رسالة باريس: جاك بريفير: حكاية الشاعر الذي أرتقي بالسينما الفرنسية الي القمة

لم يلمس كاميرا في حياته لكنه أنجز عملا سينمائيا متوهجا لكل العصور

صلاح هاشم

يروي معرض "جاك بريفير. باريس الحسناء" JACQUES PREVERT.PARIS LA BELLE المقام حاليا في باريس، ومن تنظيم محافظة المدينة، حكاية الشاعر الفرنسي الكبير جاك بريفير (من مواليد ضاحية نوي سور سين الباريسية في 4 فبراير 1900 وتوفي في 11 ابريل سنة 1977)، أعظم كاتب سيناريو عرفته السينما الفرنسية من دون جدال، الذي عشق مدينته الجميلة باريس، وخلدها في العديد من أفلامه، مثل فيلم (أطفال الجنة LES ENFANTS DU PARADIS) لمارسيل كارنيه، الذي يعد بإجماع رأي النقاد السينمائيين في العالم أحد أعظم 10 أفلام في تاريخ السينما العالمية. ذلك أن الروائع السينمائية التي كتب بريفير سيناريوهاتها (أكثر من 19 عملا) وأخرجها الفرنسي مارسيل كارنيه وآخرون تمثل "العصر الذهبي للسينما الفرنسية" حيث وصل فيها الثنائي بريفير ـ كارنيه من جهة بمستويات الإبداع في السينما الفرنسية في فترة الأربعينيات الي القمة، وهي تحيل إلي، وتذكّرنا هنا في ما يتعلق بالسينما المصرية، بانجازات الثنائي نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف مثلا، ورائعتهما "الفتوة" وأفلام العصر الذهبي للسينما المصرية بالأبيض والأسود.

وتنتمي معظم الأفلام التي صنعها الثنائي السينمائي الفرنسي في تلك الفترة الذهبية وفرنسا تحت الاحتلال الألماني النازي من جهة أخري إلي ما يطلق عليه بمذهب "الواقعية الشاعرية" في السينما. وكانت سيناريوهات بريفير، وأسلوبه وطريقته في الكتابة،وشهرته الفائقة ككاتب حوار موهوب فذ وعبقري، تجعل المخرجين الفرنسيين الكبار مثل جان رينوار يخشونه، ويحاذرون في التعامل معه، حتي لا تذهب المحصلة النهائية في أفلامهم ونجاحها الي بريفير، فيقال هذا فيلم لبريفير وليس لرينوار، أي يظهر في الفيلم أسلوب وكتابة بريفير من ناحية السيناريو، أكثر مما يظهر إخراج او ميزانسين رينوار، وذلك بسبب قوة وطغيان أسلوب جاك بريفير في الكتابة للسينما، وروعة سيناريوهاته، مثل كاتبنا الروائي الكبير نجيب محفوظ، وحضور شخصية جاك بريفير، ورؤيته للفن والحياة. 


ملصق المعرض 

شاعر الشوارع ينتصر لشعب باريس الصغير
ليس فقط في أشعاره الشعبية الأصيلة التي يحفظها الآن عن ظهر قلب ويرددها التلاميذ الصغار من الأطفال في المدارس الفرنسية، والتي جعل فيها بريفير كلام الناس السهل المباشر البسيط المألوف علي رصيف باريس في الشارع العام، يرقي الي مستوي الأدب الإنساني العالمي الرفيع، كما في قصائد الهندي رابندرانات طاغور أوالأمريكي والت ويتمان أو المصري بيرم التونسي. بل في مجمل كتاباته وأعماله أيضا، سواء كانت قصيدة أو مسرحية أو سيناريو فيلم أو أغنية. بل لقد جعل بريفير حياته الشخصية وخبراته وتجاربه، مادة حية وخصبة لأفلامه، وكأنه كان مسكونا بشعب من الشخصيات الفرنسية عبر تاريخ فرنسا الطويل، وقد راح مثل الحواة، يطلع أو يخرج بحذق ومعلمة وفن أفراده، ويظهرهم واحدا بعد الآخر في سيناريوهات أفلامه التي شاهدت بنفسي معظمها في "السينماتيك" الفرنسي (دار الأفلام) وصارت من كلاسيكيات السينما العالمية، ولا تشبع أبدا من جمالها وحلاوتها وإنسانيتها، وذلك لكي يجسد قصة الصراع بين الخير والشر، لينهي الصراع في أغلب الوقت لصالح الإنسانية، ومجد الحياة ذاتها، زهوها وبهجتها، وهو يعلي من قيمة الاحتفال بالحياة والحب في كل لحظة، والإقبال عليهما، ضد الموت والفناء واليأس والعدم.

في كتاب "سينما جاك بريفير" الصادر بالفرنسية لبرنار شاردير، الذي يضم مجموعة من أهم المقالات التي كتبها النقاد عن فنه السينمائي، يذكر الناقد "جان بيير جان كولا": أن عالم بريفير السينمائي ينتصر لـ"الشعب الصغير" في فرنسا أي "الناس اللي تحت" أو فرنسا السفلي، الذي يضم العمال والكادحين وأصحاب المهن الصغيرة واللصوص والصعاليك والغرباء، وهو ينحاز في جل أعماله ودواوينه الي أناس يحبهم، وأناس لا يحبهم. يحب بريفير الكادحين المقهورين من الطبقة الدنيا وينحاز إليهم، ويحب الأطفال، لكنه يحب خصوصا العشاق. ويري جان بيير كولا ان بريفير قد كرس أعماله السينمائية والشعرية لكي يمجد حبهم الإنساني الجميل العفوي البسيط، من دون استغراق في العاطفية الرومانسية المبتذلة، أو التهويمات الميتافيزيقية، ولكي يشمخ بذلك الحب في أفلامه مثل فيلم (عشاق فيرونا) و (رصيف الضباب) و (زوار المساء) وكذلك فيلم (أطفال الجنة) الذي يعد "تحفة" سينمائية لا يجود الزمان بمثلها. وكان بريفير يكتب عن العشاق فيقول: "الأطفال الذين يحبون، ليسوا هنا، لكم. كلا، إنهم في مكان آخر بعيد، أبعد من الليل، وأعلي من النهار، داخل ذاك الوضوح الباهر لحبهم الأول". وهاهو أيضا يحكي عن الأطفال والطفولة والعيال الأشقياء المظلومين في المدارس في قصيدة جميلة له بعنوان "التلميذ البليد الكسول" من ديوانه "كلمات" وكأنه يحكي عن زميل لك في فصل من فصول مدرسة حسن باشا طاهر الابتدائية في "الحلمية"، اذ يقول فيها ـ والترجمة من عندنا بتصرف:ـ

«التلميذ الكسول البليد في الفصل،
يقول لا برأسه،
لكنه يقول نعم بقلبه.
يقول نعم لكل ما يحب،
ويقول لا للأستاذ.
يقف ويستمع إلي الأسئلة التي تلقي عليه،
وكذلك المسائل والمشكلات المعقدة التي يطلب منه حلها،
لكن فجأة إذا بضحك مجنون ينتابه،
فيمسح كل شيء علي السبورة،
ويمحو كل ما كتب من أرقام وكلمات وأسماء وتواريخ وعبارات ومصائد.
وعلي الرغم من وعيد الأستاذ وإنذاره،
وصياح التلاميذ في الفصل،
يروح وسط كل هذه الضجة،
يرسم "وجه السعادة" فوق سبورة التعاسة السوداء».

والغريب أن بريفير هذا الذي ولد لأسرة فقيرة متواضعة، فقد اشتغل والده بعدة مهن قبل أن يعمل بوظيفة "زائر" للملا جيء التابعة للجمعيات الخيرية في باريس! وكانت أمه ربة منزل تقوم بصنع أكياس الورق المقوي وتعرضها علي الباعة في سوق "الهال"، وتعلم جاك القراءة والكتابة في المدرسة والكنيسة، لفترة ثم ترك الدراسة في سن 15 سنة، ولم يحصل علي شهادة، الغريب أنه هو الذي كتب ربما أعظم أغنية في تاريخ الغناء الفرنسي، وهي من أغنيات الشعب الفرنسي المفضلة التي تحكي عن الحنين والذكريات وأيام السعادة والحب التي أنقضت والي الأبد.

ونعني بها أغنية «الأوراق الميتة ـ لي فوي مورت» من تلحين جوزيف كوسما، التي شدت بها سيدة الغناء الفرنسي بلا منازع أديت بياف، ومن بعدها ايف مونان وجولييت جريكو وغيرهم، كما ترجمت الي الانجليزية وشدا بها مغني الجاز الأمريكي الأسود الكبير نات كينج كول، وقدمت الأغنية بأكثر من 600 طريقة ومذهب، بصوت العديد من المغنيين الفرنسيين، وبلغات العالم المختلفة، ويقول فيها جاك بريفير:

«أجل أريدك أن تتذكري تلك الأيام السعيدة التي قضيناها سويا
عندما كنا أصدقاء،
وكانت الحياة آنذاك أكثر جمالا،
والشمس حارقة أكثر من اليوم، وكانت أوراق الشجر الميتة
لكثرتها تجمع أجل بالمجرفة.
أترين أنا لم أنس تلك الأيام،
ولم أنس تلك الأوراق التي كانت تجمع.
لم أنس تلك ذكريات،
وكذلك لحظات الندم التي حملتهما ريح الشمال في تلك الليلة،
ليلة النسيان الباردة.
أترين أنا لم أنس.
لم أنس تلك الأغنية التي شدوت بها لي،
وكانت أغنية تجمعنا نحن الاثنان.
أنت يا من كنت تحبينني،
وأنا الذي كنت أحبك،
وكنا نحن الاثنان نعيش وقتها سويا،
غير أن الحياة تفصل بهدوء ومن دون جلبة
بين الأحباب،
وإذ ذاك يمسح البحر خطوات العشاق المنفصلين
من علي الرمال،
فإذا بها تتلاشي وتختفي والي الأبد». 


جاك بريفيير 

الغريب أنه لم يكن يعبأ بأن يطلق عليه أسم "شاعر" أو يهتم. وكان يقول "أوف، وأيه يعني" ثم يهز رأسه، ويسحب نفسا عميقا من سيجارته التي كانت كما في كل الصور التي التقطت له معلقة دوما بين شفتيه، فلم يكن بريفير باحثا عن شهرة وجاه ومنصب، بل كان مثل الرهبان المتنسكين، مقطوعا لفكره وفنه وعالمه الخاص، وعشقه وحبه لمدينته الحسناء باريس (أسم المعرض "باريس الحسناء": مأخوذعن أسم فيلم كتب له السيناريو جاك بريفير ومن إخراج شقيقه ببير بريفير من انتاج 1960) والتصعلك في حاناتها، ومقاهيها، وطرقاتها، وشوارعها الخلفية السرية، مع أصدقائه من الشعراء والكتاب السرياليين، وكان مشهورا وسطهم، الي جانب عبقريته في كتابة الشعر، وسيناريوهات الأفلام، بحبه للفكاهة والحبور والمرح والنوادر واللعب بالكلمات، وعشقه لشقاوة الأطفال المحببة في الضحك علي والسخرية من والتهكم علي كل شيء، وكذلك تدبير المقالب لاصطحابه وأقرانه.

وكان عندما يضج أصدقاؤه بالضحك علي قفشاته ونكاته، كان علي طريقة الممثل الفكاهي والمخرج السينمائي الأمريكي الكبير بستر كيتون، يحافظ علي تجهمه، وتلك السيجارة المعلقة دوما بين شفتيه، ويبدو رزينا وجادا فيزدادون ضحكا، ولم يكن كيتون يضحك أبدا في أفلامه الفكاهية، تلك التي تشبه في مواقفها "البيرليسك" مواقف مسرح العبث واللامعقول عند صاموئيل بيكيت ويونسكو، كما نجد ذلك المنحي البيرليسكي العبثي أيضا عند مخرجنا الفلسطيني ايليا سليمان، وبخاصة في فيلمه الأثير (يد إلهية). غير ان الفكاهة في أعمال بريفير كما يذكر الناقد السينمائي الفرنسي الكبير اندريه بازان ليس المقصود بها أن تكون غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لسبر أغوار عالم ورؤية خاصة لبريفير، وفلسفة وجود تختفي بعناية تحت السطح، ويمكن أن نقول أن جاك بريفير كان كما أطلق عليه أحد النقاد، كان بمثابة "بستر كيتون، لكن بعد أن قرأ أعمال كارل ماركس" لأن فكاهة بريفير لم تكن فكاهة فاضية لدغدغة المشاعر، ولحس الدماغ، بل كانت مسنودة علي فهم ووعي ودراسة وإدراك لتناقضات المجتمع الفرنسي، وكأنه قرأوهضم أعمال الفيلسوف كارل ماركس.

ومن هنا ندرك أيضا سر أعجاب جاك بريفير بأعمال المخرج الفرنسي الكبير جان فيجو، وبخاصة فيلم (صفر في السلوك)، الذي يحكي عن ثورة التلاميذ الصغار وشقاوتهم في مدرسة داخلية في الريف الفرنسي، والذي أنتجته شركة جومون الفرنسية، ثم منعته الرقابة الفرنسية من العرض في ذلك الوقت، لأنه كان يسخر من "سلطة" البرجوازية التقليدية المحافظة الصارمة المعفنة في الحكم، ويتهكم علي ناظر المدرسة، والنظام التعليمي الفرنسي العسكري القمعي، ويظهر مفتش التعليم في صورة قزم من أقزام السيرك، يبعث علي السخرية والضحك.

وكان يكفي عند مشاهدة أي فيلم فرنسي من دون معرفة أسم مخرجه في فترة الأربعينيات، أن يعرف البعض علي الفور أنه لا بد وأن يكون عن سيناريو لجاك لبريفير "ابن البلد" الباريسي اليساري الفوضوي الفنان المتمرد الصعلوك الشاعر، المتعاطف مع العمال الغلابة، والأطفال اليتامى، والهامشيين المقهورين، صديق الرسامين، والمصورين، في أحياء المونبارناس، والسان جرمان، والمونمارتر، والشاعر الغنائي الذي تغني بأشعاره وكلماته أديت بياف ومولودي وسيرج رجياني وايف مونتان وغيرهم، الذي لم يكره شيئا في حياته، مثل كراهيته لمؤسستي الجيش والكنيسة، والذي يعد بإجماع النقاد أعظم كاتب سيناريو عبقري أنجبته فرنسا.

وقد كان الهدف الأسمى لذلك المعرض المقام في العاصمة الكبيرة أن يتعرف الجمهور علي الجوانب الفنية الإبداعية المتعددة عند جاك بريفير، ونجح بالفعل في تحقيقه، حيث يتوافد الآن أكثر من 1000 زائر ـ وأكثر من 2500 زائر في عطلة نهاية الأسبوع أي يومي السبت والأحد ـ كل يوم علي المعرض، وتستطيع الي جانب مشاهدة سيناريوهات أفلامه، ومذكراته، وصوره الشخصية في أروقة المعرض وأقسامه، تستطيع أن تستمع الي نات كينج كول المغني الزنجي الأمريكي الأسود وهو يشدو بكلمات أغنيته "الأوراق الميتة" بعد أن ترجمت إلي الانجليزية، وأن تجلس في ركن صغير يتسع لعشرين مقعدا، يعرض مقتطفات ومقاطع من أفلام جاك بريفير علي شاشة كبيرة. ومن ضمنها مقطع من فيلم (المقطورة)، يظهر فيه الممثل الفرنسي الكبير جان جابان وهو يخاطب الممثلة الفرنسية الحسناء ميشيل مورجان حبيبته في الفيلم، ويهمس لها قبل أن يقبلها: "أتعرفين يا حبيبتي أن لك عينين جميلتين للغاية" فتقول له "حسنا. قبلني" فيقبلها، فتطلب المزيد، وتقول له: "كمان". وتلك الجملة التي ينطقها جان جابان في الفيلم هي من أجمل العبارات التي يحفظها يقينا عن ظهر قلب أغلب أفراد الشعب الفرنسي، ويرددونها قطعا ـ قلت في نفسي ـ في مواقف ومناظر عاطفية مماثلة، بعدما صارت قولا مأثورا.

كما سوف تجد كذلك في المعرض قسما يعرض لأعمال جاك بريفير الفنية التشكيلية، فقد كان جاك بريفير الي جانب صداقته للفنانين والرسامين من أمثال بيكاسو وجان ميرو وتانجي والمصور مان راي، كان مثل في السينما في بداية حياته، وكتب العديد من المسرحيات لمجموعة "أكتوبر" المسرحية الفرنسية الثورية، وأهتم بفن "الكولاج"، وأقيم له في حياته أكثر من معرض لأعماله. 


من أعماله التشكيلية: كولاج

ويري البعض من النقاد ان كل الأفلام التي كتبها بريفير مثل (رصيف الغيوم) و (زوار المساء) و (أطفال الجنة) والتي أضطلع ببطولتها عمالقة التمثيل في السينما الفرنسية آنذاك ولكل العصور، من أمثال لوي جوفيه، وآرليتي، وميشيل مورجان، وجان جابان، وجان لوي بارو، وبيير براسور، وجول بيري، وآلان كوني، كانت تمجد مدينته التي عشقها باريس حتي عندما كانت أحداث تلك الأفلام تدور في مدن فرنسية أخري، وان تلك الأفلام في معظمها كانت "حكايات خرافية رمزية" أي تحكي عن أحداث تدور في فترة زمنية معينة، لكنها كانت تتجاوز برمزية الحكاية حدود المكان والزمان لتصبح "أيقونة" سينمائية لكل الأزمنة والعصور، وهي تبلور في ذات الوقت ملامح مذهب "الواقعية الشاعرية" في السينما، كما في فيلم (أطفال الجنة) وتجسده، وتنفذ مباشرة هكذا الي قلوبنا، فتجعلنا نحبها، ونتأمل في درسها الأخلاقي.

جاك بريفير هو حالة خاصة وفريدة جدا في السينما الفرنسية، فهو الإنسان الوحيد الذي لم يلمس كاميرا سينمائية في حياته، ومع ذلك استطاع ومن دون جدال، أن يخلق عملا سينمائيا متكاملا، وأن يوظف مجموعة كبيرة من المخرجين الفرنسيين من عند المخرج دوتان لارا عام 1933 مرورا بالمخرجين أندريه كايات، وكارنيه، وحتي رينوار وجريمييون، لتجسيد "نوع خاص" من الحكايات والشخصيات والأحداث التي تعبر عن موقف إنسان واحد فرد، موقف جاك بريفير من العالم، وهو شييء أشبه ما يكون بمعجزة في تاريخ السينما الفرنسية.

تحية إلي جاك بريفير الذي ينتمي كما شكسبير، وهوميروس، وفيكتور هوجو، إلي الإنسانية جمعاء، وليس إلي فرنسا وحدها, وتحية إلي محافظة باريس علي معرضها السخي، الذي يذكر بـ "شاعر الشارع" ابن البلد و "معجزة" السينما الفرنسية، الذي عشق باريس الكادحين وأحيائها الشعبية، وكان بسيطا، ومتواضعا في حياته. وها هو المعرض يحافظ علي ذاكرة جاك بريفير بعد مرور ثلاثين عاما علي وفاته، فينقل تراثه السينمائي والفني والمعرفي إلي الأجيال القادمة. والجميل أن احدي دور العرض في باريس, دار عرض "شامبو" بحي "سان ميشيل" تعرض حاليا 14 فيلما من أعمال جاك بريفير، ومن إخراج جملة من أعظم المخرجين الفرنسيين، من أمثال جان رينوار، ومارسيل كارنيه وبول جريمو، وجان جريمييون، وغيرهم، وتتيح بذلك الفرصة لمشاهدة تلك "الروائع" التي دلفت إلي تاريخ السينما العالمية الكلاسيكية العظيمة من أوسع باب.