رسالة الجزائر الثقافية: أدونيس في الجزائر

مانفيستو ضد العنف وتجلياته

عبدالناصر خلاف

ما قبل الزيارة
لايوجد هناك شاعر عربي اثار بغيابه وحضوره في الجزائر جدلا اعلاميا كبيرا مثل ادونيس، هذا الشاعر القامة الذي اعلن عن زيارته للجزائرسابقا ثلاث مرات... لكنه كل مرة يغيب ومع كل غياب يحرج مضيفيه... ولكن اخيرا جاء هذا "الثابت في المحول" الى الجزائر، بدعوة من المكتبة الوطنية الجزائرية التي يرأسها الروائي الدكتور امين الزاوي.

وقد افردت جريدةالجزائر نيوز خلافا لكل الجرائد الجزائرية لكاتبها المسرحي: احميدة العياشي في عددها، 1449، المؤرخ لـ 13اكتوبر2008 ملفا تكريميا لضيف الجزائر اضافة الى صورة كبيرة ملونة شغلت الصفحة الأولى من الجريدة... ونعتقد انها الجريدة الوحيدة التي اعطت بعدا كبيرا لهذه الزيارة الاستثنائية، وقد قام بأعداد هذا الملف كل من الروائي بشير مفتي والكاتبة زهور شنتوف.

وقد ساهم فيه كل من:

ـ امين الزوي: ضيف الجزائر دلالات الزيارة
ـ سعيد خطيبي: أدونيس... في مرآة غربية
ـ د. براهيم صحراوي: عن ادونيس
ـ عادل صياد: فكر الاقامة في المستقبل
ـ لميس سعدي: بمناسبة أدونيس
ـ الحبيب السائح: أدونيس... الشاعر الممزق
ـ أحمد عبدالكريم: أدونيس الذي رأيت... أدونيس لذي رآى...
ـ عبدالله الهامل: فيلسوف الشعر العربي
ـ الخير شوار: جمع أدونيس بصغة المفرد. 

نحو ممانعة جذرية وشاملة
ان ما اثاره الشاعر العربي الكبير المثير والمثار للجدل أدونيس في مداخلته التي جاءت بعنوان كبير: نحو ممانعة جذرية وشاملة، والتي نشطها الشاعر والإعلامي: جيلالي نجاري في العدد 13 من "الندوة" هذا الفضاء الفكري والأدبي الذي أطلقته المكتبة الوطنية الجزائرية خلال سنة 2008 ليكون في تصورها معتركا للأفكار وساحة للأسئلة الجادة والجوهرية، وهو لقاء نصف شهري يستضيف فيه أبرز الوجوه الفكرية والثقافية في الجزائر والوطن العربي. ستظل هذه المداخلة صرخة لا مدوية... ومانفستو احتجاج ضد الرصيد التاريخي العربي الاسلامي، بوصفه انجاز دموي (ان لغة الدين والسياسة ترشح دما منذ 15 قرن) ومصطلح الممانعة التي شكل جوهر مداخلة أدونيس والذي دافع عنه بقوة، هو ترجمة مأخوذة من اللغة الفرنسية La Résistance "المقاومة" لكنه اصطلاحيا اختار الممانعة بدل المقاومة حتى يفرغه من محتواه الإيديولوجي الذي عرف به،

أدونيس... هذا المنظر الكاره للاجوبة، لأنه يعتقد انه لا يملك اية حقيقة... بل ما يقوم به من تشريحات هي في عمقها ممارسة فكرية قائمة على الشك والتلمس وحين يخيل له انه وصل الى يقين ما ـ يتحول يقينه مجددا الى الشك في نفسه... ومن هنا تجيىء الاسئلة. ان الاسئلة (تحيلك الى مشكلات مضمرة).

في بداية المداخلة وضح أدونيس للحضور الكبير والنخبوي الذي غصت به القاعة الحمراء، انه حين يتحدث عن الدين فأنه لا يقصده الا كنظام ومؤسسة، والدين كتجربة شخصية وروحية يحترمها بل ويدافع عنها... ومن الضروري في هذا المقام فصل ما بين السياسي والديني. وهناك يكون الدفاع عن الحرية باختيار ثالث هو العلمانية وقد اثار في مداخلته وحتى في نقاشه قضية في بالغ الآهمية ان الاسلام تمأسس مباشرة بعد وفاة النبي محمد ـ صلعم ـ كما صرح انه تم قتل الالاف من المؤمنيين في ابادة جماعية باسم حروب الردة... هذه الردة التي حدد اسبابها المحاضر (ارتدوا عن اعطاء الزكاة نظرا لن اغلبيتهم فقراء) وهنا يتساءل ان هذا القتل مشرع باسم الدفاع عن السنة... أدونيس الذي يصف نفسه بالآثم في اقتراف اثم كبير في هذا الوطن العربي اسمه: التخلف، بل هو يدين نفسه في هذه المشاركة قبل ادانة غيره... ويصرح (ليس لدينا شيئا كعرب ننخرط فيه في العولمة، نحن غائبون)... فهو حين ينظر الى العالم العربي الآن يرى حضور كبير للمفكرين والعلماء كأفراد، لكن حين ينظرالمؤسسة العربية يجد تخلفا وحشيا على كل الأصعدة، عندما يتأمل الأمر جليا يجد الخلاص في معادلة التالية:

ان الشعوب والحضارات تنقرضز ليس هناك مانع من ان يقال علينا اننا انقرضنا بوصفنا حضورا، لكن انقرضنا فعلا كحضور خلاق. اذن علينا ابتكار سياقات اخرى وتحويل هذه الحاجة الى آداة فعالة... هذا هو العزاء عند أدونيس... لذا حاول ان يضع يده في نار حارقة اسمها الموروت العربي الاسلامي. فعندما يتحدث عن الممانعة طوال مرحلة تاريخية فان قضية الممانعة معقدة الى حد كبير، وصارت تتماهى مع ما هو سياسي وفكري... بل تحدث ان هذه العواصم العربية/ هذه التجارب الحية وهذه الانظمة الطغيانية حيث ان الكثير من جماعاتها وصلت الى السلطة باسم الممانعة... لذا يؤكد ان التعددية بما فيها التعددية الثقافية لايمكنها ان تتكرس الا اذا تمأسست. فالمؤسسة وهي مضادة للبنى الدينية المعبئة بالايديولجيا، تكرس السلطة الحقيقية والنظام مما تفتح مساحة كبيرة للحرية والمشاركة. التمأسس يكون مستندا الى القانون، والقانون يكرس العدالة، فالشعب الامريكي بمختلف توجهاته ومشاربه وحده القانون الذي يجعله منسجما، بينما يؤكد ان القانون في الوطن العربي قائم على الاغتصاب: ويطبق على الفقراء والضعفاء فقط، لذا من المستحيل ان تكون هناك ديمقراطية في الوطن العربي ولن تحدث اطلاقا.. بل ان الامر في كثير من المرات يدعوه للضحك عندما يقرأ عن انعقاد ملتقى دولي حول الديمقراطية... فلا تعدد الا اذا قبل اختلافي الاخر ودافعت عن كينونتي كل الاطراف. ويشير أدونيس بشكل ساخر ان حتى الحركات التقدمية في البلدان العربية انها تحركت وثارت ضد الديكتاتورية باسم الممانعة، لكن لما وصلت الى السلطة استعملت مختلف أساليب الارهاب، ولوت مجددا عنق قوى الممانعة التي وقفت في وجهها باعتبار هذه ـ سنة تقليلدية ـ وتحولت هنا الممانعة الى امتياز لأقصاء الآخر وتمجيد كل ماهو ماضوي والذي يأخذ اشكالا عدة. فالممانعة يجب ان تكون كوسيلة حضارية للمعيشة لاكاستبداد.

وهنا يجيىء الحديث عن دور المثقف الذي قال بكل جراة ولم يستثن نفسه: إن المثقفين العرب ومن بينهم ـ انا ـ كانوا يحتقرون جماهيرهم. واعتبرالمثقف الذي انخرط في متاهات السلطة انه تحول من كائن الى آلة، او بوق أو مخلب لها، وهنا يجب ان يكون ذاتا ولايكون اداة ولا يجعل من غيره اداة له... فالممانعة تكرس الذات، ولا تجعل هذا المارق تابعا او ظل لها للتحول هذه الذات الى ذات متكلمة و فاعلة. 

وسام الاستحقاق الثقافي لأدونيس
ضيف الجزائر الذي خصه مديرها الروائي امين الزاوي بكلمة ترحيبية شاعرية افتتح بها هذه الجلسة الفكرية قائلا: من المعري الى سان جان بيرس. كان يعرف كيف يلاقي بين الموروثات الشعرية طريقا للعبور، طريقا للتجديد ضد قوى الموت التي تلاحق النصوص والسلوك. تجربة أدونيس تجربة تتجاوز حدود الشعر الى النصوص لأن الشعر ليس كتابة القصيدة فحسب، انما امتزاج سلوك شعري في الحياة والثقافة وفي اللغة... حل اساطيره له وحده صاغ كائناته اللغوية والفراغية. هي له وحده. لم يبتعد رأسه ولا نصه عن قناديل الاسئلة، ومغامرات التجريب بالجمع، 50 سنة من الكشوف والرؤى والمقابلات المعقدة ينفرون منه فيشتاقون اليه. يقاطعونه في المساء وفي الصبح يصالحونه. يعادوه عند الظهيرة، ليصالحوه على مائدة العشاء. في بيروت، أو اللاذقية، أو في باريس. منذ نصف قرن وأدونيس يقترف الشعر، منذ نصف قرن وأدونيس سادن حديقة العربية، الشاعر المختلف، الشاعر الذي لايشبه حتى نفسه. انه الثابت في المتحول.

شكر أدونيس المكتبة لوطنية الجزائرية على هذه الدعوة التي يعتبرها دين عليه، واشار مازحا: لا تصدقوا ماقاله عني امين الزاوي لأنه قاله كان بقلبه لا بعقله. وقد منح وسام هذه المؤسسة العريقة وسلمته له المجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد التي ارتجل في حضرتها قائلا:

لقد كان مفردا
فصار مثتى
كان رجلا
فصارانثى.

في حديث جانبي مع المجاهدة عن هذه المداخلة، عبرت عن بساطة لغة أدونيس التي خذرت الحضور بعيدا عن تلك اللغة الفضفاضة... ونشير أن حضور جميلة بوحريد شكل حدثا موازيا مع أدونيس لانها نادرة الظهور... وهي صديقة لهذا الشاعر الكبير... 

ما قاله خلال المناقشة:
الفشل
ـ اذا كان معيار الفشل هو عدم انجاز المادي، فانا اعتبر نفسي فشلت... واعتقد ان الناجحين في هذ الميدان قلة... واذ نظر الأمر بشكل آخر ان النجاح ليس له قيمة، فيمكن ان يكون النجاح فشلا محجبا، المهم الطريق الذي نسلكه والأهم من ذلك النقطة التي نصل اليها.

الحداثة
ـ نحن كعرب بارعون في الكلام الكثير، نحن استنفذنا الحديث عن الحداثة دون أن ندخل اليها.
ـ الحداثة في الغرب تقوم في اساسها على حرب ضد كل ما هو قديم.
ـ وبعد 50 سنة صارت الحدثة العربية متصالحة مع الماضي ومع التقاليد.
ـ الحداثة العربية تقزمت في انتقال من الوزن الى الكتابة النثرية.
ـ الحداثة بربرية يبتكر الانسان ادوات فتاكة ووحشية.

حزب الله
ـ أميز في حزب الله وجهين: الوجه المناضل وانا اقف معه وادعمه، والوجه المتدين، ساكون ضده اذا وقفت معه. لأنه يستحيل أن يكون في لبنان دين واحد.

حركة حماس
ـ لا اعرف شيئا صحيحا عما يجري اليوم في فلسطين

اسرائيل
ـ انني ضد كل دولة تقوم على الدين، ولا ابرأ الثقافة الاسرائلية من هذا... فهي الدولة الوحيدة في العالم القائمة على الدين وتشجع الدول المحيط بها لأقامة انظمة دينية.

التاويل والقراءة
ـ كل نص هو نص ثابت، المتحول هو القراءة والتأويل... والنص غني ومتغير من كثرة قراءته... ومهما كان النص عظيما... اذا مر في عقل صغير يصبح صغيرا. 

algeria13@gmail.com