تقترح الكلمة، هنا، ديوانا قصيرا للشاعر المغربي خليل وافي، يشكل نواة فعلية لديوانه الشعري "صرخة الطين"، وهي صرخة تنبعث من ميسم الكلام الشعري حيث تبني أفقها الخاص. قصيدة بنفس طويل تحاول تحرير الذات من جغرافية التيهان التي يأسرها العالم ويجعل الإنسان غير قادر على تلمس إنسانيته، فقط الشاعر الأقدر على لملمة بعض من جزئيات المشهد كي يعيد تجميع الصورة.. لعلها صورة الأمل المتبقي.

ديوان قصير

من حبأة الطين، تفرق الكلام

خليل الوافي

نفضت الغبار عن الغبار، في وجه الجدار الذي انتفض .  

 

ههنا ..

يدخر الوقت تاريخ الحجر

 في سلال من قصب .

يتسرب الضوء في كل الجهات

التي هتكت عري الفراغ

 في كتابة شبيهة بالصمت .

 

دسائس رهينة عزلتي في كتابة الرمل
يرتد..

 الحجر في كف الفتى قد يصيب

قد يصاب من فرط الجفا  إن حصل  .

 

أعزل، تداهمني دياجير الصمت
هو..

 كتاب

 مغلق على طلاسم الكلمات

 به رسم من عهد ثمود .

نمنمات..

 نسجت  حبكة  الخيال

على مضايق الجسد .  

 

منابت الخلق شتى و الخلود وهم
أرتشف..

 الندى العالق بين ثنايا الطين

 قرب حائط مقبرة

 سرعان

 ما أضحى  كفن .

 

هذا طائري في عنقي، يلاحق ما اقترفته يداي
جنوح..

  لجم خيوط شمس هاربة

في غزل الحكاية،

يتراكم الظل خلف صمت الكائنات،

ينتقي غرفه المظلمة

   في كهف البيت .

 

أوله كلام وآخره صمت
يسقط..

النجم التلف في غور لا يطاق

مكبلا

 بخيوط النيزك يتوسل الفضاء .

 

لا عاصم لك اليوم بعد الطوفان الأكبر
يرتاب..

 السكون في ارتخاء الظل

على حجاب مخملي اللمسات

تراني أتلقف  جمر الغضا

  كي لا ينطفئ الوهج من نبع الشجر .

 

يحتشد الغبار في قبس من وجع
أنا..

 التعب

 في نحافة ظلي

 على رمال تزحف

 في ندى ليل غريب

أحترف عزلة الحكماء

 في بلاهة  ذاكرة أصابها العطب

وتحلل الكتب في أقبية النسيان

تاركتا اكتواء القلم بحرقة المداد .  

 

ما بين المقدس والمدنس : شطآن
صدفة..

 جارحة  تتراءى أشباه  تماثيل على هيئة الشجر

تحرس غابة  الرواية  من حرير المقامة . 

 

مقام جلل، به تفك عقد الخلل
أحرر..

 لفائف الرقوق من سلطة السواد

في تقادم الخطوط

أحيل الصدف إلى حبات ملح

 وأنا أقرأ تاريخ الغرق .

 

جحر الحية، يتسع في وجه العالم
كنت..

 العائد من شوائب الدهر أتقلب في أرض البوار

كنت الظل الذي أغرته الشمس في خريف الشجر

كنت المفترق بين جسد الروح و روح الجسد

كنت الشيء ونقيضه في صورة الأب والجد

كنت الإنسان في أول البدء أنام بلا حسد

كنت وجه إله يعبث به النمل عند مدخل المعبد .

 

سيف بأطياف اللغات، يحفر قبور الدم
على .. عجل تلمع لعنة الخواء

 في قدسية المكان

لا الليل يتعقب النهار

 في ملحمة التراب

و لا البياض يقتفي أثر الحلكة

 في صلف الغياب .

 

شأن الرزايا قطوف دانية، لا تحكمها الفصول
ينقشع..

 الضياء المشبع بالغيم

 في غيث مطر شحيح

 تنسحب الأتربة الداكنة

 من سقف سماء رهيفة

 تنشد الأزرق .

 

حبرك ، دم القتيل
 ( هذا ما جاد به الغراب )

تضرب..

 الصواعق حجر الخبيئة

 كلما توارى معدن الذهب في الخلخال اللعوب

لا الأنوار  تشبه  برق السماء في انزلاق الضوء

ولا الرعد  يسبح  في ابتهال الغيم .

 

للماء طعم الغرق، في المحيط الأزرق
إني..

 أغرق في مأزق حلم مبلل بملح الندى

بدا لي عراف يتمتم بالبخور آيات الجن

 في خندق الجمر

يمتد البصر في غور الهاوية

 أسمع للنفر زفير نسف وهدم .

 

يتنكر في طمي الوحل؛ كي لا تعرفه الحواس
يتصدع..

 الصخر من رقرقة الماء

 في مراعي الخصيب

 وينشق القمر عن بكرة القبائل

 في حروب هلال يفتح  خنادق النحيب .

 

أستيقظ على وقع خطاي في أول الحلم  
شبهة..

 طارق ليل

 يشي برعشة غائب

 طال به الغياب

 في صدأ البنادق

  تجف الدماء

على حدود الوطن .

 

سماء تختزل معنى الأرض
يورق..

 الفزع في العيون الشاخصة في الظل

بروية المذعور أجمع شتات الروح

 في القلاع التي دكت على الجسد الغريب

عثرت على ظلي مختبئا في خوابي العطش

 يرتجف من أسى كظيم .

 

شرفة يتيمة تطل على شاطئ قديم
أوشك..

 الصبح أن ينجلي في قطاف الياسمين

رمقت ما بداخل الفجوة

 لمحت

 مجرى نهر قديم يحرسه الحجر .

 

من حبأة الطين، تفرق الكلام
أدس..

 يدي في ملح التراب

 أتمعن في وجه الإلياذة

أصوم عن الكلام في بشارة الولد

 وأنا موقن بالبكاء في ضحك النساء .

 

هي قبضة من أثر الرسول أشعلت فتنة الصنم
كنت..

 في تجليك الأصغر

 تمسح عن وجهك تراب السماء

وتغسل قدميك من تعب الطريق

 في سفرك الأول .

 

يفاوض الهدهد على عرش سبأ
يغمرني..

 الرمل في كل الصحاري التي تعرفني

في طرق الحجيج أتجرد من مخيط الثياب

أحرس درب الحجاز من قطاع الطرق

أدخل القرى الآهلة  بالرمل أتصيد غافة ظليلة .

 

كلما اقتربت أكثر تلاشيت في الغبار
هيبة..

 الراهب

 لم تكن سند

 في إنقاذ هيباتيا

 من طعنة اللحد .

 

ينتصر التراب ملء فمي
في..

 الماء الذي يشرب سراب الاختباء

رأيت بيت العنكبوت يرمي شباكه في الظلال المقفرة

توهم الداخل برهبة الخرائب في عبادة اللات

كانت الطريق السالكة إلى أنطاكية

 شبيهة بممرات الطائف .

 

جثمت الخرافة في أركان المعبد
استهوتني..

 نحوت الحجر

 في تعويذة الفضة

على أغصان الشجر

كانت الريح في يد خادم القزم

   يرتب أسباب الهبوط .

 

نهر الغي يلفح الوجوه في انصهار الأقنعة
تنحى..

 الشيطان

على ضفاف النيل

 يجمع حطب الكلام

 في تغابن الطوائف .

 

موت يزحف في فضاء أشعث يلهو بالجثث
وجل..

 هذا الذي  يعمي

 البصيرة و البصر

أبصرت

 بطون ألواح

 تدمي و تدمع من فرط صمت الحجر .

 

صرت كوكبا تشع منه الشهب في كتاب الفلك
يا..

 صنما لست الكون ولا خالقه

أنت صنيع طين في يد جاهل أرعن

كيف تكون الإله

 وأنت الصخر الصلد .

 

آخر المقيمين بربض شاطبة
مرادي..

 أذكى المواقد في تل سبيكا

في حصن الحمراء نسيت شمسا ساطعة

ونبتة في أصيص نافذة تشتهي التراب .

 

ألقيت الألواح في وحل الجثث كي أقتلع جذور الظلام
كان..

 الطين

 يتمدد في ماء يدي

كاختباء العطايا في كف إله

كان الطين

 يخرج  بين أصابعي

 لا يصيبه العفن .

 

فاض البياض عن وجه الملاك في سورة الأنبياء
أبصرت..

 ألواحا طينية

 بحروف كنعانية

كان النقش آشوري

  على أسوار بابل

وآخر سومري

على أبراج حائل  .  

 

أفتح الورق المصفى على لوح المسيد
هو..

 خط المقامة لا يخفى على سمر الليالي

مثل الثريا في دوائر الفلك

 كنت أرسم كوكب الزهرة .

 

أمسك بلهب اللظى في اندفاع الحجر
أرى..

 الشمس تفك ضفائرها في استقبال الليل

 فيصير القمر بدر الغرام

وتخجل الأفلاك في أبراجها

 كي يوقن السواد في رحم الكون .

 

ما حسبت السراب إلا ماء يطلبه الظمأ
أنا..

 الحطام في صمت الكهوف التي تقدس الضوء

أنا الفطام على نهد الصبية أشحذ سيف الملوك

أنا بلاد الروح في شتاء يطفئ غابات الحطب

أنا جمر التوقد في رغيف الجياع

أنا الصخر الذي يتعبد في أعلا الجبل .  

 

أخال الحلم حلم الفتى
قد يصيب الطريدة وما خفى

هذا..

 الذي أسمعه شبه ناي على مقام  الصبا

يأخذني السماع إلى انخطاف صوفي

مثل

 دهشة تقاوم براعة الخرافة  في مطاردة النوم  .

 

وحدها الصحراء  تكتب لأورانوس هبة السماء
أرتفع..

 عن المكان  الذي كنته

 فيشدني خلب الكلام

أستوي على وتر زرياب

ثمة

 ما يشدني إلى  خبل الألحان .

 

هو الخيال ينسج المرامي في ذاكرة الرماح
أجالس..

 ضوء القمر في بلاد تدمر

جمال بحلة الدمار

 يشع في احمرار المكان

دم قاني

  يتدثر بلحاف الغبار .

 

في قفر الخلاء نهضت لغات الأرض
أنبش..

 التراب بخطوات ضحلة

فوق رمال تمشي في مهب الريح .

 

لعنة المكان تفرز قدسية الفراغ في رحابة الروح
تتولى..

 الأنقاض

 في دسائس المفازات

تتبوأ

  مهابط الهشيم في طلائع الدنس .  

 

مخبولة أصناف آلهة في قراءة الوحي
أيا..

 ريح

 أين كنت حين هال علي التراب بعبء التعب

يوم

 هل الهلال فهاله ما رآه

هالني خط الرقاقة في ماء الذهب .

 

أرى زوادة القربة فارغة من هول ما وقع
أجتث..

 شجر الكلام

 من فم طائش

يداهمني

 الضحك الأعزل

 في قراءة الجدول .

 

خط مسماري على نقش الحجر
 ألواح..

 مسننة تجرح الدمع في نحيب المقابر

كلما بكت عيناي يكسوها الغبار

فأتحجر .

 

لم تكن الأرض موطأ قدمي حين فاض الدم على دمي
نسيت..

 ذكر المدينة

فطلعت القبيلة تجر عباءة

 ليل طويل في رثاء الأندلس .  

 

أخرج من شرنقة العتمة إلى ضوء العتبة
دابة..

 بأجنحة طائر

هذا ما جادت به الرواية في اختفاء الراوي  

بينما الخيال لزم الصمت .

 

مرجئة الخطوب نوازل، تهتدي بها نجوم الأوائل
آن لي..

أن أرحل قبل الموت

بقليل

كي أعرف من أنا .  

 

أخاصم الردى عل الموت في سره يحن ويبتعد
كم..

 كانت حكمة الماء

بريئة

في إنقاذ الأنبياء .

 

تعبث أصابعي بوجه أبي في براءة  المهد
ما..

 رأيت

كان وهما

 ما..

 سمعت

كان حلما :

خلف باب الغرفة .

 

ما بين جذب وجدب أكتوي وأصلب
هكذا ..

بدت لي

 تقاسيم الصنم

في كتاب العجم .