تفكك الناقدة المصرية التصنيف السيرذاتي للعمل باعتباره حكم قيمة تهميشي، ثم تتناول نص الكاتب المصري باعتباره مستودع تجربة سردية مهمة في الجدل بين الواقع والفكر النظري من ناحية، وفي تشكيل رؤية جيل جديد من ناحية اخرى.

جدلية الهامش والمتن!

عضو عامل يتأمل التنظيمات السياسية

شيرين أبوالنجا

لم يترك ماهر عبد الرحمن فرصة لعمله الأول وعنوانه "عضو عامل" (دار ملامح، 2007) أن يتمتع بحق كونه عملا روائيا، فقد قام فورا بالاعلان أن العمل مستوحي من تجربته الشخصية السياسية (في الحوار الذي أجرته معه جريدة البديل بتاريخ 25 مايو 2008)، وهو ما حوله في نظر القراء إلي "سيرة ذاتية". وقد تحول هذا التصنيف مؤخرا لمعظم الأعمال الأدبية الصادرة حديثا إلي نقص ما. يشجع علي عدم تناول العمل بالجدية المطلوبة من وجهة نظر النقاد والقراء علي السواء، بالاضافة إلي ما يضفيه هذا التصنيف من سهولة في القراءة تساعد علي ابقاء العمل معزولا عن سياق أشمل وأعم. فبدلا من تلقي العمل بوصفه منظومة متخيلة (التخيل من منظور بنيديكت أندرسون) تستلهم أدوات أدبية فنية لتقدم قراءة نابعة من منظور أنطولوجي ومعرفي بعينه، يقوم القاريء والناقد بوصف ـ أو بالأحري وصم ـ وادراج العمل في خانة السيرة الذاتية.

منذ فترة ليست بالقصيرة بدا واضحا الاصرار علي ادراج معظم أعمال الكاتبات في هذا التصنيف نزولا علي رغبة مجتمع يقتات علي التلصص علي حياة النساء بل ويجد في التفاصيل ما يعينه علي التشبث بكافة أفكاره الراسخة "المريحة" عن كل واحد مصمت اسمه النساء. ومؤخرا ومع ظهور أصوات راديكالية (توشك أن تكون تيارات) جديدة، والجدة هنا لا تعني صغر السن بالضرورة حتي وإن كان ذلك في مواجهة سلطة "عجوز"، في مواجهة سلطة "مهترئة" تعيد قراءة كل ما استقر وأصبح متعارف عليه كخطاب سائد لا بديل له، وذلك عبر كل منظومة المتخيل بداية من الأدب وليس انتهاء بالفضاء الافتراضي، أصبح من الحتمي خلخلة درجة ما من الثبات والقبول والاستقرار النفسي والفكري "المريح" للعديد من المعتقدات الراسخة. مما يجعل المتلقي يحيل الأمر كله إلي السيرة الذاتية كأحد الحلول الناجعة لعدم المواجهة والاشتباك (الفكري والنقدي)، ولضمان ترك العمل وحيدا معزولا عما قبله وما بعده.  

الاستخفاف بالسيرة
أن يكون العمل أو شخصياته أو أفكاره أو أحداثه مستوحاة من الواقع لا يعني مطلقا أنه "سيرة ذاتية". فأولا، ليس هناك عمل أدبي لم تكن فكرته مستوحاة من مفردات وعناصرالواقع (والا من أين؟) بما في ذلك الأعمال القائمة علي الفانتازيا، فالمخيلة لا تتوقف عن الاستقبال لتعيد الصياغة بكل الأدوات والأشكال الملائمة. وهو ما يفرض طرح الاشكالية النقدية المتعلقة بهذا التوصيف. فالسيرة الذاتية شكل خاص من أشكال الكتابة تم التعامل معها نقديا في الآونة الأخيرة ـ في الأبحاث النقدية والأكاديمية الجادة ـ باعتبارها أحد الأجناس الأدبية، وهنا يجب أن يتبادر إلي الذهن عمل الراحلة لطيفة الزيات "حملة تفتيش: أوراق شخصية". وبالرغم من ذلك يتعاظم الاصرار علي تحميل دلالات مصطلح "السيرة" بمختلف أنواع الاستخفاف، وهو ما يوحي بضرورة السهولة، وعدم الجدية في تناول العمل، ويدفع دائرة كبيرة من الأفراد إلي البحث عن "سيرتهم" في العمل، والكيفية التي تم تصويرهم بها، و "الأسرار" التي قام الكاتب بالافصاح عنها، و "الأحكام" التي أصدرها: وهي رحلة بحث بائسة تمحو تماما أدبية العمل ـ وربما العمل ذاته ـ لصالح التنقيب عن ضغائن شخصية قائمة علي الاختلاف الذي ينطلق من مفهوم "عدم الولاء" لتنظيم سياسي في حالة رواية "عضو عامل". تزداد صعوبة الأمر عندما يقوم الكاتب نفسه ـ ماهر عبد الرحمن ـ بتصنيف عمله كسيرة ذاتية، وهو ما جعله يبدأ الرواية بما أسماه "دفع احتياطي"، تحسبا منه لتبعات الكتابة.

أما الاشكاليات التي يمكن أن تترتب علي رواية ماهر عبد الرحمن فهي اشكاليات سياسية في المقام الأول (رغم أن الأدبية والسردية لا تقل أهمية)، وبالتحديد اشكاليات متعلقة بالرؤي السياسية التي قرأت التراث الماركسي. فالرواية تدور حول اشكاليات التنظيمات السياسية بأجزائها المعلنة والسرية، وهي الاشكاليات التي يطرحها ماهر نور الدين الصوت السردي الرئيسي. وماهر الذي يتحول مع الوقت إلي عضو عامل بمنظمة يسارية، ينتقل من حلقات النقاش النخبوية المعزولة إلي الالتحام بـ "الجماهير" في جامعة عين شمس بوصفه ممثلا للطليعة، ويمعن في رصد آليات تفكير وعمل "الرفاق"، وتفسيراتهم المصمتة للنظرية، يتراكم الرصد والتحليل حتي يصل ماهر إلي مرحلة الاغتراب الكامل. الا أن هذا الرصد يقوم بفعل مزدوج، فهو من ناحية يبدو وكأنه كشف لمناطق الازدواجية في الرفاق التي تبقي معهم ثم تتلون بأشكال أخري، ومن ناحية أخري هو اشتباك مع الرؤي السياسية كما أوردها أصحابها، فتحتل منطقة الاشتباك والجدل مع الفكر اللينيني مساحة ليست صغيرة. وعلي صعيد آخر، تلتقط عين السارد واحدة من أهم الظواهر السياسية المنتشرة والمعروفة علي مستوي التنظيمات، وهي ظاهرة التحول السياسي اللافت للنظر والتي تجسدت في شخصية طلعت الأليط. فقد انتقلت هذه الشخصية بسلاسة من الخندق الاسلامي إلي الناصري وأخيرا إلي "الاشتراكي" ليصبح نجما بحق خاصة بعد تجربة الاعتقال عام 2000 علي خلفية المظاهرات في الجامعات المصرية تضامنا مع الانتفاضة الفلسطينية.

حققت شخصية طلعت الأليط الكثير علي مستوي النص، فقد أتاحت للسارد عرض الرؤي التي تعتنقها التيارات السياسية تجاه الآخر المختلف (علي المستوي الأيديولوجي)، وذلك عبر منح صوت طلعت "الاسلامي" مساحة في بداية الرواية، ثم تتبعه في الجامعة حين كان عضوا بمكتب الطلاب الناصريين، وأخيرا رصد الكيفية التي تحول بها إلي الاشتراكية في سجن طرة. وبعد انتهاء تجربة الاعتقال، أتاحت شخصية طلعت امكانية تحليل شكل العلاقات بين الرجال والنساء، والتي تتخذ من "التجنيد" مبررا قويا، فعلي سبيل المثال كتب طلعت في تقرير لمسئوله المباشر عن سها الطالبة "البورجوازية": "هي من النوع المثالي والعاطفي، تذكرني بمني رغم الرفقة.. وأنا إذ أرشحها كعنصر مستهدف، لا أقدمها كموهبة فذة يمكن أن تعوضنا قلة المواهب، بل كمصدر تمويل وحماس بلا حدود".

كان مصير سها هو التشوه الكامل فلم تعد العاطفية المثالية، لم تعد "الصغيرة التي كانت يوما رائعة" كما تقول أروي صالح. وأخيرا أتاحت شخصية طلعت الأليط للكاتب أن يتتبع الكيفية الفكرية والنفسية التي يمكن عبرها أن يخوض العقل كل هذه التحولات دفعة واحدة ليتحول إلي "نجم سياسي" يتقن الرطانة السياسية ويحظي برضا القيادة ـ المركزية البيروقراطية ـ التي تأكدت من ولائه التام، وهو ما أدي إلي تصعيده سريعا من المستوي القاعدي في المنظمة إلي المستوي الوسيط. 

خطوة أبعد من النقد
لا يقدم الكاتب مراجعة للتجربة ولا يعتبر العمل ايضا شكلا من أشكال النقد الذاتي (علي غرار ما قدمته الراحلة أروي صالح) كما أكد الكاتب في حواره مع البديل، فالنقد الذاتي يعني فيما يعنيه إعادة النظر فيما وقع بهدف التصحيح. يبدو أن الكاتب يذهب إلي ما هو أبعد من ذلك، إذ يشتبك في أطول جدلية مع الفكر ذاته. وهو ما يحسب له لا عليه، إذ لا يحول العمل إلي "ثرثرة" عن أشخاص أو "حكي" عن وقائع، كما أن هذا الاشتباك الفكري الجدلي لا يمكن اعتباره "محاكمة" بقدر ما هو تطور فكري نتج عن السعي إلي تطبيق أيديولوجية بعينها في الواقع تخرج البشر من جلودهم، ايمانا بدور حتمي للطليعة في تصحيح الوعي الزائف، تلك الطليعة التي تنفصل بعد قليل ـ بشكل مفارق ـ عن "الجماهير": "كانت مقولة الوعي الزائف تبرر أحيانا التعالي علي الناس أو السخرية أو التحدث عنهم بالنيابة، نيابة الوعي غير الزائف، وعلي اعتبار أن هناك وعيا طاهرا نقيا تراكم فوقه الزيف.. فإننا ننغمس في البحث عن الوعي النقي/ الأصيل، لا نبنيه، نتوهم لو أننا فتحنا قلوبهم لوجدنا ـ حتما ـ وعيهم بموقعهم من البناء الاجتماعي، أو بالأحري فيه نبحث عن مفتاح الأنبوبة في أعماق العمال! وقد نصل إلي حالة دروشة "بروليتارية" فنتبرك برائحة عرقهم الطاهر! أو نتمسح في أي ياقة زرقاء"!

وبنفس القدر يتأمل ماهر نور الدين مفهوم المركزية البيروقراطية ـ التي قد تري أحيانا أن الديموقراطية تقف كعائق في وجه الثورة (علي غرار ما قاله لينين) ـ القائم علي الطاعة الكاملة وعلي أهمية صفة الولاء في كل من ينضم للتنظيم. والولاء في هذا السياق يغدو أكثر أهمية من الكفاءة. وقد تمكن ماهر نور الدين من تأمل ذلك المفهوم (والذي ربطه بنفس المسار الخاص بالخطابات الدينية) عبر سرد الطريقة التي تم بها تجنيد طلعت الأليط، والسرعة التي ترقي بها ليصبح هو الآخر عضوا عاملا. لم تتوقف عملية الرصد عند الانتقال الحرفي الجامد للمفاهيم الأيديولوجية من زمن إلي آخر، وسياق إلي غيره، ومن لحظة تاريخية لينينية إلي أخري مباركية، (رغم تأكيد الناقد ادوارد سعيد علي التغير الضروري الذي يصيب "النظرية المرتحلة") بل امتدت عين السارد ماهر نور الدين إلي العديد من الاشكاليات الأخري التي تجلت في لحظة كشف قامت علي أساس إعمال الوعي الكامل الارادي.

طرح السارد شكل العلاقات بين الرفاق التي كثيرا ما تقوم علي التناقض، وهو ما جعله واعيا بالتشوه الذي يصيب الكثير منهم/ منهن، وهو التشوه المصحوب بعدم امكانية العودة لما كان قبل، هو التشوه الذي ما يسميه الرفاق أحيانا "النضج الثوري". في كل ذلك لا يغفل الكاتب أو السارد ما يحدث خارج التنظيم، وهو ما يجعله يكشف كافة أشكال الانتهاكات التي تقع داخل السجن للجميع بما في ذلك الجنائيين، ودور الصحف (القومية والمعارضة) في شحن الطلاب، وأخيرا غياب التنسيق بين التيارات السياسية المختلفة في الجامعة مع التركيز علي الدور الذي يقوم به التيار الاسلامي من حيث استعداده للتآلف مع التيار الناصري ونفوره من التيار الاشتراكي (كما ظهر في خطاب طلعت عندما كان ناصريا)، إلي حد اقتباس هتافاته في المظاهرة الحاشدة التي قام بها الطلاب الاشتراكيين بجامعة عين شمس عام 2000. بذلك يوظف الصوت السردي وعيه لتوسيع حدقة التأمل والتحليل، التي لا تفصل ما هو داخل التنظيم عما هو خارجه.  

الاشتباك مع لينين
لا تتبني رواية "عضو عامل" السرد الطولي المباشر، الذي يعمد إلي تقديم الشخوص بشكل كامل مستقل، بل تقوم بتبني منظومة سرد متعددة تظهر فيها عدة أصوات، وتتداخل فيها الأزمنة والشخوص، حتي أن الأمر يختلط علي القاريء ما إذا كان صاحب النهاية هو طلعت أم ماهر نور الدين أم سها. تتكثف هذه التعددية في عناصر السرد بفعل الخطاب الجدلي الذي يتجلي علي مستوي الأفكار واللغة. فالسارد لا يكتفي بالاشتباك مع الفكر اللينيني من أرضية فكرية نقدية، بل يضفر مع هذا الاشتباك نصا موازيا كاشفا يعمل علي دعم الأفكار المعارضة للخطاب السائد من ناحية ويقدم بديلا للنظر إلي نفس العالم من ناحية أخري. يقدم النص الموازي/ البديل نفسه في هوامش المتن، وهي هوامش كثيرة وتفصيلية لا تقوم بالدور التقليدي من توضيح لمعني أو احالة لمصدر فقط، بل تتجاوز هذا الدور حتي يكاد وجودها يتحول إلي نص مستقل ـ علي غرار ما تفعله الكاتبة السعودية رجاء عالم. وعبر آلية التراكم تكتسب الهوامش استقلالا سرديا وتفرض وجودها علي المتن الرئيسي: فهي تعلق علي النص، أو تسخر منه، أو تفارقه، أو تحيل لمصدر فكرة، أو تغوص فيما هو شخصي، أو تخاطب القاريء مباشرة، أو توثق لحدث، أو تعرض عناوين الصحف، أو تحكي عن مجريات ندوة، أو تذكر بمشهد من فيلم لعبد الفتاح القصري، أو تعيد إلي الذاكرة شخصية أحمد شوكت في رواية "السكرية" لنجيب محفوظ. بل إن الكاتب يعلن صراحة في الهامش رقم 30 أن القاريء الذي لا يتناول ما جاء في الكتاب بالنقد والجدل والتحليل لاعتقاده أن المعركة غير متكافئة مع الكاتب (صاحب النص المكتمل بين دفتي غلاف) يؤسس لعلاقة تستحق التأمل، فهي ببساطة ـ كما يقول الكاتب ـ "علاقة متن لا علاقة هامش" (ص102). أي أن اللاتكافؤ يقع في المتن، وبذلك يعلي الكاتب من شأن الهامش. يبدو التغيير الجذري للأدوار فيما يتعلق بالمتن والهامش متسقا مع حالة الاغتراب الفردية لماهر نور الدين التي دفعته إلي الخروج، والتي دفعته إلي إعادة القراءة للمنظومة بأكملها من وجهة نظر مغايرة ترفع الهامش إلي مكانة أعلي (وهو ما يذكرنا برؤية ادوارد سعيد للمثقف في كتابه "صور المثقف").

تختلف نبرة الهوامش عن نبرة المتن الرئيسي، فهي أكثر سلاسة وثقة وتبدو الرؤية بها أكثر وضوحا من ضبابية الأفكار في المتن. وكأن الكاتب يرسم شخصية ماهر نور الدين مرتين في نفس الوقت. ففي المتن يتغاضي ماهر ـ أو يحاول التغاضي ـ عن التناقضات النظرية لكونه عضوا عاملا بالتنظيم، ويحاول تجاهل كل التفاصيل ومجريات الأمور التي تؤكد بشكل أو بآخر وجود خلل ما أدي إلي اغترابه عما كان قبل ذلك وهو ما يسميه "حياة الناس العادية"، وأيضا اغترابه عن "الرفاق"، وعن الرؤية ذاتها. وهو ما يجعل النبرة ثقيلة ومثقلة. تقدم الهوامش شخصية ماهر نور الدين بعد أن قرر الخروج، و"الخروج" هنا هو فعل يحمل عدة دلالات، إذ لا تقتصر الدلالة علي الخروج من عضوية التنظيم، بقدر ما تعني الخروج من رؤية بعينها للعالم، خروج يمكن تلخيصه فيما كتبه في الاستقالة المسببة "انقرضوا وحدكم، لقد عرفت الحياة"، وقد كان ذلك مسبوقا بقوله "لن أستطيع أن أزعم ـ بأخلاق الطبقة الوسطي ـ أني قد جئت عشان نحب بعضنا". الخلاصة أن "النضج الثوري" لدي ماهر نور الدين قد تحول ـ بشكل مفارق ـ إلي خروجه التام من التنظيم، الخروج الذي يعني أن الوعي المعرفي والسياسي قد تغلب علي فكرة الحزب (تحيل الهوامش إلي نقد فيصل دراج لفكرة اعطاء الأولوية للحزب علي الوعي).  

رواية ابنة «عائلة»
أما الأهم فهو ما توحي به هذه الهوامش من "كشف" و"تصريح" بما لا يجب أن يقال، إذ تعبر الهوامش في مصادرها عن الهم الرئيسي الذي يدفع إلي الاعادة سواء علي مستوي التحليل أو مستوي التلقي. فهي هوامش تنهل في معظمها من أرضية فكر ما بعد بنيوي أو فكر يتبني هذا المنهج ـ فوكو، جرامشي، بورديو، بودريار ـ أو الأممية المواقفية (التحررية الجماعية كما يسميها البعض) مثل جي ديبور وسادي بلانت، أو فكر ماركسي جدلي ينهل من كل ما سبق من قبيل منهج فيصل دراج، وشريف يونس، وأروي صالح. لا يحاول الكاتب أن يتحصن بهذه الأسماء في الهوامش بقدر ما يسعي إلي الانضمام لعائلة فكرية تحمل "راية التمرد" علي كل المستقر والثابت. ويبدو هذا واضحا في الاحالة المتكررة لكتابي شريف يونس "سؤال الهوية" و "الزحف المقدس" وكتابي أروي صالح "المبتسرون" و "سرطان الروح". وبالتدقيق في النص يدرك القاريء أن ماهر عبد الرحمن يسير علي النهج الفكري لتلك "الأقلية التي لا تعاقب علي مواقفها السياسية"، التي رسخت أروي صالح أنها تمثل "المثقف الهامشي" كما يشرح الكاتب في الهامش الطويل رقم 139. وكأن لسان حال تلك "الأقلية" يردد ما قاله بريخت من قبل:

"نحن نعلم أن كرهنا للانحطاط يشوه ملامح الوجه، وأن سخطنا علي الظلم يبح الصوت. آه.. نحن الذين أردنا أن نمهد الأرض للمحبة، لم نستطع أن نحب بعضنا بعضا".  

كاتبة وباحثة من مصر