الوجع الغامض هو ما يقترحه علينا الشاعر الفلسطيني في هذه الكتابة المفتوحة على الشعر والنثر معا، عن الأمكنة والشعر والقراءة والكينونة وتفاصيل اليومي، يضع الشاعر مسافة بينه وبين ما يكتب محاولا أن يفكر في الكثير من التفاصيل المرتبطة بالكتابة وأسئلتها، تاركا القارئ يلج من الباب الواسع للكثير من الجزئيات المهمة والتي تقربنا من رؤى الشاعر وأفكاره.

خبطُ الأجنحة المائية

نمر سعدي

بعيداً عن الشعرِ.. بعيداً عن قلقِ الشعرِ تحديداً.. أهمسُ لنفسي: جمالكُ الكاريبيُّ لم يكُ عبئاً عليَّ.. الآنَ ماذا جنيتُ منكِ سوى الحرائقِ المطيرةِ؟ بعدما أحرقتِ دمي انسللتِ بخفة النورس الأزرق وتركتِ فيَّ شتاءاتٍ يتيمةً تبحثُ عن مخرجٍ من جسدي.. بينما دموعُ الطبيعةِ تتكوَّر في قلبي الصغير.

********
إلغاءُ غربتك عني عبادة

التسكُّع بالقرب منكِ عبادة

الحبُّ الذي تسميِّنه تافهاً عبادة

كل عمل صغير جداً عبادة

حتى التفكير السريع العشوائي بكِ عبادة.

واستحالةُ لمسك عبادةٌ أيضا.
********
كارولين طالبة أدب مقارن أميركية بيضاء .. جميلة ذات شعر ذهبي.. لا تفارق البسمة وجهها الناصع.. كانت تدرس الأدب الانجليزي في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك.. جاءت عام 2007 في بعثة دراسية صيفية الى جامعة حيفا .. كانت تعطي دروس خصوصية في اللغة الانجليزية .. وقد درَّستني عدة دروس فبدأت معي بسونيتات شكسبير قراءة وتفكيكا وشرحا .. كنت أودُّ لو بدأت من الشعر الأميركي المعاصر .. تشارلز بوفوسكي مثلا أو آن سكستون .. ولكنها أصرَّت على شكسبير ولغتهِ العالية .. كارولين وأظنها كانت من أصول يهودية .. فتاة جدا لطيفة ومحبة للشعوب الأخرى وإنسانية إلى حدِّ مرهف .. كانت تحب حيفا وتتنزَّه بشكل يومي في حي وادي النسناس الشهير وتتناول الفلافل .. قالت لي مرَّة أثناء تدريسها لي أنها تحب الشعب الفلسطيني ومعلمها الحيفاوي الأصل المدرِّس في جامعتها النيويوركية العريقة البروفيسور بشير أبو منَّة وتعتبره أحد عباقرة هذا العالم، وأنه يملك عقلا من أصفى العقول على مستوى العلوم الانسانية في العصر الحاضر.

المهم في الأمر أنني بعثت في الماضي لمكتبة جامعة كولومبيا كتبا شعرية لي ظلت لسنوات لا تظهر في كتالوج المكتبة الالكتروني .. حتى يئست من البحث عنها .. إلى أن جائتني رسالة من مدرِّستي عاشقة الشعر .. تخبرني فيها عن وجود الكتب ورابط البحث.. شكرا لكِ عاشقة الشعرِ والحياة والفراشات الصفراء والخضرة. أي إنسان ممكن أن ينسى سونيتات شكسبير بعد سنوات طويلة ولكنه لن ينسى فتاة مثل كارولين.
*********
لم تلتصق به صفةٌ طوال حياتهِ كما التصقت بهِ صفة حالم .. لا عاشق للسراب .. لا شاعر .. لا أي لعنة أخرى.. كان الجميع يقولونها له وكأنهم يقيِّمون شخصيَّته بعد خبرة.. بفرح من اكتشفَ كنزا .. مئات البشر قالوها له.. حتى آنيتا عاملة المطعم نادته مرَّة بها مطلقةً ضحكةً مجلجلة كأنما أصيبتْ بمس.. لا أدري كيفَ اصطلحوا عليها ولم يصطلحوا على أي كلمة أخرى؟ حالم؟!

********
في الزمن الالكتروني لا أحد يهتم ولا يتكلَّم مع أحد.. حتى قهوة الصباح لا تُشرب بمعزل عن نقر الهاتف أو اللابتوب... الزوج والزوجة والأولاد والبنات على مدار الساعة مشدودون بجاذبية غريبة عجيبة الى الفيسبوك.. أو تويتر أو الواتس أب أو الفايبر.. أصبحت عواطف الناس كالزهور الاصطناعية والزجاج.

********
سحر البيان الذي في سورتي الرحمن والملك لا حدود له... ما عليك إلا الانصات بهدوء.. الطاقة الجمالية في القرآن لا يقوى كلُّ قلبٍ على استيعابها..

انسيابية هذا النثر المركَّب تذهلك. موسيقا الألفاظ تحاول تسكين الموج المتلاطم في مكان ما من روحك.. كل شِعر عظيم متأثر بشكل أو بآخر بلغة القرآن الكريم.
********
هناكَ أزمة قراءة.. الآن ما فائدة أن يطبع الشاعر أو الروائي مثلا ألف نسخة من كتابه.. أظن أنه يكفيه ربع هذا العدد ان كان هو الوحيد من سيقوم بتوزيع كتابه على الأصدقاء أو المكتبات العامة أو الجامعية؟
باعتقادي ألف نسخة كثير وفائض عن الحاجة في وقت لا أحد فيه يقرأ وليس مستعدا أن يقرأ أي شيء.. العالم الافتراضي يشدُّ الناس بحبال سحرية حتى أن عدد الذين لا يزالون يتمتعون بنعمة القدرة على القراءة الورقية قد أخذ بالتقلِّص حتى لم يعد مجديا أن يقاس بعدد الجمهور الافتراضي.. لا أظن أنه سيقوم بتوزيع أكثر من مئة نسخة على أصدقائه ومثلها على المكتبات وكل ذلك مجانا لوجه الله تعالى.. مرةً لفت نظر صديق لي وجود كم لا بأس به من كتبي عندي في البيت فقال مازحا ماذا تفعل بها..؟ قلت له لا شيء.. أي صاحب مكتبة محلية اذا قلت له أنك تريد أن تهدي مكتبته عدة نسخ فانه يشط ويولول كمن أصابه مس من الجنون أو عبرت أمامه أفعى..

لا أحد يقرأ الشعر.. الناس يعتبرونه هذيانا وكلاما فارغا لا أكثر..

قالَ لي أفضل شيء تفعله أن تعطيها لمن يشحذ عليها.. وقهقه بسخرية.. مستغربا أني لم أجن من الكتابة طول عمري قرشا واحدا ويعاتبني بشدة على انني وزعت قسما منها على الأصدقاء والمكتبات العامة على نفقتي.. قلت له هذه طريق شاقة.. لا تقاس بالمال بل بالمتعة.. عندما كنت صغيرا كنت أحلم دائما في النوم واليقظة أن أطبع كتابا والآن تجيء أنت وتقول لي (وبعدين مع هاي الكتب شاغلة مساحة من البيت.. ارميها أو اعطيها لمن يشحذ عليها؟).

********
أنكيدو لم يكن من أصدقائها ولم يكن يعرفها أو لمحها يوما تملأُ الجرارَ من منابعِ البلورِ الحديثةِ.. لكنه عندما تفتَّحت الزهرةُ البريَّةُ المتوحشةُ الزرقاءُ عن وجهها القمريِّ الناصع تجرأ وقالَ لها كمن يحدِّثُ نفسَهُ أو يهمسُ للهواءِ المراوغ أنتِ أشبهُ النساءِ بأفروديتَ الجديدةِ يا من قددتِ قميصي بقبلة.

أنكيدو لم يكن أنكيدو.

*********
تتسع اللغة أحيانا .. تتسعُّ كثيرا..حتى أننا اذا نقلنا كتابا عن لغة أخرى فغالبا ما تلتبس علينا ألفاظ كثيرة.. لتأدية الكلمة عدة معانٍ.. حتى أنه لفت نظري قبل عدة أيام أن عنوان رواية الكولومبي جبرييل غارسيا ماركيز الخالدة مئة عام من العزلة هو في اللغة الأصل واللغة الانجليزية مئة عام من الوحدة.. وأظن أن للعزلة معنى آخر.. العزلة في نظري لا تعني الوحدة.. ممكن أن تكون معزولا أو معتزلا مع من تريد.. ولكن للوحدة معنى مختلفاً ليس المعنى نفسه الذي تؤديه العزلة.. أيضا ترجمة صالح علماني لرواية أخرى لماركيز حملت عنوان ذاكرة غانياتي الحزينات.. بينما ترجمة المترجم الأستاذ رأفت عطفة الرائعة حملت عنوان ذكرى عاهراتي الجميلات.. هنا التبس الأمر عليَّ ولم أعد أعرف من أصابَ ومن أخطأ.. ولا أظن أن الغانية هي بالضرورة عاهرة أو العكس.. وهل الذكرى هي الذاكرة؟ لا.. الذاكرة شيء والذكرى شيء آخر.. هكذا أعرف.. وهذا الشيء لا يمس أو يقلل من أهمية هذين المترجمين الفذين.. أيضا هناك عنوان آخر لمجموعة قصصية وهو ايرينديرا البريئة.. فكيف تتحول هذه الايرينديرا في ترجمة أخرى أو مقال لأحد الروائيين المهمين الى ايرينديرا الغانية؟ وهناك ترجمة لرواية مهمة لنفس الكاتب ينشرها أحدهم بعنوان خريف البطريق بينما هي في ترجمة المترجم التونسي البارع محمد علي اليوسفي خريف البطريرك.. فأين البطريق وهو اسم لطائر بحري من البطريرك؟ اليوم اطلعت على كتاب مئة عام من العزلة مترجما الى اللغة العبرية وقد وجدت كلمة الوحدة بدل العزلة.. هذه اللغة العبرية التي انطمست وذابت أكثر من ألفي سنة.. العبرية لغة بسيطة ومختصرة ومحدودة اذا قيست بلغة جبارة كاللغة العربية.. ولكن هناك من بعثها من غياهبها ومن اشتغل على إحياء ألفاظها بعد أن كانت لغة عنقائية (من عنقاء) ولغة توراة منقرضة وبائدة.. أما نحن فنعمل على طمس وتغييب ومحو لغة هي من أروع اللغات الحية في الوجود.

********
بالنسبة له لم يفعل أيَّ شيء منذ عشرين عاماً.. سوى تربية هشاشته كما تُربَّى الورود في القوارير.. أو الطيور في القفص الذهبي.. حتى وهو يحلمُ بالفراشاتِ أو يدخِّنُ سيجارة الصباح كانَ يربِّي الهشاشة في الغابة البشريَّة.. كانت ذاكرته مقبرة للروايات.. هكذا قالَ لي شقيقهُ قبل شهر ومنذ ذلك الحين وأنا أفكِّر بكلامهِ الهلامي.

هل تربيةُ الهشاشة وظيفةُ الانسان الحديث؟

********
حياة جابرييل غارسيا ماركيز الشخصية والأدبية لم تكن بمعزلٍ عن الفانتازيا السحرية أو العجائبية .. والا فكيف نفسِّر نجاح كاتب مغمور حتى مطالع السبعينات .. كانَ يبيع علب الكولا بيبسي وباعَ سيارته لينفق على نفسهِ وأسرتهِ في وقت كتابتهِ لرائعته مئة عام من العزلة بينما كانت زوجته تشتري الحليب والخبز بالدين؟ النجاح بعد ذلك كانَ منقطع النظير.. بيعُ 30 مليون نسخة من الرواية وتتويجٌ عالميٌّ بنوبل؟ الشيء الأغرب والملفت في حياتهِ هو ثقته العمياء بعملهِ. كانَ يعرف أنَّ مشروعه الأدبي سينجح. آمن بهذا منذ البداية.

نجاح كنجاح ماركيز يسمَّى في أدبنا العربي فانتازيا.

********
أسعى دائماً إلى توريةِ شمسٍ صغيرةٍ عاشقةٍ في ثيابِ امرأة..

شمسٍ صغيرةٍ لا تُرى ولكنني أسعى إليها على عينيَّ.

********
ما قبل عصر الفيسبوك غفوت قليلا في قطار صباحي ينهبُ مسافةً زرقاء ما بين مدينتين ساحليتين في فلسطين.. حيفا وعكا.. حلمتُ بأنني أكتب كتاباً ينتمي الى تيار الكتابة عبر النوعية.. كله مكوَّنٌ من فقرات نثرية مرقمة لا تزيد الواحدة عن خمسةِ أسطر ولا تخضعُ لوزنٍ ولا لقافية ولا هي قصة أو قصيدة أو مقالة أو خاطرة بالمعنى الحرفي.. بل هي مزيج مبتكر وكوكتيل من أجناس أدبية كثيرة.. فقرات مثل نقاط الماء.. صغيرة ومدونةَّ على حائط الحياةِ الرمادي.. تحملُ حديث الروحِ لا أكثر.. وتعجُّ بصخب القلب البريء.. الفيسبوك الآنَ يؤسِّسُ لمثل هذا النوع من الكتابة.

********
خمسة أيام أو أكثر وأنا أكتب ذهنياً لنفسي أفكاراً متحررةً لقصائدَ قادمة.. حارَّة وحادَّة وثائرة ومنفعلة تارةً وفرحة ورومانسية وشفَّافة وبسيطةً تارةً أخرى.. في النهاية محوتها كلها من ذهني.. لا أعرف لماذا.. ولم أندم عليها.. هل لأنني أعيش التحرر فقط في ذهني؟ ربما لأسباب كثيرة أخرى.. مرَّة قلت في قصيدة.. كل الذي أعنيه لا أرويه.. وكل الذي أرويهِ لا أعنيه.. هذا تدريب أوَّلي على تماهي الوجه مع القناع. يقولُ لي صديقي جرِّب أن تقول ما تريد وسترى كم مقصلةً ستُنصبُ من أجلك أو كم صليباً سيُرفعُ لك.. الأفضل أن تحلم بالحداثةِ نائماً في خيمةِ أبي سفيان.

********
دائما أتفاجأ بلفظة محبرة عندَ قراءتي لديوان جديد.. كنت أعتقد أنها سقطت من قاموس القصيدة الحديثة .. هيَ لفظة رومانتيكية تعني دَوَاة ، ، قِنِّينَة صَغِيرَة بِهَا حِبْرٌ .. لا أظنها تحمِّل القصيدة الواقعية دلالةً مهمَّة في نظري. لا أعرف ما الذي تفعلهُ بعدُ في قواميس شعراء حداثيين؟
*********

خفقُ الأنفاس

نوستالجيا

أنا كائن نوستالجي.. أفضِّلُ شوكَ الماضي على حريرِ الحاضر.. كيفَ تذكِّرني بالماضي وأنت غير قادر على إرجاع لحظة واحدة منهُ؟ لماذا تعذِّبني بلفتةٍ للوراءِ وبنداءٍ على حياةٍ لن تعود؟ ألا تعرفُ أنكَ تحيلني بهذه اللفتةِ وبهذا النداءِ الأصم شجرةَ ملحٍ لا تقربها العصافير؟ إذا قالَ ناظم حكمت (أن أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد) فأنا أنقضُ كلامه الرومانسيَّ العذبَ هذا وأقولُ إن أجملَ الأيام تلكَ التي ذهبتْ بلا عودة..
أنا كائن نوستالجي كلَّما كبرتُ كلَّما ازددتُ طيشاً.

******

 

شعراء الظل

البشرُ الهامشيُّون هم الأكثرُ هشاشةً ورقةً وعفويَّةً على تطبيقات واتساب وفايبر، المرأة التي كنتَ تظنُّها قاسيةً أو متسلِّطةً والتي أرهقتْ الرجالَ بصدودها وعنفوانها تصبحُ شاعرةً رقيقةً وامرأةً أخرى على واتساب في رسائلها الصباحيّّةِ لجارتها أو صديقتها.. في كلِّ كلمةٍ بسيطةٍ تقولها.. مرهقة.. اشتقتُ لكِ.. كأنَّ كلامَها ترجيعاتُ موجةٍ عاشقة أو أنَّاتُ محارةٍ في محيط، الرجالُ الأشدَّاءُ المتجهِّمون يصبحون عشَّاقاً قدامى و(جنتلمانات) حقيقيِّين وهم ينقرون بأصابعهم الغليظةِ شاشاتِ هواتفهم من أماكن بعيدة، ويتركون رسائلَ قصيرةً صادقةً وخارجةً من القلبِ يحملها رنينٌ مباغتٌ وناعمٌ إلى مساءات نسائهم. كأنَّ التخاطبَ عن بُعد يصفِّي أرواحَ البشَر من الشوائبِ والنرجسيَّة.

********

فوضويَّةُ القراءة

نادراً ما كنتُ أتركُ الرواياتِ في المنتصف، لم يحدث ذلك تقريباً معي في الماضي حتى لو بلغتْ صفحاتُ الرواية 700 صفحة، ولكنني في الفترةِ الأخيرةِ تركتُ الكثيرَ من الكتب في المنتصف، روايات، دراسات، دواوين شعر وغيرها، عشرات الكتب الالكترونية والورقية، لا أعرفُ السبب، كأنهُ هروبٌ من النهايات، سواء كانت سعيدةً أو حزينةً، أو بحثٌ أبديٌّ عن فسحِ التأمُّلِ في عالمِ المادة، ولكن لكي تقرأ فأنتَ بحاجةٍ إلى الإطاحةِ بناقوسِ القلقِ الوجودي الذي يسكنُ أضلاعَكَ إلى هاويةٍ منسيَّةٍ، هكذا تركتُ رائعة الكاتب الأمريكي الشهير همنغواي (وداعاً للسلاح) بعد مئة صفحة لأقفز إلى قراءة بعض كتابات جان جينيه وبورخيس وهنري ميلر، منهم انتقلتُ إلى كتاب (اللاطمأنينة) لبيسوا ثمَّ إلى عوالم كافكا الكابوسيَّة.. فجأةً وجدتُ نفسي مشغوفاً بالشاعرين العراقي حسب الشيخ جعفر والفارسي المتصوِّف فريد الدين العطَّار، أنا قارئٌ لا منهجيٌّ، أو صرتُ قارئاً لا منهجياً، حتى أنني أغلقتُ روايةَ (عندما بكى نيتشة) للكاتب الأمريكي إرفين د. يالوم قبلَ نهايتها بقليل رغمَ تأثري وإعجابي الكبيرين بها وأعدتُ قراءةَ المجموعة القصصية الرائعة (الخيمة) للكاتب المغربي المبدع محمد شكري وصوتي الداخلي يقول: أريدُ أن أسكنَ إحدى روايات أو قصص مجنون الورد هذا.. أو أسكنَ إحدى الأغاني المغربية إلى الأبد.. كم أنتَ جميلٌ ومختلفٌ يا محمد شكري.

********

القدس

لا أذهبُ إلى القدسِ كثيراً.. أذهبُ كلَّما اشتدَّ شوقي إلى السماءِ.. كأنَّ الله أقربُ إلى القدسِ من بقيَّةِ الأرضِ.. ثمَّةَ حنينٌ لشيء ما يرتطمُ بقلبي أنَّى توَّجهتُ.. ثمَّة أنبياءٌ غيرُ مرئيين يسيرون في الطرقاتِ ويطرحونَ السلامَ على العابرين.. وخروجٌ من هذا الوقتِ إلى وقتٍ آخر.. أكثر جمالاً واتِّساعاً.. في القدسِ يتذكَّرُ كلٌّ منا أُمَّهُ وحبيبتَهُ المنسيَّةَ.. ثمَّةَ كلُّ ما يحنُّ إليهِ شاعرٌ وعاشقٌ وقدِّيسٌ ومجهولٌ.. هواءٌ ناصعٌ.. أحجارٌ معجونةٌ بدمِ البشرِ الغابرين.. أقمارٌ مائية على الأرض.. ترابٌ مجبولٌ بهالات الضوء.. أشجارٌ عاشقةٌ.. كلُّ شيء تقريباً.. وشوقٌ مضاعفٌ للسماء.

********

إعتراف

أحياناً أشكُّ بأني كتبتُ قصيدةً حقيقيَّةً واحدةً.. ربمَّا كتبتُ شيئاً يشبهُ التمويهَ النفسيَّ.. كأني أكذبُ على أنايَ وعلى الآخر.. أو كلَّما حاولتُ أن أغوصَ في نصِّي لا أجدُ في جوَّانيتهِ البوح الحقيقي الخبيء في القلب منذ الطفولة.. لا أعثر على الاعترافِ البريءِ الذي يعبِّرُ عني كإنسان وكشاعر..
القصيدةُ كتبتْ نفسَها بنفسها إذن.. وأنا مجرَّدُ ذلكَ القروي الذي لا علاقةَ لهُ بالشِعر.. والذي تشتعلُ روحُهُ بوجعٍ غامضٍ.

********