نحو سنة ثقافية بيضاء !!

يوسف بورة

بعد أسابيع قليلة، تنتهي السنة المالية، ويُحيل الوزراء ميزانيات قطاعاتهم إلى حسابات الميزانيات المقبلة (2018) ، مع العلم أن أغلب القطاعات تفضل إنهاء السنة المالية بنتيجة لا يَفْضُل معها فائض في حساباتها المفتوحة لدى الخزينة العامة. وهو ما يتيح البدء في صرف الميزانية الجديدة بدون مشاكل، في ما يتعلق بالمحاسبة العامة  وشفافية المعاملات المالية.

ووفق هذا المبدإ، تبقى وزارة الثقافة والاتصال متأخرة في تصفية ميزانيتها الخاصة بدعم الثقافة دون أن تبين للرأي العام أسباب ذلك أو تخرج بتصور لمعالجة هذا التأخير بما يضمن الوضوح اللازم والشفافية المطلوبة في هذه المرحلة الموسومة بالكثير من السواد. كما يبدو أن الوزارة غير مُلمّة وغير عابئة بالمشاكل المترتبة عن هذا التأخير  بالنسبة للمستفيدين، والذي قدموا التزامات ودخلوا في تعاقدات وقدموا مصاريف في إطار المشاريع المختلفة التي تقدموا بها. فكم من مؤلف صار مدينا لمطبعته وكم من مسرحي أوقف تداريبه وعروضه وكم من جمعية اضطرت لدفع ديون متعامليها من ميزانية عاجزة أصلا.. فهل  بهذه الطريقة ندعم الثقافة ونجعل منها قطاعا منتجا؟

ولنا أن نسوق ما آلت إليه الساحة الثقافية في ظل هذا التأخير والتماطل الذي دام أكثر من اللازم حتى بات الاعتقاد راسخا في قصديته؛ فباستثناء الأنشطة الكبرى التي ترعاها الدولة مباشرة أو تدعمها مؤسسات كبرى، فإن باقي الأنشطة التي كانت تقام في دور الشباب ودور الثقافة ومقار الجمعيات قد اختفت أو تكاد. هذا في الوقت الذي يتحدث الجميع عن ضرورة واستعجالية النهوض بالثقافة في الأوساط الشعبية لتجاوز واقع الأمية وتشجيع القراءة والإبداع الأدبي والفني.

إن الثقافة ليس ترفا كما يتصور البعض، أو هي تلك الحفلات الباذخة .. لا ، أيها السادة ، إنها ما يشحذ الفكر والحس النقدي لدى المواطن ويُكرّس انتماءه. كما أن دعمها من طرف الدولة ليس صدقة أو مضيعة للمال العام، وإنما هو حق واجب . صحيح أن ذلك يجب أن يتم في إطار قواعد وآليات قانونية واضحة ومُراقبة، ولا يمكن أن نقبل أن يتم استغلال الثقافة لنهب المال العام والتلاعب به،  ونحن لا يمكن إلا ان نكون مع التصحيح والبناء الجيد والشفاف. لكننا في الوقت نفسه نحمّل الدولة مسؤولية المتابعة والمراقبة ونرفض أن يتم حرمان المشاريع الحقيقية من الدعم بدعوى وجود خروقات تقوم بها الحيتان الكبيرة التي جعلت من الثقافة مطية للارتزاق والتسلق الاجتماعي.. وبالتالي فإن أي إصلاح حقيقي يجب القطع فيه مع أولائك  الذين يستغلون المال العام وهم شركات كبيرة ( مثال دور النشر الكبرى التي تستفيد من دعم  المنشورات).

إننا نتوجه، بعد تريث وانتظار لن يطول، إلى السيد وزير الثقافة بهذه التساؤلات، ونقول بأن الاختباء وراء المراجعة ودراسة الوضعية والملفات لن يكون إلا ضارا بالثقافة اقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا ، أم أن سياسة الدولة في مجال الثقافة هي جعل السنة الثقافية سنة بيضاء لتكون علامة صارخة على حياة اجتماعية سوداء؟ !!