رسالة الجزائر: الملتقى الوطني لأدب الطفل

نحو رؤية عربية لجماليات أدب الطفل

عبدالناصر خلاف

شهدت مدينة المدية/ الجزائر إقامة ملتقى عربي تناول بالدراسة والتشريح موضوعا كبيرا وخطيرا هو أدب الطفل وهذا في الفترة الممتدة من 16الى 19 فيفري2009. الملتقى نظمته مديرية الثقافة لولاية المدية بالتعاون مع جامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية والجمعية الثقافية بن شنب للمسرح والموسيقى وهذا برعاية وزيرة الثقافة ووالي الولاية. وقد جرت فعاليات هذا الملتقى بمدرج الدكتور محمد بن شنب الجامعي وجلب عددا كبيرا من الدارسين والمهتمين بالموضوع، وحسب الهيئة المنظمة فإن هذا اللقاء العلمي العربي جاء كإسهام لتشجيع وترقية أدب الطفل، بمختلف مظاهره وقنواته،إيمانا منها بأن أدب الطفل من شعر وقصة ومسرحية يعد عنصرا فاعلا ومؤثرا في تكوين شخصية الطفل والحفاظ على توازنه النفسي وتمثله للعادات والتقاليد الأصيلة ومختلف القيم الإنسانية، وهو ما يشجعه على الاندماج الصحيح في المجتمع، وينمي لديه حب الاطلاع فيتحرر لاحقا من الحلول الجاهزة ولا سيما في فترة الشباب، وهذا ما ذهب إليه السيد عبد القادر زوخ والي الولاية في مداخلته، والذي رحب ترحيبا خاصا بضيوف الجزائر المشاركين في الملتقى، معتبرا فكرة تنظيمه داخل الحرم الجامعي اختيارا ذكيا، كما حمل الباحثين في أدب الطفل مسؤولية ألا يقتصر دور الأدب على تسلية الطفل ونحن في مرحلة حاسمة هي زمن العولمة المتوحشة، وإنما عليهم أن ينشئوا الطفل للمستقبل الواعد.

من جهته السيد أحمد عياش مدير الثقافة تحدث عن فكرة إقامة الملتقى قائلا إن هذا الاختيار لم يكن أبدا اختيارا عشوائيا، لأن إثارة هذا الإشكال يتطلب تشريحا عميقا ومساهمة كل الهيئات المختصة التي يمكنها أن تفيد وتنير العتمة وتسلط الضوء على مختلف التجارب العربية والدولية، للاستفادة منها وتوظيفها في تنمية الذائقة الجمالية لدى الطفل وغرس فيه مجموعة من القيم الحضارية التي يمكنها أن تنتج جيلا يمكنه في هذه التحولات الدولية والتكنولوجية الكبيرة تحمل مسؤوليته وتوطيد قيم النجاح والطموح وتطوير قدراته العقلية والفكرية خاصة، لذا حاولت الهيئة المنظمة يضيف السيد عياش إشراك بعض الباحثين والمبدعين من الوطن العربي في هذا الطبعة التي راهن على أنها طبعة عربية بامتياز. من جهته تحدث رئيس الملتقى الدكتور حميد علاوي بالتفصيل عن جوهر الكتابة للطفل، واعتبرها أصعب من شرب ماء المحيط كله، ذلك أن الكتابة له تحتاج إلى قلم عبقري يحتفظ بألق الطفولة ودهشتها وعنفوانها وإبهارها، وأن الكتابة للطفل لأعسر من حمل جبل ثقيل، لأن المبدع للطفل كما يقول الدكتور علاوي في حاجة إلى معين من الطهر والصفاء والبراءة لم تدنسه غوغاء الحياة وضحالة الماديات.

الأطفال مروج للأغاني
في عرض افتتاحي جميل بالصورة والصوت (ديابوراما) قال المبدع عبد السلام يخلف العلاقة الجدلية والصعبة بين الكبار والأطفال، فخاطب الأطفال قائلا بلغة أدبية أخاذة: "إذا ما أنتم مللتم صخب الكبار.

وعالمهم، ناموا" لكنه بالمقابل نصح الكبار بأن يحترسوا من الكلمات التي تقال للأطفال، لأن الكبار مهما يكن فهم يكتبون بالمخالب التي نبتت لهم بفعل الزمن، هم الذين ضيعوا براءتهم منذ مدة. أما السؤال الجوهري في هذا العرض، فهو ذاك الذي جاء صريحا يتحدث عن أركيولوجيا الطفولة، وصوت الإنسان عبر الأزمان: ما الذي يعرفه الكبار عن تفاصيل الحياة، وما الذي يدركونه بين السطور عن المتاهة؟ حكمة الأطفال يقول الطفل أن تتركوه لوحده يقول للأشياء "ها أنا ذا قادم إليك" وتحضنه الأشياء بطيبها وعطرها الأخّاذ. المهم في هذا العرض هو تركيزه على قوة الصورة، التي قد تمنح الكلام مسلكا جديدا لا ينتظره المتفرج، ثم أن الكلام قد يضع الصورة في مأزق، أو يفتح لها آفاقا لا تكون أبدا في الحسبان. أقل ما يقال عنه أنه عرض مليء بالمفاجآت البصرية والسمعية السعيدة، التي تجمع ما بين المتعة الفنية والتعلم، بحيث أن الجمهور لم يتعود على هذا النوع من العروض ،الذي يمتلك قوة عجيبة في مجال إيصال الأفكار. حكاية الأطفال وصلت إلى الحاضرين بالقاعة، الذين استحسنوا قدرة النص على دغدغة دواخلهم، وذاك هو أدنى مبتغى لهذا العمل.

حميمية التكريم
ومن أجمل اللحظات المؤثرة في الملتقى هو اختيار المنظمين تكريم أديب الأطفال عبد الوهاب حقي الجزائري الجنسية والسوري الأصل، والذي كرس جل اهتمامه لخدمة الثقافة عامة، وثقافة الأطفال خاصة، فهو رغم تقدمه في السن، ما يزال نشطا وفاعلا في الساحة الثقافية الجزائرية، وهو إلى جانب أعماله المقدمة لصالح الطفل في التلفزيون والإذاعة، عضو بعدة هيئات وجمعيات ثقافية وعلمية مثل اتحاد الكتاب العرب، اتحاد الكتاب الجزائريين، منتدى الفكر العربي ـ الجزائري، الجمعية الثقافية الجاحظية، جمعية الدفاع عن اللغة العربية، كما يرأس جمعية الطفولة. جدو حقي كما يلقبه أطفال الجزائر، نال العديد من الجوائز الأدبية آخرها جائرة الطائف الأدبية في السعودية عام 1990‏. ومن أعماله المسرحية أيضاً: مسرحية جميلة بوحيرد عام 1958 ـ صنيعة الاستعمار عام 1955 ـ مصرع شهيد عام 1956 ـ مسرحية عدنان المدني عام 1958‏م.

ومن أعماله الأدبية نذكر: بندقية العم حمدان (مجموعة قصصية) الإنشاء الحديث (دراسة) وظيفة شاغرة (مسرحية هزلية) والمفعول المغرور (قصة للأطفال) ومنجد الإملاء (قصة للأطفال) ثلاث مناضلات عربيات (دراسة) لغتنا الجميلة (كتاب تثقيفي). كما عمل عبد الوهاب حقي مستشاراً ثقافياً في الإذاعة الوطنية الجزائرية، ومشرفاً على ركن دنيا الأطفال جريدة الشعب الجزائرية، ومن أجمل الانطباعات الحميمية التي تركها في الملتقى، دعوته حينما ارتدى البرنوس المديني، أوصى أن يسير في جنازته الأطفال.

أدب الطفل خصوصيات وإشكاليات
تحدث الدكتور حسين فيلالي، من جامعة بشار جنوب الجزائر، عن خصوصية الكتابة للطفل، ومستويات الإدراك، حيث قدم مفهوما لثقافة الطفل مقسما مراحل الطفولة إلى فئات عمرية، ودعا إلى ضرورة وعي الكاتب بذلك ومراعاة الأبعاد النفسية والاجتماعية والتربوية للمتلقي وكذا العناية بالقاموس اللغوي للطفل وخلص إلى نتيجة مفادها أن غياب الوعي بخصوصية الكتابة للطفل هو سبب أزمة أدب الطفل في الجزائر.

كما انطلق الأستاذ بلقاسم عيساني من جامعة المدية في مداخلته من تساؤل: هل أدب الطفل نوع أدبي أم مستوى من مستويات الخطاب الأدبي؟ واعتبر أن أدب الطفل هو مستوى من الخطاب الأدبي، يتوازى في فروعه مع تلك الفروع الموجهة للكبار، ويختلف عنه بمواصفات أسلوبية خاصة، ويرى المتدخل ضرورة مراعاة محدودية قدرة الطفل على الاستيعاب، ولذا ينبغي توخي البساطة والاستعانة بالخيال القريب من عالم الطفل، وتوظيف لغة تنبني على الاقتصاد في الصياغة وعلى المألوف، واستعمال الصور البيانية والبديعية القريبة من محيط الطفل وتجربته.

وقدم الدكتور عبد المجيد فنيش من المغرب مداخلة حول القيم الثنائية في مسرح الأطفال، فمسرح الطفل يستعمل أكثر من غيره من قنوات التواصل المباشر للأدوات التالية:

وحين نتحدث عن هذه الأدوات يقول الباحث، فإن ذلك يعني أنه فعل تربوي تحسيسي، لكن بواجهة مسرحية يمكن أن أسميها "لعبة سمعية بصرية". هذه المداخلة هي خلاصة دراسة تطبيقية اشتغلت على أربعين نموذجا من المسرح المغربي حيث توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج أهمها:

وكانت مداخلة الأستاذ أكرم بلعمري من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة حول موضوع أهمية التراث في الكتابة الأدبية للطفل،حيث تحدث عن المضامين التربوية التي يجب على أدب الطفل أن يبلغها من خلال تعامله مع التراث، وخلص الباحث إلى نقطتين يراهما مهمتين:

إشكالات أدب الطفل في الجزائر
عن هذه الإشكالية، وما يمكن أن يمثله هذا الأدب من أهمية في عملية تكوين أدب خاص بالطفل في الجزائر، تدخل الدكتور محمد شنوفي من الجامعة المركزية بالجزائر، حيث اعترف أنه في كثير من الأحيان، لا يخلو من إشكالات ولا يسلم من النقد، لأن نصوصه لم تراع دائما المبادئ العلمية لهذا الفن الأدبي الذي أصبح شكلا من أشكال التعبير له قواعده ومناهجه سواء منها ما اتصل بلغته وتوافقها مع قاموس الطفل ومع الحصيلة الأسلوبية للسن التي يكتب لها أو ما اتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة. وخلص إلى إن الشروط التربوية والفنية لم تكن دائما، محترمة فيما يقدم لأطفالنا بما يضمن سلامة المنظومة القيمية السائدة في المجتمع، وعدم تعريض مقوماتها الثقافية والروحية للاهتزاز. وكان يمكن أن تكون حال هذا الأدب أفضل لو اهتم به عدد أكبر من الكتاب ذوي التجربة المعتبرة، لكنهم نظروا إليه، على الأرجح، على أنه دون اهتماماتهم الأدبية وطموحاتهم الفنية بما أنه يتوجه لفئات صغيرة.(حتى وإن كتب بعضهم في هذا الإطار فإن ما كتبوه لا يتعدى القصة الواحدة أو القصتين). يرى الدكتور محمد شنوفي أن الطفل في حاجة إلى كتاب جذاب ومبسط يحبب إليه القراءة ويحميه من المؤثرات التي قد تنجم عن قراءاته للكتب الوافدة أو تلك التي لا تناسبه من حيث المستوى (ككتب الكبار)، أو الوسائط الأخرى إذا لم يتوفر الكتاب الجيد والمناسب، كالمواقع الإلكترونية وغيرها من الوسائل التي انتشرت بشكل كبير ويقبل عليها الأطفال دون تمييز للمخاطر التي قد تترتب عن استهلاكها.

إن مجال أدب الطفل يقول المتدخل هو الحياة بأفقها الرحب الذي يشمل الكون الكبير المنظور وغير المنظور، وعالم الأحياء والأشياء، ولواعج النفس الخيرة والشريرة بآمالها وآلامها وأفراحها وأحزانها وضعفها وقوتها وسقوطها وطموحها؛ كما تشمل العلوم والمعارف والخيالات الطموحة والرؤى الملونة. وهذا ما جعل اللدكتور شنوفي يشير بكل موضوعية إلى فراغ مكتبة الطفل في الجزائر من الرواية الموجهة للأطفال على أهميتها في تكوّن هذا الأدب وتكوين شخصية الطفل القارئ بينما يحتل هذا النوع من الكتابة مركز الصدارة في بلدان أخرى وقدم نماذجا في بعض الدول كبريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها.

من زاوية أخرى قام الباحث في علم النفس وعلوم التربية، بجامعة الدكتور يحي فارس ـ بالمدية، الأستاذ عادل آتشي بتحليل منظومة القيم في الأدب الموجه للطفل الجزائري فقد وضع يده بكل جرأة حين أشار إلى ذهنية المجتمع الجزائري التي تلعب دورا هاما في تطوير أو تحطيم هذا النوع من الأدب الموجه للطفل، فلاحظ إقبال الكثير من الآباء على الأدب المكتوب بالفرنسية بغية التحضير اللغوي للطفل حول لغة العلم، فيبحثون جاهدين لتقوية اللغة الأجنبية من حيث القواعد النحوية والصرفية ويتجاهلون القيم المتضمنة داخل ذلك الأدب، وحدد الأستاذ عادل، هذه القيم انطلاقا من سؤال مركزي: ما هي منظومة القيم التي يتضمنها الأدب الجزائري الموجه للطفل؟

فبعد دراسته لمجموعة كبيرة من القصص الجزائرية الموجهة للطفل صنفها الى ما يلي:

1 ـ القيم الدينية
2 ـ القيم الإجتماعية
3 ـ القيم العلمية
4 ـ القيم الفنية

أما اللغة العربية فيمثلونها بلغة الفلسفة التي لا تعطي ثمارا، وفيها
يسمح بالخطأ، فيفهم الطفل أن لغة الغير لها قداسة اكبر من قداسة اللغة العربية، فيتراجع عن الإقبال الفعلي للأدب العربي والجزائري وحتى الكاتب الجزائري نجده بحسن نية يريد تسلية الطفل، وحسب المتدخل هي مبادرة شخصية بإبداعه أو ترجمته، إلا انه لا يتحكم في الفن والعلم فتظهر أخطاء قد تكون عواقبها وخيمة، وبذلك يجب توسيع رقعة الإطلاع في ميدان الكتابة للطفل.

الأستاذ مسعود ناهلية من جامعة المدية هو الآخر سعى إلى وضع الأصبع على الجرح من هلال الحديث عن أدب الطفل في الجزائر مرتكزا على الواقع.. المواجهة.. والبديل. حيث يعتبره لا يقل عن حال ادب الراشدين من حيث الحداثة ومن حيث الوضع. بحكم الوضع التاريخي الذي عاشته الجزائر مدة 132 سنة تحت الاحتلال حيث لم يكن لطفل الجزائر الحظ لينال حقه من التربية والتعليم، ومن الأدب. ولعل الاستثناء الوحيد ـ على قلته كما يثول المتدخل ـ هو ما صدح به شعراء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أيام الاحتلال، أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشاعر محمد العيد آل خليفة هذا الأخير الذي خص الطفل والشاب الجزائريين بأغاني وأناشيد تظهر عليها مسحة من الاهتمام، وكذا بعض النتف الشعرية التي كان يتغني بها تلامذة المدارس الحرة وفرق الكشافة آنذاك والتي كانت رائدة في ذلك الوقت. دون نسيان شعراء الثورة التحريرية وعلى رأسهم مفدي زكريا. ومع استرجاع الجزائر سيادتها، ظهر شعراء وقصاصون كتبوا للطفل الجزائري ولكن من من منطلق أخلاقي وتربوي وتعبوي. وتكفلت المؤسسة الوطنية للكتاب في السبعينيات من القرن الماضي بتخصيص جناح لأدب الطفل، وظهرت إلى الوجود منشورات قي شكل مجلات ك "مقيدش و "رياض" على ما فيهما من هنات.

أما بعد الانفتاح فقد كثر الناشرون وتعزز أدب الطفل باهتمام المبدعين سواء أكان مطبوعا آو في شكل نصوص مسرحية أو أدبا سمعيا بصريا. غير ان هذا الأدب حسب الأستاذ ناهلية ظل جهدا فرديا لم يصدر عن متخصصين من جهة ولم يكن تحت رعاية جهة تمثيلية، مما طبعه بالحيطة والحذر، كون كتابه ليسوا مؤهلين دائما في الكتابة الأطفال، تحدوهم الغايات وتنقصهم الأدوات الفنية أحيانا، مما أضعف الإقبال على إنتاجهم، أمام أدب طفولي مزاحم قادم من أمم أخرى بوسائل جد متطورة سواء في شكله المطبوع او السمعي البصري، تؤطره جهات فاعلة تضمنه نماذج وطروحات ليست بريئة. حيث راح المهتمون بأدب الطفل يدقون ناقوس الخطر فانبرت الأقلام وأقيمت الموائد والملتقيات لمعالجة هذا الموضوع الخطير. وقد اقترح المتدخل جملة من البدائل يراها تساهم في كشف الأخطار والنهوض بأدب الطفل في الجزائر إنطلاقا من مجموعة هذه الأسئلة:

وتتلخص الإجابة الأستاذ ناهلية في الختام الى:

قراءات موضوعاتية في النص الأدبي الموجه للأطفال
قدم الكاتب والناقد المسرحي أحمد إسماعيل إسماعيل من سوريا قراءة في تجربتين كتابيتين لملحمة جلجامش، تجربة عبد الفتاح قلعجي، في نصه "ميشو مارد الغابة" وطلال حسن في نصه "انكيدو". واعتبر المتدخل هذين النصين نموذجين متقدمين في التعامل مع التراث حيث تم فيهما تجاوز تجارب الرواد الذين أعادوا إنتاج التراث بطريقة الاستنساخ لا الاستلهام في معالجة قضايا الإنسان المعاصر. كما أنهم ـ يقول المتدخل ـ لم يتوجهوا إلى فئة الأطفال ووظفو التراث لأسباب سياسية وتربوية في الغالب. ورأى الباحث أن هذين النصين توجها إلى الطفل لتعميق وعيه النقدي باعتباره ثروة المستقبل كما استلهما منه رؤيا فكرية في مقاربة قضايا العصر كالديمقراطية مثلا.. وذهب إلى أن الشخصيات جردت من إطارها الزماني السحيق، ومن أمكنتها الغريبة، وتحولت إلى شخوص معاصرة، فشخصية ميشو في المسرحية تقابلها جلجامش في الملحمة وخون بابا يقابلها انكيدو.

وتطرقت الدكتورة جميلة مصطفى زقاي من جامعة وهران في مداخلتها إلى حكايا المسرح الطفولي المغاربي حيث ركزت على الأصول والسمات الشعرية مركزة على قراءة ثلاثة نصوص مغاربية هي:

وأكدت الباحثة أن تعاملها مع هذه النصوص في دراستها ينطلق من إلزامية كتابتها باللغة العربية الفصحى في مسرح الطفل لقدرتها على استيعاب الشعرية المطلوبة في مخاطبة الطفل. وقدمت الدكتورة جميلة قراءة في البنى الداخلية للنص المسرحي وحدوده الشعرية وخلصت إلى النتائج التالية:

ومن جهته، قدم الأستاذ ميلود عبابسي من جامعة المدية قراءة تداولية في ديوان الشاعر الجزائري الدكتور محمد ناصر والموسوم ب"البراعم الندية ". وفي البداية تحدث عن المنهج التداولي الذي اعتمده في هذه الدراسة، كما تحدث بإسهاب في مسائل نظرية تتعلق بأدب الطفولة والمناهج المعتمدة، وأعطى صورة وافية عن صاحب الديوان ومساره العلمي واهم المواضيع التي كتبها وعلاقتها بالأبعاد التربوية الوطنية والاجتماعية. وقدم قراءة لنماذج من قصائد الديوان، غير أن بعض الأساتذة المشاركين انتقدوه في مسألة إغفال البعد الاجتماعي للكاتب وعدم تحديد الباحث للفئة العمرية التي وجهت لها قصائد الديوان.

الاستشراف وآفاق أدب الطفل
وحول موضوع "نحو أدب مستقبلي، تحدثت الأديبة لينا الكيلاني من مصر عن الكتاب الذين يكتبون للأطفال وماذا يقدمون للطفل العربي؟ واعتبرت أن أهم مشكلة في أدب الطفل هي الانتقاء والاختيار بما يتلاءم مدارك الأطفال، وذهبت إلى أن الانتقاء يتم على مستويين: مستوى المضمون، ومستوى الأسلوب، ويراعي في هذا كله:

ومن جهته، اعتبر الأستاذ والمترجم عبد السلام يخلف من جامعة قسنطينة في مداخلته حول مستقبل الكتابة للطفل، أن الطفل يمتلك القدرة على استيعاب الأشياء والمفاهيم والقضايا التي تبدو معقدة وخارج مجال مدركاته، وهذه الخاصية في الطفل، يقول الباحث،يحيرنا فهمها. وفي العالم العربي يضيف عبد السلام، نستصغر الطفل ولا نجيبه عن تساؤلاته التي تعتبر في معظمها من الطبوهات بالنظر إلى سنه، بينما قد يحصل عليها من مصادر أخرى للمعرفة كالتلفزيون والكتب والانترنيت. واعترف أننا حينما نتوجه بالكتابة للطفل علينا أن لا نرسم صورة لذواتنا ممتدة في نفوس صغارنا، لأن الكتابة للطفل لا تحدد سابقا.

واستعرض الدكتور هيثم خواجة من الإمارات العربية المتحدة أهم مشكلات الطفل العربي في الحروب والجهل والتفكك الأسري والفقر.. وهذا من خلال مداخلته المعنونة "مشكلات أدب الأطفال عند العرب وتحديات العصر"، وقد توجه إلى الطفل لتخليصه مما هو فيه ذاكرا عدة عوائق تحول دون ذلك منها:

وتحدث الدكتور هيثم عن وجود الكم الهائل من الكتابات الموجهة للأطفال إلا أن أغلبها لا يصنف في خانة أدب الأطفال نظرا لغياب الكثير من العناصر الفنية المطلوبة على مستوى اللغة والأسلوب،وعدم إلمام الكتاب بالقواعد النفسية والاجتماعية والتربوية للطفل. وخلص إلى القول بأن الكتابة للطفل ضرورة لابد منها،وعلينا التخلص من المقولات المثبطة تجاه هذا النوع الأدبي.

توصيات بترقية الاهتمام بأدب الطفل
وبعد ثلاثة أيام من الأعمال خلصت ورشة صياغة الورشات إلى التوصيات التالية والتي تلاها في ختام الملتقى رئيس الملتقى الدكتور حميد علاوي:

(1) ـ ترسيم الملتقى وترقيته إلى ملتقى دولي.
(2) ـ توسيع دائرة المشاركين المهتمين، الفاعلين في الساحة الأدبية الوطنية والعربية.
(3) ـ إنشاء جائزة لأحسن نص أدبي جزائري موجه للطفل في الأجناس الأدبية التالية: الشعر، القصة، المسرح، السير القصصية.
(4) ـ ترسيخ تكريم الوجوه الأدبية الوطنية المتميزة بإبداعاتها في مجال أدب الطفل.
(5) ـ الدعوة إلى توظيف التراث العربي والإسلامي في الكتابة الأدبية للطفل.
(6) ـ التوصية بطبع ونشر أعمال الملتقى في كتاب.
(7) ـ دعم الملتقى بإقامة نشاطات جوارية على هامش الفعاليات (معرض كتاب، مسرح، رسم،....).
(8) ـ تفعيل نشاط الورشات المقامة على هامش الملتقى طيلة الفعاليات.
(9) ـ إشراك محترفين في السمعي البصري مهتمين بالأعمال الموجهة للطفل.
(10) ـ إتاحة فرص الانفتاح للأدب الجزائري الموجه للطفل على العالم العربي مثل طباعة الأعمال الجزائرية الجيدة في هذا المجال، مما يعرف به، ويعزز مكانته وموقعه في مجال الأدب العربي الموج للطفل.

وفضلا عن الفعاليات الرسمية، كانت لضيوف الملتقى زيارات ميدانية لعدد من المواقع السياحية في المنطقة كمنبع القردة في منطقة الشفة المشهورة بشلالاتها الجبلية، وقردة الماغو النادرة عالميا، فضلا عن سهرة فنية في طرب "المالوف" الذي تشتهر به مدينة تلمسان بالغرب الجزائري، وهو ما ترك انطباعا جميلا لدى ضيوف الملتقى ولاسيما من البلدان العربية، يضاف إلى الانطباع الجيد الذي خلفه التنظيم الجيد ومستوى المداخلات والمناقشات طيلة أيام الملتقى، وهو ما أعطاه صدى إيجابيا تناقلته مختلف وسائل الإعلام الجزائرية.

حوار مع مدير الثقافة لولاية المدية أحمد عياش للكلمة:
الباحثون العرب في حاجة إلى مزيد من الفضاءات لمناقشة إشكالية أدب الطفل.

أعطى دفعا قويا وجرعة إضافية للثقافة في ولاية المدية، التي تبعد 80 كلم عن العاصمة الجزائرية، هذه الولاية الزاخرة بتاريخها حيث تعود إلى القرن العاشر الميلادي، وهي غنية بآثارها التي تشير إلى بصمات حضارية مختلفة مرت عليها عبر تعاقب الحقب من الأمازيغ إلى الرومان ثم العثمانيين فالفرنسيين.. إنها حقب مختلفة تكون فسيفساء هذه المدينة التي تعتلي شاهقا وتسند ظهرها إلى جبل شامخ، جبل بن شكاو، وتستمد منه عزها وإباءها. التقاء مدير الثقافة أحمد عياش بالمدينة، ترك لدى الأوساط المثقفة حمدا، وجعل الثقافة تعيش أزهى أيامها مثلما حدث مؤخرا في ملتقى أدب الطفل، الفكرة التي جمعت عددا من المهتمين الجزائريين والعرب للتفكير في الإشكاليات الملحة لأدب الطفل،والحلم مازال كبيرا ومستمرا ليأخذ اللقاء بعدا أكبر مستقبلا كما سيتضح من هذا الحوار..

ـ كيف جاءت فكرة إقامة ملتقى أدب الطفل؟

* أحمد عياش: نحن ننطلق من رؤية خاصة هي أن الثقافة لا ينبغي أن تنحصر في الفلكلور والحفلات الغنائية،فالثقافة أشمل من ذلك، وتستدعي التعاون مع هيئات علمية متخصصة أحيانا، ولذا فكرنا في التعاون مع الجامعة لأن الأمر يتعلق بمسائل الأدب والفكر. ولا يخفى أن زمن العولمة يفرض علينا التعامل والتعاطي مع موضوعات حساسة بخصوص تنشئة الأجيال، فالطفل يتلقى زخما من المؤثرات في شكل قصص مترجمة ورسومات متحركة وافدة أو أجنبية، وأفلام كارتونية موجهة للطفل، لذا رأينا أنه من الضروري إقامة ملتقى يدرس أدب الطفل ويمحص في إشكاليات هذا الموضوع، وما يمكن أن يقدمه أهل الاختصاص وذوو التجربة من حلول.

ـ لماذا أطلقتم على الملتقى تسمية "الملتقى الوطني لأدب الطفل " بالرغم من المشاركة الفاعلة لدارسين ومختصين من عدة بلدان عربية؟

* أحمد عياش: الملتقى وطني أو عربي لا تهم التسميات كثيرا، لكن ربما الفكرة قد كبرت من مشروع لقاء أو ملتقى جزائري إلى ملتقى عربي بامتياز، لكن المهم هو أن إشكاليات أدب الطفل في الوطن العربي واحدة، ولذلك كان الانسجام في الطرح والنقاش خلال الملتقى بين المفكرين والدارسين الجزائريين والعرب، وقد تأكد أن الباحثين العرب في حاجة إلى مزيد من اللقاءات، وإلى فضاءات أرحب للنقاش في مسائل أدب الطفل. نحن نطمح في الطبعات القادمة إلى توسيع المشاركة العربية وإشراك الدارسين الغربيين في الملتقى لأن هناك قضايا عالمية في أدب الطفل ويمكن أن نستفيد من التجارب الغربية في التعامل معها. وأضيف أن المشاركة العربية كانت متميزة في الملتقى،لأن المشاركين كانوا من ذوي الخبرة والتخصص، وتأكد التكامل بين المهتمين والدارسين العرب، والذين يحتاجون إلى فضاء للحوار والنقاش وهو ما أتاحه هذا الملتقى.

ـ تحدثتم عن التعاون مع الجامعة، ماذا أضاف ذلك للملتقى؟

* أحمد عياش: قلت إن موضوع الملتقى متخصص أولا في الأدب، وثانيا في أدب الطفل، ولذا بدل أن نقيم الملتقى في مكان ما ونفكر في جلب الجمهور إليه وهو ما يحتاج إلى جهد يضاف إلى جهود التنظيم والإعداد العلمي للملتقى، فكرنا في الذهاب بالملتقى إلى الجمهور المتخصص أي الأستاذ الجامعي والطالب الجامعي، وهو ما خلق فضاء من التجاوب والاهتمام بكل ما قدم. وأؤكد أن التعاون والشراكة لا ينحصران مع الجامعة فقط،فهناك اتفاقيات مع قطاعات أخرى كالتكوين المهني والتربية،بحيث ننشط سلسلة من الورشات التدريبية وإقامة مسابقات فكرية وأدبية تحتضن الشباب الموهوب وتقدم له فرصا مناسبة للتعبير عن مواهبه.

ـ لقد استحسن الكثير من المشاركين في الملتقى النشاطات الموازية كالمعارض والورشات التدريبية، وطالبوا بتوسيع ذلك،هل هناك تفكير في هذا الشأن يضاف في الطبعات القادمة؟

* أحمد عياش: النشاط الموازي والخاص بأدب الطفل من معارض للكتب والفنون التشكيلية، والعروض المسرحية الخاصة بالطفل مسألة أكثر من ضرورية، ولم يغب ذلك عن بال الهيئة المنظمة، فقد أقمنا ورشات للتكوين وعرض التجارب في مجال كتابة القصة والمسرحية والمسابقات الفكرية وأشرف عليها أساتذة مختصون وكانت ناجحة بشهادة الجميع، يبقى فقط أن نفعل ذلك ونوسعه في السنوات القادمة بحول الله،كما كنا قد فكرنا في إقامة معرض للكتاب الخاص بالطفل وسعينا مع اتحاد الناشرين المغاربة لكن الوقت لم يكن مناسبا لتحقيق ذلك، فالاتحاد كان بصدد إٌقامة معرض للكتاب بموريتانيا. وفي الطبعات القادمة سنحقق ذلك إن شاء الله،كما سنقيم ورشات جديدة في الإخراج المسرحي، وأخرى لعرض أفلام ومسلسلات موجهة للطفل.

ـ ما هي مشاريعكم الثقافية لاحتضان الطفل ثقافيا؟

* أحمد عياش: إن اهتماماتنا تتماشى مع الاهتمامات والمشاريع الثقافية في الجزائر، ووفق ذلك سطرنا برامج نفذنا منها الكثير، وهناك مشاريع أخرى قيد الانجاز. لقد أنشأنا في دار الثقافة التي تحمل اسم الفكاهي الجزائري الكبير حسان الحساني قاعة كبرى ومكتبة للأطفال الصغار، وهي مزودة بكتب وألعاب موجهة وهادفة، ولدينا فرق مسرحية وأخرى موسيقية تقدم أعمالا تناسب مدارك الطفل حسب الفئات العمرية، كما لدينا ثلاث فرق مسرحية للأطفال يشارك فيها الأطفال كممثلين يوجه هذه النشاطات المتخصص في مجال مسرح الطفل الباحث محمد بوكراس والمنسق العام لهذا الملتقى العلمي. وهذه الفرق قدمت نشاطاتها عبر مختلف المدن الجزائرية، كما لدينا العشرات من المكتبات عبر تراب الولاية، وفي كل مكتبة قاعة للمطالعة خاصة بالأطفال تناسب مختلف المستويات،ونحن في متابعة مستمرة لما يصدر من كتب للأطفال، وقد رصدنا مبلغ 10 ملايير سنتيم (حوالي 100 ألف دولار) لشراء كتب تناسب كل فئة من فئات القراء، وتقوم لجنة مختصة متكونة من تربويين وأساتذة ومبدعين لانتقاء الكتب المناسبة للطفل.

algeria13@gmail.com