في نصه يؤكد الباحث المصري أن المسرح العربي منذ 1850م حتى اليوم لم يبد أنه قد ابتعد عن إطار التراث الشعبي المباشر، فضلا عن الإطار غير المباشر والذي أثر في المضمون والعناصر الفنية. حيث أصبح النمط الشعبي والإطار هما المحرك الأساسي للمسرحيات، والمضمون الذي نميل إليه.

المسرح وموروثنا الشعبي

يسري عبد الغني عبد الله

ارتبطت النشأة الأولى للمسرح العربي بعدد من المسرحيات المترجمة أو المقتبسة عن شكسبير أو راسين أو موليير أو غيرهم من كبار المسرحيين الإنجليز أو الفرنسيين(1)، قام بها بعض المترجمين المشتغلين بالمسرح خاصة من "الشوام" (أهل بلاد الشام) من المهاجرين إلى مصر، مثل: مارون النقاش (1817-1855) ويعقوب صنوع (1839-1912)، وسليمان القرداحي (متوفى 1912)، وغيرهم، أو من المصريين مثل: محمد عثمان جلال، الذي ترجم بعض أعمال موليير في (الأربع روايات من نخب التياترات)، وغيره.

وصاحبت هذه الحركات من الترجمة والتعريب حركة من محاولات التأليف المسرحي بدءا من محاولات يعقوب صنوع (أبو نظارة)(2) في بعض مسرحياته التي لم تصلنا، أو لعبه المسرحية مثل (غندور مصر)، و( زوجة الأب)، و(زبيدة)، و(غزوة رأس تور)، و(رأس تور وشيخ البلد والقواس)، و(البورصة)، و(البربري)، و(حلوان والعليل والأميرة الإسكنرانية)، و(الحشاشين)، و(الصداقة )، و(الضرتان)، و(الوطن والحرية)، و(آنسة على الموضة).

وقد أشار يعقوب صنوع في مذكراته إلى عدد ما قدم من مسرحيات، فقال: إنها كانت اثنتين وثلاثين مسرحية، ولكن ما وصل إلى أيدينا من هذه المسرحيات كلها، كنص كامل، لا يزيد على مسرحية واحدة هي (موليير مصر وما يقاسيه)، ويقول عنها د. محمد يوسف نجم: وفيها يبسط متاعبه في إدارة مسرحه، ويرد على النقاد والخصوم، كما فعل موليير في مسرحيته (ارتجال فرساي)(3)، وفي هذه المسرحية يذكر يعقوب أسماء بعض مسرحياته التي ذكرناها آنفا.

ومن الثابت أن يعقوب صنوع قد افتتح مسرحه في مصر بأوبريت (رأس تور وشيخ البلد والقواس)، وقد كتبها باللهجة المصرية العامية، وضمنها مجموعة من الأغنيات المصرية الشعبية التي كانت منتشرة ومتداولة بين الناس في تلك الآونة(4).

إن المسرحية التي أخذت عن التراث الشعبي مباشرة في هذه الفترة، كانت مسرحية (أبي حسن المغفل)، التي استوحاها مارون نقاش سنة 1850 من أحداث الليلة المائة وثلاثة وخمسين من ليالي ألف ليلة وليلة، وقد أعيد تقديمها بعد ذلك عندما جاء سليم النقاش ابن شقيق مارون النقاش إلى مصر، وكون فرقة مسرحية بعد وفاة عمه سنة 1855، وعرضت مسرحية (أبو حسن المغفل) ثانية في يوم السبت الموافق 23 من ديسمبر 1876، كما يشير لانداو (Landau) في كتابه عن المسرح والسينما عند العرب.

والباحث حينما يتتبع بعض قوائم المسرح العربي بوجه عام، والمسرح المصري الحديث بوجه خاص، تلك القوائم التي من بينها:

- 1 - قائمة كتاب: دراسات في المسرح والسينما عند العرب، وهو ترجمة لدراسة صدرت باللغة الإنجليزية سنة 1958، بعنوان (Studies in the Arab Theatre and Cinema) تأليف جاكوب م. لانداو، وقد قام على ترجمة هذا الكتاب والتعليق عليه الأستاذ أحمد المغازي، وصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة سنة 1972، وتتميز القائمة الملحقة به حول المسرح العربي بأنها تنقسم على قسمين: قسم المسرحيات الأصلية المؤلفة، وقسم المسرحيات المترجمة.

ويتسم هذا العمل بأنه مرتب ترتيبا ألفبائيا وفقا لأسماء المؤلفين، ويبلغ عدد المؤلفات التي أوردها الكتاب حوالي ثمانمائة واثنتين وخمسين مسرحية، بينما يبلغ عدد المسرحيات المترجمة حوالي مائتين وإحدى عشرة مسرحية.

- 2 - قائمة ملحقة برسالة د. فائق مصطفى أحمد لنيل درجة الدكتوراه في الآداب من جامعة القاهرة، بعنوان: أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي النثري في مصر، تم طبعها بدار الرشيد للنشر، ضمن منشورات وزارة الثقافة والإعلام بالجمهورية العراقية، سلسلة دراسات، تحت رقم 231، وتحتوي هذه القائمة على ثبت يتتبع أسماء مؤلفي المسرحيات (ألفبائيا) التي ألفت في مصر بين سنتي 1914 و1952، ويشير إلى محتوى الفهرس بقوله:

"يضم هذا الفهرس الأعمال المسرحية التي طبعت في هذه الفترة والأعمال المسرحية التي مثلت خلال الفترة نفسها، وبقيت لها نصوص مخطوطة في متحف المسرح التابع للمراقبة العامة للثقافة المسرحية هيئة المسرح والموسيقى ومكتبة المسرح القومي بالقاهرة، وقد اطلع عليها الباحث شخصيا، أما المسرحيات التي مثلت ولم يحتفظ بنصوصها هنا، فلم تذكر في هذا الفهرس"(5).

- 3 - موسوعة المسرح المصري البيبليوجرافية (1900-1930) لأستاذنا د. رمسيس عوض، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة سنة 1983، والتي يقول عنها معدها:

"تكاد هذه الموسوعة البيبليوجرافية أن تكون حصرا شاملا لكل ما نشر عن المسرح المصري من مقالات وأخبار في الصحف والدوريات الصادرة في مصر في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين"(6)، وهي مرتبة سنة بسنة، وكل سنة تنقسم إلى قسمين: قسم يشمل المقالات، وقسم يشمل الأخبار. إلا أن هذا لا يتناول جميع السنوات.

وإذا تتبع الباحث مثل هذه القوائم يستطيع أن يلحظ بوضوح لجوء المسرح المؤلف إلى مصادر التراث الأدبي الشعبي يستقي منها مادته، وفي أحيان كثيرة تبدأ هذه القوائم مع رواية (أبي الحسن المغفل) سنة 1850، وتنتهي ببعض المحاولات الحديثة في المسرح المصري سنة 1985، مرورا بعدد كبير من التجارب قام بها عدد لا بأس به من الكُتاب المشتغلين بالمسرح فحسب، وبعض الكتاب الأدباء المتعاملين مع فن الكتابة المسرحية الأدبية مثل توفيق الحكيم. وقد كان من بين المصادر ذات الأهمية في مجال إبداعه المسرحي(7).

ألف ليلة وليلة: فقد شغلت الكُتاب في مصر والعالم لعربي، بل والعالم أجمع، وكانت منبعا ثريا لكثير من الإيحاءات الدلالية المباشرة أو غير المباشرة، ويكفي أن نرى أول المحاولات المسرحية المؤلفة في مصر تستقي مادتها منها، وهي مسرحية (أبي الحسن المغفل)، كما نجدها ذات أثر كبير في بعض ما قدم من مسرحيات منذ سنة 1901 في مسرحية (ملك الجن والعفاريت)، أو مسرحية (خطف قطاع الطريق) في نفس العام، حيث قدمت المسرحية الأولى على مسرح الأوبرا الخديوية بالقاهرة(8).

وتقدم جوقة الشيخ سلامة حجازي مسرحية (أبو الحسن المغفل) في القاهرة مرة أخرى 1903، ثم يعود لتقديمها(9) سنة 1909، ثم نجد مسرحية أخرى عن الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي شغل عصره جزءا كبيرا من التأليف المسرحي في عصرنا الحديث، فيقدم الشيخ سلامه حجازي مسرحية بهذا الاسم سنة 1904، كما يقدم القرداحي مسرحية بذات الاسم سنة 1905، من تأليف محمود واصف، ويعود مسرح سلامه حجازي ليقدم مسرحية (هارون الرشيد مع خليفة الصياد) سنة 1906، وتقدم مرة أخرى باسم (عدل الخليفة هارون الرشيد) سنة 1907، ويعود سلامه حجازي(10) لتمثيل هارون الرشيد من جديد سنة 1915.

أما (شهرزاد) فقد كانت شخصية محورية في العديد من الأعمال المسرحية بدءا من مسرحية لعزيز عيد تحمل هذا الاسم قدمت سنة 1921، وأخذت تتردد حينا بعد الحين حتى سنة 1927، وهي كما أشير إليها (من تأليف عزيز عيد، وتلحين الموسيقار خالد الذكر، سيد درويش )(11)، ونذكر أيضا مسرحية توفيق الحكيم، بعنوان (شهرزاد) والتي كتبها سنة 1934، وكذلك مسرحية (سر شهرزاد ) لعلي أحمد باكثير، كما تشير قوائم (جاكوب لانداو) إلى مسرحية بعنوان (مصرع شهرزاد) من تأليف عدنان الذهبي، ومسرحية (توبة شهرزاد)، من تأليف أديب مروة.

هذا، فيما يتعلق بالمسرح الذي يدل عنوانه بوضوح على عنوان المسرحية بخلاف ما يحتوي مضمونه على استدعاء لشخصية شهرزاد لتوظيفها في المحتوى الداخلي.

أما موضوعات الليالي، وشخصياتها الشهيرة فقد كانت ولا تزال محورا لعدد كبير من الأعمال المسرحية، ففضلا عن شخصية الخليفة هارون الرشيد، والتي استمدت مضمونها من التراث الشعبي أولا وليس من التاريخ السياسي للدولة العباسية، فإن عددا من شخصيات ألف ليلة وليلة قد عرفت واستخدمت كشخصية (معروف الإسكافي)، وشخصية (علي بابا) رغم الخلاف حول نسبتهما لألف ليلة وليلة في بعض الآراء.

ونذكر (علاء الدين) و(الشاطر حسن) و(شهريار الملك) و(قمر الزمان) و(لص بغداد) و(حلاق بغداد) و(السندباد البري) و(السندباد البحري)، فتقدم مسرحية باسم (معروف الإسكافي) سنة 1923، وأخرى باسم (الشاطر حسن) سنة 1924، وثالثة باسم (قمر الزمان) سنة 1925، ورابعة باسم (بنت الشبندر) سنة 1926، وخامسة باسم (لص بغداد) سنة 1927.

ونجد المسرح الحديث يشارك بمسرحية (حلاق بغداد) لألفريد فرج، ومسرحية (شهريار) للشاعر عزيز أباظة، ومسرحية (علي بابا) لتوفيق الحكيم، ومسرحية (الشاطر حسن) لنجيب الريحاني وبديع خيري، وهذه المسرحية مخطوطة ضمن مقتنيات متحف المسرح بالقاهرة(12) (المركز القومي للمسرح حاليا)، هذا فضلا عن التضمين الذي وظف الكثير من هذه الشخصيات بهدف تحميلها فكر العصر أحيانا، وبهدف توظيفها فنيا من نواحي أخرى.

ولقد استخدمت دلالة (ألف ليلة وليلة) أحيانا، فتقدم مسرحية بهذا الاسم (ألف ليلة وليلة) سنة 1922، وقد أشارت موسوعة د. لويس عوض لهذا الخبر بقولها (تمثيل قصص ألف ليلة وليلة) مما يعني أن موضوعات الليالي كانت هي المستخدم في هذه المسرحيات وليس غير ذلك(13).

كما استعان توفيق الحكيم بمضمون ألف ليلة وليلة في مسرحيته التي عنوانها (ألف ليلة وليلتين)(14) ونشرت في مجلة آخر ساعة المصرية، في عددها الصادر يوم 18 فبراير سنة 1948، ومسرح توفيق الحكيم تختلط فيه العناصر التراثية المختلفة من تراث عربي وتراث يوناني كلاسيكي وتراث إسلامي، يجمع بين النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مسرحية من ثلاث فصول سنة 1936، وبين (بجماليون) سنة 1942، و(سليمان الحكيم) سنة 1943، و(الملك أُوديب) سنة 1949، و(براكسا) سنة 1939، وهو تنوع يتيح الفرصة لاستخدام التراث الشعبي استخداما تضمينيا دون التصريح الواضح بذلك، وهو يمثل درجة عالية من الفنية في التعامل مع التجارب البشرية والمضمون التراثي.

القصص الشعبي العربي: ولقد كانت السيرة الشعبية العربية معينا هائلا للتراث الأدبي الحديث تضمينا أحيانا، كما نجد في بعض الشعر الحديث كزرقاء اليمامة وكليب عند الشاعر أمل دنقل، وتصريحا مضمونيا أحيانا أخرى كما نجد في سيرة الظاهر بيبرس المملوكي التي تحولت إلى عمل مسرحي تحت عنوان (الظاهر بيبرس) سنة 1903، وتحت عنوان (الملك العادل الظاهر بيبرس) سنة 1904، وتحت عنوان (عدل الخليفة الظاهر) سنة 1907.

وقصة (زنوبيا ملكة تدمر) التي كانت محورا لعدد آخر من الأعمال بدءا من (زنوبيا ملكة تدمر) التي قدمتها جوقة القرداحي سنة 1905، و(زنوبيا أو الزباء) وكتب عنها أنها أوبرا تاريخية مثلت 1927، من تأليف أحمد زكي أبو شادي، و(الزباء) لسليمان الصايغ سنة 1949، و(الزباء ملكة جزيرة العرب) لأديب محمود، و(جاذيما والزباء) لمحمد كلم جازانة سنة 1901، وهي جميعا تصور الملكة التاريخية التدمرية ملكة عربية دانت لها مصر والشام والعراق وما بين النهرين وأسيا الصغرى إلى أنقرة التركية خلال القرن الثالث الميلادي(15).

كما تعمل هذه المسرحيات على تصوير ما كانت المجتمع العربي الشمالي خلال هذه الفترة من تاريخ الإمبراطورية الرومانية أيضا، وهي الفترة كذلك التي تبدأ معها بدايات الجاهلية الأولى في تاريخ المجتمع العربي في الجزيرة العربية كلها. ولا زالت آثار هذه المملكة (تدمر) شاهدا في بعض ملامحها الباقية على قمة وقيمة تاريخ هذه المنطقة من العالم العربي.

أما قصة عنترة بن شداد العبسي، فقد كادت تصبح القصة الشعبية التي تنتقل بين الناس من جيل إلى جيل بحكم تنوع عطائها الفني بين الشعر والمسرح والرواية والغناء الشعبي وفنون الشعب الأخرى كخيال الظل، والقراقوز ونحوها، فضلا عن اشتراك تاريخ الأدب في توصيلها لأبنائنا الطلاب عن طريق مناهج دراسته المختلفة في بعض مراحل التعليم.

وعليه كانت قصة عنترة بن شداد العبسي من أكثر القصص التي شغلت أذهان الكتاب تصريحا أو تضمينا، فيقدمها أبو خليل القباني سنة 1900، وفرح أنطون تحت عنوان (شهامة العرب)(16)، كما يقدمها الشيخ سلامه حجازي بجوقته سنة 1905، وتشغل رواية عنترة الرأي العام خلال سنة 1906، وبمؤلفها شكري غانم، وتشير صحافة هذه الفترة ومنها الأهرام واللواء والمؤيد ومصر، إلى الاحتفال بهذه الرواية وبمؤلفها وتقديمها أكثر من مرة في القاهرة والإسكندرية.

وقد وصفت الصحافة المؤلف بأنه (الشاعر شكري غانم)(17)، وبمراجعة قائمة لانداو وفائق مصطفى لا نجد أية إشارة لهذا الشاعر أو لمسرحيته، ولا نصل إلى سنة 1932، حتى نجد مسرحية أمير الشعراء أحمد شوقي (عنترة) التي صاغ من خلالها حياة الشاعر المحب في العصر الجاهلي وإمام العذريين في الأدب العربي، ثم تتبعها مسرحية (ويك عنتر) لعادل كامل سنة 1941، ومسرحية (عنترة) لحبيب جاماتي سنة 1949.

وكانت قصة مهلهل بني ربيعة من بين القصص التي شغلت الكُتاب العرب حينا تتمثل البطولة العربية والتراث الحضاري الشعبي العربي القديم من بلاد اليمن السعيد مرورا بالجزيرة العربية وأرجاء الوطن العربي حينا، وأرجاء أخرى مختلفة حينا آخر، فيشير لانداو إلى مسرحية بعنوان (كُليب والمهلهل)، ويذكر أنها واحدة من عدد من المسرحيات التي كتبها المؤلف يوحنا طوبي طانيوس عن فترة ما قبل الإسلام، وتم نشرها في مجلة المشرق، المجلد 25، سنة 1927، ويبدو أن نفس المسرحية تم نشرها سنة 1923، أي قبل نشرها بالمجلة المذكورة، كما تم طبعها في العاصمة اللبنانية بيروت(18).

ويشير لانداو إلى مسرحية أخرى تحمل اسم (حياة المهلهل بن ربيعة)(19)، من تأليف محمد عبد المطلب ومحمد عبد المعطي مرعي سنة 1911. ثم يشير تحت رقم 468 إلى مسرحية أخرى باسم (مصرع كُليب) من تأليف محيي الدين الحاج عيسى الصفدي، ويشير إلى أنها: دراما تاريخية في خمسة فصول عربية فصحى شعرية، وهي تعيد علينا قصة معارك كليب بن ربيعة الشاعر الذي عاش في القرن الخامس ميلادي، وقد تم طبعها في مطبعة دار الكتب العربية بالقاهرة، سنة 1947، وتقع في 160 صفحة، وتضم إحدى عشرة صورة إلى جانب النص(20).

وقد حظيت شخصية (جحا) بعدد كذلك من الأعمال المسرحية وتعرض مسرحية بعنوان (جحا في مونت كارلو) سنة 1927، و(بوابة جحا) سنة 1930، ويشير لانداو إلى مسرحية بعنوان (جحا والمرابي) من تأليف محيي الدين باشطرزي، على أن أهم مسرحية استغلت شخصية جحا، كانت مسرحية علي أحمد باكثير بعنوان (مسمار جحا)، وفي هذه المسرحية رأى الجمهور المصري حملة شعواء ضد الإنجليز، ولذلك تقاطروا لمشاهدة عروضها وتحمس لها، وقد قدمتها فرقة صغيرة مكونة حديثا في تلك الآونة باسم (فرقة المسرح المصري)، برئاسة زكي طليمات، وحسب معلوماتنا فإن هذه المسرحية تم عرضها سنة 1951، وأنها تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل ذات الاسم(21).

ورغم أن لانداو قد أشار إلى علي أحمد باكثير في (ص ص 211-212) من كتابه، وأشار إلى مسرحياته المعادية للإنجليز والصهيونية العالمية إلا أنه أغفله تماما في قوائمه، وليس هناك أي مبرر لهذا السلوك غير العلمي، فباكثير لم يكن مجهولا بل كان ملء السمع والبصر عندما أعد لانداو دراسته هذه سنة 1956.

وبالإضافة إلى هذه القصص التي أشرنا إليها وتوظيفها في تراث المسرح العربي الحديث، نجد قصصا أخرى تستخدم في المسرح، ومثال على ذلك مسرحية (الزير سالم)، التي كتبها ألفريد فرج سنة 1967 حيث تأثر فيها بسيرة الزير سالم الشعبية، كما نجد شخصية (حبظلم بظاظا) التي أعدها فاروق خورشيد في مسرحية تحمل هذا الاسم سنة 1969، وهي مأخوذة من سيرة الظاهر بيبرس، ونذكر هنا مسرحية (حمزة المحتال) التي يبدو أنها مستقاة من مسرحية (حمزة العرب)، التي كتبها أبو خليل القباني سنة 1884، هذا بالإضافة إلى مسرحية (فيروز شاه) والتي مثلت على خشبة المسرح سنة 1924.

واستعان المسرح العربي الحديث كذلك بالقصص الشعبي المصري، مثل (حسن ونعيمة) والتي استخدمها شوقي عبد الحكيم في مسرحية بهذا الاسم سنة 1965، واستخدمها أيضا الشاعر عبد الرحمن الخميسي في مسرحية تحمل ذات الاسم، ونذكر مسرحية (ياسين وبهية)، التي كتبها الشاعر والفنان نجيب سرور كجزء من الثلاثية التي تكملها (آه يا ليل يا قمر) سنة 1967، و(قولوا لعين الشمس ) 1967سنة ، وقصة (أيوب المصري) التي قدمها فاروق خورشيد سنة 1970، في مسرحية تدور في نفس المضمون.

وأخيرا فإنه مما لا جدال فيه أن المسرح العربي على طول تاريخه (منذ بدأنا في تتبعه) من سنة 1850 حتى يومنا هذا لم يبد أنه قد ابتعد عن إطار التراث الشعبي، هذا من حيث الإطار المباشر، هذا فضلا عن الإطار غير المباشر، والذي أثر في المضمون أو الحبكة الفنية أو التكنيك الدرامي أو الشخصيات أو الحوار، وهو ما نجده واضحا في عدد من الأعمال القصصية والروائية، ربما نذكر منها على سبيل المثال (ملحمة الحرافيش) و(ليالي ألف ليله) لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ، بل قد نجد أثرا مباشرا في أعمال سردية أخرى كثيرة، فضلا عن الأعمال المسرحية التي قد نجد ظلالها واضحا في أعمال مثل (يا طالع الشجرة) للأستاذ توفيق الحكيم، ومسرحيات (اتفرج يا سلام)، و(شهر زاد) 1976، و(عيون بهية) 1978، لأستاذنا د. رشاد رشدي، حيث يصبح النمط الشعبي والإطار هما المحرك الرئيسي في الأعمال المسرحية، وهما أيضا المضمون الذي نميل إليه.

* * *

الإحالات
(1) يعقوب لانداو، دراسات في المسرح والسينما عند العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1968، ص 17.

(2) ولد يعقوب صنوع (أبو نظارm) في مصر، من أبويين يهوديين، يرجح أنهما من الشوام الذين هاجروا إلى مصر واستقروا بها، ويمكن لنا مراجعة: عبد الحميد غنيم، صنوع: رائد المسرح المصري، المؤسسة العامة للتأليف والنشر، 1966، ص 22.

(3) محمد دواره، مسرح أبو نظارة، دائرة معارف الشعب، العدد 79، دار الشعب المصرية، 1960، ص 110 وما بعدها.

(4) عبد الحميد غنيم، صنوع: رائد المسرح المصري، مرجع سبق ذكره، ص 103.

(5) فائق مصطفى أحمد، أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي النثري في مصر، سلسلة دراسات رقم 231، دار الرشيد للنشر، بغداد، ص 483.

(6) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري البيبليوجرافية (1900 ـ 1930)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1983، مقدمة الموسوعة.

(7) يسري عبد الغني عبد الله، تجليات الأصالة والمعاصرة في مسرح توفيق الحكيم، القاهرة، 2007، ص 18 وما بعدها.

(8) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري البيبليوجرافية (1900 ـ 1930 )، مرجع سبق ذكره، ص 28.

(9) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري، المرجع السابق، ص 46، ص 168 – وكذلك: حلمي بدير، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، دار المعارف، القاهرة، 1977، ص 87 وما بعدها.

(10) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري، مرجع سابق، يمكن للقارئ تتبع المسرحيات وما ورد حولها في الصفحات: 63، 81، 98، 122، 239.

(11) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري، المرجع السابق، يمكن للقارئ الفاضل أن ينظر الصفحات: 288، 289، 294، 442، 445، 446، 447، 461.

(12) فائق مصطفى أحمد، أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي النثري في مصر، مرجع سابق، ص 516.

(13) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري البيبليوجرافية، مرجع سبق ذكره، الصفحات: 296، 297، 298.

(14) فائق مصطفى محمد، أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي النثري في مصر، مرجع سبق ذكره، ص 492.

(15) جورجي زيدان، تاريخ العرب قبل الإسلام، بتقدي محسين مؤنس، دار الهلال المصرية، القاهرة، 1999، ص 101.

(16) لانداو، دراسات في المسرح والسينما عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص 72.

(17) رمسيس عوض، موسوعة المسرح المصري، مرجع سبق ذكره، ص 94.

(18) لانداو، دراسات في المسرح والسينما عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص 414 المسرحية رقم 510.

(19) يشير لانداو إلى أنه أخذ هذه المسرحية عن كتاب (المسرحية) للدكتور محمد يوسف نجم، ص ص 324-325.

(20) لانداو، دراسات في المسرح والسينما عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص 410.

(21) لانداو، دراسات في المسرح والسينما عند العرب، ص 211، بتصرف وتصحيح من عندنا.