"القارة السابعة" قصص بين الافتراضي والواقعي

محمد البوزيدي

كاتب من المغرب

عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة صدر للباحث السوسيولوجي والقاص المغربي عبد الرحيم العطري مجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان القارة السابعة، وهي المجموعة الثانية في المسار القصصي للكاتب، بعد تجربته الأولى الموسومة بالليل العاري، والتي حظيت بمتابعات ومطارحات نقدية واحتفائية من قبل عدد المبدعين المغاربة والعرب.

القارة السابعة تضم بين دفتيها قصصا قادمة من تيمات العوالم الافتراضية والواقعية، تحكي عن زمن البهاء والهباء في آن، وتحكي، كما أكد على ذلك الكاتب في إهدائه، عن وطن لا يكتمل إلا في الأحلام، عن وطن بحجم غرفة انتظار ملأى بالانكسارات والأعطاب القصوى.

في القارة السابعة نقرأ المتون التالية: مكر الشات، تنورة مستعارة، الشرجان وFM، بطاقة خضراء، هوية مزيفة، حبل غسيل، ميتا سكيزوفرينيا، الطبعة الأولى، مجرد أرقام، العرافة التي، أين الجثة، ثم القارة السابعة في مختتم هذا المنجز الإبداعي، الذي صدر في حلة أنيقة بغلاف دال من توقيع الفنانة رجاء الإدريسي الأزمي، وذلك في نحو 96 صفحة من القطع المتوسط.

إنها قصص من زمن البهاء والهباء، تحكي زمنا موغلا في الرداءة، وتحيك حلما باذخا حد الامتلاء، من أجوائها المثخنة بالجراح، نقرأ في فصامية الزمن المغربي الآتي: إلى النادي السياسي، إلى مقهاه الأثيرة، قبالة البرلمان، يتسمر أمام الواجهة الزجاجية المطلة على القبة إياها، يطلب قهوة سوداء، يشعل سيجارة شقراء، يمعن في التأمل، يتأمل المؤخرات، يتأمل المعطلين والمكفوفين، وقد أشبعوا ضربا من قبل الأجهزة القمعية،... يتأمل ويتأمل ولا يحرك غير السكر في قاع الفنجان...ففي هذه المجموعة يندلق الحكي عبر أودية السيليكون، لنقابل شخوصا كافكاوية وحيوات متشظية تمتشق دروب الفجيعة، لتقول كلمتها صمتا معتقا، أملا في صناعة الحياة ضدا في الموت والألم.

ونقرأ في الشرجان وFM : سيمعن في التأخر كما العادة، ليست المرة الأولى التي يفعلها في منتظريه من المسافرين جنوبا، ولن تكون المرة الأخيرة، هذا هو قطار FM، الرابط بين فاس ومراكش، يتأخر دوما عن موعده، كأنه لا يريد المرور من هذي الرباط المنمسخة، أنا الأدرى بمواعيد القطارات فلي هذه الحفرة اللعينة، مذ كان الكاطريام وكان الخير والخمير، منذ كانت التذاكر من الورق المقوى، و الكانتينة في الخلف لمن يريد أن يهزم العطش والحرارة بماء أشقر.

وإذا كان عبد الرحيم العطري في مجموعته الليل العاري قد اختار افتتاح قصصه بمداخل شعرية لكبار الشعراء العالميين، فإنه سيغير الوجهة هذه المرة نحو الـ نحن الشعرية، مرتكنا في فاتحة كل قصة إلى شذرات شعرية لكل من جمال الموساوي وإدريس الملياني ووداد بنموسى ومحمد علي الهواري وأم سناء وأحمد المجاطي ووفاء العمراني وياسين عدنان ونبيل منصر وثريا ماجدولين ومحمد الميموني ومحمد بنيس.

إن العطري الذي نعرفه باحثا سوسيولوجيا يهدي من حين لآخر لقرائه أبحاثا ودراسات تتوزع على الشباب والسياسة والنخب والمجتمع القروي والحركات الاحتجاجية، نجده بين الفينة والأخرى يحن لمسكنه الأدبي متحررا من صرامة البحث السوسيولوجي، محلقا بكل حرية في رحاب الحرف، حيث الحلم بسعة السماء، لهذا تعد القصة حديقته السرية التي يبدو فيها في حل من أساسيات البراديغم السوسيولوجي. لكن بالرغم من ذلك كله فإن السوسيولوجي لا يغادر القاص فيه، إنهما يندغمان في وظيفة التقاط تفاصيل التفاصيل من مجتمع موبوء، والنتيجة قصص تحكي تحولات اجتماعية وسياسية، بإبداعية خالصة، تمنح القارئ لذة مقدودة من الألم واليأس المعتق كما يحلو له التوصيف دوما.

لقد اختار العطري القارة السابعة عنوانا وتيمة للاشتغال القصصي، آملا التنبيه إلى انبناء قارة جديدة، هي قارة الأنترنيت، والتي لا يستلزم الدخول إلى لانهاياتها سوى جرعة كهرباء وصبيب نت ونقرات فأرة، ولهذا يتساءل قائلا: من كان يعتقد أن أودية السيليكون ستصير بديلا سريعا وفعالا لأنماط الاتصال والتفاعل الاجتماعي التقليدية؟ من كان يتصور أن يصير الشات chat حاضرا بقوة في حياة الأفراد والجماعات؟ وأن نعيش عالم الصورة والسيليكون بهذا الشكل والمحتوى، الذي يفوق قدرتنا على المسايرة والفهم؟

ويضيف موضحا سلطة النت التي جعلته يوظف تناقضاتها في عمله القصصي إننا اليوم نعيش في زمن التكنولوجيات الحديثة في الإعلام والاتصال NTIC، وفي الآن ذاته نعيش زمن التحولات القيمية والمجتمعية الكبرى، وما بين هذين الزمنين يعسر الفهم وتتواتر الإنتاجات والتبادلات الرمزية والمادية التي تفوق المستوعب والممكن، إنها انقلابات على الفائت والمستأنس به، تحتمل دهشة البداية وصدمة العلاقة مع الجديد والمختلف. فالصبيب الإلكتروني بمختلف مؤسساته واتجاهاته ومشاربه، صار محددا يوميا للكثير من الطقوس والممارسات وقواعد السلوك، بل إنه هو من يصنع الحدث ويوجه مساراته نحو ما تقتضيه المصالح، من هنا نتساءل، بغير قليل من البراءة، على يمكن أن نعيش بدون نقرات فأرة؟ وبدون تلفزة أو قارة سابعة؟ أم أن الصورة وصبيب النت يمارسان علينا السلطة والإغراء والثقل الرمزي في كل حين؟

ويمضي الباحث والقاص قائلا: إن الانتقال من الزمن الواقعي إلى الأزمنة الافتراضية وتحديدا إلى القارة السابعة، حيث العناوين والمواقع الإلكترونية، لا يحتمل عبورا هادئا وسعيدا خصوصا في ظل هذا الهنا والآن، فانتشار ثقافة الإنترنيت بالمغرب أفرز العديد من الظواهر والأعطاب، وساهم في تغيير ملامح اليومي ففي مكر الشات نكتشف بعض مقالب النت ونفس الأمر يتكرر بصيغة مختلفة في تنورة مستعارة والشرجان وFM وبطاقة خضراء... وما يأتي من حكايا الزمن المغربي ودهشة الانتماء للافتراضي والواقعي في آن.

يذكر أن الكاتب والباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري هو أستاذ لعلم الاجتماع، وهو أيضا عضو في اتحاد كتاب المغرب واتحاد كتاب الإنترنيت العرب ومنظمة كتاب بلا حدود والجمعية المغربية لعلم الاجتماع، فضلا عن عضويته في إطار هيئة تحرير مجلة وجهة نظر، وقد سبق وأن صدرت له قبلا مجموعة من الكتب الورقية والإلكترونية، من بينها: دفاعا عن السوسيولوجيا، سوسيولوجيا الشباب المغربي: جدل الإدماج والتهميش، المؤسسة العقابية بالمغرب، صناعة النخبة بالمغرب، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، مدن ملونة، الجرح الباذخ والليل العاري.