يقدم الشاعر والناقد الكويتي تعريفاً بدراسة الشطي عن الشعر في الكويت، حيث بدأت بالشعراء الذين وجدوا بين منتصف القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتمتد إلى الشعراء في القرن العشرين. وخلال هذه الحقبة الزمنية ظهرت اتجاهات فنية يتتبعها المؤلف ببصيرة ناقد.

الشعر في الكويت للدكتور سليمان الشطي

خليفة الوقيان

أصدر د. سليمان الشطي مجموعته القصصية الأولى في عام 1970 وقدم لها بمقدمة مهمة، أو بدراسة مكثفة، أرخت لفن القصة القصيرة في الكويت، وفي عام 1992 أصدر دراسة مستقلة بعنوان "مدخل القصة القصيرة في الكويت". ومضى د. سليمان في جهوده الهادفة إلى دراسة الاجناس الأدبية في الكويت دراسة فنية فقدم في مطلع هذا العام 2007 دراسة فنية موسعة للشعر في الكويت.

والدراسة التي نعرف بها في هذه الكلمة بالغة الأهمية، إذ انها تبدأ بالشعراء الكويتيين الذين وجدوا في الحقبة الزمنية الواقعة بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، وتمتد إلى الشعراء الذين ظهروا في نهاية القرن العشرين. وخلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة تظهر مدارس وتيارات واتجاهات فنية يتتبعها المؤلف، ويكشف عن ملامحها ببصيرة الناقد.

وتتكون الدراسة -الصادرة عن مكتبة دار العربية في الكويت- من اثني عشر فصلاً، وتمتد على مساحة 479 صفحة، وبغية التعرف إلى أهمية المادة التي تحتويها تلك الفصول فسوف نعرض لها بايجاز.

الفصل الأول، وعنوانه: الروافد تتشكل
يبدأ الفصل بالتعريف بشاعرين عالمين لهما شهرتهما التي تجاوزت حدود الكويت. وهما عثمان بن سند، الذي ولد في الكويت في عام (1766)، وعاش فيها شطراً من عمره، ثم انتقل إلى العراق، وتوفي في بغداد في عام (1827)، وعبدالجليل الطبطبائي الذي ولد في البصرة في عام (1776)، وأقام في الزبارة والبحرين والكويت، حيث توفي في عام (1854).

ويشير المؤلف إلى نشاط ابن سند الشعري في الكويت من خلال تاريخه بناء قصر أحمد بن رزق الأسعد.

اما عبدالجليل الطبطبائي فيرى أن له تأثيراً فنياً مباشراً في الشاعر خالد العدساني والشيخ محمد بن فارس.

ثم ينتقل إلى الحديث عن الشاعر خالد العدساني (ت. 1989)، وعبدالله الفرج (ت. 1901) بصفتهما الشاعرين اللذين برزا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ويدخل المؤلف بنا القرن العشرين متحدثاً عن تطلعات النهضة وإنشاء المؤسسات التعليمية والثقافية، المدرسة المباركية (1911)، والمكتبة الأهلية (1922)، والنادي الأدبي (1924)، ومجلة الكويت (1928)، ويشير إلى أن الحركة الثقافية في العقود الأولى من القرن العشرين كانت تحمل رياح التغيير والتصدي، فضلاً عن النزوع القومي، والدخول في اللجنة العربية، ومن الأمثلة الوقوف مع ثورة الريف في المغرب العربي، والتنبيه إلى خطر الاستيطان الصهيوني ويضم الفصل الأول أيضاً حديثاً مفصلاً عن الشاعر صقر الشبيب، وانحيازه إلى التحرر والانفتاح والأخذ بأسباب التقدم والاحتفاء بالمجددين، فضلاً عن حضور المعري في شعره وموقفه اذ كانت الغلبة للفكرة.

وينتقل المؤلف إلى الشاعر خالد الفرج، فيبين أنه خطا خطوة مهمة في جعل القصيدة شكلاً وموضوعاً مستجيبة لحوادث المرحلة، دون أن يفقد صلته بنظام القصيدة الموروث.

"لقد أدار نظره فيما حوله، يدفعه في ذلك الشعور الوطني والقومي، ليجعل من الشعر تجربة متصلة بأحداث الحياة، فمد بصره إلى مناطق النضال ضد المستعمر والنفوذ الغربي،أينما كان وطنياً وقومياً وعالمياً".

وينبه المؤلف إلى النزعة القصصية المبكرة عند خالد الفرج، ثم ينهي الفصل بالحديث عن "الشعراء الفقهاء المعلمين"، ومن أبرزهم الشيخ عبدالعزيز الرشيد، والملا راشد السيف، والشيخ عبدالله النوري، ويتوقف أمام نموذجين لهؤلاء الشعراء وهما: الشاعر راشد السيف (1900-1972)، والشاعر محمود شوقي الأيوبي (1901-1966)، ويبين الخصائص الفنية لشعر كل منهما.

الفصل الثاني، وعنوانه: الخروج عن المألوف
يشير المؤلف إلى انه مع اطلالة ثلاثينات القرن العشرين نضجت ثمرة جهود العقد السابق وتفتحت مسام الطموح، فشهدت مؤسسات المجتمع استكمال تشكيل وتنظيم الدولة الحديثة وانطلاقتها.

وفي هذه الحقبة كانت الساحة الشعرية على موعد مع شاعر قدر له ان يمثل نقلة جديدة في تاريخ الشعر في الكويت، وهو فهد العسكر (1913-1951) الذي يقول عنه أنه "يمثل فوران النفس، واحتدام العاطفة"، التي لاقت وسطها المناسب فعندما كان يشكل اولى قصائده كانت النخبة الرومانسية بمنازعها المختلفة اخذت مواقعها حول جماعة أبولو والمهجريين بل ان الانظار تمتد إلى تهويمات الرمزيين.

ويمضي المؤلف في التعريف بتجربة فهد العسكر الثرية. ثم ينتقل إلى الشاعر عبدالمحسن الرشيد (1927)، الذي يرى أنه اختط طريقته بين اتجاهي صقر الشبيب الإحيائي وفهد العسكر المتجاوز للسائد سلوكا، المستجيب لتطورات القصيدة في عصره، كما يشير إلى ان عبدالمحسن الرشيد لم يكتف بالانضمام إلى الساخطين قبله، ولكنه انغمس اكثر منهم في رصد ظواهر المجتمع السلبية، التي نجد صداها المؤلم في نفسه.

الفصل الثالث، وعنوانه: الشعر تفاعل سياسي واجتماعي
يشير المؤلف إلى النشاط الشعري في الربع الثاني من القرن العشرين، وكيف تجاور المعلمون الشعراء مع المربين القوميين، الذين بدأ جل نشاطهم من المدارس، فالنوادي والجمعيات، وتفجر على ايديهم الحس الوطني والقومي، الذي كان يمثل توجها حاضرا عند الاجيال السابقة لهم.

ومن أعلام هذه المرحلة الشاعر أحمد السقاف (1919)، الذي وجه جهده وشعره إلى هدف جليل هو إذكاء النزعة القومية، فديوانه الكامل سجل فني لحركة الشعر القومي طوال النصف الثاني من القرن العشرين.

ويأتي بعده عبدالله سنان محمد (1917-1984)، الذي يرى المؤلف انه يجمع بين الهموم القومية والقضايا الاجتماعية داخل الكويت، وهو شاعر يفكر شعبيا ويكتب بالفصحى. أما الشاعر محمد المشاري (1936-2000)، فيرى المؤلف أنه أقرب إلى التيار القومي، "وثمة جرعة فكرية تأخذ موقعها في شعره، وقفات ذات طابع تأملي شبيه بما برع فيه ايليا ابو ماضي وجيله".

ويقف المؤلف عند الشاعر عبدالله أحمد حسين (1927-1994)، فيصف الشعر لديه بأنه يسير في ركب القضية الاساسية عنده، الدعوة للقومية العربية، وبعدها السياسي والمواقف الوطنية المتصلة بها، فالرسالة المحددة، والدعوة إلى الوحدة، والحماسة لقضايا الأمة كلها تمثل الصوت الواضح الذي لا ينافسه أي صوت آخر.

وينتهي الفصل الثالث بالكلام عن الشاعر عبدالله زكريا الأنصاري (1922-2006)، الذي يقول عنه المؤلف أنه لم يهتم كثيراً بنشر شعره، أو إبرازه، وتتوقف حدود قوله للشعر عند الخلجات العامة، كما يتوسع نشاطه الشعري في الاخوانيات، التي تمثل نموذجا للحوافز الخاصة المتصلة بشخص أو أشخاص محددين، يقصدهم هذا الشعر، ولا يخلو شعره من اطلالات ووقفات وطنية وقومية.

الفصل الرابع، وعنوانه: مفصل الحداثة
يتحدث المؤلف عن تشكل جيل آخر مع التفتح الفكري والظرف المناسب، ففي نهاية عام 1946، شحنت أول شحنة من النفط، وبرزت ثمرات البعثات التي أرسلت في العشرينات.

ومن القاهرة، حيث مركز الثقل في البعثات، ولدت مجلة البعثة عام 1946، وتبعتها مجلات أخرى صدرت في الكويت وبيروت، وكلها ستحتضن أكثر التجارب الشعرية الجيدة.

ويفصل المؤلف القول في التعريف بتجربتين مميزتين لشاعرين مجددين هما: الشاعر أحمد مشاري العدواني (1922-1990)، والشاعر علي السبتي (1934)، يقول عن العدواني أنه صوت شعري بارز له مقامه المتميز في حركة الشعر الكويتي، علاوة على نشاطه الفكري، ودوره التربوي والفني. شاعر متفرد بسمات خاصة به.

أما الشاعر علي السبتي فيقول عنه أن الشعر الكويتي دخل معه مرحلة الحداثة الشعرية، فقد كان هو أول من طرق بابها بقوة بقصيدته رباب (1955)، التي تبدت بهذا الشكل الجديد، الذي ستكون له الصدارة في ستينات القرن العشرين.

الفصل الخامس، وعنوانه: جيل الستينات يتقدم نحو الحصاد
يرى المؤلف ان النصف الثاني من الخمسينات شهد نشاطاً سياسياً وثقافياً واسعاً، فقد تكاملت أسباب النهضة، وتبلور الوعي القومي وساد، متفاعلاً مع الحراك العام في المنطقة العربية كان الوجه الثقافي ووسائل الاعلام والجمعيات هي المجال، وصوتها هو المعبر الواضح عن هذه التطلعات.

ويعرف المؤلف في هذا الفصل بالتجربة الشعرية لكل من الشعراء خالد سعود الزيد (1937-2000 ومحمد الفايز (1991-1938)، وعبدالله العتيبي (1995-1942)، وخليفة الوقيان (1941).

الفصل السادس، وعنوانه: في أعقاب مرحلة التأسيس: صوتان
يشير المؤلف إلى استمرار نفس الستينات في العقدين التاليين، مع بروز تغييرات في المزاج العام فرضتها مرحلة ما بعد النكسة، وبدء تنحي المشروع القومي.

ويتناول المؤلف بالدراسة تجربتي الشاعرين يعقوب السبيعي (1945)، وسليمان الخليفي (1946).

الفصل السابع، وعنوانه: المرأة تتقدم
يقول المؤلف "في الستينات من القرن الماضي، ومع حركة النهضة الجديدة بدأت تطل بعض الأسماء بمقطوعة هنا وأخرى هناك، وشهدت حقبة السبعينات نقلة نوعية في الشعر النسائي في الكويت فقد بدأت المرأة تدخل مجال الشعر بقوة، وخير من يمثل هذه النهضة الشعرية النسائية، سعاد الصباح، نجمة ادريس، جنة القريني، غنيمة زيد الحرب.

وتناول المؤلف تجربة الشاعرات الأربع بالتحليل، ثم أضاف إشارة إلى أصوات أخرى، خزنة بورسلي ونورة المليفي.

الفصل الثامن، وعنوانه: قديم يتجدد
اشتمل هذا الفصل على عدد من الشعراء الذين وضعهم المؤلف بالتمسك بنظام القصيدة الموروثة، مع عدم اكتراث بالتجارب التي دخلت على الشعر في السنوات الخمسين الاخيرة وانهم ظلوا يحرسون التقاليد الشعرية، ويغنونها بنظمهم في اطارها، ومن هؤلاء الشعراء فاضل خلف (1927)، يعقوب الرشيد (1928)، يعقوب الغنيم (1941)، عبدالرزاق العدساني (1939)، عبدالعزيز البابطين (1936)، خالد الشايجي (1943)، رجا القحطاني (1965)، وليد القلاف (1958).

الفصل التاسع، وعنوانه: جيل جديد يتقدم
يشير المؤلف إلى تسعينات القرن العشرين حيث تتشكل مساحة ممتدة تنضوي تحت قبتها تجارب اتسع مداها تفتحت وانطلقت بقوة التجارب الشعرية التي تشكل بعضها في سنوات سابقة.

وفي هذا الفصل دراسة للتجربة الشعرية لكل من الشعراء: سالم خدادة (1952)، صلاح دبشة(1968)، ابراهيم الخالدي (1970)، نشمي مهنا (1964).

الفصل العاشر، وعنوانه: خارج النسق
يبين المؤلف أن هاجس التجديد والتجريب أصبح غالباً مسيطراً، وكأنه مغامرة لا تنتهي ولا تتوقف ولا تنتظر.. وهذا ما يلاحظ عند من دخل إلى الشعر قافزا، ومتجاوزا كل الاشكال المتوارثة، فلم يقترب منها، او يتمرن من خلالها، بل قفز إلى حلبة التجديد المتحرر من اي قيد شعري، دون تجريب للنمط السائد.

ويعرض المؤلف في هذا الفصل تجربة كل من الشاعرة عالية شعيب، والشاعرة فوزية شويش السالم.

الفصل الحادي عشر، وعنوانه: النص المجاور
يذهب المؤلف في هذا الفصل إلى ان ثمة ظاهرة اجتماعية تركت اثرها الواضح والمباشر في المسار الادبي والشعري في الكويت، وقدمت انجازاً خاصاً، لا يمكن القفز عليه، أو تجاهله، ويعني بها ظاهرة "البدون" أو غير محددي الجنسية.

ويعرف من بعد بتجربة اثنين من المنتمين إلى شريحة غير محددي الجنسية، وهما: الشاعرة سعدية مفرح والشاعر دخيل الخليفة.

الفصل الثاني عشر، وعنوانه: الشعر على بوابة قرن جديد
شهد العقد الاخير من القرن العشرين وما تلاه زخما شعريا يمهد لبداية مطلع قرن جديد، كما يقول المؤلف، فثمة جيل جديد يتشكل مساره الشعري منسجما مع امكانات عصره.

وفي هذا الفصل تعريف بالتجربة الشعرية لكل من الشعراء:

عبدالعزيز النمر، عبدالمحسن احمد الطبطبائي، محمد هشام المغربي، علي حسين محمد، حمود الشايجي، سعد الجوير، سامي القريني (1986)، حوراء الحبيب (1988).

وبعد، فلعل هذا العرض لمحتويات كتاب د.سليمان الشطي "الشعر في الكويت" يكشف عن رحلة بحث ابتدأت بمواليد (1766) عثمان بن سند، و(1776) عبدالجليل الطبطبائي، وانتهت بمواليد (1986) سامي القريني، و(1988) حوراء الحبيب.

وهي رحلة شاقة، عبر خلالها مفاصل تاريخية، ومفارق طرق ثقافية، ومدارس فنية ليقدم زادا علميا كانت المكتبة العربية بحاجة ماسة اليه.

وفي نهاية هذا العرض الموجز للجهد الكبير للاستاذ الدكتور سليمان الشطي لا نملك سوى القول ان هذا الجهد المميز وصاحبه يستحقان الثناء العاطر والتقدير الكبير.