ومع ذلك لم تغِبْ عن ماركوز النقطة المركزية في رسالة هايدغر وهي الأخطر، من حيث تقلِيلِها من شأن المحرقة وقلب التهم أو تعتيمها «لقد كتبتم بأنّ كلّ ما قُلتُه حول إبادة اليهود يمكن تطبيقه على أعمال الحلفاء، إن عَوّضنا كلمة "يهودي" بـ "ألماني شرقي"، بهذه الكلمات ألستم أنتم الذين تنسحبون من المجال الذي يكون فيه الحوار بين الناس ممكنا ـ (أعني خارج) اللوغوس (Logos)؟ لأنه فقط خارج هذا النطاق "المنطقي" من الممكن لكم تفسير، وتنسيب، و "فهم" جريمة ما، ثمّ القول بأن الآخرين فعلوا نفس الشيء. كيف يمكن أن نضع في نفس المستوى، التعذيب، والبتر والتدمير الكلي لملايين من الناس، مع ترحيل مجموعات من الناس لم تر أيّ من تلك الإنتهاكات. العالم اليوم يرى أن الفارق بين المعتقلات النازية (Nazi-Konzentrationslagern) والتهجير والحبس اللذان حدثا بعد الحرب، هو فارق بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني. على أساس أقوالك تلك، لو أن الحلفاء وضعوا ألمان الشرق والنازيين في معتقلات آوشفيتس وبوخنفالد (Buchenwald) لاستوت الحسابات (die Rechnung in Ordnung)! ومع ذلك، حتى في حالة ما إذا كان بإمكاننا اختزال الفارق بين الإنساني واللاإنساني إلى هذا الخطأ في الحسبان، فإن تلك هي الخطيئة التاريخية للنظام النازي، الذي برهن للعالم، بعد مرور ألفي سنة من الإنسان الغربي (abendlandischen Dasein)، ما يَقدر أن يفعله هذا الإنسان (الغربي) للبشر. كما لو أن البذرة سقطت في تربة خصبة: ربما نحن ما زلنا نعيش في تواصل مع ما ابتدأ سنة 1933».
أستاذ الفلسفة بمعهد الدراسات العربية والإسلامية. روما.
(10) ـ أفلاطون، الجمهورية، 519ي ـ 520أ. (12) ـ TUCIDIDE, La guerra del Peloponneso, a cura di Franco Ferrari, BUR, Milano 2004, p. 945. (31) ـ أفلاطون، الدفاع عن سقراط، 23أ 5 ـ ب4. (36) ـ آلان شالمرز، نظريات العلم، م. س، ص، 70. (47) ـ هذه الفقرة هي تلخيص للمقال أعلاه. (101) ـ كارل ور، بحثا عن عالم أفضل، ن. م، ص، 10. (137) ـ M. HEIDEGGR, La fin de la philosophie et la tâche de la pensée, Ibid, p. 295. M. HEIDEGGER, Einführung in die Metaphysik, Max Niemeyer Verlag-Tübingen 1998. (143) ـ انظر مثلا النقد الذي عرضه كارل ولفيث في كتابه: هايدغر مفكّر في زمن فقير، (153) ـ بندتو كروشي، مراجعة على خطاب العمادة لهايدغر. التشديد من عندي: (159) ـ للإطلاع على النصّ الأصلي للرسائل والترجمة الإنجليزية، انظر الموقع الإلكتروني لهربارت ماركوز.
(11) ـ أفلاطون، الجمهورية، ن. م.
(37) ـ ذكره آلان شالمرز، ن. م، ن. ص.
(48) ـ ن. م.
يقدم الباحث التونسي المرموق في هذه الدراسة/ الكتاب إضافة حقيقية للفكر الفلسفي وتفكيكا عميقا لفكر فيلسوفين من أكثر فلاسفة القرن العشرين تأثيرا. كاشفا أكذوبة ديموقراطيتهما، وتهافت فكر بوبر وعنصريته كجذر لفكر المحافظين الجدد، وتخبط هايديجر وتبريراته لما لايمكن تبريره.
فيلسوفان ديموقراطيان
مارتن هايدغر و كارل پوپر
، (الجمهورية، 338 س)». لكن أفلاطون يَقف بشدة ضدّ سياسة الأمر الواقع هذه، لأنه إذا كانت أسباب المصلحة والقوة هي التي تؤسس للتشريع والحكم، بعيدا عن أي تقويم خلقي، أو إلزام قيمي، فإن مفهوم تقويم السلطة، معارضتها، نقدها أو ترشيدها سيفقد من مشروعيته أصلا. وعلى هذا الأساس فمن غير المستبعد أن يصبح التشريع مجرد نزوات شخصية فُرضت كقوانين، تختفي فيها الالتزامات المدنية، أو تصبح رهن الظروف المتغيّرة لمالكي السلطة. ولتفادي هذه المنعرجات وانعكاساتها السلبية على أصول الحكم فإن أفلاطون نصح بأن يؤول الحكم، ليس لأي شخص اتّفق، بل لمَن تتوفر فيه شروط الحكمة والعقل: الفيلسوف الذي تَحرّر من أوهام الظاهر، وسما بنفسه فوق ظلال الأشياء الزائلة، لا ينبغي عليه أن يَبقى في سماء التجريد، عليه أن ينزل إلى عالم الممارسة والغوص في الواقع الاجتماعي. ولا يجب عليه أن يتذرّع بنخبوية تفكيره، وبأن تلك المجموعة غير جديرة بمكانته، ذلك لأنه هو الوحيد الواعي بأن «القانون، لا يهدف إلى أن يجعل أية طبقة واحدة تستأثر بالرخاء، بل يهدف إلى نشر الرخاء على الدولة كلها، وأن يُوحِّد المواطنين إما بالإقناع أو بالضرورة
، بحيث إنه يجعلهم يتقاسمون مع الآخرين كل مساعدة يقدر أن يمنحها للمجموعة، ويشكلون بدورهم أناسا متساوين، لا لأن أي واحد يُسمح له بأن يمارس ما يشتهي، بل لكي يتمكّنوا من توثيق عرى الدولة معا(10)». الفلاسفة، إذن، لا يجب عليهم أن يبخلوا على المجتمع بعِلمِهم، أفلاطون يقول بأنه هذا مطلب عادل، بل يجب إلزامهم بتقديم الرعاية وحسن الإدارة للآخرين. يجب على الفيلسوف أن ينزل إلى دنيا الواقع (الكهف) ليَنظمّ إلى بني جنسه، وبهكذا عمل فإن صاحب العقل النظري، يُقشّع أوهام الناس ويحرّضهم على الفضيلة، لا كما هو الشأن في المدن الأخرى، حيث يتصارع فيه الجميع «لأجل السلطة».