من عمق تفاصيل اليومي يلتقط الكاتب المصري موضوعات قصصه القصيرة المشغولة بهموم البشر بأختلاف مواقعهم الاجتماعية ويتناولهم من خلال أحداث مألوفة تشير إلى حكمة ما أو تكشف عن أشكالات تتعلق بنوازع الإنسان المطبوعة في سلوكه، ومركزاً على حياة الطبيب وشؤون هذه المهنة ومفارقاتها في نصوص سلسة جميلة.

مطلوب آنسة!

(مجموعة قصص قصيرة)

رضـا صالـح

فى صالون العيادة ؛ على الحائط قرأ:

أيها الفقير أدعُ لى دعوةً فيها من الرحمن قبول

واقبل على الطبيب ولا تقل ليس معى سوى قليل

اقبل ولا تخف؛ ستكون بإذنه على كف العناية محمول

تحدث مع الممرض وبح له، فقدأوصيناه بتدبرٍ وشمول

أبشر وجد بموجودك ؛ فأى مبلغ تجود به مقبول

وخذ دواءك من يد القدرة فعند الرحمن كل الحلول

دعني واقفًاعلى باب المحبة دعنى خادمًا على قدم الرسول

***

 

غيرة قاتلة

فى أوقات فراغه تعود أن يجلس فى الشرفة، يطالع وجوه الناس ذاهبين وآيبين من سوق مجاور للعيادة، كانت عيادته فى مكان شعبي آهل بالسكان،وقد مر على افتتاحها أكثر من ثلاثة أعوام . أوقات فراغه أطول من أوقات شغله بالعيادة؛ بل قل انه كان يتحرج أن يقول إن عيادته جلها أوقات فراغ ودعة، اتصلت تليفونيا لأسأل عنه ؛ قال لى :

شرفنا تجد ما يسرك؛ عندنا قهوة وشاى وقرفة وعناب وينسون و...

قلت :

قهوة متكاملة

رد بابتسامة واضحة فى صوته:

لابد أن يكون المكان مهيئًا، مادام لايوجد زبائن ؛ فالأفضل أن نستقبل الأحباب ..

قلت مغمغما :

نعم..سأكون عندك غدا ...

***

أعلم أن أباه كان طبيبا ؛ عندما توفى ترك لهم منزلا فتح فيه عيادته، وفيت بوعدى، وذهبت لزيارته .استقبلنى الممرض بحفاوة، فى الحال أبلغ الطبيب، خرج مهرولا لمقابلتى، كان وجهه يطفح بسعادة ظاهرة، قال:

تحب أن نجلس فى المكتب أم فى الشرفة أم فى الصالون؟

دعنا نجلس فى الشرفة، فالجو حار ؛ والنفس تسأم من كثرة التواجد فى الأماكن المغلقة كما تعلم !!

لم أجد أى مريض بالعيادة، فقط كان الطبيب والممرض، وجهاهما فى وجه بعضيهما ..

جلست معه، وأحسست بالأسى ...

ازدادت ابتسامته اتساعا، قال لى :

ماذا تشرب؟

قلت :

أى مشروب بارد

أشار إلى الممرض ليأتى بكوبين من العناب

أردف قائلا :

لم أحسب أنك ستوفى بوعدك ..

قلت :

حاشا لله ..ولم تقول هذا الكلام يا أخى؟

أعلم أنك لا تملك الوقت..دائما مشغول فى عملك !!

لا يمنعنى شغلى من زيارتك، فأنت أخ فاضل

فى مصر أحسست بالغربة ..

كيف؟

عندما كنت أدرس فى لندن كان كل شىء مرتبا ومحسوبا ؛الأيام والساعات مجدولة،لا شىء يترك للصدفة،العلاج أيضا ..كل مجموعة من أهل الحى لهم طبيبهم العائلى الذى يستشيرونه،لا يترك الحبل على الغارب كما نرى هنا ...

يا أخى وهل تقارن أحوالنا بأحوال الإنجليز؟ هؤلاء قوم تأصل لديهم النظام والترتيب وحب العمل وتقديسه , لكل شىء عندهم وزن وحساب ...حتى الزمن القريب لم تكن تغرب الشمس من مستعمراتهم كما تعلم !!

قال لى بنبرة حزينة :

لقد مكثت هناك أربع سنوات لدراسة الدكتوراة فى الطب النفسى كما تعلم، وعدت لأفتح عيادتى هنا لخدمة الشريحة التى نشأت منها، وهاأنذا أجلس كما ترى ...

العيادات تحتاج إلى صبر ودأب..

ذات يوم اقترب منى بعض الأولاد، أخذوا ينظرون ناحيتى ويتضاحكون، بحلق أحدهم فى وجهى وهو يشير إلى رأسه مبتسما، وحرك أصابعه فوق أنفه علامة الجنون، تضايقت من هذا المنظر،تجاهلت الموقف مرغما ..الناس هنا تخشى الاقتراب من العيادة فيما يبدوا حتى لا يتهمهم أحد بالجنون !

قلت :

لا تدع اليأس يداخلك !!

اغتصب ضحكة وقال:

إذا يأست ؛ سوف لا أحتاج إلى طبيب نفسى , سوف أعالج نفسى بنفسى !!

دخل الممرض علينا بصينية عليها كوبان من العناب المثلج ..

قال لى :

تفضل ..

أمسكت بالكوب وقلت:

لقد جاء فى وقته ..

ألقى بنظرة إلى الشارع، يموج بالبشر وأصوات الباعة،أشار إلى سائل يجلس على ناصية الطريق، وقال لى :

أنظر إلى هذا الرجل..

الشحاذ ..

نعم ..

ماله؟

لقد فكرت مرارا أن أقوم بدوره !! أتدرى كم عميلا له فى اليوم؟

قلت ضاحكا : هُمُ ُكثرُ !!

تقريبا، فى الساعة مابين ثلاثين إلى خمسين يدا تمتد إلى يده، هو يخبىء وجهه كما ترى، وهذه تبدو من أصول الصنعة !!

قهقهنا سويا، وقلت :

كم ساعة يقضيها فى جلسته الميمونة؟

استمر ضاحكا وقال :

هو كالساعة منتظم فى عمله وليس من هواة التأخير ؛ يحضر فى الخامسة ويمشى فى العاشرة ..

خمس ساعات

نعم

لو قلنا إن أربعين يدا فى متوسط جنيها واحدا فى الساعة؛ سيكون الاجمالى مائتى جنيها فى الوردية الواحدة..

قال وهو يعبث بمنديل ورقى :

لقد اقترب بحصيلة يومه من راتبى الشهرى فى الحكومة !!

***

 

شيء معتاد

قال له المحامى مهنئا :

- مبروك كسبنا القضية .

بدا عليه الارتباك والتلعثم، شعر الأستاذ طنطاوى أن المسألة ستزداد تعقيدا من هذه اللحظة ؛ يالها من لحظة !

استأنف المحامى كلامه مبتسما :

- يا أستاذ طنطاوى ؛لا تنسى الحلاوة مع باقى الأتعاب !

تأكد له أن جهنم سوف تفتح أبوابها بهذا الفوز الذى طال انتظاره ؛لا يدرى أيفرح حقا أم يحزن؟ ما حدث لا يترك أى فرصة للأفراح ! اعتقد أن مصارعة دون كيشوت لطواحين الهواء أهون كثيرا من صراع هؤلاء الإخوة وجدلهم العقيم .

---***---

لهؤلاء الإخوة بيت ورثوه عن أبيهم، بإحدى الشقق الرحيبة كان يقطن عجوز وحيد، عند وفاته حضر ورثته من خارج المدينة لعمل إجراءات الدفن وتقبل العزاء .أبت عليه النخوة إلا أن يترك لهم مفتاح شقة المرحوم حتى ينتهوا من العزاء، الحق أنه لم ينتظر منهم شكرا على ذلك .

على النقيض مما توقع، سمع الأستاذ طنطاوى أنهم دخلوا فى عراك ومشاجرات من لحظة دخولهم الشقة، كل منهم يريد أن يفوز بنصيب الأسد من التركة ؛ فهذا أعجبته الساعة الذهبية،وذاك قلب فى جيوب ملابسه بحثا عن المال، وسيدة مسنة طلبت طقم الأنتريه من رائحة المرحوم، وأخرى أعجبها طقم "الكتشن ماشين"، أما سيارته فلم يجرؤ أحد أن يتحدث عنها جهرا فور الوفاة.

انتهت أيام العزاء الثلاثة والوضع كما هو، ومر أسبوع آخر ولم يتزحزحوا .

قابل أحدهم مصادفة على سلم العمارة، كان قد شاهده يأخذ العزاء ويتردد على الشقة كثيرا ؛ سأله:

- متى تحبون أن تنقلوا عفش المرحوم؟

- لا أدرى على وجه الدقة ؛ يمكنك سؤال السيد حامد فهو أخو المرحوم .

- وأنت لم أتشرف بمعرفتك؟

- أنا صهر الأستاذ حامد .

- وأين الأستاذ حامد؟

- قال لنا سيشترى بعض حاجات لابنته لأن فرحها - عقبال أولادك - قريب .

تعجب الأستاذ طنطاوى من هذا المسلك , ولكنه أبتلع ريقه، قائلا لنفسه: الصباح رباح .

فى الغد دق الأستاذ طنطاوى جرس الباب متلهفا على إخلاء الشقة، وخصوصا أنه وكيل عن إخوته الأربعة ,فهو إذن فى وضع حرج، ولكن المسئولية لا يجب أن تنسيه المروءة والشهامة .

---***---

فتحت له عجوز متشحة بالسواد فسألها :

- الأستاذ حامد موجود؟

- لا يا بنى؛ سافر البلد

- والمفتاح ؛ أين المفتاح؟

- أى مفتاح؟

- مفتاح الشقة

- معه يا بنى ؛ كل حاجة معه.

  • شكرا يا حاجه ...

قالها وعاد يجر أذيال الخيبة

---***---

قال له الأخ الأوسط:

- كيف تترك لهم الحبل على الغارب؟

وبخته الأخت الكبرى :

- أنت وكيلنا ؛عيب عليك!!

أما الأخ الأصغر فراح يسأل المحامى ويستعجله في رفع الدعوى على هؤلاء الورثة الرعاع .

كان الأخ الأكبر يقول لهم دوما :

- عندما كان يدفع ثلاثة جنيهات صبرنا عليه سنوات طويلة ؛ والآن لا تحتملون الانتظار أياما قليلة؟

ترد الأخت قائلة :

- المهم أنه مات وغار فى داهية ! آن الأوان لنستفيد من الشقة، ولابد من الإسراع فى طرد هؤلاء الملاعين .

أما الأخت الصغرى فهى متزوجة من موظف بمصانع حلوان للحديد والصلب وتعيش معه فى القاهرة، بين الحين والآخر تتصل للسؤال عن نصيبها وعن إخوتها.

---***---

بعد انتهاء الأربعين يوما؛ اضطر الأستاذ طنطاوى - الأخ الأكبر- إلى رفع الدعوى القضائية بصفته وكيلا عن إخوته بعد أن فاض الكيل، وبدأ هؤلاء الورثة الأراذل فى المساومة على مبالغ طائلة حتى يتركوا لهم العين، كثر المترددون على الشقة لدرجة أن الأخ الأكبر احتار فيمن يحدث ومن يترك، وتاه مفتاح الشقة بينهم، أو هكذا كانت خطتهم، كل منهم يدعى أنه أعطاه للآخر الذى سافر إلى البلد وسوف يعود بالسلامة بعد يومين أو ثلاثة على الأكثر .

---***---

مر أكثر من عامين فى المحاكم ؛ وانتهوا أخيرا إلى كسب القضية، فى هذا الوقت بالذات، استفرد كل واحد منهم بالأخ الأكبر ليحكى له عن مشكلاته، و يعرض عليه طلباته وهمومه

تقول الأخت الكبرى :

- إيجار الشقة الآن يساوى أكثر من 300جنيه،غير المقدم المرتفع

أما الأخ الأوسط فقد سبق أن قال لأخيه على انفراد :

- أخذت وعدا كما تعلم من المرحوم الوالد بأن أسكن فبها حين خلوها .

اتصلت الأخت المقيمة فى حلوان بأخيها الأستاذ طنطاوى ؛ وأبلغته أنها تتمنى أن تكون هناك شقة للعائلة يقيمون فيها عند حضورهم لزيارة المدينة

أما الأخ الأصغر فازداد تلهفا على التقاط مفتاح الشقة من أخيه الأكبر – بعد أن يستلمه – مقابل مبلغ من المال يدفعه سرا إلى الأخ الأكبر الذى رفض هذا العرض وقال لأخيه الأصغر :

- هذه ليست أخلاقنا، لابد أن يكون كل شيء فى النور .

---***---

أحس أن الأمر يزداد تأزما، بالرغم من إحساسه بفشل المواجهة إلا أنه قرر أن يواجه الإخوة بعضهم البعض؛ حتى يعرض كل منهم فكرته على الآخرين , عسى أن يصلوا جميعا إلى قرار واحد، وليكن ما يكون .

استمر يؤجل هذا الاجتماع حتى لا يحدث صراع بين الإخوة، لم يخبر أحدا منهم بوجهة نظر الآخر حتى لا تتعقد العلاقة بينهم،عندما أصبح أمام الأمر الواقع، وبعد أن سلمه المحامى مفتاح الشقة أخيرا،اضطر إلى عقد الاجتماع .

قال الأخ الأصغر :

- لا بد أن تهتموا بى وتكرموني، المرحوم الوالد كان فى نيته أن يعطيني هذه الشقة فى حال إخلائها، وهذا من حقى، الغريب كان يؤجرها بثلاثة جنيه، وأظن أنا أولى منه .

ردت الأخت مندفعة :

- يا سلام !! هى الأنانية بعينها، لا تفكر إلا فى نفسك !

قال الأخ الأوسط :

- وتريد أن تؤجرها بثلاثة جنيهات أيضا؟؟

- وهل الغريب أفضل منى؟

قال الأخ الأكبر :

- تريدون أن تسمعوا كلامي ؛ نعرض الشقة عن طريق سمسار يؤجرها لأعلى سعر؛ لتعم الفائدة على الجميع

رد الأخ الأصغر :

- ما معنى ذلك؟ أنتم متفقون على ولا شك ..!! أنا فى بداية حياتى العملية، ومرتبى محدود، فأنتم لا تجهلون أنى موظف حكومة، لست مثلكم أعمل فى التجارة أو أى مهنة حرة !!

شاطت الأخت قائلة :

- أنت عينك صفراء،أعوذ بالله منك ومن نقك ..

بعد أخذ ورد تشاتم الأخان الأوسط والأصغر , وانحازت الأخت إلى الأخ الأوسط الذى عشش فى قلبه أن أخاه يحسده على ما آتاه الله من فضله كما يزعم . وقرر الأخ الأكبر أن يفض الاجتماع بحزم قبل أن تزداد الأمور اشتعالا، و يمسكا فى خناق بعضيهما، ويصبح الموضوع فرجة للجميع .

---***---

قابل الحاج نجاتى صاحب محل الفراشة بأول الشارع، فاجأه بقوله :

- مبروك القضية أعرف أنك تبحث عن ساكن محترم

- إن شاء الله يا حاج

- وهل ستجد أحسن منى؟

- لا طبعا

- اعتبر هذا وعدا

- ربنا يسهل

وأشاح بوجهه ساحبا يده بجهد من يد الحاج نجاتى التى كانت قابضة بشدة على أصابعه

---***---

فى المساء عندما كان جالسا على كرسى الحلاقة، مخبئا وجهه فى جريدة؛ سارحا فى أفكاره, مسلما رأسه إلى الشاب نوشا المزين، تحدث نوشا بصوت كالهمس فى أذن الأخ الأكبر، قال له:

- لا أستطيع أن أعبر عن فرحتي لك بقرار المحكمة!!

- من أبلغك يا نوشا؟

- لا شيء يختبىء ؛ فنحن عائلة واحدة،أبناء منطقة واحدة ؛أم هل لك رأى آخر؟

- لا طبعا !!

- سمعت أنك تطلب عشرين ألفا من المقدم ؛ وليس لدى مانع، سأنتظر منك الرد

- خلاص

- خلاص ماذا؟

انتزع الأستاذ طنطاوى شبه ابتسامة، وقد لاحظ زيادة جرعة البودرة والكولونيا والاهتمام هذه المرة،

و هم بالوقوف قائلا :

- خلاص الحلاقة؟

- نعيما يا أستاذ طنطاوى

خرج من الصالون مهموما، أدركه نوشا على الباب وهو ينفض الملاءة البيضاء قائلا :

- أوعى تنسى ما اتفقنا عليه

- ربنا يسهل , كل شيء نصيب .

---***---

لم يستطع الأستاذ طنطاوى أن يأخذ قرارا فى موضوع الشقة،وخصوصا بعد تأكد له أنه لن يستطيع أن يرضى الجميع، توقف لحظة عن الانغماس فى همه،واستدرك قائلا لنفسه : ولماذا لا أشرك زوجتى معى فى التفكير فى الأمر ؛ عسى أن تجد لنا مخرجا .

فى المساء قال لها :

- الأخوة ليس لهم رأى موحد

ردت عليه بازدراء :

- أنت السبب فى كل هذا

- أنا؟

- نعم أنت

- ولم تقولين هذا؟

- لأنك غير حازم معهم

- وكيف يكون الحزم من وجهة نظرك، والمشكلة معقدة؟

- لا يوجد أى تعقيد

تعجب من قولها، وقال:

- وكيف؟

ردت قائلة ببساطة متناهية :

- ألا ترى أن احمد ابنك يريد الزواج؟

- وما لهذا وشقة العائلة؟

- أردت أن أوفر لك بدلا من أن تدفع مائة ألف أو أكثر فى شقة، وأنت تاجر وتعرف أن السوق غير مضمون، دائما فى الطالع والنازل !!

- لم يكن هذا يخطر على بالى قط !

- اجعله على بالك، خلينا فى بالك الذى يفكر دائما للآخرين .

---***---

لم تمض أيام قلائل حتى حرر الأستاذ طنطاوى – بصفته وكيلا عن الورثة عقد إيجار باسم أحمد طنطاوى، وسارع - بناء على إلحاح من زوجته - إلى توثيقه بالشهر العقاري حتى يضع إخوته أما م الأمر الواقع، لم يكتف بذلك، بل إن أسلوبه قد تغير معهم من النقيض إلى النقيض، اختلف تماما بعد هذه الواقعة، فأصبح يتهرب منهم كلما سألوا عنه، ويتعلل بأوهى الأسباب حتى لا يواجه منهم أحدا .

عندما دق الباب ؛ وجد الأستاذ طنطاوى نفسه أمام أحد المحضرين وقد طلب منه توقيعه بالعلم على إلغاء أخوته للتوكيل، بعدها بيومين جاءه شاويش من القسم زافا إليه طلب حضور، وذلك للنظر وإبداء أقواله فى حادث اعتداء بالضرب والسب على أخيه الأصغر، و نصب في إيصال أمانة بملغ مائة ألف جنيها , وموقع عليه باسم الأخ الأوسط والأختين شاهدتين على ذلك .

السويس –ابريل 2005

 

قربة مخرومة

أثناء النظر فى دفتر الحضور، قال له عامل السويتش :

يا باشا ..فيه إشارة من قسم الشرطة

خير

تفضل

وأعطاه دفتر الإشارات؛ قرأ الطبيب:

"السيد مدير المستشفى

برجاء إرسال طبيب على وجه السرعة للكشف الطبى على المساجين

إمضاء ..معاون القسم ".

تضايق من هذه المهمة التى يريدون القيام بها على وجه السرعة، وتساءل : ما وجه السرعة هذا؟ لو قرءوا الإرشادات التى كتبها فى دفتر الزيارة الشهر الماضى ونفذوا جزءا منها ما تكرر هذا الطلب .

---***---

سبق أن اتصل مأمور القسم بأحد الأطباء ؛ وطلب منه زيارة القسم - بالطريق الودى - للكشف على مرضى السجن، اكتأبت نفسه من هذا الطلب، ولكنه أرغم نفسه عل وعسى أن يفعل خيرا يكتب له فى ميزان حسناته ...

عند زيارته، سلم على معاون القسم وسأله بابتسامة :

أين نوقع الكشف الطبى؟

رد :

يمكنك الذهاب إلى غرف الحجز..

لاقى هذا الرد استحسانا من الطبيب، بالرغم من أنه قد يجشمه عبأ نفسيا رزيلا؛ سوف يكشف عليهم دون سرير كشف ولا ساتر؟ ستكون المسائل سداحا مداحا؛ ويكون المستور مباحا؟ كما أنه سيكون معرضا للعدوى لعدم وجود استعدادات ... ! المهم ؛ حبا فى اكتشاف المجهول ؛ قرر بينه بين نفسه أن يخوض التجربة .

طلب معاون القسم من ملازم ضخم ؛ طويل القامة ؛ أن يصطحب الطبيب إلى غرف الحجز ؛ اضطر الطبيب إلى النظر إلى أعلى كلما أراد أن يوجه إليه كلاما ..

---***---

أدخل الضابط المفتاح فى قفل ضخم ؛ وسحب المزلاج، بانت أعداد كبيرة من الذكور محشورة فى حجرة عادية،اتجهوا جميعا بأنظارهم إلى الباب تطلعا وشوقا إلى خبر قد لا يكون حزينا ...

سأل الطبيب الضابط :

كم فرد هؤلاء؟

حوالى 19

ياه ...الحجرة حوالى كم فى كم؟

قول 4×4

ألا ترى أنها ضيقة؟

نظر إلى الطبيب شذرا، وقال:

نعمل لهم إيه؟ المفروض نقعدهم فى فندق ..شىء يعّل..

شىء يعّل؟

نعم ..شىء يعل ..تاجر البانجو وحرامى السلاسل، ومتسلق البيوت فى عز الليل والنهار، والنصاب ؛ وبتاع البودرة ..كل هذه النوعيات الظريفة تحتاج إلى مكان واسع ...أنعم وأكرم...

---***---

زعق الضابط فى المساجين قائلا :

من منكم مريض؟

تدافع الجميع وتسابقوا للاقتراب من الطبيب.

رد الضابط وهو يدفعهم بيده :

ابعد أنت وهو..واحد واحد..

قال الطبيب مستغربا :

هل نكشف هنا؟

رد الضابط : نعم

تساءل :

كيف؟

شوف يا باشا كلهم يخلعون أمام بعض ..بدون كسوف

---***---

دفع الضابط أحدهم بيده دفعة قوية قائلا :

ارجع يا حمار ورا شوية

رجع الحمار دون أن ينبس بكلمة .

أجال الطبيب نظره بين الاثنين دون أن ينطق أيضا ...

رفع سماعته وأخذ يضعها فى يأس على صدور المرضى وقد اصطفوا أمامه طابورا، وجد كل من بالغرفة تقريبا يطلب الكشف الطبى ؛ ومنهم من يتمنى فى قرارة نفسه أن يكتشف الطبيب فيه مرضا ليخرجه من هذا المكان البغيض ويودع بالمستشفى حيث الهواء المتجدد ؛ والنوم فوق السرير؛ والطعام يمكن تناوله، وحيث توجد دورة مياه لها باب وحنفية؛ وحيث لا يوجد ضابط ولا صول ولا شتائم ؛ والأهم لا يوجد زحام ؛ لا زحام مثل الموجود بغرفة السجن الكئيبة ..

---***---

بعد الانتهاء من الذكور؛ نادى الملازم بصوت جهورى ناظرا فى نهاية الكوريدور :

فيه حد من الحريم عيانة؟ فيه واحده عاوزه حقنة من الدكتور قبل ما يمشى؟

لم يرد أحد عليه ؛ نظر إلى الطبيب قائلا :

مفيش يا باشا ؛ تفضل ..

انتهى الطبيب من مناظرة المساجين وعاد إلى غرفة المعاون ؛ حيث رجاه أن يطلب مشروبا فأبى الطبيب وتعلل بوجود أعمال لديه، فى الحقيقة كان يشعر بالاختناق ؛ قدم له أمين شرطة دفترا مفتوحا على تاريخ اليوم ليسجل به الزيارة، سأل الطبيب :

وما أهمية ذلك؟

رد المعاون :

لابد يا باشا نسجل كل أعمالنا وتكتب ملحوظات .

أمسك الطبيب القلم والدفتر وكتب :

" قمت بزيارة القسم اليوم لتوقيع الكشف الطبى على المرضى، تلاحظ وجود كثافة عالية بغرف الحجز، مما يشكل وضعا غير آدمى، وجدت حنفية مياه تكاد تلامس الأرض بجوار المرحاض ؛ قال لى أحد المساجين أنها لا تفتح ولا تغلق . فلما سألته عن ذلك أخبرنى أنهم يتركونها هكذا على وضع التنقيط فقط ؛ ولما سألت عن الاستحمام والنظافة ضحك أحدهم قائلا : حموم إيه يا باشا؟ سيادتك بتتريق علينا؟!

رجاء التكرم بمراعاة تواجد دش داخل السجن للاستحمام حتى لا تنتشر العدوى بين المساجين ...."

---***---

أثناء الكتابة نظر المعاون إلى الطبيب نظرة نارية ؛ وقال :

إيه الكلام دا كله يا باشا؟ إحنا عاوزين كلمتين سد خانة بس !!

أمسك بالدفتر وقطع الورقة وتصنع الابتسام قائلا للطبيب :

كلمتين بس يا باشا ...

نظر الطبيب إليه ؛ أمسك أعصابه ؛ وتصنع الابتسام هو الآخر، قال للضابط وهو يناوله القلم :

ممنون لسيادتك، ممكن تكتبهم بالنيابة عنى ؛ ولا يهم سعادتك ..

---***---

2006

 

كلمة لا تقال

في إحدى ليالى الشتاء، كان الجو قارص البرودة ؛ ضحكت ضحكا محموما؛ وأنا أقص على زوجتى ما حدث اليوم فى العيادة من طرائف ...

أوشك الليل على الانتصاف ؛ كانت العيادة خالية وقبل أن نغلق ؛ أرسلت التومرجى ليشترى مطهرا من الصيدلية، فى ذلك الوقت المتأخر ؛ كنت جالسا وحدى،، تضاءلت أصوات السيارات والمارة بالطريق؛ و ساد الهدوء ؛ دخل العيادة وجه عرفته منذ سنين، وجدته يسرع قائلا :

يا ساتر ..يا ساتر ..

***

قمت من مكتبى، رأيته أمامى متوجها مباشرة إلى حجرة الفحص، وقد رسم ابتسامة عريضة على وجهه يميل رأسه على كتفه ؛ كما يضع على ظهره "عباية" صوفية محترمة، كان حليق الذقن، تلتمع عيناه ببريق الصحة والعافية، يصحب معه صبيا ..

على الفور تذكرته ...كان كثير التردد على المستشفى

سلم على بحرارة واشتياق، وقابلته بالمثل ؛ جلس أمامى هو ابنه..

سألته عن أحواله وأحوال أسرته، أدام الحمد والثناء على الله ..

الحمد لله... نحمد الله يا باشا

فينك دلوقتى؟

والله فى شركة مع واحد ...الحمد لله الرجل سايبنى على حريتى الحمد لله؛ رجل محترم ما يتخيرش عن سيادتك ومستورة وزى الفل

قبل يده باطنا وظاهرا وأردف :

مرتبى ماكنتش أحلم بيه ...الحمد لله ؛ زائد المعاش.. أنت عارف أنا طلعت معاش مبكر بدرجة مدير عام...

عال عال

وعندى فى البلد حتة أرض تيجى عشر فدادين مزروعة والحمد لله ...

عال عال ...

يا باشا ربك مابينساش حد.." ولا ينسى ربك أحدا "..

ونعم بالله..

أهلا وسهلا ..قدمت له البمبونيرة الموجودة على المكتب ؛ التقط منها حبات ؛ وقال لابنه:

خد خد يا ياسر من عمك ..

مد ياسر يده وأخذ..

الحمد لله لقيناك فى البرد ده ..

خير إن شاء الله؟

يا باشا الولد مانامش طول الليل

سلامته

عمال يهرش من امبارح، ومرعوب قوى ؛ وأمه خايفه عليه... أنت عارف قلب الأم طبعا

طبعا ..طبعا..

---***---

كشفت على الصبى ووصفت له علاجا

ماعندكش حاجة إسعاف يا باشا؟ ربما الأجزخانة تكون قافلة دلوقت... أنت كلك بركة ...

مددت يدى إلى الدولاب القائم جواري وسحبت منه علبه دواء ؛ وقلت له :

مضاد للحساسية ..

وكتبت عليها وأنا أكمل:

معلقة مرتين يوميا..

ابتسم ابتسامة عريضة، ومال برأسه على كتفه :

مش عارفين نعمل معاك إيه يا باشا ...كلك واجب والله ...كلك واجب ...

العفو يا أخى ..العفو

أمسكت أنبوبة كانت موضوعة أمامى على المكتب، وقدمتها له وقلت :

والدهان صباحا ومساء ..

ازدادت ابتسامته اتساعا وقال :

وكمان مرهم؟!

دى حاجه بسيطة..

---***---

أخذ الدواء وأسقطه فى جيب العباءة الضخم ؛ وهو يقوم من كرسيه مادا ذراعيه الاثنتين ليسلم على ؛ شد علي يدى بحرارة قائلا :

- أنا مش عارف أقول لك إيه ...أنا متشكر قوى ...تحب يجيلك امتى استشاره يا باشا؟

- بعد يومين ...

- حاضر.. أن متشكر قوى ..السلام عليكم

نظرت إليه، أردت أن أذكره بشىء قد نسيه، كان قد منحنى ظهره، وأتجه مهرولا إلى الباب،حبست الكلمة فى حلقى، وقلت :

- وعليكم السلام..

***

 

لوغاريتمات

كان الجو شتويا، دخل العيادة وعلى وجهه ابتسامة عريضة، ونظر فى عينى، ألقى التحية وقال:

انت فاكرنى يا دكتور؟

لم أتذكره، ولكن من باب الذوق قلت له:

وشك موش غريب عليا ..

انا جيت لك هنا

امتى؟

من مدة يمكن من سنتين ثلاته

يجوز

او أكثر من كده !

من أيام احتفالية القرن

يعنى من حوالى عشر سنين؟!

آه انت يومها كتبت لى علاج حلو قوى، كل ما أتعب أروح أشترى المرهم من الأجزخانة، لكن الروشته ضاعت منى، قلت آجى أكشف تانى !

أهلا وسهلا

***

سكت قليلا وأردف :انت فاكر انا حكيت لك على موضوعين ..

خير ..فكّرنى؟!

الأولانى خلاص.. والتانى ..التانى لسة ..نص نص ..الأولانى مش هانتكلم فيه دلوقتى

ليه؟

لأنه بقى أحسن

الحمد لله

والتانى؟

التانى أشد من الأولانى ..بقى له مده معايا ..سنين ..

ياه..

آه والله

رن الموبايل، أخرجه من جيبه ونظر فيه ثم اتجه ناحيتى مبتسما وهو يقول :

الحكومة ..المدام عاوزه تطمن على ..!

على الأولانى والا التانى؟

الأولانى طبعا ..

مش الأولانى بقى كويس؟

لأ هو لسه فيه شويه

وضع الموبايل على أذنه وقال :

أيوه..أنا هنا عند الدكتور فى العيادة ..آه فى أوده الكشف ..آه حيكشف عليا أهو .. نعم؟ الأولانى ..آه آه .. ما حكيت له على الأولانى والتانى كمان ..

خبط الممرض على باب الحجرة ؛وفتح الباب قائلا :

لو سمحت يادكتور الناس اللى بره مستعجلين ..

***

 

القافلة

كان يوما عاصفا؛تغير لون الجو فجاه وأصبح اللون الأصفر هو الغالب علي الأشياء؛من النافذة تابعت الاهتزاز العنيف لشجره الكافور،ازداد اهتزاز الملابس المنشورة علي حبال الغسيل لدي الجيران ؛ كنت في ذلك اليوم مكلفا بالعمل في إحدى القوافل الطبية،عاده تكون في أطراف المدينة،وخصوصا في الأحياء الفقيرة المزدحمة.

***

عندما اقتربت من الموقع؛ طالعت لوحات إرشاديه،كانت تقع داخل كردون المدينة،بالقرب منها وعلي بعد خطوات فقط، يوجد مركز طبي كبير،ياالله !

سمعت صوت الميكروفون"الكشف مجانا لجميع التخصصات،والتحاليل والأشعة والعلاج مجانا"

عندما وصلت الي المكان رأيت سرادقا مهيبا وقد وضعت سجاده طويلة في المدخل،وقفت مجموعات من الناس مصطفين علي الجانبين،البعض يحمل أجهزه لاسلكية،عرفت أن السيد المحافظ علي وشك الوصول.

في الداخل سلمت علي البعض،ورأيت صفين من سيارات العيادات المتنقلة متراصه علي الجانبين و كل سيارة لافته بالتخصص ؛صعدت سياره تحمل تخصصي،بالداخل وجدت ممرضتين حييتهما ودخلت في الممر الضيق وارتديت البالطو الابيض وأخرجت جريده و كتابا وبدات اتصفح الجريده في انتظار وصول المرضي.

استمرت العاصفه الترابيه تعمل في داب،قلوع السرادق الكبير بلونها الزاهيه،كانت تصدر اصواتا وقرقعه تكاد تطير بنا في الهواء.

●●●

في مجلسي بالسياره سمعت طرفا من الحوار دار بين الاثنتين...

قالت احداهما وهي تحمل الجوانتيات الي مكانها :دا نوع كويس مفيش منه في المستشفي !

ردت الثانيه :موفرين هنا كل حاجه

أسمك إيه؟

انا؟.....اسمي ساميه

أهلا وسهلا و أنا اسمي فايزه

أهلا يبكي...القافلة دي فرصه سعيدة ...أنتي شغلك فين؟

في قسم المسالك في المستشفي العام...وأنتي؟

انا في المركز الطبي،بس حاليا بيهدوه.

بيهدوه !!وأنتي قاعدين فين؟

نقلونا الإسعاف لغاية ما المركز الجديد......أمسكت فايزه مجموعه من الأوراق و تحركت في الممر الضيق ؛وقدمتها لي:

الادويه الموجوده يا دكتور ...

باعدت الصحيفه عن وجهي ونظرت اليها:شكرا؛شكرا القيت نظره عابره علي الاوراق ووضعتها امامي وتشاغلت بقراءه الصحيفه.

●●●

كان المكان ضيقا،يدعوا الي الالفه و الحوار:أخرجت فايزه من حقيبتها كيسا به سندويتشات و اعطت فايزه احداها و اخذته بامتنان

قلت عبر الممر :

تفضل يا دكتور

شكرا يا مدام فايزه،فطرت.

بدانا في قضم السندويشات و تبادل الحوار،بدأت فايزه الكلام،

هما لسه ماقطعوش التذاكر؟

باين لسه ..

احسن..علشان نفطر الاول،بقولوا في غدا

قالت فايزه :طبعا..انتي اول مره تحضري القافله

ايوه

انا حضرت المره اللي فاتت،صارفين فلوس كتير اوي ...انا سمعت ان الخيمه دي ب كذا الف جنيه

أشتروها؟

لأ ايجار...نصب بس

ياسلام!!

كمان الكافتيريا عاملنها ب كذا الف

فيها ايه؟؟

ابدا شاي و قهوه و حاجه ساقعه،وليكي مشروب بارد، وواحد سخن!!

فيين الكافتيريا؟

هناك جنب دوره المياه

والشغل هنا عامل ايه؟

ابدا ...اي كلام ...بذمتك حد يعرف يعمل هنا عمليه؟ واحد كان جاي عاوزيشيل كيس دهني سامع الميكروفون طول النهار عمال يقول الكشف و العلاج مجانا جميع الحالات.

عمل ايه؟ضحكت فايزه وقالت :

الدكتور حوله الستشفي ...الراجل بصّ له وقاله :

امال انتوا بتضحكوا علينا؟؟طيب عاملينوا ليه مدام بتحولني علي المستشفي؟

●●●

قالت ساميه :عاوزه اخذ تليفونيك،انتي لذيذه قوي !

تليفوني؟مرفوع من الخدمه وابتسمت

ليه

قالوا فيه انحلال

انحلال ايه كفا الله الشر!

انحلال في الكابل ولا باين في الشيكه..

قصدك احلال..

انا ربك والحق انا لاقيتها فرصه اصل علينا مبلغ كبير،الولاد بيكلموا زمايلهوم،وابوهم متوفي وانا اللي شايله الهم كله

ياسلام ...انتي زي حلاتي !

ازاي؟

انا جوزي متوفي من سنتين،بس اهله في حالهم

يعني ايه؟مابيسالوش عن العيال؟

ساعات..اما يجيلهم مزاج

والنبي ياختي الواحد مشعارف الدنيا جرا لها ايه

●●●

بعد قليل هلّت أعداد من الناس،يحمل كل منهم تذكرته"المجانيه"؛وجدت بعض الحالات المزمنه،وقد تصادف مناظره بعضها،هدأ الجو،أمسكت بالكتاب"مذكرات طبيب"حاولت ان اقرأ، ولكني فوجئت بعدد من الشباب يتقاطرون،سألت الاول :ما شكواك؟ابتسم وقال: حب الشباب

وجدت الثاني والثالث واكثر من عشرين طالبا يكررون نفس الكلمات وهم يبتسمون،سألت احدهم :انتم في اي مدرسه؟

احنا جنبكم في مدرسه العاشر..

وخرجتم ازاي؟ رد احدهم ..ابدا المدرس ضحك علينا، وقال لنا روحوا القافله ... انتم بتوع النظام وحتاخدوا جوايز و فلوس، أما جينا هنا ما كانش فيه ناس،و المحافظ موجود ؛ قالوا لنا نقف فى الطابور وقطعوا لنا تذاكر وقالوا لنا روحوا اكشفوا وقوقوا للدكتور كذا كذا ..

يعنى إيه كذا كذا؟

ابتسم وأكمل:

أى حاجة يعنى حب شباب مثلا ..

أنت بتاحد دروس؟

طبعا..كلنا بناخد دروس

فى إيه؟

فى جميع المواد ..

***

بعد قليل توافدت اعداد لا بأس بها من البشر ؛ ازدادت بشدة مع اقتراب آذان الظهر،الغالبية من الأطفال والنساء ؛ عدد من العاطلين وأصحاب المهن ؛ كانت فايزة تنادى بأعلى صوت على المرضى

سلسبيل ..

لم ترد

أعاد أحد الواقفين النداء بلهجة صعيدية :

سلسفيل..

ابتسم البعض

أكمل آخر:

سلسفيل أبوها

ضحك البعض حتى ضحكت أنا ..استمر الناس فى الضحك، وشعرت بالتخفف من الضغط المتزايد، بعد حوالى ساعتين ؛ هدأ الزحف ؛ قالت فايزة:

احنا رايحين نجيب الشاى .

قلت :

خليه بعد الصلاه

نزلت من السيارة ؛ جموع من الناس تتحرك فى اتجاهات مختلفة، سيدة مسنة راتنى بالبالطو الابيض قالت :

قل لى يابنى :

العصبية فين؟

نظرت حولى لابحث معها ..قابلت دكتور فهمى الجراح ؛ وقال لى :

الكلام ده تهريج

ليه؟

نظر لى وقال جادا:

آه والله ..ناس بتهرج..أنت عارف الخيمة دى مصروف عليها كم؟

كم؟

50 ألف جنيه

ياسلام!!

***

مر الوقت وتقاطرت الجموع مع سماع الميكروفون الكشف والعلاج مجانا لجميع التخصصات ..

بعد العصر بدأ الارهاق والتعب على الوجوه..

" إن شاء الله لما أقبض فلوس القافلة حادفع الفواتير المتأخرة ؛ وأكلمك فى التليفون"

قالت فايزة

امتى؟ ردت سامية

امتى إيه؟

امتى نقبض فلوس القافلة؟

انتى عارفة ياحبيبتى يوم الحكومة بسنة

يعنى مفيش خبر؟

سمعت المدير بيقول انهم دفعوا فلوس الخيمة قلت له : وفلوسنا؟

قال لك إيه؟

قال أنتم مقدور عليكم ..إنما الفرّاش منقدرش عليه..

***

استأنفت فايزة :

فيه عيادة أسنان؟

أيوه

والتعقيم حيكون إزاى؟

موش عارفة ده حتى مفيش حنفية.

فى المركز الآلات بعدد العيانين..الحقيقة التعقيم ممتاز.

***

شايفة الستات اللى ماشيين هناك

مالهم؟

جايين يعملوا شوبنج فى العيادات كلها ..معاهم روشتات كتير والعيانة موش عارفة تشيل الدوا فين؟

كانت تجيب معاها شنطة

واللا تجيب شيال أحسن !

***

طويت الصحيفة وقلت رافعا صوتى :

ياجماعة حرام عليكم ؛ بلاش نم الله يخليكم؛ كل واحد يلزم حدوده ما تجيبولناش الكلام...

كانت السيارات التى أتت بالعاملين بالقافلة قد اختفت فجاة

سالت فايزة :

السواق بتاعنا راح فين؟

عاوزاه ليه؟

أصل معاه ترمس الشاى

العربيات كلها راحت القرية تجيب الناس

ناس مين؟

ناس عشان يقفوا ويتصوروا ويكشفوا لما يحضر المسئولين .

***

 

وفرّ كلامك

كنت صغيرا عندما دلفت إلى محل جزارة مع والدى، وكان بمنطقة شبرا البلد، ووجدت هذه العبارة مكتوبة بخط كبير ؛ ومعلقة فى مواجهة الداخل؛ وراء الجزار مباشرة :

(بفلوسك أنا خدامك ؛ من غير فلوسك وفّر كلامك ).

رأيت اللحم المعلق وقطرات الدم تنز من الذبائح على الأرض، والسكين الهائلة تلمع – بانعكاس أشعة الشمس عليها - مع حركة اليد بين لحظة وأخرى، والزبائن قد وقفوا بأدب جم، منهم من يستسمح الجزار أن يقضى له حاجته بسرعة، ومنهم من يسأل عن ماسورة مع طلبه، والبعض يسأل عن كبدة طازجة, ولكن الكل كان يقبض على فلوسه استعدادا للدفع ؛ و إلا!!!

---***---

أخبرنى أحد الزملاء – يعمل طبيبا- أنه تعرض لموقف محرج، فأحببت أن أستجلى حقيقة ما حدث ؛ سألته : وما هو هذا الموقف؟

قال : " أصيب أحد أقربائى- وكان شابا- بهبوط شديد وضعف عام وهزال، ولاحظنا عليه ضيقا فى التنفس، فأحضرنا له أحد الأطباء، نصح بعمل رسم قلب، وفحص بالموجات فوق الصوتية على القلب، وبعض تحاليل الدم وفحوصات أخرى ؛ وقال انه يلزم تحويله إلى المستشفى لمتابعة حالته , فأذعنا جميعا لنصيحة الطبيب، وتم تحويل المريض إلى إحدى المستشفيات الخاصة .

---***---

عند اقترابنا من سور المستشفى وجدنا حرسا شديدا من رجال الأمن، المبنى يبدو أثريا؛ ولكنه - والحق يقال – يلق اهتماما ملحوظا . رأيته محاطا من الخارج بحديقة غناء بها صنوف متنوعة من الأزهار, وأنواع أخرى من النباتات المتسلقة ؛ عندما رفعت عينى وجدت بعضها وقد وصل إلى الفراندات الدائرية الواسعة الملحقة بحجرات المرضى وتطل على الحديقة، وعلى باب المستشفى الرئيسى مباشرة .

حمدنا الله على وصولنا إلى تلك المستشفى التى يعمل بها نخبة من أساتذة الطب، وتفاءلنا خيرا . طلبت أن ندخل إلى قسم الأمراض الباطنية فرع أمراض القلب حتى يعالج مريضنا تحت إشراف طبيب بعبنه .

ولكن موظف الاستقبال قال :

- لابد أن يكون محولا من العيادة الخارجية

قلت :

- تم فحصه من قبل، ولا نبغى فحصا بالعيادة الخارجية

أطرق الموظف قائلا :

- هى تعليمات المستشفى

قال والد المريض بحماس معهود :

  • لا مانع . وضع يده على جيبه قائلا : كم الكشف؟

رد الموظف، بعد أن نظر الى لوحة أمامه على المكتب:

- اليوم الدكتور سامح 300 جنيها

دفع المبلغ، وأخذ إيصالا، وأشار لنا الموظف إلى حجرة الانتظار .

 

---***---

بعد انتهاء الكشف، قدمت نفسى للدكتور سامح، بصفتى زميلا فى المهنة، فأشاح بوجهه – بطريقة سريعة بعد ابتسامة شاحبة- مندمجا فى الرد على والد المريض، توزعت نظرات الطبيب بين عينى المريض وأبيه، سأل الأب متلهفا :

- خير يا دكتور؟

- خير خير ان شاء الله

- ما ذا عنده؟

- ارتجاع بالصمام الميترالى، وهبوط بعضلة القلب مع أنيميا حادة

- وماذا نفعل؟

- يحتاج إلى الإقامة بالمستشفى بضعة أيام ؛ لكى نقوم بعمل بعض الفحوصات وقد يحتاج إلى نقل دم وقسطرة تشخيصية، مع احتمال تغيير الصمام إن لزم الأمر .

- وما المطلوب؟

- اذهبوا إلى موظف الحسابات .

---***---

ذهبنا سويا إلى موظف الحسابات الذى قابلنا بابتسامة واسعة وهو يمسك أوراقا فى يديه ويميل برأسه كى لا يقع التليفون المعلق بين رأسه والكتف الأيمن

بعد أن أنهى مكالمته نظر إلينا قائلا :

- حالة القلب تبع حضراتكم؟

قلت :نعم

- مطلوب عشرين ألف حنبه تحت حساب المستشفى

رد الوالد متعجبا وحائرا:

- كم؟

- عشرة آلاف جنيه ...

وضع الرجل يديه على جيوبه وقال متلعثما :

- لا يوجد معنا سوى ألفين!

رد الموظف بجمود:

- استكملوا المبلغ وأنا تحت أمركم !

نظر لى الرجل والدنيا تكاد تدور به، لحق نفسه وقال لى:

- هيا بنا... هيا بنا نأخذ التاكسى ونرجع بلدنا أحسن ...أقول لك على حاجة؟

قلت :

- ماذا؟

رد وقد رسم على وجهه ابتسامة مغتصبة :

- الأعمار بيد الله ".

---***---

 

علىّ الطلاق

تذكرت ما كان بينى وبين هذا الرجل على مدى اعوام، يعمل معى بالمديرية، كان يتردد على العيادة، فى البداية يأتى للكشف، والعلاج، مع الوقت صارت زياراته لى نوعا من البوح، أو الطقوس شبه الأسبوعية التى يحرص كلانا عليها؛ توطدت أواصر الصلة بينى وبينه، له ارث مكون من عدة بيوت قديمة فى أحد الكفور،وقطعة أرض زراعية بالجناين، من ناحيتى كنت أوليه اهتماما، وأعطيه أذنى، أصغى إليه، وقد جلس أمامى، ببطنه المنتفخة، ورقبته الضعيفة وصوته الخائر الذى يزداد خورا وضعفا مع الأيام، تخرج من قسم اللغة العربية أو ربما كان خريجا من دار العلوم لا أذكر بالضبط ؛ وعمل كاتبا بالمديرية، تقريبا يعمل كل شىء ماعدا الشغل،يقرأ الجريدة، يحل الكلمات المتقاطعة، يفتح الكيس اليومى الذى يحضره معه من مطعم مجاور للفول والطعمية، يفطر هو وزملاءه، عندما يحضر طالب خدمة فى هذا التوقيت يقول له أحدهم وهو يمضغ لقمة كبيرة محشورة بين شدقيه وأضراسه:

تعال افطر

بالهنا والشفا

يُحرج طالبُ الخدمة ويقف خجلا، أو ينسحب ليعود فيما بعد حتى ينتهوا من طعامهم، يُخرج عدة الشاى من الدولاب وفمه مستمر فى المضغ البرىء، يجهز الشاى على السخان الكهربى، يصب الشاى فى هدوء بالغ ثم يسحب كل منهم كوبا و يبدأ الجميع فى الشرب، مع الرشفات يحل الكلمات المقاطعة، يتبادل الأسئلة مع زملائه للوصول إلى الحلول الصحيحة ؛يتعجب من دخول أحد طالبى الخدمة عليه، يتجاهل وجوده ويستكمل روتينه المعتاد ؛ يرفع ورق السندوتشات الفارغ من على المكتب ؛ أو يسحب الكبس من الحائط لغليان الشاى، أو يطوى الصحيفة بقرف وهو ينظر بوجه جامد للجمهور، بعد قليل يستأذن للذهاب إلى السوق، يزرع نبات الظل، يسقيه ويراعيه، أخيرا يبدأ النظر فى البوستة ؛ يطلب مكتبا جديدا ويتحدث مع زملائه عن الحوافز والبدلات،لا ينسى الواجبات الاجتماعية ناحية زملاءه، جنازة أو فرح أو طهور الخ الخ... يكتب التماس لرفع الغبن عنه، وتعديل التقرير السنوى إلى درجة ممتاز؛ اخيرا ينظر فى ساعته مترقبا موعد الانصراف !

***

كان يسأل إن كان الانتصاب الجيد يعنى قدرته على حمل أثقال، قال إنه أحيانا يخلع ملابسه فى الحمام، ويربط حبلا حول عضوه وفى نهاية الحبل يربط أثقالا مختلفة اشتراها خصيصا لهذا الغرض، ضحكت عندما سمعت منه هذا الكلام، قلت له : تريد أن تجعله كحبل الغسيل؟ قال لى بشبه براءة : العضو المستعمل بنمو والمهمل يضمر .. ألم تقرأ نظرية داروين فى النشوء والارتقاء؟

للمرة الخامسة يتزوج،طلق ثلاثا من قبل، أتى بالزوجة الجديدة لتقيم مع سابقتها مباشرة، ترك أم العيال فى حى البراجيل وجاء إلى مدينة السلام، لا تفارق أصابعه مسبحة كهرمان تسعة وتسعون، سألته كيف تطلق زوجاتك هكذا بسهولة؟ حكى لى الموقف الآتى ؛ كان قد اصطحبها يوما إلى طبيب الاسنان، لما فرغ الطبيب من عمله بفمها ؛ قامت و اتجهت ناحية المرآة، وقف هو خلفها ؛ قالت وهى تتطلع إلى أسنانها فى المرآة:

السنة كبيرة قوى ...زى سنة الحمار

رد زوجها..

فعلا ..شكلها زى سنة الحمار.

نظرت إليه بغضب :

أنا شكلى زى الحمار؟ وأنت تبقى إيه؟!

أنتى اللى بتقولى يا ولية

أنا أقول مش أنت يا عديم النظر !!

****

قلت له ان أرسطو أكثر منك صبرا وتحملا ؛فقد كان يسير مع تلاميذه تحت منزله ؛وقذفته زوجته بدلو الماء بعد أن أشبعته كلاما فى العمق، تبسم أرسطو لتلاميذه وقال :إن زوجتى كالسماء تبرق و ترعد، ثم تمطر !

كان يحلم بأن يجرب كل شى فى الدنيا ؛ مات بعد أن صدمته سيارة صعدت به إلى الرصيف.

***

 

عديم الدم

رن الهاتف، فتحت لأجد المتحدث يقول أنا اتصلت، عشان الحاج تعبان شوية وانا عاوز أريحه، المهم نفسيته تكون كويسه، قلت أتصل بالدكتور وخلاص،يجعل سره فى اضعف خلقه ..

يسأل عن حبوب حول الشرج، تعجبت، وهل التليفون وسيلة للعلاج

اصله محرج ييجى العيادة علاجها إيه؟ هه لو سمحت أجيب لها إيه؟ هى سهلة ولا ليها مضاعفات؟

هات بعضك وهات الحاج وتعالى عندى ..آجى؟ بس أنا محرج .. موش موضوع فلوس ولا حاجة ..الفلوس دى آخر حاجة أفكر فيها .. آه .. طيب خد كذا ... نعم أخد إيه؟ فيه دهان مؤقت لغاية ما أشوفك .. طيب استنى شوية أما أجيب ورقة وقلم ؟ حاضر .. هاتى يا لوزة ورقة وقلم بسرعة هاتى ورقة نتيجة .. حاضر يا به .. أيوه يا دكتور قول أنا معاك ...

هات... نعم بتقول إيه؟

أيوه ..سامع؟ ما تاخدش منه كتير

واحنا دافعين وغرمانين؟ ما سيادتك حاتكتبهولى فى التأمين !

بقى الحكاية كدة؟

أيوه .. كتّر من المراهم والمضاد

علشان إيه؟

علشان أخليه عندى فى الأخرخانة

فى الاخرخانة؟

أيوه يا دكتور فى أخزخانة البيت، عشان الأولاد والجيران .

***

فى اليوم التالى حضر للعيادة وجلس على كرسيه أمامى ؛ يتحدث بذهن متقد، ويسأل عن كل فرد من أفراد أسرتي باسمه ؛ بينما لا اعلم أنا عنه سوى اسمه ؛، يتحدث بينما تجول عيناه ماسحة كل ما على المكتب، ويتلفت يمينا ويسارا يتطلع إلى المكتبة المقابلة على الحائط ليشاهد كل شىء ولا يكتفى بالمشاهدة،نظر لى قائلا :

فاكر سيد؟ اللى رجله وارمه ؛ وكلمتك عليه المرة اللى فاتت ..

أيوه

جارى

أهلا وسهلا ..

عاوز مضاد قوى ؛ المضاد اللى هناك ده.. ويشير بسبابته إلى مكانه بالدولاب .

***

ضرب عينه على دولاب العينات الدوائية الموضوع فى الركن، وأشار إليه وكأنما يستفسر ويستعلم عما لذ له وطاب،قمت وأخرجت العلبة من مكانها وتركتها أمامه على المكتب، استأنف :

مفيش مرهم عشان سيد؟

بحثت له عن طلبه..

يسأل فى النهاية عن دواء لعلاج التهاب الدبلة

نعم؟

نشع حول الدبلة !

حول إصبعك؟

لا ..دبلة الشرج !

***

يستأنف الكلام :

جيت لك يوم الجمعة لقيتك قافل ..

يوم الجمعة راحة ..

أصلى محتاج "شوية" أدوية .... ينظر إلى دولاب الأدوية، ويشير بسبابته :

محتاج ده وده وده اللى فوق، العلبة الكبيرة البنى ..ألاقى عندك واحدة أبو فاس؟؟!

أبو فاس؟

تأزمت جدا ؛ استوعب معالمى، تبّسم - غافرا لى - و قائلا كالمستدرك :

لا لا.. ما اعتقدش انه عندك..

قمت وأحضرت له ما أشار إليه، وقفت أمامه ومددت له يدى قائلا :

شرفتنا ..

قام متثاقلا و سلّم على،

قلت مسرعا:فرصة سعيدة، مع ألف سلامه .

خرج و على وجهه إمارات المكر والتعجب !

***

صباحا فى عيادة التأمين الصحى، كتبت له علاجا، مددت يدى لأسلم له الروشته

فيه طلب عندك..

خير؟

بنت خالى عندها بقعة حمراء صغيرة بتحك فيها

خليها تيجى أشوفها

لسه حتيجى؟ مشوار عليها

سحبت الروشتة وأضفت اليها وصححت، وقدمتها له . وقلت :

طيب أعطيها الدهان

تساءل :

هى الحالة دى معدية يا دكتور؟

حالة إيه؟

حالة بنت خالى

وصلت روحى إلى أنفى،عندما أدرك ذلك قام وهو يقول :سآجى لك فى العيادة، هنا مفيش فرصة للكلام !

زعقت فى وجهه: نعم تعالى يوم الجمعة !

***

 

جهنم جنات

فكر فى رفع الخدمة وتحسين مستوى الأداء ؛ حلم أن يتوفر الجهاز المطلوب فى القسم سهر طوال الليل لكى يكتب مذكرة للعرض على السيد الدكتور المدير العام، شطبها وأعاد كتابتها عدة مرات ؛ نضّدها على الكمبيوتر وذهب بها إلى مكتب المدير العام، قال له السكرتير :

قدمها للأستاذة جنات ..

سأل على جنات فعلم أنها قابعة فى كشك أسفل المبنى بجوار بوابة الدخول، يشغله عامل الحراسة بعد الظهر، فى الحال توجه إليها وكله أمل فى تحقيق المراد، عند دخوله إلى الحجرة، وجدها جالسة إلى المكتب وقد استندت بمرفقها إلى المكتب ؛ بينما تستند راسها بكفيها المضمومين على خديها، كانت تتثاءب عندما دخل المكتب، محدثة صوتا ..آه آه...عنما راته حركت عينيها بثقل تجاهه ؛ بينما تعبث بأصابعها فى عينيها ؛ قال لها :

استاذة جنات ..؟

كأنما صحت من نومها قائلة ببرود:

أيوه ..

قدم لها المذكرة على المكتب؛ نظرت إليه متثاقلة ؛وقالت دونما اهتمام :

مذكرة؟

نعم!

طيب .. سيبها.

لها رقم استلام؟

لا ..لما البيه يقرأها الأول ويحدد إذا كنا نستلمها ولا لأ..

تعجب قائلا:

إذا كنا نستلمها وألا لا؟؟!

نعم؟!

ده شغل معلمين !!

نظرت فى عينيه دون أن تنبس . اضطر إلى ترك المذكرة ؛ وغادر المكان وهو يشعر بشىء كالغثيان ..

***

انتظر أياما على أمل أن يتصل به مكتب السيد المدير العام ؛ لم يسأل عنه أحد ؛عاد بعد فوات أسبوعين بالتمام والكمال ليسأل عما تم ...

قالت له جنات :

فكّرني بالموضوع

المذكرة

نظرت فى الدوسيهات المتناثرة أمامها وقالت:

آه...أظن مازالت فى مكتب المدير ..

طيب أطلع للمدير أشوفها .

أنت حر ..

***

على مدخل مكتب المدير قال له الأستاذ سيد السكرتير :

الباشا عنده اجتماع.. ممكن سيادتك تسأل بالتليفون و تاخد ميعاد للمقابلة

طيب أنا نفسى تسأل لى عن المذكرة وتشوفها راحت فين ..البيه أشّر عليها وألا لا؟!

حاضر..

***

فى المحاولة الثالثة تمكن من الدخول إلى المدير

قدمت لسعادتك مذكرة

مذكرة إيه؟

بخصوص جهاز القسم محتاجه..جهاز ثلاثي الأبعاد..

أنت بتحلم يا بنى؟ باين عليك أهبل..

أهبل. أنا أهبل؟! ..

لأ عيب ..أنت قدوة .. حافظ على لسانك

أحافظ على لسانى؟! أنت جاى تعلمنى الادب؟ امشي أطلع بره !

احمر وجه الطبيب وتغيرت سحنته ؛ وبسرعة انحنى برأسه تجاه المكتب ومد كلتا يديه ليمسك بتلابيب المدير، جذبه من ياقة قميصه ...

فى الحال ارتبك المدير ونادى بأعلى صوته :

يا سيد.. يا رجب..

دخل السكرتير ومعه شاب آخر مسرعين ؛ قال لهما بخوف وغضب :

خدوه من قدامى.. ارموه بره ..الحيوان!!

***

 

لا أحد مطلقا

تم طرده من حجرة تحت السلم كان يقيم فيها؛ قال عنها

- متر فى متر . كنت شايل فيها حاجتى وعملت لها قفل، صاحب البيت فى يوم قال لى :

- خلاص سيب المخزن

- ليه يا حاج؟

- خروف الضحية جاى

- والخروف أهم منى يا حاج؟

- الخروف أهم منك طبعا، أنت ما تلزمنيش

---***---

كان قد جهز زكيبته، ووضع فيها كراكيبه، ليمضى إلى حال سبيله، ولما أعياه الأمر ولم يجد مكانا يأوي إليه، لم يستطع الخروج بها؛ جلس على الرصيف أمام البيت؛ ساقاه لا تكادان تحملانه، ضاقت به الدنيا، وشعر بالدوار، أحس بغصة فى حلقه، تناوبته الأوهام والفكر، بعد قليل سحب صبى الحاج الزكيبة، وألقاها فى بحر الطريق .

وهو فى مجلسه ؛ شاهد فاعل خير يشدها إلى جانب الطريق ليوسع المكان للسيارات، بعدها نزل آخر من سيارته وحمل الزكيب إلى صندوق الزبالة المعدني الضخم ذى العجلات المكسرة، حيث تتكاثر حوله النفايات والذباب عند ناصية الشارع .

نظر إلى الحاج نظرة استجداء وقبل أن ينطق؛ رد عليه الحاج والشرر يتطاير من عينيه :

- الزكيبة هناك روح خدها .

احتبست دموعه فى مآقيها، جرجر ساقيه وذهب إلى الصندوق الضخم؛ شب بقدميه، مال بجذعه حتى اختفت رأسه ونصفه العلوى داخل الصندوق،أخرج الزكيبة، نظر يمينا ويسارا، بحث عن أحد لينتشله كما انتشل هو الزكيبة، فرت الدموع من عينيه، اقترب من سقف الأربعين، من يراه يهيأ له أنه جاوز الستين،لا مال ولا زوجة ولا أولاد ولا مكان يأوي إليه، استقر الحزن والهم فى قلبه حتى أصبح هذا هو وضعه الطبيعى،

عندما سمع الآذان، جرته ساقاه إلى المسجد المجاور، وبعد الصلاة حكى قصته لجاره الذى تأثر بما سمع، أخذته الشهامة، وقال له :

- قم معى

- على فين؟

- نقابل الشيخ

- ماشى

قابلا إمام المسجد الذى بادر صابرا بقوله :

- عاوز تقعد فى الجامع؟

- ياريت

- تقوم بنظافة الأرضية والسجاجيد بالمكنسة الكهربا، وتنظف الميضة، وعينك على الحمامات والحنفيات، وتحافظ على الجامع كله، وأوعى حد يلعب فى صندوق النذور،ولو احد من الأوقاف سألك بتعمل إيه هنا؟ تقول له أنا فاعل خير , فاهم؟لأحسن ورحمة أمى لأسجنك !

- حاضر

فى غرفة صغيرة بالمسجد وضع زكيبته، انزاح هم كبير من على صدره، لم يكن يظن أن المسألة ستحل بهذه البساطة، بالرغم من أنه سوف لا يقبض راتبا إلا أنه فرح فرحا شديدا بعثوره على مكان يأوي إليه.

أخلص فى عمله،اعتمد فى عيشه على حسنة تصله من أهل الخير من آن لآخر .

مع الأيام اكتشف أن عمال المسجد الأصليين، يعملون فى السوق ولا يأتون المسجد إلا وقت الصلاة، وعرف أيضا أنهم يقتسمون أيام الأسبوع فيما بينهم , عددهم ثلاثة، كل واحد منهم له يومان ؛ فرحوا بوجوده، بالرغم من ذلك كانوا لا يحسنون معاملته , لشعورهم أنه فى حاجة ماسة للتواجد والإقامة داخل المسجد،فهددوه بالطرد وحاولوا إذلاله بين الحين والآخر، لكى يستمر معهم خادما مطيعا، فلم يلق التقدير المناسب بالرغم من قيامه بالعمل بدلا من فرسان السوق الثلاثة المعينين داخل المسجد .

---***---

يوما ما أراد أن يجدد إعانة كان يحصل عليها من الشئون الاجتماعية، حدث ما لم يكن فى الحسبان , فقد تجشم عقبات لا قبل له بها , لم يكن يظن أن المسألة معقدة بهذه الطريقة، كل ما فى ذهنه أنه سوف يقدم الأوراق للمسئول ويرد عليه المسئول : تعال أقبض يوم كذا !!!

عندما ذهب إلى الوحدة الاجتماعية قالت له المسئولة دون اكتراث :

- فين أوراقك؟

- أهى ...

- فين صورة البطاقة؟

- أهى ...

- قين الكعب القديم؟

- أهو...

- فين وصل النور؟

- وصل النور؟

- أيوه وصل النور

- هوه الجامع له وصل نور؟

- جامع أيه؟

- اللى أنا قاعد فيه

- أنت قاعد فى الجامع؟ مقيم فيه يعنى؟

- لا يا ستى أنا مش موظف فى الأوقاف،

- أمال إيه؟

- أنا قاعد فى الجامع عشان ماليش مكان أقعد فيه

- جايز تكون جاى من محافظة ثانية وبتقبض من هناك

- ياستى والله العظيم ....

- ما تحلفش؛ ما لناش دعوه بالكلام ده , هات وصل النور وصورة العقد

- عقد إيه ونور إيه؟ كل ده عشان ثلاثين جنيه ؟

- هوه ده اللى أعرفه... مع السلامة

---***---

فى اليوم التالى ذهب إلى مديرية الشئون الاجتماعية ليشكو حاله للمدير كما نصحوه بالمسجد، قال له المدير بتعجب مصطنع :

- ازاى يابنى؟

- أهو ده اللى حصل !!

- مش عاوزه تخدمك ليه؟

- علشان معنديش وصل

- آه لازم تجيب الوصل يا بنى، انت مابتدفعشى نور؟

- لأ

- ليه؟ عايش فى الضلمة؟

- لأ .عايش فى النور

- طيب هات لها الوصل

- وصل الجامع؟

- جامع أيه؟

- اللى أنا عايش فيه

- يا بنى انت موظف فى الأوقاف

- لأ

- أمال جامع ايه؟

- أصل أنا سبت السلم

- سلم ايه؟

- كنت ماسك سلم الحاج رجب البتانونى، وطردنى منه

- طردك ليه؟

- عشان الخروف

- خروف إيه؟

- أصله أشترى خروف الضحية وحطه مكاني تحت السلم

- اسمع يا سيدى أما أقول لك، دى تعليمات الوزارة , روح قول لها تكتب عليك إقرارات بأنك لا تملك إيصالات

- حاضر وإذا ما سمعتش الكلام؟

- قول لها الكلام ده على مسئولية الأستاذ فوزي

- متشكر

- مع السلامة

---***---

فى اليوم التالى كان قلبه مفعما بالأمل، قال لرئيسة الوحدة :

- الأستاذ فوزى المدير بيقولك قبضينى

نظرت إليه شذرا ؛ واعتدلت فى جلستها قائلة :

- انت جيت؟

- أيوه

- عاوز إيه تانى؟

- عاوز أصرف الإعانة

- معاك أوراقك؟

- الأستاذ فوزى بيقول لك خدى عليا إقرار

- إقرار إبه يا حبيبي؟

- انى لا املك وصل نور ولا عقد إيجار

- أمال عايش فى الهوا؟ فى الفضا

- عايش وخلاص !

- ولما ننزل نعمل لك البحث نسأل عليك فين؟ نلاقي سيادتك فين إن شاء الله؟

- فى الجامع

- انت اتهبلت ياجدع انت؟ جامع إيه؟

- أى والله العظيم فى الجامع !

- واحنا مالنا ومال الأوقاف؟

- المدير هوه اللى بيقول كدة

- ياخبر اسود !! مدير إيه اللى بيقول كده؟ انت حتجننى يا جدع أنت؟؟

- مادام رافضه أنا حاروح أجيب هو لك يكلمك .

- روح إن شالله تجيب المحافظ !

- طيب ..أنا رايح القسم أعمل لك محضر

---***---

فى بيتها ؛ تحدثت رئيسة الوحدة مع زوجها العقيد بمصلحة الجوازات، على الفور اتصل بصديقه مأمور القسم الذى بادره بعد السلام بقوله :

- أى خدمة يا باشا؟

- فيه ولد مجنون حاول يعتدي عالمدام أثناء تأدية واجبها الوظيفي، يمكن يروح القسم

- يروح القسم يعمل إيه يا باشا؟

- بسلامته مش عاجبه أنها زعقت له؛ وباين عليه مدمن، عاوز يعمل محضر

- داهية أبوه سودة، أما ييجى ياباشا حا يتعلم الأدب

- متشكر قوى

- العفو يا باشا ! مع السلامة .

---***---

خرج صابر من القسم بعد أن أقسم بينه وبين ربه ألا يمشى من أمام القسم مرة ثانية أبدا بعد الذى ذاقه من صنوف العذاب والوحشية التى لا يقدر عليها حمار، فقد ضربوه وشتموه وتركوا عينيه وقدميه متورمتان، وتم سحله، وقيدوه من وسطه وتعلق كالذبيحة فى الفلكة، ونزل عليه بغل أحمق بخرزانة ملساء ضربا على قدميه حتى تورمتا، وشق صراخه عنان السماء فى ساعة السحر، لم يكن يظن أن الأمور ستجرى على هذا النحو، أحيانا كان يسمع كلمة ديموقراطية، وكلمة حرية تترددان على ألسنة الناس،أعتقد أنه بوصوله إلى قسم البوليس سوف تأتى إليه كل حقوقه، لم يكن يظن أن الأمور هكذا، لم يستطع أن يذهب إلى الجامع، فقد كان محطما، أراد أن يسافر إلى قريته شبلنجة، يسمع أن له أعمام وأخوال هناك، ويعرف أن بعض أقاربه مهندسون وأطباء، ابن عم والده يعمل رئيسا للمحكمة، لم يسأل عنه أحد من هؤلاء الأقارب منذ زمن بعيد، تقريبا لا أحد يسأل عنه،لا أحد مطلقا !! ذرفت الدموع ساخنة من عبنيه عندما كان واقفا فى المحطة، حاول أن يمسح دموعه بعينيه، واستدار نصف دائرة ليخبىء دموعه عن الناس، وفجأة هبط عفريت من عفاريت الإسفلت بميكروباسه إلى جانب الطريق، صدم صابرا فى ظهره صدمة طرحته أرضا، والتف الناس حوله... فى لحظات طلب أحد المارة الإسعاف عن طريق الموبايل، عندما حضرت سيارة الإسعاف كان قد اقترب من لفظ آخر نفس له، حملته السيارة مسرعة وهى تصدر صوتا أشبه بالنعيق وسط الحزن الذي يبديه بعض المارة، وحب استطلاعهم و بسملا تهم وتشهداتهم وحوقلا تهم .

السويس –ابريل 2005

 

على راحته

ذكرنى لقاء الدكتور سامى المليجى بأيام زمان، عندما كنت طبيبا بالامتياز تعرفت عليه وكان من قدامى النواب بالمستشفى، فقد أمضى بها ردحا من الزمان، حتى أن البعض كان يتحدث عنه بصفته جزءا منها .

عادت بى الذاكرة إلى أيام الطفولة ؛ عندما كنا نقضى اليوم كله فى اللعب ولا نعود إلى بيوتنا إلا بعد أن بسدل الليل أستاره، فى الصيف كنا نذهب إلى الشاطىء أو إلى النادي للاستمتاع بالسباحة واللعب فى المياه والملاعب، وكنا نقضى النهار كله وجزءا من الليل، ولا نعود إلا بعد أن نستنفد كل قوانا وفلوسنا.

فكرنى لقاؤه بتلك الأيام الجميلة التى كنا نجد فيها وقتا كافيا لنعمل كل شىء.

والدكتور سامى المليجى رجل لطيف المعشر يهوى الهدوء ويعشقه ؛ لا يهمه الوقت فى كثير أو قليل وخصوصا إذا ما كان مندمجا فى حوار أو سفر أو حتى كشف على مريض، ظل فترة طويلة يعشق شرب القهوة واقتناء الكتب، وعندما أسأله :

- هل قرأت كتاب فلان الفلانى يا دكتور سامى؟ يرد قائلا بثقة :

- لا أنا لم اقرأ حتى الآن، أنا مازلت مشغولا فى مشروع البناء

- ومتى تنتهى منه؟

- الله أعلم، حسب التساهيل، فأنا غير مستعجل

والبناء هذا بدأ منذ أكثر من سبع سنوات، ومازال المشروع قائما، فهو يفضل أن يكون كل شىء على نار هادئة، ظل هذا الطبع ملاصقا للدكتور سامى الذى لم يفكر فى تغييره أو الحياد عنه ؛ أحيانا كنت أحسده على الفراغ والدعة وعلى ذلك البطء اللذيذ الذى يتيح له الفرصة لكى يمضغ الأحداث ويستطعم المأكل والمشرب،كما يجب، وأن يمارس هواياته الشخصية كما ينبغى . تجده أحيانا فى السوق يقف متحدثا مع البائع مدة طويلة دون ملل أو كلل، وأحيانا تأخذه جلسة على مقهى أو احد النوادى فيستمر إلى قرب طلوع الشمس ساهرا ومندمجا؛ وعندما تسأله :

- ما الذى سهرت من أجله؟

يرد قائلا بأريحيته المعهودة :

- أبدا كانت الجلسة ظريفة !!

- وما الذى دار فيها؟

- كل خير !!

- هل هناك موضوع أو مشكلة هامة تجعلك تسهر هكذا؟

- لا، ولكن لا يجوز أن أترك الأصدقاء وأمشى... يبقى عيب منى .

هكذا لا تستطيع أن تحصل منه على بداية أو نهاية، وان كانت النهاية دائما متوقعة للجميع ؛ كنت أحس باطمئنان ودعة عندما أراه يتحدث ؛ فهو يشعرنى بأن كل شىء على مايرام وأن الوقت طويل وأن فى العمر متسع لعمل أشياء كثيرة ...

---***---

والسر فى هذا قد لا يخفى على اللبيب، فالدكتور سامى مازال أعزب؛ بالرغم من عبوره النصف قرن بقليل،ولا ينوى أن " يتسرع"ويأخذ قرارا بالزواج فهذا المشروع عنده له حيثيات، ويخضع لموازين كثيرة، قد سبق له تجربة خرج منها خاسرا كما يقول.

هذه التجربة سبق أن حضرتها معه وكان كل شىء يسير على ما يرام حتى تم كتب الكتاب، ساعتها أبلغه أحد أقاربه أن والدة العروسة وجدها لهم أصل قبرصى، وأنهم أتوا إلى مصر بعد الحملة الفرنسية , واستقروا فيها، فقلت له :

- وما المشكلة فى هذا؟

- ياه، لكنى لم أعلم، هل يرضيك أن أعرف من خارج العائلة؟

- ربما لم تجىء الفرصة للحديث عن مثل هذا التاريخ القديم

- ولو ماداموا لم يقولوا فى البداية؟ فما خفى كان أعظم !!

- يا سلام !! وهل ترى عيبا ظاهرا فى سلوك خطيبتك أو فى أهلها؟

- فى الحقيقة لا، ولكن موضوع قبرص هذا جعل الفار يلعب فى عبى !!

- وما عيب قبرص؟ هل ذقت الزيتون القبرصى الكالاماتا؟

ضحك،وافترقنا

سمعت بعد شهور أنه فض الاشتباك، وترك للعروسة كل تحويشة العمر.

---***---

عندما أسأله بعد أكثر من ست سنوات على هذا الحادث يرد قائلا :

- لابد من التمهل، وان تمر العروسة السعيدة بمراحل عدة من الاختبارات

- كيف يا دكتور؟

- الموضوع يختلف عن سلق البيض

ضحكت قائلا :

- ابني صار فى الإعدادية، وأنت لم تتروج حتى الآن ؟

- لابد من الاختبارات حتى يعرف المعدن !

- يهيأ لى أن شروطك صعبة للغاية !!

- نادرا ما تجدها فى واحدة، فهى غالبا مثل اللاتى سبقنها

---***---

يحلو لى أحيانا أن أفكره بأنه نسى أن يتزوج فيرد بحماس :

- لا ..أنا لم انس هذا المشروع، ولكن لابد أولا من الاهتمام بالوالدين، عندما أتزوج لن تقبل الزوجة أن تهتم بهما، وربما لا تقبل أن أمضى زمنا فى خدمتهما، فماذا أفعل وقتها؟

أجبته بكل تقدير مؤكدا له:

- أنا أحييك يادكتور سامى على هذه الإنسانية الهائلة، ولكن من الممكن الاتفاق على كل شىء

يستانف كلامه قائلا :

- ثم ان البناء لم يكتمل حتى الآن، وأنا عامل حسابى لكل شىء؛ تعالى لترى .

---***---

ذهبت إليه للفرجة كما اتفقنا، وجدته ينتظرنى منذ الصباح، قلت له :

- لماذا جئت مبكرا هكذا؟

أجابنى :

- قلت ربما يحلو لك أن تجىء قبل الميعاد، وعيب أن تجىء ولا تجد أحدا ..

طالعت البناء ؛ عبارة عن فيللا فخمة، بدورين،محاطة بمساحة لا بأس بها، وقد زرع فيها بعض الشجيرات،لمحت منها المانجو والليمون،واليوسفى والبرتقال،وسألته عن تلك الشجيرات الموجودة بالأركان ذات الأوراق العريضة والملمس الناعم،أخبرنى أنها شجرة الخروع،فهو لا يحب أن يقضى وقته إلا فيما هو مفيد،تركنا الحديقة على أن نجلس فيها بعد أن أدخل معه للفرجة ؛ قال لى : بالدور الأول يوجد الرسبشن وحجرة للخادم أو الخادمة , بالإضافة إلى حجرة مطبخ واسعة ,أتبع كلامه بابتسامة ؛ قائلا :

- كما تعلم فالطريق إلى قلب الرجل هو معدته، ويهمنى جدا أن يكون الأكل متنوعا ولذيذا وشهيا،وأنا كما تعلم أجيد الطهى؛ كما يوجد عندى أكثر من أربعة مراجع فى طرق الطبخ وعمل الحلوى، وطبعا من الشروط الأساسية فى زوجة المستقبل أن تكون طباخة ماهرة .

صعدنا الى الدور الثانى لنرى حجرة النوم الرحيبة، قال لى :

- هذه الحجرة أخذت منى مجهودا ضخما فهى كما ترى واسعة، وكما ترى هذه الدواليب داخل الحوائط،أما السقف فقد أحضرت له الكهربائي ليركب تلك السماعات التى سترسل الموسيقى الخفيفة،التى أعشقها كما تعلم، واتفقت مع أحد الصنايعية من خارج المدينة، ليعمل هذه الكرانيش التى لم أرها فبل فى حجرة نوم ؛ وهذا البانوه العجيب فى منتصف السقف، لتركب وسطه نجفة ايطالى كانت هدية من عمى الذى عمل بالسفارة الإيطالية ردحا من الزمن، وخرج الى المعاش منذ عشرين عاما أو أكثر .

لفت نظرى تلك الصبة الخرسانية الموجودة فى منتصف الحجرة، شعر الدكتور سامى أنى أطيل النظر إليها، فوفر على عناء التفكير قائلا :

- أما هذه الصبة الأسمنتية التى لفتت نظرك فهى عبارة عن السرير كما ترى، فلا نحتاج مستقبلا إلا إحضار بعض الخشب للديكور فقط، وأيضا سيكون سريرا هائلا يتحمل تقلبات الزمن( وضحك ضحكة مجلجلة )، وهذا يوفر فى الخشب، ويعيش أطول لأنه حديد . ويوجد اثنين حمام وحمام آخر صغير ملحق بغرفة نوم العروسين كما شاهدت

سبقنى إلى حجرة مجاورة ونظر إلى قائلا :

- هذه هى حجرة المكتبة، وأنا الآن فى مرحلة تجميع للكتب التى سوف أنقلها جميعا وأبدأ فى قراءتها

ازدادت دهشتى عندما رصدت عيناى ذلك البياض الفضى الذى ارتفع من فوديه،إلى قمة رأسه ليرسم خيوطا لامعة كأشعة الشمس التى يصعب تجاهلها أو إهمالها، كما انتفخ كرشه بصورة مزعجة، وأصبحت حركته أقل بطئا، ولكنه مازال يدقق كثيرا فيما يشترى، ويكثر السؤال إذا ما حاول أن يشترى شيئا، حتى ينال ما يظن أنه أجود الأصناف، وحتى يشعر أن البائع لم يغشه أو يضحك عليه، ومازال أيضا يهتم بالتفاصيل الدقيقة وكان يقول :

-.لابد من التدقيق الواحد لا يعيش مرتين،أ ليس كذلك أم أنك لا توافقني؟

أرد قائلا :

- فعلا ..فعلا ..

وأمضى إلى حال سبيلي .

---***---

عندما أقترب من سقف الستين حادثته تليفونيا وكان خارج البلد :

- ما أخبارك؟

- كيف عرفت تليفونى؟

- ليس هذا هو المهم؟

- ما المهم إذا ؟

- أنت ؛ ما أخبارك؟

- كل خير،أنا هنا فى المملكة، المعيشة فى البلد أصبحت صعبة للغاية .

- ومتى ستعود الينا بالسلامة؟

- عن قريب،عندما أكون نفسى الى حد ما، ربما خلال سنتين أو ثلاثة !!

- والزواج ؟؟

- هو سبب غربتي كما تعلم !!!

***

مايو 2005

 

المنقّبة

يتصادف أحيانا أن تأتى إحدى المنقبات إلى العيادة، منذ عشرين أو ثلاثين عاما كان النقاب نادرا، ولكنه انتشر وخصوصا فى القطاعات الأقل دخلا، هذه الأيام صار تقليدا سرت موضته كالنار فى الهشيم، و على ما يبدو صار دخول الإناث الجنة مرتبطا ارتباطا وثيقا بالنقاب ؛ وأن حمايتها تأتى من نقابها، ولا يحمى البيت سوى سيدة وبنات منقبات، ألا ترون أن هذه النظرة فيها نوع من الافتراء على الرجال ونظرة دونية إليهم، واعتبارهم مجرد وحوش آدمية لا تفتأ تنظر إلى أى امرأة غير منقبة حتى تبدأ العيون فى التهامها ؛ ويبدأ التخطيط والإعداد من أجل الإيقاع بها وهكذا؟!...

***

أعرف زميلا قال لى دخلت منقبة فى عيادتى تشكو من التهابات وحبوب فى وجهها، فطلب منها أن تكشف وجهها، فرفضت قائلة :

أنا وصفت لك كل ما عندي

تضايق الزميل وقال لى ماذا يحدث لو وافقتها على رأيها وأعطيتها علاجا ربما يكون خاطئا؟ من المؤكد سوف تشهر بى وتقول أننى لا أفهم حاجة ؛ وتذهب إلى طبيب غيرى وهكذا ..

قلت وما الحل؟

قال أليس الوجه هو عنوان الإنسان، بالنظر اليه نتعرف على الشخصية ؛وعلى الحالة النفسية والمزاجية لصاحب الوجه، نعرف إذا ماكان حزينا أم فرحا، جادا أم هزلا،كما نستشف العمر التقريبى، ونعرف إذا كان السيد أو السيدة او الآنسة مصابة بأى مرض جلدي أو يمكننا التعرف على عديد من الأمراض الجهازية الأخرى التى تبدو بعض علاماتها الثانوية على الوجه، هناك بعض أمراض القلب أو الكلى أو الجهاز الهضمى وملحقاته تبدو ملامحها على الوجه، كما أن هناك بعض الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء، وسقوط الشعر المسمى بالثعلبة ؛ والعكس إذا كان الشعر غزيرا فى منطقة الذقن والشارب والجبهة فنرجح اصابتها "بالهرسوتيزم " وهو خلل هرمونى ينتج عنه زيادة فى نمو الشعر فى أماكن غير معتادة عند الانثى، ومن لون الجفون والشفاه نعرف إذا كان المريض مصابا بأنيميا أم لا، و حبوب الوجه أنواعها كثيرة، منها نوع شائع يسببه حب الشباب، وما نسميه حب الشباب هو كلمة عامة ينضوى تحتها مراحل وأشكال متنوعة من المرض، منها مرحلة الحبوب الصلبة ومرحلة الحبيبات الصديدية ومنها الالتهابات والتقرحات والندب الناتجة عن الحكة والتفعيص فى الحبوب، ومنها أيضا مراحل متقدمة تسمى التكيسات والكونجلوبات، ولكل مرحلة من هذه المراحل علاج مختلف، وهناك أنواع أخرى نادرة من إصابات الوجه يسببها ميكروب الدرن وهناك أيضا بعض الطفيليات الاخرى مثل الليشمانيا، له شكل مميز إذا أصاب الوجه

قلت وما الحل؟

أجابني بأن ثقافة المجتمع متروكة لأفكار بعض الناس يحددونها وينمطونها،هناك مريضة اكتشفوا بعد عشر سنوات أنها ليست صاحبة البطاقة العلاجية، وأنها بصفتها منقبة – لم يتعرف أحد على الحقيقة،إلا مصادفة ؛عندما نادت عليها احدى قريباتها باسمها الحقيقى أمام موظفة تسجيل الحالات

غريبة وماذا فعلت مع المنقبة؟

كنت سأطلب منها أن تذهب إلى طبيب غيري أو إلى طبيبة، ولكنها رفضت وقالت أنها تتمتع بنظام التأمين الصحي وهى منتفعة به، وأنها لا يمكنها ان تأتى مرة ثانية لأنها خرجت "بالعافية" كما تقول فزوجها يرصد تحركاتها، ودائما على اتصال بها عن طريق الموبايل، ولا يسمح لها بالخروج إلى مثل هذه الأماكن، وأشارت بسبابتها بسخرية إلى الجو المحيط بها ...

لم آجىء إلى هنا من أيام الاعتكاف

تساءلت مندهشا :

أيام الاعتكاف؟!

نعم ..العام الماضى عندما كان زوجها معتكفا ..لم يستطع أن يخرج من المسجد، وطلب من زوجته المنقبة أن تذهب ببطاقته إلى التأمين الصحى لتأخذ له أجازة اعتكاف ..!

أجازة اعتكاف؟!

نعم .. أجازة مرضية يعنى ..

يومها جاءت لى السيدة، وادعت أنها داخت فى جنبات التأمين وردهاته، سألتها عن المريض ؛ فقالت لى إنه زوجى، وانه يعرفك، وأنت تعرفه، نظرت فى دفتره التأمينى، وقلت لها :

أنا لا أعرف أحدا يا ست ..

وجدتها تدق أزرار الهاتف، وتضعه على أذنها ثم قدمته لى، قائلة :

هو معك على الخط سيكلمك ...أرجوك كلّمه ..

***

قلت له وقد ازدادت حيرتى : وكيف انتهى الموقف مع هذه السيدة؟ وماذا فعلت؟

أبدا... نظرت إلى الأعداد المنتظرة فى الخارج، وإلى ضيق الوقت ؛وإلى ضآلة أهمية الإنسان فى بلدنا، وحولته إلى مدير العيادة للنظر فى أمره، فهو أولا لم يحضر ؛ وثانيا متمارض، وثالثا صورة سيئة للإسلام، ولا يفهم دينه ورابعا...قلت له: كفاية كده قوى ..الله موجود.

***

خردة

سمعت صوتا زاعقا لأغنية شعبية هزيلة، خرجت إلى الشرفة لكى أتعرف على مصدر الصوت، أرى إن كان فى مقدورى أن أطلب من العربجى أو صاحب الموتوسيكل أن يهدىء الصوت، لم أتمكن من معرفة مصدر الصوت لكثرة انواع المركبات وتداخل الأصوات. بعد قليل دخل التومرجى وقال لى كشف مستعجل :

تفضل

أنا مستعجل لأنى واقف فى الممنوع

تذكرت ما كان بينى وبين هذا الرجل منذ أعوام، كان يتردد على العيادة، كان فى البداية يأتى للكشف، والعلاج، مع الوقت صارت زياراته لى نوعا من البوح، أو الطقوس شبه المنتظمة التى يحرص عليها؛ توطدت أواصر الصلة بينى وبينه، من ناحيتى كنت أوليه اهتماما، وأعطيه أذنى، أصغى إليه،كان أيامها يعمل فى المطحن، ولم أنساه لأنه قال انه يعمل فى " الهبو "وعندما مرض، تحول لعمل أشعة على البطن، وقالوا له انهم وجدوا" المصارين بيضاء" فى الأشعة، وقالوا له مصارينك مليانه " هبو ".. كان يشكو من حكة فى منطقة البطن والعانة، بعد السلام جلس أمامى

ما شكواك؟

عندى نظام حبوب، نظام هرش ؛ ووجع فى ضهرى والوجع نزل عا المشترك

المشترك؟

آه

نزل تحت البيض

***

و إيه تانى؟

آه ..الوجع نزل تحت البيض ...عاوزك تكتب لى نفس المرهم ...

***

فى بداية معرفتى به كنت مندهشا من تلك الشخصية البسيطة، كان قصيرا وسمينا، ذا بشرة بيضاء و وجه مدملك، يكاد ينفجر من انتفاخه؛ فى نطقه ثأثأة، بينما عيناه زرقاء مثل البحر المالح، قلت له :

مازلت فى المطحن؟

لا..أنا الآن أعمل بالخردة وأولادى يعملون معى

***

فى نطقه ثأثأة ؛ قال لى :

كنت أريد ان أحضر لك من مدة، ولكن العمل والسفر شغلونى

وهل تسافر كثيرا؟

أنا أحب السفر ..لابد منه عشان نحضر المزادات فى مصر واسكندرية ؛إى مكان فيه سبوبة ...اشتريت للأولاد كل واحد "حتة عربية" غير الحتة الشبح الواقفة قدام العمارة تحت،تساعدنى فى السفر لألحق المزادات، المزاد لا ينتظر أحدا..ممكن يكون فى الصعيد أو فى القاهرة أو فى بحرى ..حسب التساهيل

وهل لك ابناء؟

نعم أربعة غير البنتين ؛ جوّزنا البنتين،الرجالة كلهم فى نفس المهنة ؛ تجارة الخردة ؛أصغر واحد فى الاولاد معاه عربية بيجو آخر موديل

****

كشفت عليه وكتبت له علاجا وقلت له :

مرهم وبرشام مرتين يوميا و استابينا

استابينا إيه؟ برشام وألا حقن؟

تبسمت : برشام بس..

هو ده العلاج بتاع زمان والا لغيته؟

ده حيكون أحسن من علاج المرة اللى فاتت .

يارب .. سلامو عليكو

عليكو السلام .

***

أنت فاكرنى؟

دخل حجرة الفحص، بلونه الأسمر الجميل، كانت تفوح منه رائحة عرق نفاذة .

.تفضل..

أنا جيت لحضرتك من سنتين تلاته أربعة او خمس سنين كده...!

أهلا وسهلا..

طبعا فاكرنى؛ انا جاى من المركب على طول على هنا ..

حمد الله على السلامة ..بتشتكى من إيه؟

محاشمى بترتفع فى الشتا

وفى الصيف؟

فى الصيف تكون مدلدلة

رحت لطبيب جراح، جال لى تعامل مع دكتور جلدى، جامت المركب، وسافرت ولما رجعت طبّيت لك بعد ما سويت التحاليل، وضع ورقة التحاليل على المكتب، وقال :

طبعا فاكرنى

رددت بآلية ..طبعا ..

أخرج من جيبه خطابا آخر، وضعه أمامى على المكتب قائلا

ده جواب زميلى باعت لسيادتك الطلب ده

وأخرج من جيبه الآخر ورقة صغيرة، تناولتها منه وفردها وقرأت :...

"سعادة الطبيب السلام عليكم ..مطلوب :

مرهم لفسافيس ببوز فى الوجه

علاج للهرش فى كفة الإيد..

مرهم للحساسية

4 أيام أجازة وشكرا .."

قرأت الورقة ؛ وكدت أضحك .

نظرت إلى أوراق التحاليل ...فحصته ؛ وكتبت له علاجا، وقدمت له الروشتة ..أمسك الروشته وبحلق فيها وهو يشير بسبابته إلى الكلمات رافعا نظارته الطبية، وسأل:

كتبت لى ايه؟

دهان وحقن وبرشام ..الدهان والبرشام مرتين يوميا والحقن كل يومين

دهان؟ مفيش مرهم؟

كتبت لك مرهم تدهنه

والبرشام؛ حبوب ولا برشام؟

البرشام يعنى حبوب

آه.. وحرك رأسه متفهما الكلام وموافقا عليه..وأعاد النظر إلى الروشتة، وأشار بسبابته إليها متسائلا :

فين الدهان؟

فى الروشتة، حتلاقيه فى الأجزخانة

يعنى نلاجيه فى الصيدلية؟

نعم الاولانى وألا التانى؟

كله مكتوب عندك

وفين البرشام؟ بعد الدهان؟

نعم بعد الدهان

بعد ه .. فى الروشتة؟

أيوه

والابر؟ حقن وألا إبر؟؟

الحقن هى الإبر

فتحت له الباب، مددت له يدى بالسلام، خرج وجذب مقبض الباب وراءه ؛ ثم فتحه ثانية والتفت لى قائلا :

الإبر مرتين فى اليوم؟

لا مرة كل يومين ..

متى آجى لك تانى ؟

  • ترجع المركب .

 

وضحكت عليك !

حدث هذا منذ حوالى أربعة أعوام ؛ كانت السيدة الأنيقة فى الخمسينيات من عمرها تبدى لوعتها وأسفها من غلو أتعاب الطبيب، بالرغم من أنها مبالغ زهيدة جدا بالمقارنة بالسوق، نظر الطبيب إلى الفتاة الشابة التى كانت تصاحبها، تبسم وقال لها:

هل توافقين على كلام المدام يا آنسة؟

نظرت السيدة إليها وقالت ابنتى شيرين !

أهلا وسهلا

تبسمت الآنسة وهزت كتفيها دون أن تنبس .

تأثرالطبيب بكلام السيدة وأعتبر أن ما جاء على لسانه من طلب أتعاب يعتبر لاغيا أو شبه لاغ، تحركت السيدة بكلام أكدت به علو أصلها وفصلها، وكثرة أقاربها المديرين ورؤساء مجالس الادارة المنتشرين فى أكبر الشركات، تركت أثرا فى نفس الطبيب، أحيت فكرة فى نفسه طالما تمنى أن تتحقق، شباب هذه الأيام يعانون من البطالة، ليس لقلة فرص العمل، وإنما للتعتيم والأنانية التى نعامل بها بعضنا البعض، كل مسئول صار يفترض أنه صاحب الشركة والمهيمن على كل أوضاعها؛ بل وكأنه مالك لها، تمنى أن يعثر على وظيفة لأحد أقاربه، فأصحاب الوساطة والحظ، هم الذين يحصلون على الوظائف هذه الايام !

وها قد جاءته الفرصة ..

***

بعدها بأيام، دخلت السكرتيرة وقالت للطبيب بتأفف :

السيدة التى كانت هنا المرة السابقة تقول أن المرسيدس واقفة فى الممنوع، والخدامة فى السيارة، وتريد أن تنتهى بسرعة .قال لها بهدوء :

دعيها تدخل

هذه المرة جاءت السيدة وحدها، تذكر أن يفاتحها وأن يطلب منها أن تبحث لابن أخته أو ابن أخيه عن عمل، اعتقد أنها سوف تلبى طلبه مسرعة، وخصوصا أنه لم يطالبها بأى أتعاب ..

قال للسيدة :

أريد أن أحدثك فى شىء ...

انتبهت له السيدة، وقالت :

أكيد بخصوص بنتي !

بنتك؟!

نعم شيرين التى جاءت معى فى المرة السابقة

أومأ كانما يتذكرها، آه آه.. أجاب ..كيف حالها؟ لماذا لم تأت معك اليوم؟

مشغولة شوية، معها واحدة صاحبتها . يبدو أن الموضوع الذى تريد الحديث فيه مهم

يعنى .. مهم طبعا ..

لازم عندك عريس لشيرى !!

نعم نعم شيرى تستاهل كل خير ..العرسان كثيرون..ولكن!!

ولكن ماذا؟

أريد أن أحدثك عن ابن اختى ..

هل هو العريس؟ أكيد جاهز.. طالما ابن اختك..

لا لا ياسيدتى ..أنا أقصد شيئا آخر !

شيئا آخر ! وماهو؟

أبحث له عن وظيفة

أسقط فى يدها، وقالت :

أوكى ..جهز لى اوراقه ؛ ال cv، وسوف آتى لآخذها فى المرة القادمة ..

انتظرى قليلا لتأخذيها معك ..

جهزها على مهلك ؛ وسأرسل لك من يأخذها غدا ...

هكذا؟

نعم نعم أشكرك يا دكتور ...سلام !!

***

فى اليوم التالى جاء رجل وطلب الأوراق، لم يتلق الطبيب ردا بعد شهر، انتظر شهرا آخر، عندما أدركه اليأس تناسى الموضوع آسفا، تعود ألا يتعلق كثيرا بكلام الناس، من الممكن أن يسقط نصفه بسهولة، لأنه لامردود حقيقيا له، أتت السيدة بعد أسابيع مهللة :

لقد كلمت لك الرجل

الرجل من؟

العضو

العضو؟ أى عضو؟

كما قلت لك سابقا بخصوص توظيف الولد ..هل نسيت؟

لا لم أنس،والطلب سيأخذ دوره

أشكرك

أريد أن نكمل خدمتك لى

أى خدمة ..

أن أكمل العلاج لأن هناك نتيجة حسنة

جميل جدا

بدأ الطبيب فى عمله، وانتهى منه، لم يتقاض أتعابا من السيدة الأنيقة مثل المرات السابقة ؛ على أمل أن تبشره بالوظيفة التى لم يرها منذ هذا اليوم الذى مر عليه أكثر من أربع سنوات

***

 

أمازلت تذكر؟

كانت فى سقف الأربعينات، لم تعدم مسحة جمال، منذ شهور قليلة ؛ كانت فرحتها غامرة بآخر زواج لها ، فقد تزوجت عدة مرات من قبل، قالت لصديقاتها :

"مختلف عن غيره ؛ أحسن منهم .. و عفى !!"

عندما يسمعن عن فتوة العريس، وعن فحولته فى جولاته الخاصة؛ كن يتعجبن؛ ويغبطنها

---***---

عندما اتضحت الرؤى ؛ بدأت المعارك مع الزوج السابق ؛ بعد أن تأكد لها أنه طامع فى مالها؛ وصلت إلى المحكمة بعد أن مرت بقسم الشرطة لتحرر له محضر اعتداء ؛ أخذوا عليه تعهدا، بعد أن تم حجزه واستجوابه.. على الفور توجه بها المحامى إلى محكمة الأسرة . فى دعواها أمام محكمة الأسرة قالت انه يريد أن ينهب أموالها، وانه تعدى عليها بالضرب واللكم؛ وأكدت كلامها بشهادة طبية.

---***---

تذكر الطبيب أنه استعد يومها للعمل ؛ كانت جالسة أمامه، لم يكن دفتر قيد الحالات موجودا، ولا توجد سماعة أو جهاز لقياس الضغط أو الحرارة.

سألها :

أين الدفتر يا مدام؟

أى دفتر؟

دفتر التسجيل..

ياه.. لقد نسيت !!

توجهت إلى الدولاب ؛ فتحته وأخرجت الدفتر وجلست .

تعجب الطبيب قائلا :

و باقى الحاجات؟

"حاضر ".. وقامت لتحضر الدفاتر والترمومتر والسماعة الطبية وجهاز ضغط الدم .

---***---

كان عقلها مغيبا وسارحا فى مشكلاتها الشخصية التى اعتادت عليها ؛ سألها الطبيب:

ما أخبار العريس؟

ماذا؟

لا تتحدثين عنه هذه الأيام؟!!

أسكت ..اكتشفت انه مدمن، و يريد أيضا أن يأتى بسيدة أخرى معى !

قال الطبيب كأنه غير مصدق :

كيف؟

أى والله ..يريد أن يأتى بسيدة أخرى وننام سويا على سرير واحد !!

وأنت.. ماذا كان موقفك؟

ماذا سيكون موقفى؟ ما الذى تتوقعه؟

طبعا رفضت..

لا اشترطت عليه أنى أكون أنا نمرة واحد فى كل حاجة !

---***---

تعجب الطبيب حينها من التطور المفاجىء الغريب للأحداث ؛ فلم يكن قد مضى سوى شهور قليلة على زواجها من ذلك السائق صاحب الكيف كما كانت تقول ..

..تبسم الطبيب قائلا :

" من المؤكد أنها عين وأصابتكما يا مدام؟".

أريد أن أبلغ عنه

عمن؟

عن هذا الذى ابتليت به !

ما الموضوع؟

أراد أن يستولى على مرتبى كما تعلم ؛ والأدهى انه يغيب فى بعض الليالى، عرفت انه يذهب إلى منزل طليقته، ويبيت عندها ...

ربما يكون قد ردها إلى عصمته..

لا ..لا يستطيع يا دكتور إلا بمحلل، لقد طلقها طلاقا بائنا ...

هل تأكدت من هذا؟

طبعا لقد اشترطت عليه ذلك قبل الزواج، ورأيت وثيقة الطلاق بعينى هاتين !

---***---

بدأت تنادى على المرضى :

"سامح العمورى .."

"نعم.."

سأله الطبيب : "تفضل يا سامح ..ما الذى جاء بك؟"

"جئت بالميكروباس يا دكتور" تبسم الطبيب قائلا :

" لا.. أقصد.. ما شكواك؟.. "عندك إيه يا سامح؟"

"أوجاع فى الرأس، وقىء، كما أشعر بهبوط .."

"حقن عضلى يوميا وكبسولات ؛ وراحة يومان ..من بعده؟"

---***---

"سليم النجدى "..صاحت الممرضة

عندك إيه يا سيد سليم؟

"حكة شديدة ؛ أنا والأولاد أيضا ..."

فحصه الطبيب ؛ وقال له :

"لابد من مراعاة النظافة ؛الاستحمام يوميا بالماء الدافىء والصابون الطبى، وقص الأظافر واستعمال الدهان مع غلى الملابس وتغييرها .."

شكره المريض وخرج داعيا له .

---***---

أما المريض التالى ؛ فقد كان شابا طويلا وعريضا، استاءت الممرضة لأن بطاقته الصحية متهالكة، فقدت صورته ؛ دخل بعد النداء عليه قائلا :

" أنا وليد "

سألته الممرضة :

أين صورتك يا وليد، ومن أدرانا أنك وليد؟

قال لها : والله العظيم انا وليد، وهذه بطاقتى الشخصية، وهم بوضع يده فى جيبه لاستخراج البطاقة ..

قالت له :

خلاص خلاص ..

سأله الطبيب :

"ما شكواك يا وليد؟"

"أشكو من حرقان شديد بمجرى البول؛ مع صعوبة التبول وإفراز لزج .."

"هل أنت متزوج؟"

"لا "

"أين تعمل؟"

" فى الداخلية.. فى مباحث الآداب .."

نظرت إليه الممرضة وقد جذبها الرد :

"صحيح؟؟"

تبسم وليد ؛ أردفت :

" يعنى يمكنكم القبض على مرتكبى الفواحش !!"

"طبعا ..هذا عملنا "

" طيب أنا أريد منك طلبا"

" أمرك "

" الأمر لله ..أريد ..".، وأخذته جانبا لتسر إليه بحديث.

---***---

قال وليد بصوت مسموع :

" لابد من الإبلاغ، وكتابة اسم وعنوان المبلغ ورقم تليفونه أيضا .. وان لم يكن صحيحا فالحذر واجب حتى لا تقعين تحت طائلة القانون ."

" لماذا؟ "

" هناك بلاغات كيدية وكاذبة ..كما تعلمين "

"......."

" هناك طريقة أخرى للقبض عليهما

ما هى؟

يمكن عمل المطلوب وديا ..."

قال لها ذلك؛ وشكر الطبيب وخرج مؤديا تحية من الرأس بطريقة تمثيلية .

تابعه الطبيب - هو خارج من الحجرة - محاولا تخيل تلك الوظيفة الجهنمية التى يقوم بها السيد وليد ...

---***---

بعد أيام حضر وليد إلى العيادة ؛ لم يتعرف عليه الطبيب من الوهلة الأولى، تبسمت الممرضة فى خبث طفولى ؛ نظرت إليه متعلقة، وقالت للطبيب :

وليد ...سيادتك فاكره؟

حملق فيه الطبيب وابتسم قائلا :

مم تشكو هذه المرة يا وليد؟ حرقان فى البول , و..

قال : أبدا... أشكو من ضعف عام وآلام بمفاصلى ..

قاطعه الطبيب ؛ وهو ينظر إلى الممرضة التى تعلقت عيناها بعينى الطبيب ؛ وقد ارتسمت نفس الابتسامة المتسائلة فى خبث ودهاء على وجهها , قال:

الكبسولات والفوار 3مرات يوميا مع مراعاة الإخلاص فى العمل ؛ و تحرى المتهمين جيدا ..

ظل وليد مبتسما وهو يتابع الطبيب بعينيه، تناول الروشتة وشكر الطبيب، نظر إلى الممرضة قائلا:

أتريدين منى أى شىء؟

قالت : شكرا ..نفس الميعاد .

***

بعد شهور قليلة ؛ كانت الممرضة والطبيب يستعدان للعمل، نظر الطبيب إلى الممرضة متسائلا :

ما الذي تم فى الموضوع؟

قالت وهى تلملم الدفاتر وتضعها فى الدولاب :

أنت لم تبارك لى ..

رد الطبيب:

علام؟

قالت :

على الزواج ...ألم تعلم أنى تزوجت؟

مبروك ..ألف مبروك ..ولكنى أعرف أنك متزوجة من صاحب الكيف

لا ..لقد أفترقنا وتزوجت سيد سيده..

سيد سيده؟

نعم..

***

ربما يكون هذا هو الزواج السابع أو التاسع على أرجح تقدير ؛ بل ربما كان العاشر مثلا، طالما كانت تحكى عن تاريخها مع الزواج !.

أنا لا أحب غير الحلال !

طبعا؛ أنعم وأكرم ؛ لكن ترى من هو العريس المحظوظ؟

أنت تعرفه !

لا أعرف ..من تقصدين؟

لقد رأيته قبل ذلك .. أتذكر ذلك الشاب الذى حضر إلى العيادة منذ فترة؟ وكانت بطاقته الصحية بدون صورة؟

أجاب :

نعم ..نعم ذلك الشاب الضخم ..الذى يعمل بالأمن؟

نعم هو

إن سنه صغيرة ..

اجابت مبتسمة: لا يضر

سألها الطبيب:

وكيف حالك معه؟

ابتسمت من تحت نظارتها الطبية الكبيرة وقالت بصوت خفيض :

الحمد لله.. ربنا يديمها نعمة

يا سلام يبدو انه عريس لقطة !!

نعم ؛ فعلا .. صحته ما شاء الله . الشر بّره وبعيد، قوى.. قوى جدا ...

الله !!!

أى والله العظيم ؛ يظل طول الليل صاحيا، لا يشبع من شىء !!

وما الذى تم فى الموضوع القديم؟

أبدا يا دكتور...أمازلت تذكر؟ لقد حاولنا إثبات التهمة، ولكن وليد أقنعنى- بطريقته - أن أخلعه، وأتجاهل الموضوع، وكما ترى ..تزوجنا...!!

***

 

مبروك يامهجة

تسألنى مهجة بإلحاح ؛ وهى تنظر إلى ثدييها فى المرآة :

هل لدى ثدى مهدل عن الآخر؟

ابتلعت ريقى ؛ و أعدت النظر والحساب

كانت حاملا فى الشهور الأخيرة، تخاف من المرض اللعين ؛ ارتديت القفاز وتحسست المكان المصاب ؛ وجدت كتلة تشى بالصلابة فى المنتصف، حولها إفراز مدمم، وشىء كالمخاط ..طبعا هناك فرق واضح..

لم أقل لها ذلك ؛ تركت الأمر غائما ؛حتى لا تفقد المرأة صوابها .

قلت لها:

لابد من السفر لإجراء بعض التحاليل ..

***

أنا الآن بعيد بعيد .. جنوبا بالقرب من الساحل، أعمل فى مركز طبى يطل على البحر، الشمس تغلف المكان ونشوة تسرى تنهض سيقان الزروع وتبعث الورود والرياحين من أكمامها، تفوح بعبقها الحانى، سطح المياه الفيروزية الممتد يبدو من تلك النافذة التى فى مواجهتى ..يوميا ينتهى جودة من أعمال النظافة ؛يضع شاى الصباح على المكتب،أتطلع إلى عينيه الذابلتين وشاربه السميك المتهدل على جانبى وجهه، كرشه المكور يدفع معطفه الأبيض إلى الأمام

- أى خدمة أقوم بها؟

- شكرا يا جودة ..لا تنسى شراء اللانشون وتجهيز السلاطة للغداء

جودة لا يجيد الطبخ ولا أنا.. نستطيع فقط أن نسلق البيض نقليه؛ ونقلى السمك بالزيت سويا مع الأرز الذى يجهزه جودة ويأكله بصفة شبه يومية.

غالبا ما أتناول طعام الغداء مع جودة بعد الانتهاء من العيادة الصباحية التى يأتى إليها عدد لا بأس به من المرضى .كنت أكتب لهم علاجا خارجيا بالإضافة إلى أدوية المركز المحدودة.

***

تعودت أن أرنو إلى البحر ؛ أراقب الآن مجموعة من الكلاب السارحة فى تلك المسافة الفاصلة بين البحر والشاطىء .تأكدت أنها عائلة تحيا حياة متكاملة تماما، بهرني منظرها وهى تعاقب أحد أفرادها يوما ؛ كما بهرتنى عندما ارتفع نباحها وتجمهرت إثر إصابة أحدها بشوكة من أشواك البحر .

عن اليمين والشمال تناثرت فيللات لعمال البترول، تمتد مساكنهم بحذاء الشاطىء، كل فيللا مستقلة محاطة بحديقة واسعة . بامتداد الأفق أستطيع أن أرى مدرسة ابتدائية ومحل صغير للبقالة كتب على لافتته " سوبر ماركت" ؛ يوميا فى المساء يجىء إلى المركز صديقى على ناظر المدرسة، يجلس معى قليلا نحتسى الشاى ثم يغادر

قال لى يوما :

الأولاد هنا عمليون لا يريدون الاندماج فى الدراسة، أحدهم سمين ينام فى مكانه؛ عندما يكون متيقظا يعبث بهاتف نقال فى يده، يخرج أكوام من السندوتشات والعجائن من حقيبته، عائلته تقطن إحدى الفيللات المجاورة.

يجلس الأستاذ الناظر معى حتى أتثاءب ؛ فيبتسم فى أدب وينظر فى ساعته ويستأذن خارجا وهو يقول:

الساعة عدت 10 ..الوقت سرقنا..

***

توجد لافتة على باب المركز " الكشف والعلاج مجانا "

منذ أيام استدعيت لفيللا جارى، الذهاب إلى المنازل يمثل لى مشكلة ؛ وخصوصا هنا ؛ كانت زوجته على وشك الولادة، تقريبا الولادة السابعة - ما شاء الله- لها أبناء فى المعاهد والكليات الخاصة، طمأنت زوجها بأن الولادة طبيعية ووشيكة .

بالأمس شاهدت من نافذتى عجلا سمينا بحديقة فيللا جارى ؛ ظللت أسمع خواره فى أوقات متباينة من الليل والنهار ؛ يعلو صوته فى أواخر الليل و مع مطلع الفجر،حاولت أن أقدر ثمنه؛تسليت بالحسبة التى أدرتها فى ذهنى ؛ وجدت المبلغ ضخما.. كان جارى يضع له كمية هائلة من البرسيم والعلف الجاف .

***

بعد أيام أتت مهجة بابنها الوليد إلى المركز، ألقت السلام ؛ أزالت الوحشة من صدرى؛ رددت عليها السلام بصوت جهورى وابتسامة رسمتها على شفتى ؛ تلاشت النكتة السوداء من صدرى، رحبت بها قائلا:

مبروك

من أخبرك باسمه؟

اسمه؟ أنا فقط أبارك لك

بارك الله فيك وعليك، سميناه مبروك على اسم جده " مبروك رابح مبروك" جئت لأدعوك إلى عقيقة مبروك

شكرتها ؛ أردفت:

ألا يوجد لديكم ميزان؟

ميزان؟

نعم أريد أن أزن المبروك

لقد تسلمت المركز قريبا وسوف نطلب ميزانا من الإدارة..

ردت ساخرة:

- يا عيني! .وحدة صحية وتقولون مجانية ؛ ولا يوجد لديكم ميزان؟

حاولت أن أغير الحديث ؛ قلت:

- هل كلكم تفهمون فى الزراعة؟

تبسمت وقالت:

- لا أفهم مغزى سؤالك

- أرى حدائق محيطة بالفيللات ؛ وكلها تقريبا مزروعة بطريقة ممتازة .

- نعم .هناك جناينى مخصص، أكثر من واحد؛ كلهم يشرفون على الحدائق، سوف آخذ الرجل المخصص لى هنا ليزرع لى حديقة منزلى الذى بنيته فى البلد بالصعيد، لقد رفعنا خمسة أدور – وأشارت بيدها- وحولها مساحة كبيرة للحديقة !

لهذه الدرجة؟ لابد أنه جناينى فذ!

نعم! إنه يفهم فى جميع أنواع الزراعة الشتوية والصيفية، يفهم فى زراعة الخضر والفاكهة بأنواعها، يفهم فى الكنتالوب والفراولة والزهور والورود بأنواعها ..قال لى جارى إنه يعلم أبناءه فى الكليات الخاصة، خمسون ألفا فى العام، وستون ألفا للآخر، سألته:

كل عام؟

أجاب:

نعم ؛ كل عام

***

يوم السبوع ذهبت لألبى الدعوة، نحر لمبروك العجل السمين

***

الوقت هنا فيه متسع للقراءة والاستجمام ؛ انتويت على إجازة موافقة لموسم معرض الكتاب، لم أستطع أن أشترى نصف ما أعجبنى من الكتب، اكتفيت بمجموعة صغيرة ونفدت أموالى، تعجبت من ارتفاع الأسعار ؛ لم أتأكد.. أهو ارتفاع فى الأسعار ؛ أم ندرة المال فى جيبى؟

عدت من إجازتي القصيرة بالقاهرة لأجد المركز وقد خرجت أمعاؤه ؛ عرفت أن المقاول قد بدأ العمل، "أعمال التجديد والصيانة " هكذا يسمونها،، نزع الأبواب والشبابيك ..قام بتكسير السيراميك الأرضي والحائطي..

قلت: وما الداعى؟

قالوا :هكذا المناقصة.

بعدها قام بتكسير النوافذ وإزالة الملاط

تساءلت بدهشة ممزوجة بالحزن:

وما الداعى؟ النوافذ سليمة و ملاط الحوائط على ما يرام.

رد بخشونة :

لابد من الالتزام بكل البنود.

***

لم يغادر ذهني طيف المرأة، هى لا تدرى ما أفكر فيه واعتقده ؛ أخاف أن ينتشر المرض اللعين فى جسدها ؛ ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوها، هذا حقها، واجبها أيضا أن تخاف وأن يدفعها الخوف إلى البحث عن علاج ؛، وهذا أيضا شعور مطلوب، الإنسان وحدة واحدة ..لن تسعد المرأة إلا بتساوى الثديين، الأيمن والأيسر ؛ لو ترك هكذا سوف تهاجم الخلايا باقى الجسد ستنفى عن ذلك الثدى الآخر روعته ودفئه وليونته وتدفقه بالحياة ستهاجم العظام والكبد والطحال، ستأتى على الرئتين ؛ ستقضى على البناء كله سينهار الجسد رويدا رويدا

نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة، هل افتقدنا السيمترية و صرنا كالجسد المشوه؟ مجرد أشلاء متجاورة تحتاج إلى جراح ماهر ينفى عنا الخلايا الأكولة المتطفلة ؛ التى تنهش الجسد نهشا ! نصحتها بالسفر لعمل الأبحاث اللازمة، حتى لا يميل القارب وينقلب مع عنف أمواج الداء..

***

تناولت رشفة من فنجان القهوة الموضوع أمامى على المكتب، سمعت طرقا خفيفا قلت: ادخل ..تبسمت وهى داخلة ؛تبدو كأنها لا تكترث ولا تعرف شيئا عما يدور داخلها ؛ انتزعت ابتسامة رسمتها على شفتى ..

أمازلت هنا يا مهجة؟

نعم يا دكتور..

لن يفيدك البقاء، يجب أن تبحثى عن حل لمشاكلك ..لابد أن تذهبى إلى هناك.

لا أحب السفر، أنا فى حيرة، ألا ترى أننى قد تحسنت؟

سكت برهة وقلت:

أريدك أن تأخذى الأمر بجدية

ذهبت إلى ضاربة الودع، وسألت شيخا طاعنا فى السن، وعدنى أعرابى بعلاج سيحضره لى ؛ أجلت السفر قليلا!

***

 

البخيل والشيطان

جلست لأصلى تشهد العشاء دون أن أكون متأكدا من اننى وصلت إلى نهاية الصلاة، كنت أسأل نفسي بعد أن جلست ؛ هل ياترى صليت ثلاث ركعات أم أربع؟! سلمت ؛ سلم علىّ جارى ؛ وتولى تأكيد ما حاك فى صدرى قائلا : اعتقد أنك صليت ثلاث ركعات فقط ؛ هذا ما كنت أظنه، أردت أن أحكى له عمَّ أخرجنى من صلاتى، بالضبط فى تلك اللحظة التى لمحت فيها المدعو (ش) أثناء اعتدالي من الركوع، فمنذ ساعة تقريبا، كان معى بالعيادة، لم يكن ميعاد عملى، ولكنى كنت بالصدفة متواجدا مع النجار والكهربائى أراجع معهما بعض الإصلاحات الهامة، فوجئت ب (ش) يدخل علينا مسرعا، كان قد أحيل إلى المعاش منذ شهور، من شركة البترول الشهيرة التى كان يعمل بها، دخل قائلا فى سماجة :

أين الورقة؟

تساءلت : ورقة؟!

تبسم قليلا وقال مداريا مشاعره: نعم البيان .. بيان الولادة ! كالذى كتبته لى فى الولادة السابقة !

***

بالأمس عندما عدت إلى منزلى أبلغنى ابنى أن ( ش) جاء إلى منزلى ويقول أنه متعجل لعمل شهادة الميلاد، فى المساء توقعت أن يأتى فى ميعاد العيادة لكى أقوم بعمل ما يحتاج، عندما عدت فى المساء إلى منزلى ؛ قالت لى زوجتى متأففة إن (ش) حضر إلى المنزل وترك لى هذه الورقة ؛ نظرت إلى الورقة ووجدته قد كتب :اسم الأب . اسم الأم -- اسم المولود ... تاريخ وساعة الولادة ..

تعجبت، ما هذا القرف الذى يأتى من الجار؟، وهل هذا هو الذى أوصى عليه الرسول؟ فكرت أكثر من مرة و تأكد لى بعد النظر الذى تحدث به الرسول ؛ تأكدت أنه يوصى به خيرا ؛ بمعنى أن نتحمل بوائقه ونتجنب نقائصه وشروره ..

***

تكرر منه هذه الفعل فى ميلاد ابنته السابقة، تعجبت يومها من انه لم يخرج البيان ممن قام بالتوليد، يومها قال لى زوجتى وضعت فى الشرقية، وأريد أن أسجل المولود هنا فى مدينتى، سارعت بتحرير البيان، كتبت اسم المولود واسم الأم والأب، وساعة وتاريخ الولادة،ومهرته بخاتمى، كأنما تمت الولادة تحت اشرافى، أعطيته له ؛ أذكر يومها أنه تناول البيان ومرق من العيادة كالسهم،مختفيا من أمامى بعد أن لفظ بكلمة شكرا وقد داس على حروفها، كأنما يقذف بها فى وجهى، وخرج مسرعا .

هذه المرة لعنته فى سرى، وسألته :

لماذا لا تحرر البيان فى مكان الولادة؟

تنحنح وقال :

كما تعلم فإن زوجتى تعودت أن تسافر إلى أمها لتلد هناك ؛ وأنا أريد أن أسجل المولود هنا ليكون من مواليد مدينتنا، وهل ترضى انت أن يكون كل واحد من مكان؟

نعم؟

لا يرضيك طبعا يا دكتور ؛أكتب لى الورقة بسرعة لو سمحت، لأنى سأخرج من عندك، وأتجه فورا الى مكتب الصحة لكى أستخرج شهادة الميلاد، ثم أذهب الى السوق لأشترى حاجات السبوع، وأذهب بعدها الى المحطة لأسافر الى الشرقية .لأرى زوجتى التى وضعت أمس ؛ ومازالت تنتظرنى حتى أحضر لها هذه الحاجات ! قالت لى لا تنس المقتقة و السحلب والحلبة الموغات والحلاوة وباقى أدوات السبوع، ولا تنسى أيضا عندما تصل إلى الزقازيق أن تحضر لنا زوجين أو ثلاثة أزواج فراخ بلدية سمينة !

لم يتركنى أقوم بما أريد؛ قطرنى حتى باب العيادة.

***

 

الباشا

طلبنى لافحصه فى مكتبه، تعجبت وقلت لنفسى ربما تكون حالته حادة، ذهبت اليه بمكتبه بقسم الشرطة، لن أنس تلك الأصابع الممتلئة الناعمة التى تشبه أصابع الموز، والتى كان يشير بها دائما فى الهواء أثناء حديثه معى، كان فرحا، استرسل منطلقا على راحته فى الكلام، تعلمت من أبى أن أستمع جيدا وأن أوجه نظرى تجاه محاورى، لا أتكلم عادة إلا وقت اللزوم ؛ أحيانا لا انطق إلا إذا علقت على حالة الطقس مثلا،أو أردت أن أتبول أو أنهض من المكان لسبب هام .

أهلا بك .. تشرب إيه؟

لا شىء شكرا..

فنجان قهوة؟

لابد؟

زارنا النبى..

العفو

***

قلت الحمد لله ؛ الحالة مطمئنة ؛ صاح بالنداء على الشاويش النوبتجى ؛ الذى حضر مسرعا

أمرك يا باشا؟

2 قهوة مضبوط. نظر إلىّ وقال:

قهوتك إيه؟

أجبت:

مضبوط يا باشا

قال لى متصنعا ابتسامة :

يا باشا العالم اتغير، والدنيا لم تعد دنيا.هل تتخيل خلاط المطبخ بيفوت ؛ تجيب صنايعى يطلع موش مضمون؛ ممكن يطلع حرامى يسرقك..

ضحك واستمر فى الضحك ؛ حتى قال:

جبت مرة ولد نجار ؛ دق المسمار فى ايده ...طلع بيضرب نالورفين وبياخد برشام أبو صليبه، سألت عن النالورفين قالوا ده مخدر ومسكن قوى بياخدوه مرضى العمليات..

الدكاترة كده برضه؟

تقصد إيه؟

واحد قال ان الناس بتاخد الناس دواء وهم مش عيانين

مش فاهم؟

يعنى اعتبرنا زى الناس، إذا لم يكن العلاج المناسب موجودا فاكتب أى شىء.. فيتامين مسكن ؛ أى حاجة تنفع..

الكلام ده غير علمى

علمى علمك يا دكتور ..قل يا باسط !

***

 

سيدة الشات

جلس أمامى وقد بدت عليه علامات الكآبة ؛ تبسمت فى وجهه وقد أحسست أنه مهين، حرك شفتيه ولم بنبس، فرحت بحركة الشفتين ؛ وقلت سوف يبوح ..سوف يبوح، كان مبديا إمارات الحيرة والدهشة، وقد استبد به التوتر والقلق. وجهت نظراتى إليه ؛ قائلا بلهجة مشفقة : أهلا أهلا كيف حالك؟ رأيت أن الأمر حالك ؛ رد بصوت خفيض:

أهلا بك

ما المشكلة؟

اشعر بحرقان شديد، وخصوصا أثناء التبول وينزل منى شىء كالصديد .

لا تقلق؛ولكن دعنى أسألك..

تفضل

هل تجاوزت بيتك ومارست علاقة ما؟

لم يرد ؛سكتُ لحظة

سألته :

وهل أنت متزوج؟

زاغت عيناه فى فضاء الحجرة، وقال كمن يحدث نفسه:

وهذا ما زاد الطين بلة، وفاقم من حزنى وأسفى !

حاولت التخفيف عنه قائلا :

لم يا صديق؟ الدنيا لا تساوى ..

قال آسفا:

أنت لا تدرى .. افتقدت ضوء الصباح وضياءه ؛ افتقدت نافذتى المشرعة التى أفتحها بعد الفجر لينسكب النور فى حجرتى وتعزف إلعصافير والهدهد والحمام سيمفونيات شدوها الجميل

منذ ردح من الزمان ؛ بدأت تضن على بالعاطفة، وسلبتنى إحساسى بالرجولة، بعد أن كنت فحلها المحبوب أيام الصبا والشباب، تعودت أن تذهب إلى السرير بعد أن تكون قد وقعت من طولها ؛ بمجرد أن تضطجع حتى يعلو شخيرها ؛ كما تعودت أيضا فى أيام كثيرة، ولأتفه الأسباب ؛ أن تنام فى الحجرة الأخرى مع أولادها، ودائما تنتقى الأعذار، عندما اوقظها فى الصباح كان صوتها يعلو،بألفاظ تعبر عن المزيد من الاذى والتبرم والضيق؛ أخاف ان يفتضح أمرى أمام الأولاد، أقل ما تقول كانت تصمنى بعدم الاحساس !أحدث نفسى بأننى سوف لا أطلب منها شيئا، أعود بعدها وأطلب لأنها هى التى آخذ منها هذا الشىء، ولا يفرحنى البحث خارج الاطار ؛ لا .. لا ثم تتكررنفس الأحداث، ونفس المأساة !، يوما تقول إنها تعانى من الصداع ؛ ويوما تقول أن لها رغبة شديدة فى النوم ولا تستطيع أن تقاومه ؛ وثالثة تدعى أن وراءها عمل مهم فى الصباح ؛ والأدهى أنها كثيرا ما تعتذر بحجة رغبتها فى المحافظة على الوضوء حتى يمكنها الدخول فى الصلاة، أو كونها سوف تصوم وتقول لى لمجرد إخبارى فقط ؛ بأنها صائمة - سواء وافقت أم رفضت - حتى لا تغضب الله !!!

***

بالمصادفة،كلمت احدى النساء على الشات، وأخذت منها ميعادا..

***

توجهت إلى زوجتى ؛ عل الله يهديها، سائلا إياها ما يسأل الزوج زوجته، ولكنها تهربت منى كالعادة بحجة أنها مرهقة، للأسف تعودت أن أجعلها على راحتها ؛ ولكن يبدو أن هذا المنطق لا يجب اتباعه مع كثير من الناس ؛ بعض الحريم يحبون من يأتيهن قسرا ؛ بالقسوة أو الإجبار والترهيب ؛ هنا ..وهنا فقط يعملن للرجل ألف حساب !

قلت لها : بصراحة أنا زهقت من هذا الوضع ومن هذه الأفعال ..

قالت : الصباح رباح، أنا غير مستعدة لأى شىء الآن!

قلت : مثل كل ليلة لم تأت بجديد!

***

فى الصباح استيقظتْ ودخلت إلى الحمام وأسرعت لعمل كوب شاى لها كالعادة، وارتدت ملابسها مسرعة، كنت متيقظا فى السرير، منتظرا دخولها الميمون إلى الحجرة، تنحنحت ونظرت إليها، عسى أن تتذكر ما اتفقنا عليه، سحبت ملابسها من الدولاب واتجهت بها الى الحجرة الأخرى، دون أن تنطق بكلمة، سمعتها تسحب رشفات من كوب الشاى بصوت مسموع، فتحت باب الشقة وخرجت مسرعة، وتركتنى، كان شيئا لم يكن !

***

اشتعل رأسى بالفكر، وزاد همى وحزنى، كان ميعاد سيدة الشات فى نفس اليوم ؛ قبيل الميعاد قلت رباه ! لا أريد أن أعصاك ؛ نازعتنى نفسى فى الذهاب لعلى أشفى غليلى وألمى، ولعلى أشعر برجولتى المفتقدة، وسالت نفسى : وهل أنا حقا ضعيف؟ ربما صرت لا أمل فىّ! ولكن زوجتى لا تريد ان تفصح عن ذلك، وتتعلل بشتى الأسباب للهروب !

***

ذهبت فى الميعاد ؛ وتناسيت كل شىء، وقلت لنفسى : يبدو أن هذا قدرى، أن أجانب الفضيلة فى هذا اليوم المشؤم !نويت أن أجرب نفسى واستغفر ربى، لابد أن أجد إجابة شافية عما يدور منذ زمن ؛ وبإلحاح ؛ فى خلدى !

كنت متوجسا، قابلتنى السيدة بابتسامة رائعة وصدر رحب، وبعد قليل أزالت منى الرهبة، واندمجنا سويا ؛ مدحتنى بكلمات كنت قد افتقدتها منذ زمن بعيد، بل ربما لم أسعد بسماعها قط، لم أسمع مثلها او أقل منها من صاحبة عمرى، أعادت سيدة الشات لى رجولتى المفتقدة، صرت رجلا، صرت مهما، صرت مفيدا ؛ صرت مؤثرا !! آه من هذا الإحساس المرير بالإهمال ! أحسست بأني عدت إلى ريعان شبابى، والأهم من ذلك عادت لى ثقتى التى كدت أفتقدها فى نفسى !

قلت :

منذ متى كان هذا؟

كان هذا منذ حوالى أسبوع ..

لم أدر ماذا أقول له ..

فقط أمسكت بالقلم ومددت يدى إلى دفتر الروشتات .

***

 

صلاة عيد

فى الجو لسعة برد ؛ كنت أتمنى أن أصلى داخل المسجد هربا من هذا البرد القارص،عندما توجهت إلى المسجد العتيق- المجاور لمنزلى - وجدته مغلقا، أعرف مسبقا أن إمامه قد نوه على المصلين بأن يتخيروا ساحة لصلاة العيد , جاءنى هاتف يقول إن هذه الأوضاع لا يرضاها الله و رسوله , فهو بالناس رؤوف رحيم؛ من المؤكد أن الإمام سمع قوله ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) .. رأيت أعدادا غفيرة تهوى نحو الساحة، التى هى فى الأصل ميدان فسيح يسمى ميدان المطافىء , كانت توجد لافتة قديمة كتب عليها ميدان محمود فهمى النقراشى، أزيلت بفعل الزمن ؛ بعض الناس يطلقون عليه ميدان الكورنيش , لم نستقر على اسم حتى الآن ! يقع المسجد فى شمال الساحة ملاصقا لمساكن النبى موسى، تم إطلاق نفس الاسم على المسجد الذى اقتطع جزءا من الميدان وبنى عليه ؛ يطل بيتى على الساحة والحديقة من ناحية الشرق، ويقع أمامى مسجد عتيق .

---***---

بدأ المصلون يتوافدون فرادى وجماعات، وقد تعددت أشكال ملابسهم، الكثير منهم جاء بالجلباب ..منه الطويل والقصير،البعض يضع فوق رأسه طاقية أو تلفيعة حول رقبته ورأسه، والبعض يرتدى الجلابية التقليدية واسعة الأكمام، ملابس أخرى أغلبها البنطلون والقميص.

  • مكانى ؛ لحسن حظى لم أتأخر هذا العيد، وجدت المكان متسعا،أكثر من نصفه مازال خاليا، تخيرت بقعة وصليت فيها ركعتين ؛ وجلست .

---***---

صوت التلبية يأتى ضعيفا :

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله... الله أكبر ولله الحمد ...

يتناوب بعض الأطفال الإمساك بالميكروفون- فرحا به- للنداء والتلبية، يكسرون التناغم الجماعى المريح للأذن،على يسار الجلوس وبالقرب منهم شارع بورسعيد المطل على بحر الخور، كان قديما ميناء السويس ؛ تأتى إليه السنابك والبواخر والمراكب الشراعية من ينبع والموانىء الأخرى على البحر الأحمر؛ بنى محمد على قصرا أمام هذا الميناء حضرت إليه الملكة أوجينى أيام افتتاح القناة، ونحن جلوس يمكننا مشاهدة ما تبقى من هذا القصر الرابض خلف مركز الإطفاء مباشرة.

قبل الثورة كان القصر مقرا لمحافظ المدينة ؛ وكانت الموسيقات العسكرية تقوم كل صباح بعزف يتجمهر حوله الناس؛ الموسيقى الجميلة تجذب الآذان النقية, يستمع الناس ةيشاهدون العروض فى جذل وسرور, عند حضور المحافظ يضرب البروجى مرحبا .. الآلات النحاسية ترتفع فى السماء , تبرق لانعكاس ضوء الشمس عليها،الأشداق منتفخة والعيون تكاد تنضح منها الدماء حرصا على أداء جيد .

انتقل مقر حاكم المدينة وتحول القصر إلى مركز للشرطة، انتقل مركز الشرطة إلى مقر مجاور تماما وفى وسط بيوت الأهالى، ظن المواطنون أن الجهابذة سوف يسعدونهم بعمل حديقة يلتقطون فيها أنفاسهم، خاب أملهم، بعد بناء مركز الشرطة أصبح الشارع جزءا من مملكة الداخلية ؛ مزدحما بسياراتها من كل حجم ولكن لونها لا يروق للعين ؛ فهو نفس اللون الكئيب الداكن الموحد.

تنوى المحافظة أن تجدد هذا القصر، لم يأت أوان التجديد، ربما كان حلما حتى الآن , قد يتحقق فى العام القادم أو بعد أعوام، أو ربما تتغير الخطة كلها مع تغيير القيادات , لفحة هواء باردة طافت بالمصلين الآن , نسأل الله السلامة .

---***---

الله أكبر الله أكبر...

التقطت عيناي شابا، وقد أستند عجوز بيديه علي ذراعى الشاب محاولا ارتقاء الرصيف المرتفع - على بعد خطوات منى - بصعوبة ؛ ترى كم مرة تغيرت بردورات هذا الرصيف؟!! بل وكم أعيد تخطيط هذا الميدان بأكمله؟؟

---***---

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ..لا اله إلا الله ..

اتجهت بنظرى ناحية البحر، كل عام يتوجه مدفع رمضان ليأخذ مكانه خلف السور الحديدى للخور المجاور لنا، ويكون موجها ناحية البحر، لمحت يافطة مغبرة بالأتربة , علقت منذ زمن :" المياه ملوثة ..ممنوع الاستحمام ", يمكننى رؤية جزء من مبنى كان حمامات وكافتيريا وحجرات لتغيير الملابس ؛ كانت فكرة البلاج الشعبى تراود بعض المسئولين خلال العقد الماضي، ربما ليحققوا هدفا سياسيا أو رغبة شعبية عارمة، أيامها جاءت الكراكات التابعة لهيئة القناة، واستمرت متواجدة بالمياه لفترة طويلة، ولم يعرف أحد من الناس ماذا فعلت بالضبط , فالشغل كله كان تحت الماء , لم يستمر البلاج حتى نهاية الموسم , فقد تم إغلاقه لتكرار حالات الغرق التى فاقت أصابع اليدين، بعد أن استهلك الملايين من أموال الخزانة العامرة!! قيل : جاءت الحزينة تفرح ؛ لم تجد لها المطرح" ... قيل أيضا إن السبب هو العمق المباشر السريع المجاور للشاطىء؛ مع وجود طبقة طينية لزجة بالقاع تمسك بقدمى المصطاف البائس, وتجذبه إلى أسفل ,لا تتركه إلا بعد أن ترتوى رئتاه تماما بماء البحر .

---***---

الله أكبر الله أكبر....ولله الحمد..

وجدت الجالس إلى جوارى، وكان ذا لحية هائلة وجسد ضخم، وقد ارتج جسده وارتمى ناحيتى- إثر انطلاق المدفع محدثا صوتا كالهدير أو كالصاعقة؛ يكاد يصم الآذان- حتى انه أحس بخجل - غير مبرر- وقال :

يا ساتر يارب يا ساتر ؛ هذا ترويع يا أخى وليس احتفال..

  • انبلاج الصبح ارتفع قرص الشمس الذهبى قليلا فوق صفحة المياه, ثم اختفى ثانية وراء سحب الدخان الأسود المتصاعد من المدفع بعد إطلاقه، يتكرر الاختفاء والظهور انطلاق المدفع وسكونه..

---***---

ولله الحمد...

شاهدت ابن جارنا (الشاب عامر) أعرف أنه فى كلية من كليات القمة , وكان لسنوات قلائل ماضية طفلا جميلا – رأيته اليوم ؛ وقد أطلق لحيته السوداء، و ارتدى الجلباب البنى القصير مع طاقية صوف بنية اللون أيضا، وقد تغيرت سحنته وأسلوبه فى الحديث .تجمهرت حوله مجموعة من أصحاب الزى المتشابه.

---***---

الله أكبر الله أكبر ..لا اله إلا الله...

يتصادف هذه الأيام اقتراب موعد الانتخابات النيابية ؛ وقع نظرى على إعلانات تملأ الساحة وقد تناثرت فى جوانبها المختلفة ؛ مكتوبة بخطوط جميلة وألوان مختلفة وقد رسمت عليها رموز وعبارات توحى للناخب بأن هذا المرشح هو من سيأتى بما لم تأت به الأوائل ..(.إذا طلبتنى فلن أكون مغلقا ؛ أو حتى خارج الخدمة )

---***---

اتجه نظرى إلى الناحية الأخرى، وجدت آثار السنين قد بانت على منزلنا كأننى أعاينه للمرة الأولى، وقد أغبر لونه وبدا كئيبا، لانعدام الترميمات والدهانات لسنوات طويلة،لاختلاف السكان فى الرأى وعدم قدرتهم على التفاهم، واتخاذ قرار موحد ..

مددت بصرى إلى عمارة الحاج راغب , تضارع البرج فى ارتفاعها، أسفلها خصص الحاج مكانا للمسجد، وقد أقام فوقها مبنى عاليا لصهريج المياه , لم يتم تركيب الصهريج حتى الآن، جال بخاطرى شكوى أحد السكان لديه، وقد غادر الشقة أخيرا ؛ مضطرا لنقله إلى محافظة أخرى , وقد صرف على التشطيبات أربعين ألفا من الجنيهات، ولم يرق للحاج أن يرد له منها جنيها واحدا !!

حكى لى عن مستأجر آخر هرب لعدم قدرته على الوفاء بالمبلغ الخرافى الذى طلبه الحاج وفاء لإيجارات متأخرة لم يتم دفعها , هب الرجل مغادرا المحل , ولم يعد،لاحقه الحاج بالقضايا - وقد خصص له محاميا ضليعا- ظل وراء الرجل حتى احتواه السجن أخيرا .

---***---

الله أكبر الله أكبر الله أكبر... لا اله إلا الله

الله أكبر الله أكبر .. ولله الحمد...

امتلأت الساحة بالمصلين، تم توزيع عربات الأمن بالمداخل والمخارج، بعض الضباط وأمناء الشرطة يتناثرون هنا وهناك ...وقد ارتدوا الملابس الشتوية السوداء..

---***---

الله أكبر الله أكبر ...

نظرت إلى ساعتى ؛ تأخرنا ربع ساعة تقريبا عن ميعاد الصلاة , أخيرا أمسك الإمام المايك وقال:

قوموا لصلاتكم...

---***---

بعد الصلاة جاءني الحاج راغب والشاب عامر ضمن أناس كثيرين سلمت عليهم وسلموا على ؛ وأخذتهم واخذ ونى بالأحضان .

---***--

نوفمبر 2005

 

الثرثار

طلبته ليصلح لى باب العيادة بعد أن فسخه اللصوص،كان يضع قلم الرصاص فوق أذنه ويمسك الشاكوش وفى فمه بعض المسامير، تساءل :

حضرتك بتشتغل فين؟

فى المستشفى

دكتور يعنى

آه

ترك الشاكوش وحدف الضلفة جانبا وقال:

انا بنتى عندكم

عندنا فين؟

فى مدرسةالتمريض

أهلا وسهلا

والنبى ابقى خلى بالك منها هى اسمها فاطمة، انت عارفها؟

لأ

انا قلت لك على اسمها ابقى خلى بالك منها

حاضر .

وسكت.

استأنف عم رجب حديثه

عندى 4 عيال فاطمة دى اللى باقولك عليها نمرة 3 وابتسم

وضع القلم على أذنه، وأخرج علبة سجائره وأشعل سيجارة .مد يده اليسرى فيها أصبعان مبتوران الخنصر والبنصر، قال:

شايف ..

قلت الماكينة؟

آه الماكينة كالتهم.. كنت صغير ؛ مبتدى فى المهنة ؛اعتدل فى جلسته وسحب نفسا بشراهه وأكمل :

البيت عاوز على الأقل 100 جنيه كل يوم

أنا موظف فى الشئون، عاوز أجى التأمين

تفضل ..

***

بالتأمين الصحى ؛ كان الجو حارا والعيادة مزدحمة، سمعت آذان الظهر ولم أتمكن من ترك مكتبى؛ أعداد كبيرة كانت فى انتظار دورها للكشف، عندما جاء دوره دخل، قال وعلى وجهه مسحة الغضب :

حكوا لى عن دكتور فى مصر ؛ وقالوا إنه دكتور شاطر قوى، رحت واخد عربية للمحطة بخمسة جنيه ومن هناك أخدت الأتوبيس لمصر بعشرة جنيه وفى مصر بدأت الدوخة دوّرت على مواصلة قالوا لى أحسن لك خد تاكسى، أخدت تاكسى من رمسيس بعشرة جنيه ؛ والسواق تاه فى السكة، أخيرا لما وصلت العيادة قالت لى الست الممرضة ان الدكتور بيجى بعد العشاء، حجزت بتلتماية جنيه ونزلت قعدت على قهوة على ما تفرج .قعدت أطلب شاى وقهوه وشيشة، وحلبة وحاجة ساقعة، أما خلصت أنواع المشاريب كلها، وبعدين طلعت للدكتور،لقيت العيادة زحمة، أنتظرت تقول قد إيه؟ لغاية الساعة 2 وكان دورى قبل الفجر بشوية، كشفت من هنا، ونزلت أخدت تاكسى للمحطة، ومن هناك أخدت الميكروباس و فين وفين على ما اتملى، واتحرك ورجع بينا ...

المهم انت بتشتكى من إيه ياعم رجب؟ إيه اللى جابك هنا؟

أنا جاى لك فى الكلام يا دكتور.. إن الله مع الصابرين .. ربنا يعلى مراتبك ويجعلك مدير للمستشفى ..

أخيرا قال انه استغنى عن حقوقه الجنسية طالما لا يجد موافقة او ترحيبا من الطرف الآخر، قال لى انه شغل نفسه بمتع أخرى، وبدأ يتفنن فيها، الشغل والاكل، وقعدة القهوة والمكيفات ..الخ

والمطلوب؟

أبدا أنا جاى أدردش معاك شوية .

والموضوع؟

لأ أنا خلاص طلقت الولية امبارح.

***

 

السبيعى

- يا دكتور يا دكتور..

كنت خارجا من العيادة ؛ فى طريقى إلى السيارة، التفت لأرى صاحب الصوت الغليظ ؛ على وجهه ابتسامة واسعة؛ وقفت ..أخذنى بالأحضان

- ازيك يا دكتور ..نسيت أخوك السبيعى؟ إحنا مع بعض من زمان.. ابتدائي و اعدادى و ثانوى .. فاكر الأستاذ سمير عويضة مدرس الفرنساوى... كومان تابيل تو؟ جى ما بيل سبيئى...

وضحك ضحكة مجلجلة بصوت أجش..

ابتسمت ؛ فتشجع وأكمل كلامه:

- يا سلام!! أيام !

- أهلا.. أهلا ..فرصة سعيدة ..

أحسست أننى تأخرت عن ميعاد المستشفى، تمشينا سويا حتى وقفنا جوار السيارة تحت شجرة نبأ عتيقة داخل سور مجمع العيادات ..

نظر إلى وقال :

- على فكرة، أنا با كتب شعر... شعر بالعروض زى الخليل بن أحمد ما قال ..

كتبت عن الزوجة ..والعاطفة ..

ابتسم قائلا :

- أنا عاطفى قوى ؛ لكن شكلى كده... إحنا كنا زملا ؛ لكن أنا دخلت معهد صحى ؛ معايا تخصص تحاليل بول وبراز ودم ؛ أسمع :

يا نبع الحياة والوئام المنزلى..

سألتك بالله بغير تطفل..

لم الجاعورة؟ والأطفال تتململ .؟.

قلت له :

المدام نكدية؟

زاغت عيناه قائلا :

أبدا دى غلبانة جدا ...بس لسانها سليط، أعوذ بالله من صنف الحريم ..

أستأنف كلامه:

نعمل إيه يا دكتور؟ نكتب شعر وقصص.. الهواية أحسن شىء فى الدنيا؛ أصل العيال كبرت ؛ عندى محمد محامى وأحمد محاسب والبنت فى الدبلوم ..لازم الواحد يمارس هوايته ..أنا أعرف انك أديب كبير( ضحكت )استأنف كلامه ؛ لا والله أنا قريت لك قصة فى مجلة مشهورة عن الإخوة اللى اختلفوا على الميراث.. الله يقطع الميراث وسنينه ؛ البيت بتاعنا عامل لنا مشاكل كبيرة... أخويا مش عاوز يشوفنا عشان ساكن بره البيت .

سألت :

- ليه ساكن بره البيت؟

- الموجود 3 شقق وهو الأخ الرابع نعمل إيه؟ آدى الله وآدى حكمته، والله العظيم أنا نفسى أسيب البيت ويسكن مكانى..

نظرت إلى الساعة فى يدى وقلت :

- أستأذن أنا ؛ فرصة سعيدة يا أستاذ سبيعى..

- فاكر عم أحمد بتاع البطاطا؟ والشيخ رجب بتاع سندوتشات الفول والطعمية السخنة؟ فى فسحة المدرسة ..يا سلام راحت فين الأيام دى؟

- مش عارف..

نظر إلىّ مليا وقال بصوته الأجش :

- أنا مازلت أغنى فى الأفراح؛ لكن نشاطى الفنى قل ؛ موش زى زمان ؛ عند الحبايب فقط ..كل سنة وأنت طيب. فتحت باب السيارة، وحاولت الدخول،استأنف كلامه :

- كنت عاوز اسمّعك الشعر وأنا ملحنه ...

أنت ملحن كمان؟

- أيوه ؛ أنا عندى عود من أيام المرحوم جدى ؛ عاوز أدندن، وقال بصوت تخين أجش وقد اندمج تماما وأخذ نفسا عميقا وأغمض عينيه وبانت أسنانه صفراء داكنة من أثر النيكوتين والمعسل الذى يبدو أنه يلازمه بلا انقطاع ؛ رفع عقيرته :

- أطاوع فى هواك قلبى وأنسى الكل علشانك ..وأدوق المر فى حبى ..بكاس صدك وهجرانك ...

- يا سلام يا سلام ..

- لكن باين عليك مستعجل، طب خد دى ...

- خليها يوم تانى

- كل سنة وانت طيب، حا تدبح خروف العيد

- إن شاء الله...

- طب ماتنساس بيت الكلاوى والفروة

- حاضر ياعم ..

وانطلقت مغادرا .

---***---

 

صح النوم!

كنت جالسا فى مكتبى بالعيادة، عندما داهمتنى حزمة من المشاكل ؛ كنت فى أشد حالات الضيق والقرف ؛ البيت والعمل والضرائب والزبالة والمطبات التى عادت بعد اختفائها من الشوارع، عادت بشراسة لانعدام المتابعة وانعدام الصيانة وانعدام الضمير وانعدام أشياء كثيرة جدا بدأنا نتجاهلها فى حياتنا

جاءنى مريض مستندا على عكازين، قمت من مكانى مرحبا به ؛قلت له تفضل تنقل بعينه الى المقاعد ونظر لى قائلا بصوت واهن وقد غطست رقبته بين كتفيه : لا أستطيع

عرفت أنه لا يستطيع الجلوس على الكرسى مثلنا، مدد جسده على سرير الفحص بصعوبة؛ رفع ساقه ليضعها فوق السرير، وجدته مربوطا بأسلاك محيطة بالساق وتنغرس فى الجلد، اقشعر بدنى من المنظر، وبدا فى الشكوى، عرفت أنه مر بحادث أدى إلى دخوله عدة عمليات فى العظام وتم استئصال مفصل الركبة، واجزاء من عضلات الفخذ والساق لأنه حدث ورم فيها كما يقول ..نسيت ما كنت فيه من المشاكل وأحسست اننى ملك وحمدت الله على ما أنا فيه . فيما بعد، اتصلت بى زوجته وطلبتنى لزيارة منزلية،ظللت أتردد على منزل الرجل، يعيش مع زوجته بمفردهما فى شقة واسعة، قال لى هى نصيبه فى الإرث،تفاقمت مشاكله الصحية، السكر مرتفع جدا والضغط كذلك، والكبد لم يبق منه شىء كما يقول ؛ وشرايين القلب تضيق عليه من وقت لآخر، مسببة له آلاما مبرحة فى الصدر، ناهيك عن تضخم الساقين وتورمهما ؛ نظرت الي الجسد السمين وقلت له:

السمنة وتعانى أيضا من السمنة !

نعم نعم..

وجدت قدميه متورمتين بصورة بشعة وينز منهما سائل أصفر لزج ؛تكاثر الذباب حول الجرج كما انتشرت بالحجرة المغلقة رائحة عفنة.

طلبت من زوجته أن تفتح النافذة

صعدت إلى الكنبة ومدت يدها الى النافذة المتربة وكانما تفتحها لأول مرة ..وقالت:

أخاف عليه من البرد

لا تخافى

***

بعد أسبوعين سمعت أن هناك مأتما فى ذلك المكان قتذكرت العجوز على الفور

قيل لى إنها زوجة العجوز المريض!

تساءلت : والرجل؛ زوجها؟

كما هو، ستأتى ابنته اليه لتعيش معه،قالت ان شقتها ضيقة، بعكس شقة ابيها ؛فهى واسعة وبحرية !

****

 

المؤدب جداً!

أحضر معه الموبايل وقال لى

فيه اوضاع وحاجات عاوز أسألك عنها

قلت حاضر

الموضوع محرج شوية

اتكلم براحتك

تبسم قليلا وقال

أنا لم أنظر الى زوجتى حتى الآن وهى كذلك لم تنظر إلى حتى الآن، ولكنى عملت عملية، أحسست بعدها أن المساءل ضمرت !

عملية إيه؟

عملية بواسير

والبواسير مالهاش علاقة بالضمور

ومفيش رغبة زى الناس، الشهوة قلت ! عندى 6 عيال

***

وفيه حاجة تانيه ..مكن أشغل الجهاز؟

ماشى

ضغط على الأزرار؛ واقترب منى ليرنى ما يرى، وجدت هولا..عمليه جنسية كاملة ؛ وقال لى :

أمال الاسود .. أما تشوف الواد الأسود تقول إيه؟

سحب الموبايل ناحيته قليلا وقال لى :

لو سمحت، شوف الفلم الجاى ..

أقترب منى ووجه الموبايل ناحية وجهى، رأيت فتاتين شقراوتين مع فحل زنجى ضخم ...

***

قال لى :انا شايل هنا عشرة أفلام، كلهم أفلام جامدة

ياسلام! أنا عاوز أعرف أنت جبته ليه معاك؟

أحضرته مخصوص عشان أسألك

تسألنى وانت معاك الكتاب كله

ابتسم وقال :

واحد صاحبى إمام مسجد استلفه منى قلت له آخد عدتك للأمان، وقلت له حافظ على عدتى وأوعى تمسح حاجة ..كان بيذاكر عليه ..

إيه سؤالك؟

عاوز أعرف منك الوضع السليم !

ضحكت قائلا:

تعرف منى الوضع السليم؟ وضع إيه؟ ده أنت أستاذ..

وضع ال...أصل أنا من غير مؤاخذه عريس جديد؛ داخل على جواز جديد .. هو ارتفاع السرير المفروض يكون قد إيه؟

ارتفاع السرير؟

أيوة

نظرت له؛ محاولا التوغل فى تلافيف مخه وقلت:

الطول وألا العرض وألا الارتفاع؟

***

 

مطلوب آنسة

أبلغنى أنه يبحث عن آنسة لتعمل معه فى عيادته، طوابير طويلة تطلب العمل، سألته وهل يشترط آنسة؟ أجابنى : نعم ..الآنسات عادة لا يشغلهم شىء، يعنى وقتهم ملكهم، ومصاريفهم أقل من المتزوجين . وإذا كانت هناك سيدة نشيطة؟ أطرق وقال لا مانع ...نصحته بالاتصال برقم موبايل تركه لى احد المترددين لواحدة تبحث عن عمل شريف، لم يكذب خبرا، حضرت اليه، ولما كان هذا الزميل أريحيا، فقد استقبلها كأحسن ما يكون ..

بعد شهرين تقريبا، حادثته تليفونيا، قال لى أردت أن أجلس معك، تكلم معى بلهجة لا تنم عن الفرح أو الحزن ؛ لهجة متعادلة تشوقت إلى سماع كلامه، قال :

لا ينفع الكلام فى التيفون، أريد ميعادا لأبوح لك بما فى صدرى، قلت وهو كذلك .

فى الميعاد المضروب حضر، قال لى بعد السلام : الحكاية طويلة، أرجو ألا تكون مملة ..قلت هات ما عندك..

قال : "اتصلت بها وجاءتنى فى نفس اليوم، باغتتنى امرأة طويلة ذات بشرة مجعدة وحجاب، بتواجد مفاجىء على باب الحجرة، لها رائحة عرقية قوية نافذة ؛ كنت جالسا إلى مكتبى ؛هجمت على باب الحجرة فجأة وبدون إنذار :

انا نيللى !!

ابتسمتُ.. لم تكن نيللى بحال من الأحوال .

أنا جيت علشان الشغل .

أهلا وسهلا ..

تفهمى فى الشغل

جربنى !!

ماشى ..

أى خدمة أقوم بيها؟

نظرت إليها متأملا

شكرا..

استمرت واقفة..

***

أبلغتني إنها عملت فى مكاتب وعيادات أخرى قبل أن تجىء هنا، وأنها "مسكت عماير" كما تقول، فلما سألتها عن "مسك العماير" أبلغتنى أنها تذهب إلى العمارة فى الصباح، تقوم بأعمال النظافة، من كنس ومسح، وتخدم داخل الشقق ؛ تقوم بتنفيض السجاد وغسيل المواعين وإحضار طلبات من السوق، كما أنها عملت فى مراكز طبية أيضا ومستشفيات!

ومستشفيات؟!

تساءلت :حضرتك بتقول إيه؟

أسألك ؛ اشتغلتى فى مستشفى؟

نعم ..مستشفى أطفال

سبتيها ليه؟

نعم؟

أعدت السؤال : سبتيها ليه؟

كنا نعمل بنظام " الشفت " ؛ وأنا لم يعجبنى شفت الليل، لا يمكننى أن أترك الأولاد فترة طويلة وحدهم ؛ بالرغم من وجود دخل محترم من المرتب والبقشيش .غادرت لكى تأتى من الغد لاستلام العمل

***

تبسمت فى أول يوم عمل لها معى، وقفت امامى آخر اليوم و تبسمت و نظرت لى قائلة :

عاوزاك فى كلمتين

خيرا

خير ان شاء الله، عاوزه 500 جنيه سلف .

سلفة أول يوم؟

مدت يدها إلى علبة المناديل الموجودة فوق المكتب ؛ وسحبت واحدا ومسحت به عينيها التى كأنما تغرغرت بالدموع، قالت :

الدكتور حيعمل عملية لبنت خالتى بكره وطالب منها ألف جنيه دبرت 350 وفاضل الباقى

يعنى مالنا ببنت خالتك.. أهلها فين؟

آه والله أنا سايبه البيت النهاردة ما فيهوش لقمة، وانحدرت دمعتان على وجنتيها، سحبت منديلا ورقيا آخر من على المكتب ومسحت به دموعها .

أخذت السلفة على أن تسددها على أربعة أقساط من المرتب مراعاة لظروفها

***

فى اليوم الثانى أحضرت صبيا معها، سالتها من هذا؟ قالت ابنى عاوزاك تكشف عليه .. حاضر .

بعد الكشف أحضرت الروشتة ووضعتها أمامى على المكتب ! وقالت مفيش فلوس أجيب العلاج

***

اليوم التالى، حضرت فى الميعاد ونظفت المكان، وجلست إلى مكتبها، لم أستدعها، بالرغم من أمتلاكها عينين سوداوين ذابلتين إلا إنها - لحسن حظها - تحسن الظن فيهما ؛ ودائما تستخدمهما مع الحاجبين، وتقاطيع الوجه للتعبير عن الحزن والفرح والألم واللذة ؛ او إدعاء اللذة، أو لتحريكهما – وهو الأنكت – لكى تعاكس بهما، عندما تفتح فمها يبدو صفان من الأسنان الطويلة الصفراء كأسنان الشيطان ؛ عندما يزداد انفراج الفم، ينتقل اللون الأصفر إلى ألوان داكنة، ما تلبث أن تتحول عند التحامها باللثة إلى نهايات معتمة تماما كسواد الليل البهيم..

تدخل المكتب فجأة وتقول :

أى خدمة؟

أتعجب، وارد :

لم أنادى عليك.. تتمايل كالقرد الذى يسلى الأولاد فى الموالد والأسواق، أحزن لمرآها، ثم أعيد حساباتى ولا أريد أن أصدمها، أتذكر مقولة : جبر الخواطر على الله..

تنظر لى وتبتسم

أنا سمعت صوت ..

لا شكرا

وأنا جالس إلى مكتبى أنظر إلى كتاب فى يدى وأتبسم ..

انت حبيبى ..وتتمايل بوسطها يمينا ويسارا بوسطها مع الكلمة ! وتحاول أن تقلد محمد صبحى فى مسرحية الجوكر..

أنظر فى الكتاب..

إيه؟ انت زعلان يا حبيبى؟

زعلان؟! حبيبك؟ !

قالت ان اليوتاجاز "ضرب " فيهم، وابن عمها يوم شراء اليوتاجاز المستورد لبيته طلب منها أن تحضر لتتفرج على البوتاجاز، وقالت انه سبق ان صلحت البوتاجاز مرات عديدة .

لا حظت أنها يوميا لا تتخلى عن الحديث فى الموبايل، تتحدث فيه مع أولادها وزوجها وغيرهم بصفة شبه مستديمة ؛ بالرغم من أنها تغيب عنهم مجرد ثلاثة أو أربعة ساعات فقط هى وقت العمل

***

بعد أيام تساءلت :

أيه التليفونات دى كلها؟

أصل الولد الصغير ماجى تعبان، واخته راحت معاه المستوصف تكشف عليه، الظاهر إنه أتعدى من أخوه

ليه ما راحش بالنهار؟

راح المستشفى، و أخد شنطة علاج قد كدة ! وشه أحمر وسخن ومفيش فايده !

***

فى اليوم التالى ...

اقتحمت المكتب أثناء قراءتى فى كتاب

يعنى ما سألتش على ماجى؟

ماجى مين؟

لحقت تنسى ابنى ماجى يا دكتور !

آه آه ...إزى صحته؟

الحمد لله.. الدكتور طمننا وقال كويس أنكم لحقتوه واللوز فى بدايتها ..

يا سلام!

آه والله ...

الحمد لله...

***

كان باب مكتبى مواربا ؛ سمعت رنات الموبايل الخاص بها وهى فى صالة الانتظار ؛ تحدثت مدة وبعدها دخلت فجاة ووقفت تنظر لى على وجهها كآبة مرسومة، قالت :

احنا فى ظروف وحشة، قلت لهم : اللى يجرى على الناس يجرى علينا !

نعم؟

جوزى له كل يوم علبتين سجاير مالبورو ! وواحدة كانز !

يا سلام !

ابتسمت ابتسامة عريضة وهى تنظر فى عينى وتقول :

و البنت اتصلت بتقول نفسها فى البسطرمة، وأخوها عاوز كفته من عند الحاتى !!

***

طلبت الخروج مبكرا لكى تلحق خالها الواقف فى سوبر ماركت لكى يقرضها مبلغا، بعدها بيومين استأذنت للانصراف قبل ميعادها أيضا لكى تلحق طبيب أنف وأذن، قالت ان سمعها ضعيف، وقالت إنها لا تملك فلوس الكشف ؛ وتريد أن تأخذ سلفة، فكرتها بالسلفة الماضية وأنها لم تسدد حتى الآن . قالت لا يهم، وطلبت إضافة السلفة الجديدة على القديمة وأن يتم استقطاعها من المرتب .

فى اليوم التالى قالت ان الطبيب نصحها بالجليسرين وأشترت الجليسرين من الأجزخانة ؛ ولكنه لم يخرج الشمع من أذنها

***

كنت جالسا أشغل وقتى بالقراءة، وجدتها تدخل؛ طلبت أن أقيس لها الضغط، تضايقت من المفاجأة ؛ طلبت أن أدلها على طبيب أمراض باطنية وقلب، عندما أخبرتها على أحد الزملاء، احسست بالخطأ الذى وقعت فيه ؛ قالت بصورة جادة ومباشرة :

عاوزه تمن الكشف

فى اليوم التالى سالتنى بعد مضى نصف ساعة :

لم تسال عنى؟

نعم آه ..أزى صحتك؟ كانت رائحتها فائحة..

كتب لى كيت وكيت ..اريد ان تحضر لى العلاج،أو تعطينى تمنه ..

***

عندما خرجت من الحجرة قلت لها أقفلى الباب وراكى ...

اكتأبت قائلة : ليه؟ أقفله ليه؟

أنا مش عاوز دوشة

انا بعمل دوشة؟

أنا عاوز هدوء .التليفزيون شغال !

لم تقتنع وظلت تحدق فى عيني، وهى تسحب الباب وراءها ببطء دون أن ترفع عينيها عنى ..

مع اقتراب المواسم والاعياد تعودت ان تصحب اولادها معها .دخلت المكتب مسرعة وعلى سحنتها مسحة من غضب وضيق ؛ قلت لها : مالك؟

أبدا الناس دول بهايم مش ناس

ليه الغلط؟

الولد سارح بكيس الشيبشى يوسخ العيادة كلها، مجهودى راح هدر .

أتكرت عليها أن تبوح لى وأنا أعلم فى نفس الوقت هذه النوعية من الأمهات اللاتى لا يعبأن إلا بما يسكت أولادهن ويريحهن من الزن والبكاء والقرف، وهناك من يحب أن يطفىء السيجارة تحت قدميه، ومن يبصق على الأرض، ومن يدخل الحمام ويترك الحنفية مفتوحة دون أن يغلقها جيدا ....

تكررت هذه الفعلة مرات عديدة وستتكرر ؛ لذا أردت أن أنكر عليها رد فعلها، وقلت لها :

هذا هو الطبيعى ..

طبيعى يعنى إيه؟

يعنى حضرتك فى العيادة علشان كدة .

يعنى يوسخوا واحنا نسكت لهم؟

وما اتكلمتيش ليه معاهم؟ بتشتكى لى ليه؟ أقوم أنا أجيب المكنسة وحضرتك أقعدى على المكتب، وأنا أكنس العيادة .

لا يادكتور ما أقصدشى، انت بتسخر منى

وخرجت .

***

طلبت أن تستأذن قبل ميعادها، قبيل آذان العشاء، سألتها عن السبب، أخبرتنى بأنها تنوى الذهاب إلى خالها فى المحل ؛وما السبب؟ أجابت بأنه وعدها أن يعطيها مبلغا على سبيل القرض .

****

تنحنح صاحبى وأكمل : "اتضح أنها كتلة من المشاكل تسير على قدمين، فى الآونة الأخيرة حاولت أن أغير سياستى معها، فكرت أن أستغنى عن خدماتها، ولكن وازعا من الضمير منعنى، خاصة عندما أضع أولادها نصب عينى، عجزت أن أجد حلولا لمشاكلها ؛ أعرف أنها تريد أن تلقى بحجري كرة اللهب التى لا أتحمل وميضها ؛ فما بالك بحرارتها ولسعها؟ لا تألوا جهدا عندما ترانى تبث شكواها المريرة من الأيام والناس والمرض وقلة الحيلة والدخل الخ ..الخ...

***

طلبت منها ألا تدخل المكتب هكذا بدون إذن، وقلت لها أن تخفض صوت التلفزيون فى الصالة، كما قلت لها انك وافقتى على عملك بمرتب معلوم، أرجو ان تتصرفى فى حدود المرتب، انقلبت سحنتها وغادرت الحجرة ؛بعد قليل رننت الجرس، طلبت منها كوب شاى، سحبت منديلا من العلبة الموضوعة على المكتب ومسحت به عينيها ؛قالت إنها مازالت تبكى من ساعة الحوار

حوار إيه؟ الكلام الذى قلته لها

***

مر أسبوعان، قالت إن قراءتها للترجمة، فى الأفلام الأجنبية صارت صعبة، وقالت إنها لا تستفيد من الدِش كما يجب، لأنها لاترى الحروف الصغيرة، نصحتها بعمل نظارة ؛كانت تنتظر منى هذه الكلمة ؛ أردفت بسرعة :

ربنا يبعت !

روحى المستشفى

والمستشفى لازم حد يوصى عليا

حاضر ياستى، سأكون هناك الساعة 10

اليوم التالى قاربت الساعة على الحادية عشرة ولم تحضر، أنهيت عملى وخرجت من باب المستشفى، سمعت رنات تليفونى

نظرت فى شاشته وجدتها ..

أغلقت واتصلت بها، وقالت لى إنها تعتذر اليوم عن الحضور لأنها راحت الدكان بدل زوجها المريض .

ماله؟

أبدا عنده وجع فى مشط رجله .قدمه اتلوت تحته .

سلامته

خليها يوم تانى

ماشى

***

تقول انها مكتئبة اليوم

لماذا؟

فيه موضوع

خير

الكهرباء، انا معنديش غير لمبتين نيون وغسالة بتشتغل مرة كل أسبوع ؛ وتليفزيون، والفاتورة عارف بكام؟

بكام؟

ب196 جنيه

المدة قد إيه؟

شهر واحد

معقولة؟

أيوة

فين الفاتورة؟

فى البيت

هاتى الكعب معاكى بكرة

لا .. بكرة لو مادفعتش حايشيلوا العداد .

قلت فى بالى يعنى حطيتى العقدة فى المنشار يا بنت ال ..!

هاتيها أشوفها

أنا جمعت شوف كام..

وأخرجت من جيبها شوية فلوس و بدأت تعدهم

100 جنيه

كويس

يعنى باقى كم يا دكتور؟

96

ربنا يدبّرها

***

بنت خالى حتعمل عملية بكرة، طالبانى معاها

فين؟

فى اسماعيلية ؛ مش هنا

يعنى مسافرة

أيوه

ومين يفتح العيادة؟

حضرتك تقدر تتصرف

حضرتى أقدر أتصرف يعنى إيه؟

***

يوم السبت قالت :

فرح بنت أخويا فى اسكندرية حاحضر معاهم عشان أوضب العروسة وننجد، ونفرش الشقة ونحضر الفرح، حتغيبى كم يوم على كده؟

لغاية آخر الاسبوع .

***

تعودت أن اضع بعض المسكنات والأدوية المهمة فى درج مكتبى، عادة لا أقفل الدرج بمفتاح، كان فى يدى كتاب عندما دخلت المكتب وفجأة وقعت عينى عليها وهى تسحب ورقة بيضاء من الوراقة، وقدمتها لى قائلة : شوف ياسيدى، شوف لى قرصين ريفو عشان عندى صداع، من قبل البريو بأسبوع ؛ بعدها زوجت ابنتها وكان لهذا الفرح ردود فعل شديدة القسوة على، ولكن الله سلم، فمن غياب وطلب فلوس، و حكايات عديدة، لا تنتهى آخرها هذه الحكاية،فقد جاءت تشكو من زوج ابنتها الذى لا يعبأ بها، وبدأت تلاحظ عليه أنه يهتم بمظهره عند الخروج، ويظل خارج البيت فترة طويلة، ويتحدث مع بنتها بقرف أحيانا .

وعملتى إيه؟

أنا عرفت انه ماشى مع واحدة تانية

قلت لها الحق عليكى

برافو الست منا لازم تراعى زوجها ؛ وتورى له اللى ما شافهوش

اللى ما شافهوش؟

ابتسمت وقالت :

أيوه لازم تشفط كل الطاقة اللى عنده، علشان يخرج من البيت شبعان، مالوش نفس فى حاجة تانية، وضحكت .

يابت الإيه ! والله عندك حق ! معظم الستات اللى عاملين نفسهم مفتحين -الهاى كلاس - ما يعرفوش المعلومة البسيطة دى!

***

ناديت عليها فلم ترد، أعدت النداء ثم فتحت الباب وقلت لها سلكى ودنك شوية

آه والله أنا ما بسمعشى كويس؛عاوزة أروح لدكتور انف واذن

روحى

واجيب فلوس الكشف منين؟

روحى المستشفى غالبا حتحتاجى غسيل ودان، ودى حاجة بسيطة

مستشفى ! مستشفى إيه أنا ما احبش أروح المستشفى

وكمان مقدرش أصحى بدرى !

***

فى المرة التالية أحضرت معها مصحفا وضعته أمامها على المكتب وبدأت تتلعثم فى قراءته ؛ ذكره اضمحلال الجسد بأنه ليس مجرد مادة ؛ وليس مجرد شهوات ؛ تأكد أن العالم ملىء بالأسرار العجيبة التى تحتاج منا إلى جهد ووقت لكى نستنبط شيئا منها،تأكد أن الفكرة الرئيسية هى الروح ؛ هى الديمومة ...اليوم التالى قالت انأختها وضعت فى الاسماعيلية طلبت سلفة على أن تخصم على دفعات من راتبها، وافقت على طلبها، اتفقت معها على أن يكون الخصم على عدة شهور حتى يسهل عليها الأمر، فى قرارة نفسى أشعر أن هذه حلقة من سلسلة لن تنتهى، جاءتنى بعد شهر ونصف، قيل انتهاء الشهر بأسبوعين تقريبا ؛ جلست أمامى، وبكل ثقة قالت :

أنا طالبه منك طلبين

خير؟

حتكسفنى؟

ماعرفش

الطلب الاول أنك تؤجل الخصم الشهر ده

نعم والطلب التانى

ابتسمت فى جرأة :

انى أقبض مرتبى بالكامل النهاردة !

***

فى المساء جاءت باكية، ترفقت بها متسائلا عما أصابها، قالت ان حقيبتها خطفت منها أثناء خروجها أمس من العيادة،وقالت الشنطة مش مهم، المهم الورق .

دخلت مكتبى، أردت أن أجهز لنفسى فنجانا من القهوة، دخلت المطبخ، منذ أيام كنت قد اشتريت كمية لا بأس بها من بن عبد المعبود المحوج تكفينى لأسابيع، فتحت الدولاب تعجبت عندما وجدت كيس البن فارغا ؛ فى المساء دخلت المكتب ؛ فتحت فمها وابتسمت ابتسامة عريضة ؛بانت أسنانها الصفراء،أجابت بسرعة كأنما لتنسينى سؤالا وقف فى حلقى :

انت حبيبى ..

حبيبك إيه يا ولية؟!

برضُه أنت حبيبى !!

اجري اعملى لى فنجان قهوة !

حاضر

اختفت، لم تحضر القهوة، انتظرت، انشغلت فى عملى، ناديت عليها بعد قليل، كان الليل قد قارب على الانتصاف، قلت لها لم أشرب قهوة ! أجابت كنت أتفرج على الماتش مصر جابت 3 أجوان..

وعرفتنى أن البن منبه، ولا داعى له الآن !

استأذنت للخروج قبل ميعادها للاطمئنان على ابنتها كانت الحركة هادئة فى هذا المساء البارد الهادىء بسبب الماتش، نسيت أن أسألها على أحوال ابنتها لكثرة مشاكلها وتجنبا للطلبات، سعدت بتواجدى وحدى، بعدها هدأت حركة الطريق، اتجهت إلى المطبخ الصغير لأجهز لنفسى فنجانا من القهوة، لم أتمكن بعد أن مددت يدى داخل الدولاب،تذكرت ساعتها أن كيس البن مازال فارغا .

***

فى آخر اليوم، تستعد للخروج، أجيب الحساب؟

ماشى

تغيب لحظات ثم تدخل وتقدم المبلغ ملفوفا مرتبا بعد أن تقربه من فمها وتقبله، وتقدمه لى، وتتجه ناحية المكتب للتشاغل بالملفات الخاصة بالشركات، تعودت ان أعطيها ما تيسر كل يوم ن حتى لا يكون لها متنفس فى طلباتها المفاجئة،

تموع نفسى وتسمم بدنى ببعض الكلمات التى تلقيها بعد أن تضع المبلغ، ترجو فى قرارة نفسها ألا تحاسبنى، وأن أترك لها المبلغ وأن يكون الحساب فقط يوم الحساب،تقول بعد أن تضع المبلغ :

العيال نفسهم فى الفراخ

أو تقول الولد محتاج يروح للدكتور النهاردة سخن زى الفرن

فى اليوم التالى تقول كتب له علاج وتضع الروشتة أمامى، العلاج ده بكم؟

أرد : اسالى الصيدلى

معيش فلوس أشتريه

هوه المضاد اسمه فاركوسين عندك منه؟

***

الواد ابن جارتى عاوزين يطاهروه

ومالى أنا بالموضوع ده؟

عاوزه منك طلب

خير

تطاهر لى الولد

انا بطلت الطهارة بعد التخصص

ليه؟

أبعتك لواحد جراح

لأ انا عاوزاك أنت !أنا باقول لك علشان تطاهره أنت .

ياست أنا مش جراح

جراح، احنا مش عاوزين جراح ..أحنا حنطاهر الواد بس !

***

طلبت ان تشترى بوتاجاز لأن البوتاجاز " ضرب فيهم "،،وولع وأن دى مش اول مرة بضرب فيهم اليوتاجاز، قريبتها قالت لها انها اشترت بوتاجاز مستورد وسألتها : حاتيجى تتفرجى على البوتاجاز الجديد امتى؟

***

أغلقت باب حجرة المكتب وقالت لى :عشان التراب والدوشة

سكت، اكملت النظر فى كتاب أمامى

سمعت جلبة وأصوات بالخارج، فتحت الباب رايت أناس يخرجون من الحمام وآخرون يدخلون

مين يا نيللى؟

أبدا دى جارتى أم مروة!

فتحت النافذة لأتلقى ضوءا وهواء منعشا ؛ قالت إن القادمة مزة حلوة اتضح أنها زوجة أحد أصدقائى، قابلتها بإحترام و حفاوة شديدين

طلبت أن تخرج مبكرا لتمر بالسوق وتشترى لأولادها عشاء

بالامس غابت لأن ابنها كان سخن كما تقول ؛أخرجت من جيبى كارت شحن، وضعته على المكتب، دخلت المكتب رأتنى وانا أكشط الكارت، تغير صوتها وخفتت نغماته وهى تطلب كارت شحن لها

أبلغتنى بأنها تنوى الغياب باكر لأن لديها فرح أبن أخوها فى طنطا..

اليوم ظلت تمسك ظهرها و قفاها فلما سألتها عن السبب ؛ قالت إن الوجع ماسكها، وطلبت أن تحضر ابنة جارتها للكشف والعلاج المجانى، لا مانع لا مانع

قالت :

أطلب منك حاجتين أوعى تكسفنى

نعم؟

أول حاجة انا محتاجة أنام

ضحكت، وقلت :

وأنا أعمل لك إيه؟

شوف لى حاجة تنوم ! عاوز منوم ..آه ياريت أنا بافضل صاحية لغاية الساعة 6 و7 الصبح

وتانى حاجة؟

شوف لى كيس عشان أحط فيه العيش

العيش؟

آه ..أصل أن اشتريت عيش وعاوزه أحطه فى كيس

حاضر

***

فى اليوم التالى ؛ كان الوجوم باديا على ملامحها، أيقنت انها تحمل خطة بداخل هذه الجمجمة اللعينة، لا ادر ما هى خطة اليوم ! لكنى تعودت تقريبا على طلباتها، ويجب عبى ألا أرفض الطلبات الانسانية، ولكنها احيانا تخرج عن نطاق الانسانية وتصل إلى حد البجاحة والازعاج .

***

قالت لى إن ابنها يعانى من قىء واسهال ؛ وسألتنى :هل تعطى ابنها برمبران حقن للقىء ؛ أم الأفضل أن تحقن له كورتجين؟ وسألت عن حقن كورتجين

لا يوجد

طيب عاوزه انتوسيد أو فلاجيل للاسهال، الواد حيتصفى ..!

فى الأجزخانة

خرجت مكتئبة من حجرة المكتب .

***

اليوم نفسها فى السمك، وتريد أن تدفع ايصال الكهرباء

كانت تحرص على ترتدى والقفازات ووضع النظارة على عينيها قبل خروجها إلى الشارع لكى تبدو مثل سيدات المجتمع من علية القوم !

****

طلبت أ ن تكون أجازة العيد أسبوعا كاملا،لأنها ستسافر إلى أختها فى الاسماعيلية،وافقت قائلا سوف استريح منها هذا الأسبوع. اليوم وضعت يدها على بطنها وأمسكت المكتب بيدها الاخرى ونظرت فى اللا شىء

مالك؟

بطنى بتوجعنى

من امتى؟

من زمان عندى قرحة

باخد أسيكور 1، وميوكوجيل 2 و...

***

فوق دولاب الآلات المجاور للمكتب وضعت بامبونيرة كنت قد احتفظت بها، بها قطع من الشيكولاته أقدمها أحيانا للضيوف

رأتنى اقدم لأحد الاطفال واحدة منها ؛ بعد أن غادر الطفل وأبوه، قالت لى فجأة :

أنا عاوزة العلبة دى

وأشارت إلى أعلا الدولاب .

قلت لها متساءلا :

البمبونيرة؟

أيوة بس لما تفضى .

دى حاجة خاصة بالعيادة

تصنعت الخجل والأدب وقالت :

أنا آسفة موش حا طلب منك حاجة تانية عشان ما حبش حد يكسفنى !

كان زوجها يعمل بمخبز ابن خالها، أصيب بوجع أسفل ظهره، قال له الطبيب أنه الديسك، لن يستطيع أن يكمل مسيرته، وهؤلاء الاولاد وحلوقهم المفتوحة؟ من يسد رمقها؟ عندما عاد الى منزله نظرت اليه زوجته وهو يمسك بالمنشفة بكلتا يديه، خطر على باله بيت شعر قديم قائلا :

هذا جناه أبى علىّ وما جنيتُ على أحد !

كانت زوجته مبهوته، قالت له:

إيه يعنى الكلام دة ياسى مرسى؟

مرض زوجها، واستفحل المرض فى المفاصل، لم يستطع أن يذهب الى عمله؟ نصحه الأطباء بالراحة فى المنزل، مع العلاج، كانت تدوخ من أجل أن تأتى له بالعلاج، ظلت تتابع حالته الصحية، كانت تقول فى وسط المعمعة :

فعلا ضل راجل ولا ضل حيط!

الراجل مهم فى البيت ولو كان عضم فى قفة !

اليوم قالت ان زوجها أصيب فى ذراعه، قلت متأثرا :

كيف؟

قالت وقع وهو يحمل صاجا ساخنا على رأسه تزحلق على البلاط و انزلقت كفه على حرف الرصيف، عملناله آشعة الدكتور قال له اعمل جبيرة،وأردفت : عاوزين طلب

خير

حقنه مسكن

بحثت فى الدولاب عن حقنة مسكنة، وجدت أمبول دولومين أعطيته لها

نظرت لى قائلة : مفيش دهان مسكن بقى؟

سحبت أحد المراهم الموجودة على المكتب واعطيتها إياه.

***

قلت لها يوما سأسافر غدا فى مؤتمر،ردت قائلة :هات لى حاجة حلوة، لأن بنتى

بنتى جاى لها عريس، ونظرت إلى المقاعد بصالة الإنتظار وأشارت إلى الكنبة قائلة:

أنا عاوزه الكنبة دى

لم أرد عليها، ثم قالت :

ممكن أشترى التلاجة؟ على فكرة،فيه سمك فى التلاجة انت محتاجه؟ على فكرة انا باحب السمك قوى أموت فيه ..طلبت منها أن تخرجه من الثلاجة، أحضره السماك هدية،بعد عودته من رحلة بحرية،اقتربت من كيس السمك بأنفها وأغمضت عينيها وسحبت نفسا عميقا : اللللللله!

تجمدت معالمى، وقلت لها : خديه، اتسعت ابتسامتها واقتربت بوجهها منى قائلة :معقولة !!

أيوه خديه ...

***

بعد أيام كانت هى تذهب إلى العمل بدلا من زوجها، ظلت على هذه الحال عدة أيام، تذهب إلى المخبز، تجمع الأرغفة، تضعها فى أكياس تمهيدا للتوزيع على المحلات . تعبت من هذا العمل النهارى بالاضافة إلى عملها الليلى، عندما اقتربت أجازة نصف العام كلفت ابنها الذى وافق عن جهل وطيب خاطر، على الذهاب للعمل بالفرن، كاتن تقول لى وعلى وجهها وروحها آ]ات حزن دفين :

الولد بيجى بعد نص الليل يقول لى خدى يا أمى ! يعطينى كل الفلوس اللى استلمها

كنت أقول له : وانت يا على أنت .. لم تترك لنفسك شىء

يرد عليها : لا يا أمى أنا غير محتاج لشىء ..كفاية أننا ناكل ونشرب مع بعض فى البيت !

***

عاوزة منك حاجة ...توجست من كلامها وقلت بصوت خفيض:

نعم؟

عاوزة كريم للبشرة، وعاوزة زيت لتنعيم الشعر !

نعم؟

آه والله عاوزة الحاجات دى ..أنا لعلمك بشرتى حلوة ..أنا بشرتى حلوة وناعمة ؛ بس أنا باهمل فيها،أنا عندى نوعين كريم للبشرة، نوع بالصبار ونوع باللانولين والجليسرين .

عظيم جدا ..

أنا عاوزه نوع ينعم البشرة واستعمله على طول ..

أنا سمعتك بتقولى بشرتك ناعمة

ضحكت وقالت : وماله؟ ننعّمها أكتر... !!

***

قال لى :

فكرت أن أتخذ قرارا باتهاء خدمتها، قلت له :

مازلت تفكر حتى الآن؟ أنت غلبت سيدنا أيوب..

أشعر أنها ستدخلنى الجنة..

***

نظرا لما لاحظته من استفحال طلباتها المتتالية والتى تهبط بها كمن يهبط بالباراشوت، كانت سحنتها فى هذا اليوم كئيبة ومختلفة، أدركت ان هناك شيئا مخفيا .. شيئا جديدا، مشكلة حادة تطفو فوق السطح كالعادة .. علىّ أن أستقبلها وأحملها فوق راسى !! سألتها عن السبب قالت عندما ننهى العمل سوف أقول لك، قبل أن نغلق المكتب نظرت لى وقالت انها واقعة فى مشكلة، صمتت برهة، وقلت ماهى؟ قالت إن عليها إيصالات أمانة، وانحدرت الدموع على وجنتيها ...

إصالات أمانة

أيوه.. والمحامى اتصل وبلغنى أن الايصالات فى المحكمة

يعنى إيه؟

يعنى حادخل السجن

وانفجرت فى البكاء ..

***

كنت قد نسيت كيسا به سمك داخل ثلاجة المكتب، فى اليوم التالى نظرت لى بابتسامة خبيثة :

حناكل سمك !

تذكرت اننى نسيت الكيس بالأمس، تضايقت من فتحها للثلاجة وتفتيشها فيها، على الأقل كان المفروض ألا تذكر شيئا عن هذا ولأن الموضوع لا يخصها ..

***

فى هذا المساء قبل أن أغلق فاجأتنى بقولها ان ابنها فى الابتدائية ؛ ومطلوب منه عمل بحث عن احسان عبد القدوس، قلت لها ولماذا احسان بالذات

ردت أصل زميله أخد طه حسين وزميله التانى أخد نجيب محفوظ

وطلبوا منه بحث آخر عن التقلبات المناخية وأثارها على الارض، تعجبت، ولكنها عندما قالت لى ان المدرسة طلبت منه اان يكون البحث على سى دى، زاد تعجبى ؛ واعتقدت أن هذه الطلبات أكبر من طاقة التلميذ، أو من الممكن أن تتماشى مع تلميذ يكون ميسور الحال، قالت لى :

هات حق مكتب الكومبيوتر وتمن السى دى.

***

حادث تصادم للتكتك، صدمته التريللا من الخلف، انقلب التكتك وقعت الطاولات على الأرض،انتثرت المخبوزات فى الشارع واختلطت بمياه وطين الشارع، تجمهر الناس ليساعدوا المصابين، تخرشم الرجل فى وجهه، بينما أصيب الابن فى ساقه وفخده بتهتكات عميقة، حملهم الناس الى المستشفى ؛ هناك علمت نيللى بما حدث لزوجها بعد أن اتصل بها ابن الحلال، فقد طار موبايل زوجها ولم يعرف له مكانا .

***

أما تخلص عاوزة منك حاجة

حاجة إيه؟

أما تخلّص الأول

لعب الفأر فى عبى، بعد أن انصرف المريض، أردت أن أسألها عن طلبها ؛ ولكن أجلت مبادرتها بالكلام، وتركت الامر لها لأنها هى التى طلبت، وقلت فى نفسى : ربما تنسى أو تتراجع عن طلبها،لأنه فى الغالب طلب سخيف مثل طلباتها المعهودة،هجمت على المكتب وقالت له : اسمع ياسيدى

نعم أنت حبيبى، وابتسمت بغواية !

نعم؟ حبيبك ...

إيه الحكاية ..

ترضى أدخل السجن؟

السجن ! ياساتر ليه؟

كمبيالات !

وانا دخلى إيه؟

ترغرغت عيناها بالدموع وقالت المحامى النهاردة اتصل وقال لى: الحقى! أقساط الثلاجة والتليفزيون، لو ما أدفعوش، أو قسطناهم حادخل السجن .

وفين جوزك؟

جوزى ! جوزى إيه ... جوزى محتاج مساعدة؛ محتاج معونة، رجله فيها رباط صليبى وبقى له عشرين يوم نايم فى البيت لا شغلة ولا مشغلة .

***

تعودت أن تجىء بأولادها إلى العيادة، انقلبت الى بيت، تعطى أولادها الدروس وتسمّع لهم : تحضّر لهم السندويتشات فى المطبخ، و يحمل كل واحد كيسا من الشيبسى؛ بعدها ؛ وخلال أقل من شهرين تعودت أن تغيب عن المكان، وأن ترسل ابنتها بدلا منها .

***

فهرس

إهداء

غيرة قاتلة

شىء معتاد

قربة مخرومة

كلمة لا تقال

لوغاريتمات

القافلة

وفّر كلامك

علىّ الطلاق

عديم الدم

جهنم جنات

لا أحد مطلقا

على رحته

المنقّبة

خردة

انت فاكرنى؟

وضحكتُ عليك!

أمازلتَ تذكر؟

مبروك يا مهجة

البخيل والشيطان

الباشا

سيدة الشات

صلاة عيد

الثرثار

السبيعى

صح النوم

المؤدب جدا!

مطلوب آنسة!

***

كتب للمؤلف:

- مجموعة قصصية بعنوان :" آه منها" عن دار "قراءة" 2006

- فضاءات مدينة " رواية" .عن الهيئة العامة لقصور الثقافة – سلسلة إبداعات 284 أغسطس 2010

حكايات البالطو الأبيض " رواية" دار شرقيات

تحت الطبع :

حكايات البالطو الابيض ج2 "رواية"

بيتنا القديم " رواية"

خارج نطاق الخدمة - مجموعة قصصية

بريد الكترونى redasaleh51@yahoo.com