تكشف القاصة المصرية الكبيرة من خلال هذا الحوار الذي أجري معها بمناسبة صدور روايتها الجديدة (فرج) عن بعض أسرار مغامرتها الإبداعية مع الكتابة، وعن حقيقة التجربة التي صدرت عنها روايتها الأخيرة وبحثها المضني عن أثر السجن في الواقع المصري.

رضوي عاشور: أكتب عما أعرف

هكذا حاصرتنا اللحظة الراهنة في بيوتنا

 

حوار: نائل الطوخي

علي طول رواية "فرج" للروائية والناقدة رضوي عاشور والصادرة مؤخرا عن دار الشروق، لا نفهم علاقة العنوان بالرواية. نتابع تفاصيل حياة فتاة من أم فرنسية وأب مصري تربي أخويها، وتحلم بإنجاز كتاب عن السجن. وننتظر حتي الفصل الأخير لنري سجينا بسجن "تازمامرت" بالمغرب، وهو يتصادق مع البطل الذي تحمل الرواية اسمه، ولا نعرف هويته إلا في الصفحات الأخيرة. تلامس رضوي عاشور، ولو خفيفا، موضوع السجون العربية، في رواية تدور حول دراما عائلية ـ كما تسميها ـ لأسرة يسارية وذات وعي سياسي. رضوي التي صدرت لها مؤخرا طبعات جديدة من بعض كتبها القديمة، كان لديها الكثير لتقوله عن روايتها وعن سجون اللحظة الراهنة. 

* الطموح الذي يلازم البطلة هو تأليف كتاب عن السجن، بينما الرواية نفسها تحكي عن أسرة متوسطة سجن أبوها في عهد عبد الناصر. ما مدي قرب هذه الرواية من أن تكون هي كتاب السجن الذي تحلم البطلة بكتابته؟
** هاجس الكتابة عن السجن موجود لدي منذ سنوات طويلة، وتناولته بشكل عابر في روايات سابقة. وانتبهت له عندما بدأت في كتابة الرواية. انتبهت أن التيمة التي تشغلني هي تيمة "السجن خارج السجن"، السجن خارج القضبان، سجن العمر. ربما يكون زمان معين هو السجن، أو مرحلة تاريخية ما. (تبتسم) في نفس الوقت ستتعجب لو أخبرتك أن الفصل الأخير مثلا، والذي يدور كله في سجن "تازمارت" بالمغرب، واستوحت منه الرواية عنوانها، كتبته قبل سائر الفصول، وعندما بدأت في كتابة الرواية فوجئت بأن هذا الفصل مكانه في النهاية. وفوجئت بأن اسم بطله، سيكون هو عنوان الرواية. 

* ما الذي تعنينه بأن زمانا معينا قد يكون هو السجن؟
** الشخصية الرئيسية في الرواية تشعر في لحظة ما أن الواقع الذي تعيشه يفرض عليها وعلي غيرها درجة من العجز. حتي أشكال الانضباط والمراقبة التي تحدث عنها "ميشيل فوكو" بخصوص معمار السجن، تحدث بخارجه أيضا، عن طريق استئناس الناس أو تدميرهم، وهناك نماذج من الاثنين. السجن خارج السجن أقسي من السجن بداخله. هناك مساجين استطاعوا الاحتفاظ بإنسانيتهم، ولكن هناك آخرين لم يسجنوا ومع ذلك تم تدميرهم. دمروا خارج السجن. 

* شخصيات اليسار هي شخصيات مركزية جدا في الرواية. هل هناك محاولة لخلق أسطورة حول اليسار السبعيني؟
** بالعكس. هناك نقد لهم. النقد واضح في الحديث عن مسار الشخصيات وفي كلام العمة. ربما تسألني، لماذا لم يكن موضوعي هو "السجناء الإسلاميين" مثلا، ساعتها سأرد: لأنني أكتب أكثر عما أعرفه، وأنا أعرف تجربة هؤلاء أكثر. 

* ولكنك كتبت عن الأندلس مثلا في ثلاثية "غرناطة"، ولم تكوني تعرفينها؟
** لاحظ أنني كتبت عنها من منظوري، كان يمكنني الكتابة عنها من منظور الحنين لفردوس مفقود، أو منظور الصراع الديني، ولكنني لم أفعل. وشيء آخر: إذا تحدثنا عن شباب الحركة الطلابية في السبعينيات فعلينا الاعتراف أنهم كانوا يساريين، وكانوا امتدادا للحركات اليسارية في الأربعينيات. هذا ببساطة تاريخ. 

* رواية "أسوار" لمحمد البساطي الصادرة مؤخرا تدور أيضا داخل عالم السجن، لماذا هذا الاحتياج للكتابة عن السجن بهذا الشكل؟
** من الصعب أن يرد الكاتب بإجابة دقيقة علي هذا السؤال. الكاتب لا يعرف بالضرورة كل ما بداخله. هو يعرف أشياء كثيرة يعي بعضها ولا يعي البعض الآخر. لماذا نكتب عن السجن؟ هل نشعر أننا كجيل تجاوز الستين ـ أنا تجاوزت الستين والبساطي ربما يقترب من السبعين أو أتمها ـ هل نشعر أن وطأة اللحظة ثقيلة وأننا مسجونون فيها. ربما. وهذه الفكرة تلح علي من زمن طويل، في الجزء الأول من "غرناطة"، تتحدث البطلة عن سجن الزمن. أذكر هذه العبارة بقوة الآن.  

* تصدر الآن طبعات جديدة من روايات "أطياف" و"سراج" كيف تنظرين إلي كتاباتك الأولي الآن؟
** (تضحك) بكثير من الرحمة والتعاطف. أنا تأخرت في الكتابة لخوفي الشديد. تأخرت حتي أحسم أمري. تجرأت علي الكتابة النقدية قبل الكتابة الإبداعية. أنا متخصصة في الأدب، وبالتالي كنت أنظر إلي النصوص التي درستها فأفزع وأتراجع، نشرت روايتي الأولي وأنا علي مشارف الأربعين بسبب هذا الخوف. كنت قد تزوجت وحصلت علي الدكتوراه، وحصلت علي درجة الأستاذية وهي نهاية السلم الأكاديمي. كنت بطيئة جدا، متخوفة وشكاكة. كنت أشك إن كان لدي ما يكفي من الموهبة ومن القدرة. في عام 80 مررت بأزمة صحية شديدة. كنت أبلغ 34 سنة. سألت نفسي ماذا أفعل لو مت الآن وأنا لم أكتب شيئا؟ قررت الكتابة، وبدأت كتابة كتاب يمكنني التعلم فيه، وهو كتاب "الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا"، ومنه اطمأننت لقدرتي علي كتابة نص يجذب الناس. نشر كتاب "الرحلة" عام 83، وفي 85 نشرت روايتي الأولي "حّجّر دافئ". 

* لماذا نظرة الرحمة والتعاطف؟
** ربما هناك الآن درجة أكبر من العمق. ربما جرأة في اللعب أكثر. في البدء كنت خائفة. الآن أنا أجرأ. إذا خطر علي بالي أن ألعب، فلم لا!؟ لنلعب معا. في البداية كنت "ماشية جنب الحيط"، أتوخي السلامة. وأمر آخر، لابد من الاعتراف: الرواية هي لغة في النهاية، معمار لغوي. أنا أحب اللغة وأحب اللعب فيها. حاولت فعل هذا ولكن مشواري لم يكن بسيطا، دراستي كانت فرنسية، لم يتح لي أن أقرأ التراث بشكل جيد. كل هذا حدث لاحقا. كان علي إذن ما يسمي بالواجب المدرسي. عليٌ "الشغل" علي نفسي. نحن نكتب بالعربية، واللغة العربية غول. إذا حاولت أن أجد لي موضع قدم في هذا الدغل من الإنتاج الأدبي الممتد من 1400 سنة فعليٌ إذن أن أجتهد. هناك تعب وجهد. 

* هناك محاولة لتفسير الصراعات الأساسية في الرواية علي أنها مشكلة ترجمة بين أب مصري وأم فرنسية؟
** لأول مرة في هذه الرواية أستفيد من كوني درست في مدرسة فرنسية. في الثانوية انتقلت الي مدرسة عربية، اللغة الثانية فيها كانت الفرنسية، وفي الجامعة دخلت قسم اللغة الإنجليزية. ثم بدأت أكتب بالعربية. (تضحك) هذا لا يعني أن أقول ـ كما يحلو للبعض ـ أن ثقافتي فرنسية. لا. هي ليست فرنسية. المهم. الشخصية الرئيسية أبوها أستاذ جامعي من أصول صعيدية والأم فرنسية. وبالتالي الفتاة تعيش بين عالمين، وتترجم بين العالمين. وبسرعة تكتسب عناصر الثقافتين، بالضبط كما تتداخل الثقافة الأوروبية والعربية في بلادنا. أحيانا تكتشف البنت أن هناك شيئا ضائعا. الأم لا تستطيع أن تفهم الأب لأنهما ينتميان إلي ثقافتين مختلفتين أو العكس. هذا يصل إلي مجاز العمي. الأب يقول للأم في لحظة خلاف شديدة "أنت عمياء". الغريب لا يستطيع أن يري، وعندما يستطيع الرؤية فهو لا يصبح غريبا، يصبح ابن المكان، وهذا لا علاقة له بالعرق والجنسية.  

* هذا يقربك قليلا من نظرية طالما هاجمتيها وهي نظرية "صدام الحضارات"، أي أنه ليس هناك أمل لردم الفجوات بين الثقافات المختلفة، لا يمكن تجاوز مشكلات الترجمة؟
** لا. للحظة أنت تواجه مشكلات الترجمة، ولكن هذا لا يحدث طول الوقت. مشكلة نظرية "صدام الحضارات" هي في كونها مبسطة جدا. وللأسف يتم شراء هذه السلعة المغشوشة. وكذلك الخطاب حول "حوار الحضارات"، وحب إسرائيل والإدارة الأمريكية، كلاهما ينبع من أجندة سياسية خلفه. أنا لست طرفا في هذه اللعبة، وإنما أنا طرف في علاقات فعلية بين ثقافات قد يغني بعضها الآخر. أنا لا أسميه "حوار حضارات"، وإنما تفاعل ثقافي، تفاعل مستند إلي ندية. الأم هنا أبوها كان مجرد صياد من قرية فرنسية. ولكن مجرد وجودها في مصر جعل منها "السيدة الفرنسية" زوجة الأستاذ الجامعي، كأنها ألبست معطفا من الفراء عليها وهو في الحقيقة معطف من الشوك. وهذا يحدث نتيجة للعلاقات الاستعمارية التي تحكمنا، والتي لا تأتي من هناك فقط، وإنما من تصورات الشعب المستعمّر نفسه.  

* لم يكن يشغل البنت تصور ما عن هويتها؟
** ندي لم تكن تعاني أزمة هوية، ذلك لأنها لم تعش جزءا من عمرها في فرنسا. أمها فرنسية وهي سافرت إلي فرنسا، ولكن ليس أكثر من هذا. لم يشغلها السؤال. هي تعرف أنها تجيد الفرنسية وهذا يجعلها تفهم أكثر وتتفاهم مع الناس عندما تسافر. هكذا يعيش الناس. لا يعيشون متمترسين وراء علم اسمه الهوية. ربما كان موضوع الهوية يناقش في النقد الثقافي أو الجرائد، ولكنني لا أكتب روايتي لأن هناك فكرة ما يتم طرحها. وإنما لأنني أريد أن أكتب، أكتب مثلا رواية السجن التي أتمناها طوال عمري. فإذ بي أكتب فصلا خاصا بـ "فرج"، ويكون تلخيصا لتجربة "أحمد المرزوقي" الذي سجن عشرين عاما في تازمامرت بالمغرب. كتبت هذه الصفحات الأربع بدون أن أعرف السبب. المرزوقي له كتاب اسمه "الزنزانة رقم عشرة"، وبين كل فصول الكتاب استوقفتني هذه الحكاية الصغيرة التي تخص "فرج" وحكايته مع السجين. لخصته، ووجدت نفسي بعدها أبدأ الرواية. 

* هذا يؤدي بي للسؤال عن مساحة التخطيط في روايتك؟
** صفر. ربما في روايتي الأولي والثانية كنت أتخيل مشهدا ثم أقوم وأنقله علي الورق. في "غرناطة" اضطررت، مع ضعفي في الحساب، لأن أحسب سنوات حياة الشخصيات وتواريخ ميلادها ووفاتها. ولكنني في العادة أفتح الكمبيوتر وأكتب وعندما أنتهي أكون شديدة الإرهاق، ولا أنظر فيما كتبته ليوم علي الأقل. هذا يشبه تسمم النيكوتين الناتج عن التدخين الكثيف. هو هنا تسمم الكتابة. لا أعرف حين أجلس في اليوم التالي كيف سأواصل، أو كيف ستستمر الجملة الأخيرة التي كتبتها بالأمس. هذا هو الحال منذ عدة روايات. عندما كنت أكتب "قطعة من أوروبا" وبعد أن قطعت شوطا كبيرا منها قلت لنفسي بفزع: "هذه ليست رواية. أين هي الرواية؟"، ثم انقطعت عن الرواية لأسابيع. بعدها هدأت واستمررت. لهذا أقول: إذا جرتك الكتابة للعب. فلتلعب قليلا.  

* هناك تصور مثالي قليلا عن أبطال الرواية، ليس فقط لأن الإخوة يتظاهرون مع ندي ضد احتلال العراق، وإنما اشتراك حمدية في المظاهرة، أمهم وزوجة أبيها، وهي التي لا تملك أية خلفية سياسية. الجميع في هذه العائلة كانوا يناضلون بأشكال مختلفة؟
** ليس في المطلق. هذا أولا حدث معي بشكل شخصي، يوم ضرب العراق وجدت أناسا نزلوا التحرير بدون سابق خبرة. أيضا لاحظ أن حمدية نزلت ليس للمشاركة في المظاهرة وإنما لحماية ابنيها. أبناء العائلة في الرواية يشاركون في المظاهرات، لأن هناك تراثا معينا ودرجة من الوعي السياسي. وفي النهاية هذه ليست أسرة في المطلق، وإنما أسرة لها شخصية وحكاية خاصة. ربما لو كانت ندي ابنة لعائلة أخري، ما كان يلفت نظرها مظاهرات 68 في فرنسا. ولكن هذا يحدث لأن صورة أبيها ماثلة في خيالها. 

* ولكن حتي الشخصية المناضلة لها سقطاتها. ماهي سقطة ندي هنا؟
** (تفكر) لا أعرف. ربما تكون مثالية قليلا. ربما لا تكون في نصوصي مساحات للشر. ربما يكون هذا ضعف أو عيب من عيوب كتابتي، أو حتي سمة لها، وليست بالضرورة عيبا، وهي أن الشر دوما خارجي.

* كان صوت حازم في الرواية هو الصوت الناقد. هل كنت تحاولين تقديم نقد لخطاب "أروي صالح" مثلا؟
** طبعا. كنت أحاول إيراد صوت آخر في إطار الرواية. هو صوت أنا واعية به تماما. هناك من شاركوا في هذه الحركة كانت لهم رؤية نقدية حادة، هناك نقد، ضمني أو واضح، الله أعلم. القراء قد يستقبلون هذا بأشكال مختلفة، آمل أن يصلهم الانطباع أنني لم أكن أقوم بتمجيد من أتحدث معهم. حتي ولو كان هناك تعاطف، وإلا لما كتبت. 

* تعاطفت مع "أروي صالح" و"سهام صبري" بنفس القدر؟
** لا. التعاطف مع "سهام صبري" كان أكبر، وبشكل أكثر حسما. وهذا واضح من النموذجين. في الرواية ندي هي صديقة سهام، أنا لم أكن صديقتها. كنت أعرف فقط شكلها من بعيد، واستمعت إلي أخيها. كنت معيدة في عين شمس وهي كانت تدرس الهندسة بجامعة القاهرة. ولكن هناك العشرات ممن يعرفونها عن قرب ومن أصدقائها، ولهذا كنت أذكر أسماء ك"مني أنيس" التي كانت تعرفها أكثر مني. (تفكر قليلا) ربما أنا مشغولة بهاجس التأريخ. أنا أقوم بالتأريخ أيضا. أليس كذلك؟ 

* هذا يؤدي بنا إلي سؤال آخر: إلي أي مدي الرواية هي بنت التأريخ وليس الخيال؟
** هناك مساحة كبيرة للخيال في الرواية. شخصية ندي عبد القادر متخيلة تماما، وكذلك كل الدراما العائلية الخاصة بها وبأبيها وأخويها وأمها وزوجة أبيها، وتجد مع ذلك شخصية سهام الحقيقية. وبالمناسبة، أنا رسمت صورة سهام، في الفصل الذي يحمل اسمها، من واقع صورة فوتوغرافية لها استطعت الحصول عليها. هكذا أقوم بتضفير العنصرين معا. كما أن الروائي العربي لديه هاجس التأريخ طوال الوقت. انظر إلي المويلحي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف. كأن الروائي العربي دوما لديه خوف من أن لا تقال الحكاية بعد ذلك أبدا، أو تقال بشكل كاذب، أو رغبة في أن يحكي حكايته هو. الرواية تقدم دوما تأريخا بديلا. وهذا يشغلني بشكل أساسي. 

* ويشغلك كذلك أن تقدمي رواية واقعية. ألم تحاولي أبدا مد خط اللعب علي استقامته؟
** أعتقد أنني حاولت بأشكال مختلفة. ولكن ليس بالأشكال التي يقرر البعض تسميتها بالحداثية. أعتقد أنني كتبت نصا حداثيا وفي نفس الوقت ابن أرضه جدا في رواية "أطياف". تحركت فيه بين شخصية رضوي وشخصية شجر المولودة معها في نفس اليوم، بحيث تبدو وكأنها قرين، بالمفهوم العربي، أو "الكا"، بالمفهوم الفرعوني. أري أنه حتي تصنيف "رواية واقعية" أو "حداثية" هو تقسيم إشكالي. هل تسمي رواية "فرج" رواية واقعية، بينما هي تضفر شخصية تاريخية، مثل سهام صبري، بشخصيات متخيلة تماما؟ في النهاية أنا دارسة للأدب الحديث وأقوم بتدريس شعر القرن العشرين. وليس عندي عقدة نقص، ولا أفهم أن يتصور كاتب ما أنه قدم "جديدا" بينما هو يقلد شيئا جاهزا. ربما لا تكون هذه الرواية جديدة جدا في شكلها مثل "أطياف" مثلا، لأن أساسها هو الدراما العائلية. 

* ماذا تعنين بأن الروائي العربي مشغول بالتأريخ؟
** أعتقد أن الروائي العربي اختار لنفسه التأريخ لحكاية الجماعة. أتحدث عن الروائي العربي بالتحديد لأنه دائما يعيش في المأزق بين الإملاء الاستعماري والطغيان المحلي، وبالتالي لديه رغبة في أن يقول تاريخه بطريقته. كأن التجربة لن يكتمل قولها إلا مع الإحاطة بجوانب أخري عادة لا يتوقف عندها المؤرخ. إذا كتب مؤرخ عن اعتصام الطلبة عام 72، لن تلفت انتباهه تفاصيل مثل الطلبة الذين كتبوا علي ورق صغير "اصحي يا مصر" وصاروا يقذفونه من عربات الأمن وهي تقوم بترحيلهم، أو تسجيل لحظة مرور الطلبة من حرم جامعة القاهرة عند اعتقالهم، بين مبنيين: عن يسارهم مبني كلية الآداب وعن يمينهم مبني كلية الحقوق، ولكل مبني منهما حكايته الممتدة. كل تفصيلة صغيرة لها حكاية، والروائي مهمته قص هذه الحكايات.  

* ولكن الروائي عندما يتناول قصة كتلك سيتناولها في الغالب من وجهة نظر الطلبة، بعكس المؤرخ الذي قد يقدم رؤية أكثر حيادا؟
** (تضحك) وقد يكتبها الروائي من وجهة نظر الضباط. محمد البساطي كتب، برهافة وجمال، روايته الأخيرة "أسوار"، من وجهة نظر السجان بالتحديد، وليس المساجين.

عن (اخبار الأدب) القاهرية