ندوة حول رواية «رواية معبر أزرق برائحة اليانسون»

المترو والعتبة بعين رجل

أقيم يوم الخميس 20 مايو 2010 في صالون الروائي المصري محمد جبريل ندوة لمناقشة رواية (معبر أزرق برائحة اليانسون) للكاتبة الشابة ياسمين مجدي. وناقش الرواية كل من الروائي محمد جبريل، والروئي الطاهر الشرقاوي، والشاعر صبحي موسى، والناقد عمر محفوظ، والقاص عمرو العادلي، والشاعر إبراهيم السيد. وقد دعى الشاعر صبحي موسى الرواية بـ«الرواية المفاجأة» بالنسبة للكتابة النسوية، لأن النص لجأ للمجازفة ضد التيار، بأن تكتب على لسان راو ذكر. وذلك عكس ما ألفناه من رجال يكتبون عن الأنثى. فوظفت الكاتبة تفاصيل مدهشة عن عالم الرجل. ومع ذلك ظهرت رائحة الأنثى من خلال اهتمام الكاتبة بوصف التفاصيل الدقيقة، وهي سمة أسلوبية للكاتبات النساء في اهتمامهم بما يمكن تسميته «شغل الإبرة» في رصد تفاصيل العالم. كما تم بناء الرواية على فكرة المعبر الأزرق .. معبر محطة المترو، البذرة التي رصدت من خلالها صرافي شباك التذاكر .. وهم أربع شخصيات، عبد البديع، وكونو، وغبريال، والراوي.

شخوص النص مهزومة اجتماعيًا ولديها عقد نفسية، فغبريال مسيحي يخشى الزواج، بسبب ما عاناه أخاه في زواجه من امرأة لعوب، وصعوبات حصوله على الطلاق الكنسي منها. أما عبد البديع فهو إشارة لمجتمع لا يحترم شخص مثله أشبه بقزم، حتى عند زواجه من المرأة التي أحبها بعد طلاقها، اكتشف إنه بالنسبة لها مجرد ظل رجل. الشخصية الثالثة هي كونو الضعيف جنسيًا، الذي يتغلب على هذه الحالة بالكذب، فيدَّعي علاقات بالنساء. نرى هذا العالم من خلال راو يعاني، أيضًا، مأزقًا اجتماعيًا، لأنه يتذكر طوال الوقت تفاصيلاً مؤلمة في حياته عن أبيه المريض بالزهايمر ورحيل أمه الذي  ولَّد لديه عقدة من الجنس الآخر، فحتى عندما أحب سبأ، وعاش معها ذكريات جميلة، تركته. تعاني بذلك شخوص الرواية من الانسحاق الاجتماعي، بسبب مجتمع لا يحترم مشاكلهم الشخصية».  أما عن تقنيات كتابة الرواية، فأكدصبحي أن اللغة الشعرية وتقنيات الشعر ظهرت في الرواية بامتياز .. فحتى استعمال العناويين كان أقرب للحالة الشعرية. وأكد على فكرة شعرية رواية (معبر أزرق برائحة اليانسون) القاص عمرو العادلي، قائلاً: «لغة الرواية شفيفة .. تقع موقعًا متوسطًا بين الكتابة الشعرية والروحانية، كما جاء التداخل بين المقاطع بعضها البعض بشكل انسيابي، لا يحس فيه القارئ بأي انتقال. والسرد في هذه الرواية لا ينبئ بإنه عمل أول أو ثان، إنما هناك ممارسة في الخفاء».

وتحدث الروائي الطاهر الشرقاوي حول أن "الرواية رواية عقلية .. جزء كبير منها يدور في ذهن البطل، فلا نعرف هل ما يصفه عن الناس حقيقي فعلاً، أم محض تصورات تخصه عنهم. لذا يحرص البطل على تقديم تصوراته عن العالم حوله، بكل ما يحويه من لون ورائحة. ظهر ذلك، أيضًا، عبر اللغة المشحونة بالقلق والتوتر. جمل بسيطة تفصل بينها نقط.. يجعلك ذلك تتسائل طوال الوقت هل تلك الأحداث حدثت بالفعل أم لا؟". وأكد الطاهر أن الكاتبة مجهودًا كبيرًا في الطوبغرافية لوصف المكان .. مثل وصف العتبة، وجمع المعلومات عن الشخصية المسيحية. وأنها لعبت في روايتها حتى على مستوى الشكل .. فوظفت مقتطفات من الصحف والصور، وكتبت في النهاية شهادة عن علاقتها ككاتبة ببطل الرواية. ورأى الطاهر أن الرواية «بشكل ما تعبر عن أزمة الإنسان، وهي الرواية الأولى تقريبًا، التي أجدها تدور في عالم المترو، رغم وجوده منذ عشرين عامًا في عالمنا، عكس ما اعتدناه من حكايات عن السكة الحديد، وكأننا بتجاهلنا ذلك نعترف أن المترو صار جزءًا طبيعًا وعاديًا في عالمنا، فلم نلتفت كثيرًا للحكي عنه، بينما مثَّلت السكة الحديد الدهشة للانتقال من عالم القرية الصغيرة للمدينة».

ورأى د. عمر محفوظ أن الرواية تدور في عالم المترو وفي وسط البلد ما بين التحرير ورمسيس والعتبة. واستخدمت فكرة شباك المترو الزجاجي الذي يري. فكانت الكاتبة واقفة في محطة المترو ترصد عالمه، تدور بالقارئ في فضاء الإنسان الزماني والمكاني. ونحن نرى البطل يقوم بعملية جلد للذات. وذكر عمر أن الرواية كانت دقيقة الوصف بالنسبة للعتبة، حتى إنها اقتربت اقترابًا كبيرًا من حارة نجيب محفوظ، لكنها أضافت للمكان التفاصيل العصرية. واستخدمت صور كثيرة .. صور للألوان وصور للرائحة. كما وصفت عالم الكنائس بدقة عبر شخصية غبريال الذي كان يتوق للزواج. واستعملت رمزية الدولاب ورمزية إغلاق النوافذ. وعن ظاهرة التلاشي قال د.عمر: «نلمس بالنص ظاهرة التلاشي، خاصة في عناوين الفصول، مثل عنوان (العفريتة ... أحلامًا)، ليتلاشى المتلقي بين الكلمتين، فيضع من مخزونه ويُكمِل الصورة. كان السرد قويًا، استعمل الاسترجاع الداخلي والخارجي، فجاء السرد حاضرا أكثر من الحوار، الذي لم يأت سوى في جمل قصيرة ومتفرقة. فاعتمدت الكاتبة بشكل أساسي على مختلف أنواع السرد من سرد وثائقي، وسرد دائري، وسرد خطي. وظهرت كل وظائف السرد، مثل الوظيفة الوصفية في وصف البطل لما حوله. كما ظهرت بوضوح الجمل الشعرية».

وعقَّب الروائي محمد جبريل بإن رواية (معبر أزرق برائحة اليانسون) تقدم عالمًا جادًا، تم وصفه بدقة، خاصة تلك العوالم التي لا تنتمي لها الكاتبة ورغم ذلك أجادتها، مثل الشخصيات المسيحية، وبذلك يمكن المراهنة على موهبة الكاتبة. وأخذ جبريل على النص تكرار بعض الجمل الذي كان يمكن التخفف منها. في النهاية تحدثت الكاتبة ياسمين مجدي حول أن الأمر يتعلق بالأصوات التي تأتيها وتلح عليها للكتابة عنها، ففي هذه الرواية جاءها صوت راو رجل، بينما تكتب تلك الأيام رواية عن امرأة، لأن صوت أنثى هو الذي تكلم بداخلها هذه المرة. وأكدت أن كل ما أرادته من تلك الشخصيات أن يسال القارئ نفسه عن ناس تعيش حوله ولا يراها. يُذكَر أن رواية (معبر أزرق برائحة اليانسون)، هي الرواية الثانية لياسمين مجدي، كما إنها الحاصلة على جائزة دبي الثقافية لعام 2009.