يجعل القاص العراقي كاظم الحلاق القرد مرآة لحياة الفنان المشهور الذي يعاني من عزلة داخلية واغتراب بالرغم من مظاهر الثراء وما يشيعه فنه من بهجة في قلوب الملايين وهو يلهج في المحبة ومشاغلها في بنية قصصية استخدمت صوت القرد، فهو السارد والمصاحب للفنان في خلوته وغرفة ونومه والشاهد الخفي على عذابه الذي أفضى إلى انتحاره.

قرد مايكل جاكسون

كاظم الحـلاق

من جديد العودة إلى مركز التجارب العلمية، من جديد فقدان شجن الموسيقى، من جديد العيون البشرية المحدقة بي في أقفاص الحديد، لا أعرف ما الذي ينتظرني ولا أعرف أيضاً ما ينبغي القيام به. أنا " بَيبلز" هذا هو الاسم الذي أطلقه عليّ سيدي. لما يقارب الثلاثين سنة كنت صديقاً حميماً لأشهر رجل في العالم. وراء الحياة الفاتنة والأصدقاء الجذابين كان ثمة شعور مظلم بالخسارة يخيّم على قلبي، حينما غادر سيدي هذا العالم أحسست أن روحي غادرت معه، ما تبقى سوى جسدي الشائخ. لقد انتهت حياتي منذ تلك اللحظة التي هوى بها النجم على السرير دون حراك.. قبل أن أغادر أنا بدوري هذه الأرض وددت أن أبوح ببعض الخواطر عن حياتي التي عشتها مع مايكل جاكسون...

اشتراني مايكل وأنا في أول عهدي من الحياة، كنت سجين أحد الأقفاص في ولاية تكساس الأميركية لغرض إجراء تجارب السرطان على جسدي حيث الحياة تتسم بالاكتئاب واللاجدوى. الأيام والساعات كانت تمر متشابهة رتيبة لا تتخللها أيّة مفاجآت. وضعوني هناك من أجل زراعة أثداء لي بعد أن اختطفوني رضيعاً من أبويّ في غابة بالبرازيل.. لم تكن لدي أي أوقات للعزلة أو الاستمتاع بالنوم بعيداً عن فضول الآخرين والعيون المحدقة بي على الدوام والفحوصات الطبية فضلاً عن زرقي بالحقن بين فترة وأخرى.

لم يخطر على بالي أبدا بأنّ الحياة الرتيبة التي كنت أعيشها ستتغير في يوم ما إلى أن حدثت المعجزة وأنقذني مايكل. عاملني بطريقة رائعة لم أكن أحلم بها أنا القرد في أي لحظة من حياتي، حتى ظننت بأنني سأستيقظ ذات يوم لأجد نفسي وقد أصبحت إنسانا لكن هيهات..

حينما يتألم مايكل كنت أتألم معه، حينما يفرح كنت أفرح معه. لقد سمعت أشياءً فظيعة يقولها الناس عنه، وأحزنتني جداً رؤيته يُقاد بصحبة الحرس إلى المحكمة.

لقد فقد مايكل ثقته ببني البشر فجعلني صديقاً مقرّباً له، لم يحدث أبداً انه كان قاسياً معي بل كنت أشاركه شرب الشاي والقهوة بفنجان واحد. لو تحدثت بالتفصيل عن حياتي معه لاستغرق الأمر زمناً طويلاً وتعذر عليّ ذلك أنا الذي أخذ أجلي يدنو يوماً بعد آخر وسئمت الأرض التي لا وجود لمايكل عليها.

لكن ثمة ليلة واحدة بقيت عالقة في ذهني لحد هذه اللحظة.. منذ نحو سبع سنوات قبل موته وكنت قد انتهيت تواً من تناول الموز، نادى عليّ مايكل، كان يبدو حزيناً جداً ومنكسراً في تلك الليلة، إنه مرهف الإحساس وان قلبه مليء بالقصص التي تشيع في موسيقاه ورقصاته وأغانيه وألحانه وأدائه وكلماته.. تربعتُ على كرسي أمامه بينما جلس هو على حافة السرير مرتدياً قميصاً أخضر وبنطالاً حليبياً وشعره الأسود الطويل يسترسل على كتفيه.. قال لي لا أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك، طفح الكيل بالعذابات التي تراكمت في روحي منذ الطفولة.. أريد أن أبوح إليك يا " بيبلز" بما يختلج في قلبي.. الحياة مليئة بالتغيرات، الفراق، الشيخوخة، البغض، الجهل، الأمراض، المآسي والظلم وفوق كل ذلك أنها قصيرة وستنتهي ذات يوم.. السعادة هي اختيار، الحياة تُقدّم الكثير من الفرص والأسباب لتجعل الشخص غير سعيد، ومن المؤكد أن من السهولة أن يفكر الواحد بالأذى ومشاكل الحياة.. لا يهم أية فكرة تدخل عقلك، اختر تلك التي تتسم بالشكر والامتنان للحياة..عش في اللحظة الحاضرة واختر أن تكون سعيداً مهما كانت الظروف التي حولك قاسية أو أن الآخرين أساءوا معاملتك.. من الواضح أن مرحلة طفولتي ليست جيدة لكنني استبدلتها بالمثابرة والخلق والشهرة الأسطورية.. ومن تلك النقطة انبثقت موجة الكراهية تجاهي، وشوّه الناس سمعتي وأخذت تلوكني الألسن بالقيل والقال، سيواصل الناس التغذي بأسطورتي وسيجنون أموالاً طائلة بسببي بعد موتي أكثر مما كنت حيّاً، طعنت عدة مرات وواصل الآخرون طعني غيرةً وحسداً وطمعاً بالمال، كان ردي عليهم أغنياتي: " اتركني لحالي" و" لا يهتمون بنا" و " صرخة". لو قرأت كلمات الأغاني لعرفت ما أشعر.

كان يعتبرني طفله الأول المدلل، وضع لي مهداً في غرفة نومه وكنت أشاركه طاولة طعامه وحمامه، وكان يشتري لي الثياب الغالية الثمن التي تنسجم وتتماشى مع ألوان ثيابه، يا لروعة العيش مع مايكل، صور وتماثيل الأطفال المحبوبين المنتشرة في غرفته / الفتيات اللؤلؤيات /السيارات الفخمة /الطائرات الخاصة / الزوارق والرحلات إلى الجزر البعيدة والشواطئ الساحرة/ واللقاء بالنجوم والشخصيات الاجتماعية البارزة.

أظهرت أجمل الفتيات اهتماماً بي لا لشيء إلا لأني كنت صديق مايكل. كان عليّ العمل بمشقة لتعلم الكثير من الأشياء، استخدام فرشاة الأسنان، ارتداء البجامة قبل النوم، تقليد حركات قدمي مايكل، التمارين الرياضية.. علمني مايكل التدخين فأخذت أدخن علبتين في اليوم مستمتعاً بذلك أشد المتعة.. كذلك شجعني على الرقص، وخصص لي مندوباً وحتى وضع حماية خاصة بي حينما اذهب لتسجيل بعض اللقاءات التلفزيونية. وعلى الرغم من أن مايكل ترك لي مبلغاً كبيراً من المال بوسعي أن أعيش به في منتهى الرخاء إلى آخر يوم في حياتي لكن ذلك لا يعني لي شيئاً قياساً بالفجيعة والخسران الذي شعرته حينما رحل سيدي عن هذا العالم.

كان مايكل كريماً جداً معي حيث أغدق عليّ الهدايا والألعاب والثياب الجميلة والعطور والشكولاته. التقيت بشخصيات مهمة في بانكوك واليابان وإيطاليا وفرنسا واستمتعت بالاستماع إلى صوته الرقيق في صالات بإضاءات خلّابة.

بعدها انتقلنا سوية إلى " نيفرلاند" هناك تغيرت حياتي جذرياً.. حيث الركوب في القطارات، والتزلق على الجليد والتنقل في غرف القصر الفخم، البحيرات والأزهار والثياب الجميلة. العيش مع مايكل أنساني الشعور بالزمن فمرت طفولتي بسرعة فائقة كذلك شبابي حتى أمسيت شائخاً..الموسيقى العذبة التي كانت تنداح في أروقة القصر تجعلني أتراقص بشدة من الابتهاج متجولاً بين الغرف بألوان جدرانها الباذخة وأثاثها البديع، وحينما تثار غرائزي أذهبُ إلى الحديقة حيث أشجار الموز والتين التي زرعها مايكل بشكل خاص لي إلى جوار الورد وبرك المياه بألوانها الشذرية الصافية، فالتهم منها ما أستطيعه لأعود سعيداً متقافزاً فوق المماشي الأسمنتية المطلية باللون الأخضر..

في الساعات الأخيرة من حياته كنا سوية في غرفة نومه. أشعل مايكل ناراً في الموقد، البريق الجميل الذي كان ينبعث من عينيه البنيتين هو ما أخافني تلك الليلة.. جلس على السرير بظهر محني قليلاً، مرخياً يديه إلى جانبيه، مراقباً ألسنة اللهب المتراقصة، أخذ يحدثني عن ذكريات عشاقه نساءً ورجالاً الذين يفوق عددهم عشرات الملايين، وكيف أنهم تغذوا على طاقته، هؤلاء العشاق القتلة قد قضوا عليه، فمن الصعب جداً على الشخص المشهور أن يحرر نفسه من طاقة المعجبين، إن طبيعة الشهرة وكيفية السيطرة عليها في الغالب أمر عسير.

ثم خلع قميصه، كان الجو حاراً في الغرفة، رأيت آثارا كثيرة على بطنه وذراعيه بسبب الحقن المنومة لاحت مثل كدمات مزرقة، بدت نظراته تتراخى كما لو أن النعاس قد غشاه، في تلك اللحظة شعرت كأنه يودعني إلى الأبد، إلا انه قال:" لقد زرعت من بذور الفن ما يكفي، العالم يولد ويموت في كل لحظة، أشعر بالتعب وان روحي بحاجة إلى الراحة، اذهب للنوم " بيبلز" سنلتقي في وقت آخر.." ذهبت أنا إلى المهد لأتمدد هناك.

في الصباح استيقظت على جلبة في القصر. وحينما ألقيت نظرة خاطفة على سرير سيدي رأيت رجال الإسعاف وهم يحملون جثمانه بنقالة إلى عرباتهم، اكتسى الهواء بالظلام وغادر الضوء من تينك العينين البنيتين الجميلتين. ضربت جسدي بالجدار عدة مرات محاولاً قتل نفسي لكني لم أفلح. بكيت بمرارة على فراقه على الرّغم من أن عائلة مايكل والمقربين منه منعوني من الظهور في مراسيم جنازته. إنني أعرف الآن أنه في مكان أفضل، مسترخياً يرقبنا، وسعيداً إلى الأبد في قلوبنا.