تكتب القاصة المصرية هنا قصة حب، وقصة عشق، وسحر عطر من منظور نسويّ خالص، وتموضع هذا كله في زمن القهر والتردي العربي، فتتضافر مشاعر الغضب الكظيم مع أشواق حب عصيّ مسروق لا يتحقق في هذا الزمن الردئ.

وردة أصبهان

سلوي بكر

بدأ جنود الأمن المركزي يطاردون جموع المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وكنت وقتها قد تجاوزت ميدان طلعت حرب بقليل، سائرة باتجاه عملي بالفندق القديم المطل علي النيل، تجمع خوف بقلبي، وسرت بجسدي قشعريرة، وحرت كيف أفعل، أأواصل المسير؟، أم أعود أدراجي مرة أخري؟ بروح القطيع الغريزية سحبت قدمي وراء بعض الناس، بدأوا يدلفون إلي احدي حارات الشارع الجانبية والذي انبدر بالجنود ذوي الملابس السوداء. انحشرت مع الناس تلقائيا بمدخل عمارة قديمة ذات باب حديدي فخيم توسطت زخارفه المعقدة باء انجليزية ضخمة انحشرت داخل آر أكبر منها.

وقفت لاهثة، أحاول عب أكبر قدر مستطاع من الهواء، وقد تشبع بدخان القنابل التي واصل الجنود إلقاءها بحماس ميكانيكي غير مفهوم، تملكني حزن غريب وغضب، ربما لهذا العنف الذي لم أشهده منذ مظاهرات الجامعة بعد هزيمة 1967، وربما لأن أخبار القصف الامريكي علي بغداد ومشاهده الدامية في الفضائيات، كانت تروح وتجيء بمخيلتي دون انقطاع انبثقت دموع من ينابيع عيني، وسيطرت عليٌ كآبة موجعة، انستني آلام بطني ووجع عظامي الملازمين لي منذ بداية صباحي، مما دفعني للتردد مرارا، لكني حسمت أمري وقررت الخروج إلي عملي، فأنا لا أطيق البقاء يوما كاملا بالبيت.

صرح واحد من الواقفين معنا بالخندق المؤقت الاجباري بعد أن ثبت نظارته الداكنة علي عينيه.

اطمئنوا إن شاء الله سينتهي كل هذا في ظرف ساعة زمن. رد آخر.

لا والله. أظن أن الحكاية مطولة بعض الشيء، لأن الأمن المركزي كل ما يغرق الناس ويضربهم، يرجعوا ويهتفوا ضد الحكومة ويضربوا طوب.

مسحت دموعي بكف يدي، لكن انفي المتضامن مع عيني تمرد وسال. فتشت بحقيبتي عن منديل ورقي، لكن الغلاف الشفاف لكيس المناديل كان خاويا، تنهدت وسحبت شهيقا طويلا إنقاذا للموقف، غير أن يدا امتدت لي بمنديل ورقي مطوي، وسمعت صوتا رجوليا يأتي من خلفي:

تفضلي وهدّي.

التفت جانبا لأشكره، فبانت أجمل أسنان رأيتها لرجل في حياتي وهو يبتسم، أسنان لاتجدها إلا في اعلانات معاجين الأسنان، شكرته علي المنديل فقال: الأولاد فكروني بأيام زمان في الجامعة، لولا الشديد القوي، لكنت خرجت ومشيت معهم في المظاهرة وهتفت وضربت الأمن المركزي بالطوب، لأن ضرب العراق إجرام سافر وبلطجة أمريكية لم يسبق لها مثيل منذ حرب فيتنام.

قلت له اني كنت ذاهبة لعملي سيرا علي الأقدام وفقا لعادتي اليومية، فأنا أسكن في أول التوفيقية وفجأة وجدت الأمن المركزي مبدورا كما الرز من عند شارع عبدالخالق ثروت وحتي ميدان طلعت حرب، ويبدو انني لن أذهب إلي العمل لو استمر الضرب مدة أطول، ثم سألته بعد ذلك عن الشديد القوي الذي منعه من الاشتراك في المظاهرة، وكنت وقتها أرغب في الكلام مع إنسان ما، ابتسم مرة أخري وهو يشير بسرعة إلي حقيبة بيده، واقترح أن نترك المكان ونسير بضع خطوات لنجلس ونحتسي شيئا في مكان لايبعد عن مدخل العمارة، ثم أشار بيده إلي مطعم قريب له واجهة زجاجية ملونة، لم أتردد كثيرا فسرنا ودخلنا المطعم الذي بدا خاليا من رواده عند ذلك الوقت الصباحي، عرفني بنفسه وطلب قهوة وطلبت عصيرا باردا، ثم ابتسم وقال ان معه شيكا بمبلغ كبير، وهو كان في طريقه إلي البنك لكن حدث ماحدث، وانه كان ينوي توريد الشيك لشركة رومانية يستورد منها الأجهزة والأدوات الطبية التي يتاجر فيها، وأنه أصلا تخرج في كلية الصيدلة، لكنه سافر فور تخرجه وعندما عاد بعد سنوات آثر الاشتغال بتجارة الأجهزة والأدوات الطبية.

كنت قد هدأت قليلا، ونحن نحتسي ما طلبناه من النادل، ولا أعرف حتي الآن كيف بدأت علاقتي بهذا الرجل؟ وكيف شعرت وكأني عشت معه في مكان ما؟ هل لأننا تحدثنا عن مظاهرات الجامعة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، واكتشفنا أن كلينا شارك فيها مرارا؟ وهل لأنه حكي لي عن معسكر منظمة الشباب أيام عبدالناصر في أبي قير والذي شارك فيه لأنه كان عضوا في منظمة الشباب مثلما كنت وقتها؟، أم لأننا تحدثنا كثيرا واكتشفنا اننا نبث علي الموجة ذاتها؟ لا أدري حقا كيف بدأت هذه العلاقة، لكني حكيت له عن ترملي منذ عشر سنوات، وإعالتي لثلاث صبيات أكبرهن بالمرحلة الاعدادية، وأن زوجي توفي فجأة في حادث سيارة، وأثناء ذلك نظر إلي طويلا وقال ان عطري غريب، ولم يشم عطرا مثله من قبل، فقلت له إن اسمه «وردة أصبهان»، وضحكت، ولم أقل له أنني بللت صدري وراحتي بقطرات منه لأول مرة في حياتي، وأنا خارجة هذا الصباح، فقد ظلت وردة أصبهان حبيسة رف دولابي لمدة سنتين، وأنني كنت أدخرها لحين مناسبة من المناسبات السعيدة، لكن الدورة الشهرية فاجأتني هذا الصباح، وحاولت مع زجاجة العطر الذي أستخدمه عادة، لكن رشاشها بخل علي ببعض من نثاره فلذت بوردة أصبهان من حالة الضيق والقرف والغم التي تعتريني عادة، كلما زارتني دورة الدم هذه. ولم أقل له ما فعلته بي وردة أصبهان ، عندما استقرت قطراتها علي عنقي وجيدي، ومواضع النبض براحتي، لم أقل له إن «وردة أصبهان» جعلتني أظن انني أمتطي سحابة، أو أختبيء بقلب محارة، أو أتطاير لاهية علي أرجوحة من الزنابق. ولم أفض له بسر ذلك العطر وقد أطلق بجسدي شعورا مبهما بالرغبة، الرغبة في الحياة والوجود ومعانقة كائن ما أحبه ويحبني، حتي أنني ملست بيدي علي رؤوس قطط السلم وأنا خارجة من الشقة، بينما كنت أبعدها وأنهرها قبل ذلك لأن ابنتي الوسطي مريضة بمرض الحساسية خصوصا بالنسبة للوبر وفراء القطط والأرانب، وأن شعورا عاليا فرحا لازمني وكأني عصفور علي غصن، حتي صدمت عيني، أغربة الأمن المركزي بخوذاتهم الحديدية وملابسهم الفظيعة السوداء.

سكت الأمن المركزي بعد فترة، وكان قد أشفي غليله من المتظاهرين، وكان علينا أن نغادر المكان لأعود أنا إلي البيت مرة أخري، فلم يعد ممكنا لي الذهاب إلي فندقي وقد أعلنت الشمس الظهيرة، وعند باب المطعم رفع يدي وقبلها وتشممها قليلا ثم هتف مغمضا عينيه:

ـ الله.

عندما تكون المرأة أما لثلاث بنات صغيرات إحداهن مصابة بمرض الحساسية، يصعب عليها الدخول بعلاقة مع رجل آخر بعد وفاة زوجها، لقد غاب زوجي عن الحياة مذ أن كنت شابة في الحادية والثلاثين، واعلنت الحياة كلمتها لي في هذا الأمر: لارجل بعد اليوم، فيكفيك عملك في الفندق، ورعايتك للبنات، ثم هل يكون لديك وقت بعد كل ذلك لرجل آخر؟ ولكن ها أنا أفعلها، ها أنا وبعد مرور كل تلك السنين أجد وقتا لرجل، رجل اسمه يحيي، علاقتي به، تبدو لي بلا منطق أو مبرر مقبول أحيانا، خصوصا بعد علاقتي مع زوجي المتوفي، وقد عشت معه أجمل الأيام وانجبنا تلك الحوريات الجميلات، ولو أردت رجلا آخر، لكنت فعلت ذلك منذ سنوات، واذا اقترب مني رجال مرموقون لا بأس بهم بعد ترملي، بل وطلب الزواج مني بعض من أقارب زوجي تحت دعوي تربية بنات قريبهم الميت، لكني رفضت بشدة خوفا علي البنات تحديدا، وهو ما دفعني لترك شقتي بمدينة نصر والعودة للعيش مع أمي ببيتها الكائن بوسط المدينة، لكن مع يحيي لم أتردد لحظة، وكأن خيطا سحريا غامضا قد شدني شدا إليه منذ أن اقترح شرب مشروب يوم الحرب علي العراق، لم يكن يحيي رجلا من ذلك النوع الوسيم الآسر الحائز علي اجماع النساء، لكن تلك الألفة الغريبة، والسلاسة في التعامل مع العالم والأشياء، والتي افتقدها تحديدا، ربما كانت وراء تعلقي الغريب به.

كنت يوم إجازتي أذهب مساء للقائه، بعد أن أمضي النهار بطوله مع أمي والبنات، ألتقيه عند الثامنة، بعد أن أتذرع بما هو مقبول لأمي، نذهب إلي سينما، أو نجلس معا لنأكل في مطعم، وكنت أحرص قبل خروجي إليه علي وضع قطرات من «وردة أصبهان» علي جسدي، ولطالما ظننت أن غموض ذلك العطر وعجزي عن توصيف رائحته، هو الذي دفعني لعشق يحيي، فمنذ أن تشممته لأول مرة يوم الحرب علي العراق، ظننت في البداية أن الدورة الشهرية هي السبب فيما اعتراني من رغبة، فالتغير الهرموني ربما يكمن فيما أقدمت عليه من علاقة مع يحيي، لكني أدرك الآن أن «وردة أصبهان» هي آلهة الشذي المانحة بركتها للعشاق، فهي عطر المرأة المجذوبة إلي العشق والباحثة عن معشوق، انها تفند أكذوبة أن عطر المرأة يجذب الرجل، لان «وردة اصبهان» هي الفريدة في جذب المرأة إلي الرجل، بما يفجره داخلها من احاسيس مبهمة، ومشاعر تجعلها راغبة عاشقة، تسعي خفيفة ومنتشية كزجاجة خمر معتقة إلي من تحب وتعشق في لحظة غياب عميقة عن الوجود بأكمله.

أفغانية تعيش في منفاها الأوروبي منذ سنوات، اسمها مريم، أهدتني ذات يوم «وردة أصبهان»، كانت مريم ذات جمال عرقي غارب، ولكنها انجليزية أقرب إلي لكنة الهنود، جاءتني ذات صباح بقسم الحسابات الذي أعمل به بالفندق، وقالت: أتتذكرينني؟ لقد كنت نزيلة هنا منذ عامين، وقمت أنت وقتها بجهد كبير في تصحيح حساباتي المغلوطة مع الفندق، وها أنا جئت إلي فندقكم مرة أخري، ووجب أن أشكرك، فأرجو أن تقبلي هذا العطر مني، ثم غمزت بعينها وأضافت، انه ساحر ومفعوله لايخيب، ثم ضحكت بأدب، فتكالبت خيوط كثيرة دقيقة حول عينيها، ويبدو أن ابتسامتي الساخرة نوعا ما، المعلقة علي كلامها، لم تعجبها إذ أضافت بجد، تذكري كلماتي، انه عطر لامثيل له أبدا، ولسوف يكون عطرك الأبدي، منذ الآن، تذكري كلماتي جيدا! وبدت لي وهي تقول ذلك، وكأنها امرأة أدمنت عشقا لاتستطيع الخلاص منه، رغم كبرها والشيب المهيمن علي جديلة شعرها الطويلة الواصلة حتي منتصف ظهرها، ووهن جسدها الواضح وبطء حركتها.

كانت «وردة أصبهان» كلما تراجعت قطراتها داخل قارورتها الزجاجية المضببة، كلما تأجج ولهي بيحيي. لم أر رجلا سعيدا فرحا بالعشق مثلما كان يحيي. كانت أوقات لقاءاتنا العاشقة هي الأوقات الوحيدة التي طالما أستشعر روحي فيها حرة وخفيفة وكاملة الإرادة في هذا العالم، يحيي كان متزوجا من امرأة سويدية التقاها بإحدي الحفلات القاهرية، ثم سافر ليعيش إلي جانبها ببلدها، ولتنجب له طفلا سرعان ما مات بعد ذلك. يحيي قال إن زوجته حزنت بشدة واكتأبت بعد وفاة الطفل، وبدأت علاقتهما تفتر شيئا فشيئا، وذات يوم صرحت له بأن لعنة الفراعنة هي السبب في وفاة الطفل، وانها لاتريد مواصلة الحياة معه لأنه مصري وغامض، وانه استخدم السحر منذ البداية لتحبه وتتعلق به .. يحيي اعترف لي بأنه عرف بعد زوجته اجنبيات كثيرات، لكن هذه هي المرة الأولي مع واحدة مصرية، وفي الحقيقة فقد ترددت كثيرا قبل أن أصدقه. ولكني سرعان ما لمت نفسي وتساءلت: ولماذا يكذب؟

اقترح يحيي ذات مرة أن تتزوج، رغم خوفه هكذا قال من الفشل في الزواج مرة أخري، قال ذلك وانخرط في البكاء، وكنا وقتها في بيته بمدينة 6 اكتوبر نتصفح كتابا ضخما عن عادات وتقاليد الزواج لدي شعوب العالم. لكني رفضت الزواج من يحيي، وقلت له إن زواجي مرة أخري إنما هو إهانة وخيانة، إهانة لزوجي المتوفي، وخيانة لبناتي الصغيرات. وفي الحقيقة كان بداخلي سبب غامض يجعلني أرفض الزواج مرة أخري، وما حاجتي إلي رجل يعيش معي كل الوقت، ألا يكفي رجلا لبعض الوقت؟ ثم ألست راضية وسعيدة وومتلئة بهذه العلاقة التي لم أتوقعها أبدا مع يحيي، ونحن معا بلا زواج أو ارتباط علني يعرفه الناس؟

مرت شهور طويلة وعلاقتي بيحيي تتوهج، كلما ذوت وتناقصت قطرات وردة أصبهان داخل قارورتها الزجاجية المضببة ذات الجسد المدملك القصير، وبينما كنت أنثر منها ذات مرة علي رقبتي وجيدي، لاحظت أن العطر أوشك بالفعل علي وداع كوخه الأثير، طار عقلي، فحملتها ودرت بها علي محلات العطور الشهيرة بالمدينة، علني أجد قارورة مثلها تختبيء بداخلها «وردة أصبهان»، تعبت قدماي، وأنكرها الجميع، وقال لي أصحاب المحلات، إنهم لم يعرفوا عطرا بهذا الاسم أبدا، البعض نظر إليٌ بريبة، وقالوا إن هذا العطر غير موجود أصلا، فلما كنت أظهر لهم القارورة، كانوا يتحسسونها بينما تلتمع عيونهم التماعا غريبا، وعندما يتشممونها يغمضون أجفانهم يتنهدون متحسرين، وكانوا جميعهم يبحثون عن اسم الشركة المنتجة أو عنوانها دون جدوي. فقط كانت هناك حروف انجليزية مكتوبة بالخط القديم تتوسط خاصرة القارورة تعلن: «وردة أصبهان».

أخيرا، وذات مساء حزين، مسحت جيدي وراحتي بالقطرات الأخيرة من «وردة أصبهان» بعد أن استجديتها بشدة من قاع القارورة وخرجت لملاقاة يحيي.

بدا لي عند ذلك المساء متوترا عصبيا، وقال اننا لابد من أن نتزوج وانه ضاق بعلاقة بعض الوقت هذه، رددت علي مسامعه حججي الدائمة بالرفض، قلت إن بناتي صغيرات، وإن علاقتنا سوف تفسد بعد الزواج، وانه لن يحتمل مشاكل حياتنا اليومية، ثار واتهمني بالجبن والأنانية، وعدم الثقة به وبنفسي، افترقنا بسرعة دون أن يقبل راحتي، ويعض بأسنانه إصبعي الصغير برقة، مثلما يفعل عادة كلما أوشكنا علي الافتراق، عدت إلي البيت وانتحبت بعدما انفردت بنفسي قبل النوم، وفي اليوم التالي فكرت أن أتصل به تليفونيا لاعتذر له، واعلن موافقتي علي الزواج، لكني لم أفعل، ولم أكن أتعطر بوردة أصبهان، وهكذا مرت الأيام، وفي كل يوم كنت أفكر في معاودة علاقتنا، لكني لم أفعل أبدا.

بعد ذلك بحوالي سنة، لم أر خلالها يحيي مرة واحدة، وكنت قد يئست من العثور علي «وردة أصبهان»، دخلت إلي مكتبي بالفندق ذات صباح شتوي غائم، شابة شقراء، كانت نزيلة بالفندق، وجاءت لتسوي بعضا من حساباتها بالقسم الذي أعمل به، كنت وقتها منكبة علي بعض الأوراق فلم ألاحظها جيدا، لكنها وبعد أن غادرت بقليل، اكتشفت أن «وردة أصبهان» اندلعت تسري بهواء الغرفة كله.

شبت نيران بداخلي، قمت من مكاني كالملتاثة، أسارع الخطي وراء المرأة التي كانت بالمكتب منذ قليل، وقفت بالممر الخارجي أفتش عنها، لكنها كانت قد اختفت تماما، سألت عنها عامل النظافة المنهمك في كنس مشاية قرمزية ممتدة علي أرضية الممر بالمكنسة الكهربائية، أشار لي بيده باتجاه السلم المؤدي إلي غرف النزلاء بالدور العلوي، ركضت أخطف درجات السلم خطفا، حتي وصلت إلي مشارف البهو المنتهي إليه الممر الطويل الملتوي والواقعة علي جانبيه الغرف، لمحتها، كانت تسير قرب نهايته بصحبة رجل يحوط بساعده خصرها، خيل إلي في ظل الإضاءة الخفيفة الشاحبة أن له قامة يحيي وشعره الداكن المسترسل قليلا علي قفاه، فكرت أن أناديه أو أصرخ كي استوقفها، لكني ظللت متسمرة في مكاني، استجدي الهواء ليدخل حلقي، شاخصة باتجاه الممر الذي تضوع كله وقتها بـ«وردة أصبهان».