة، نحو السنة الجديدة فوق طريق الأزهار ننزلق سريعا مثل الدخان وبطيئا مثل الزوبعة. الغبار يرتفع فوق الاشجار كما لو كنا جيشا من الفرسان. ويختلط الغبار بالغيوم الداكنة. والريح تمشي أمامنا، انها تفتح الهواء الحارق، نصل نقتلع الزهور الحمراء من الاشواك، ونكسر اغصان الاشجار اننا نحدث ضجيجا مستمرا يهز الارض، ضجيج بحر، موجة تعبر صمت الغابة.

نتقدم علي الصليب، نحو المركز.
إكسامان، أبيض، شيكين ليكي، أسود أحمر، نوهول، أصفر
نمضي نحو ياكس، اللون النادر، اللون الجميل والالهي، لون اليشب.

الطريق مستقيمة، بيضاء، في الشمس، شبيهة بمدرج نصعده بعناء. العرق يسيل في جداول نحيلة فوق الجبين، وعلي الخدين، انه يعشي الرؤية. العرق يختلط بالغبار ويتيبس فوق الأردية وفوق الجسد. بيد أننا لاتتوقف. أين يمكننا ان نتوقف؟ ليس هناك استراحة علي الدرب، لا ظل تحت الأشجار النحيلة. الشمس تلتمع في كبد السماء. لأجلها نهرب هكذا. نسير لنصل الي الديار، لنصل الي شجرة السايبا الكبيرة المتوح دة في مركز الساحة.

تحت شجرة كان الناس جالسين. يتطلعون الي محيط القرية من امامهم، الي حقول الذرة، والي الغابة المظلمة. القرية شبيهة بسراب، شديدة البياض، ذات جدران دائرية مغطاة بالأوراق. في شمال فرجة الغابة هناك منزل الحراس، والكنيسة والرجال يشربون منذ أيام خمر بلشي وبيرة العلب. موسيقي الكويمييا تصدح من غراموفون يشتغل ببطاريات في احدي المنازل. وليس بعيدا عنه، وفي دار مقفرة ثمة عجوز يعزف وبلا توقف علي كمانة الهوياستيكي، يعزف نفس اللحن الذي لايسمعه احد. أحيانا تبتعد الموسيقي، فنسمع حفيفا غريبا في الصمت، لعله صخب الضوء. هنا المركز، هنا المكان الهاديء، المنعزل، حيث تقدر أصوات الرجال ان ترفع دعاءها من الداخل حتي السماء، وحتي الافق، لا احد يتكلم حقيقة لا احد يقول شيئا مهما. الرجال السكاري يترنحون، والشباب ينامون في الاسرة المؤرجحة. والنساء يطبخن اللوبياء السوداء فوق نار بين الاثافي.

الرجال يسيرون حتي منزل سغوندينوكوه حاملين الجفان، ثم وفي صفوف يتجهون نحو الكنيسة، يتقدمهم الموسيقيون، بالكمان، والغيتار، والصندوق الكبير يرتدي الرجال أقمصة بيضاء، واقدامهم يتقدمهم صناديل مصنوعة من كاوتشوك اطارات الشاحنات. بأقدام عارية، هاهم الرجال قد دخلوا بيت الصلبان ووضعوا المليئة باللحم وباللوبياء امام الصليب المرتدي قميصه. وعلي يسار الصليب هناك العرش المدهون والمزين بزهور حمراء الظلال كثيفة داخل الكنيسة، وألسنة الشموع تأتلق، ومباخر الكوبال ترسل دخانا ثقيلا والرجال والنساء جاثون علي ركبهم. انهم يصلون كل يتلو صلاته شاخصا الي الصليب. الراهب منتصب في مواجهة الصليب. وهو الان يتكلم بصوت اكثر ارتفاعا من الاخرين. انه يخاطب الصليب ذي السواعد الممتدة والذي يهيمن عليه مثل امرأة فارعة. ثم هو يكلم التماثيل، وينحني امام العرش الفارغ. ينهض الرجال واحدا إثر الاخر، وينحنون علي آذان أولائك الجاثين علي ركبهم ويهمسون لهم بشيء. ثم يغادرون. وفي الخارج الضوء يعشي الأبصار، والسماء خاوية. والاطفال يتراكضون، ويلقون بألعابهم النارية والغراموفون القديم مايزال يصدح بأغاني الكومبي. والعجوز في بيته مستمر بمفرده في العزف علي كمانه.

كان للزهرة أربعة أغصان عندما استقر في مركزها راهب الشمس يوشيل تون. حينئذ تقدم الإله الثالث عشر، اذ انه لم يكن يدري عندما علم شرعته ان الخطيئة كانت قد هبطت فوق الحصير. فزهرة ماي هي حصيرته. وزهرة ماي هي مقعدة وكانت الشهوة مستبدة به في متكئه وسعيه، وفي أكله وفي شربه. فالشهوة قلبه، والشهوة عقله، والشهوة فمه.

شهوانية كانت كلمته مدة تحكمه. وفي هذه المدة يطالب وبصيحات صارخة بطعامه وبشرابه اذ يأكل ملء شدقيه، وحينما يقضم أكله الذي يأخذه بمخالبه. يمسك بيده شجرة وصخرة. جنونه الشهواني كبير ووجهه وجهالإله لاهون شان، المسمي بالأقوياء العشرة، يلزم فروضه، يأخذ الحصير التي يجلس عليها مدة تحكمه. ابوه وامه منسيان، وأمه لم تعد تتعرف علي أبنائها. أحرق قلب ذلك المتوحد، والذي بلا أب، ذاك الذي يحقد علي أبيه، ذاك الذي لا أم له. انه يسير علي غير هدي مثل السكران، انه بلا عقل امام ابيه وامه. لا فضيلة ولاطيبة في قلبه، بل علي طرف لسانه. وهو يجهل مصيره الخاص. لايعرف كيف ينهي سلطانه، عندما تنتهي مدة تحكمه.

هاهو بولون تيكو المسمي بالاله التاسع وبولون شان، الملقب بالقوي، هو وجه الان البشر، سيد حصيرة اليومين، صاحب عرش اليومين. ولكن عندما تنتهي كلمة هذا الكاتون يرسل الله طوفان كبيرا، وتكون نهاية العالم. وعندما تنتهي هذه الكارثة، ينزل الرب عيسي المسيح بوادي جيهوشاباط قرب مدينة أورشليم العظيمة، حيث سينفذنا بدمه المقدس هكذا، سينزل من السماء فوق غيمة كبيرة ليشهد انه كان لابد ان يتألم متمددا فوق صليب الخشب، بعد ذلك وفي كل قوته سوف ينزل هاهال كو، المسمي الا له الحقيقي، الذي خلق السماء والارض، هكذا سوف ينزل ليجزي الصالحين والأشرار ليجزي المنتصرين، والأسري.

في مركز الغابة، لا يكف الصوت عن الكلام. انه يتكلم دون ان يحرك الشفاه، من داخل دار الصلبان. الملعونون، والكفرة يعيدون. اما يزالون موجودين؟ انهم أسري حجارهم وحيطانهم، داخل صحرائهم. إنهم عمي اما هنا فإن البصر منيرن، يتلألأ مثل الشمس، ينبض مثل القلب البصر يدرك رؤية ماسيقع. وكل انسان هو نبي يبصر بكل جسده، يبصر بوجهه، وبيديه، وبصدره. انها المكابدة هي التي تفتح رؤيته: الجفاف الكبير، والانتظار الكبير. بيد ان المكابدة لايمكن ان تستمر الي ما لانهاية. والان هالأرض ترتعش كما عند شروق الشمس، فهي ثابتة وهادئة، قوية وجديدة، والرجال جالسون تحت شجرة الس ايبا الكبيرة. يتطلعون امامهم الي دائرة القرية، الي حقول الذرة والي الغابة الداكنة.

عند صعود إله المشرق، في زوايا السماء الاربع وفي أركان الأرض، الأربعة عندئذ تصل كلمتي الي بيت الرب.

عند ارتفاع الغيوم في المشرق، واذ يصعد الإله الذي يتحكم في الامطار وسط السمو الفلكي الي طبقات السحب الثلاث عشر، واذ ينتظر الآلهة الزوار، ان يعطي الرب اوامره للبدء في تخمير نبيد بلشي بمباركة الحب المقدس للآلهة القائمة علي حراسة حقول الذرة حتي ينشروا فوق الأرض نعمهم المقدسة، بفضل المولي العظيم، الرب الابن. الرب الروح القدس.

أحد ما يأتي من طريق المشرق أحد يتقدم بتوءة، مثيرا سحابا من تحت خطواته. احد ما يسير، رأسه منخفض تحت ثقل الوزر المشدود الي جبهته، الوجه مسود بالدم. وأرديته ملتصقة بجسمه من جراء الغبار والعرق، أحد ما يأتي بطيئا، وظله يغطي الأرض ويحجب السماء. عندما سأودع في الأرض الحبة العذراء مع حبي المقدس، أنت سوف تتطلع الي في تلك اللحظة من النهار عندئذ سأترجاك لتمنحني بركتك، لتمنحني حبك المقدس، لتنشر علي الارض عطاياك النامية ابدا. ذلك انه أمر ضروري ومقدس ان نقدم هباتنا ليد الاله المولي، الرب الابن، الرب الروح القدس. حينئذ يكبر ظل الزائر، ويمتد علي الساحة، ويخفي الشمس. ثمة صمت كبير وهدوء كبير. إنه المساء، قبل الليل بقليل، عندما تسقط القطرات الأولي للماء البارد فوق أوراق الأشجار وفوق سطوح المنازل.

يوك توبا إييين ثان، سان شيلام بيلام