يشدد الكاتب على أن تنطيم "الإخوان المسلمين" اكتسب من العمل السري خاصية الكمون وخبرة في التمويه والانتشار. ويرى أن نواة التنطيم ترعرعت في السويس منذ تسعين عاما تحت غطاء المقاومة الشعبية للانجليز والحرب في فلسطين، وأن حادثتهم الأولى في يناير 1952 في السويس كشفت عن حقيقتهم في التحريض ضد الأقباط وترويجهم زورا وبهتانا سردية تعاونهم مع المحتل.

صفقة القرنين

عيد اسطفانوس

 

وفي رأيي هي أخطر وأهم وأكبر صفقة في القرنين الماضي والحالي، وربما يستمر خطرها لقرون تالية، فهي صفقة ممتدة المفعول تمت بين أطراف معظمها مجهول أو بالأحرى مجهّل، وهي ليست صفقة محدودة ككل الصفقات تمت بين طرفين بائع ومشتري في نطاق جغرافي معين، لكنها صفقة كونية متعددة الأطراف بائع ومشتري وممول وحاضن وحامي وضامن ومستفيد و.. و..، وهي صفقة مغلقة لايستطيع أحد التراجع عنها أو الانسحاب منها حتى لو مات،لأن لكل دوره موتى كانوا أم أحياء، وكل يوم يظهر طرف سابق أو حالي أومستقبلي أدى أو يؤدي أو سيؤدي دورا، ويوم تظهر كل التفاصيل وهو قريب سيكون زلزال يكسر مؤشره حاجز ريختر بكثير، لأن حجم المسكوت عنه في هذه الصفقة هائل ويوم يستعلن سيكون يوما يؤرخ له بقبل وبعد.

ورغم اختراقات أو اخفاقات هنا أو هناك الا أن التنظيم الذي استطاع تغطية رؤوس مايقرب من ثلاثمائة مليون امرأه في أقل من عقد من الزمن وفي كل قارات الكوكب، لازال هذا التنظيم يصمد فقد كون لنفسه عمود فقري صلد يقاوم مقاومة ضارية، ضرب في مقتل عديد المرات الا أن خاصية الكمون التي اكتسبوها من العمل السري المنظم طيلة عقود، مع خبرة الاختباء والتمويه من وعلى أجهزة الأمن، مع شبكة عمل اجتماعي عنكبوتية في الأوساط الفقيرة خلقت لهم بيئة حنين متعاطفة وحاضنة غير معلنة، بالاضافة لعاملين رئيسين وهم الادارة الاقتصادية الناجحة المتشعبة لأصولهم وأنشطتهم المالية الهائلة في كل بقاع الكوكب، العامل الرئيس الآخر هو ملاذات آمنه محمية ومحصنة في أعالي البحار، في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وسويسرا والنمسا وغيرها، بالطبع عدا الخنادق التقليدية الأقدم في ماليزيا وأندونيسيا ولم يقتصر دور هذه الملاذات على حماية الشخوص الفاعلة الحقيقية بل رتبت لهم فرص التغلغل في ادارات حكومية ومنظمات مجتمع مدني فاعلة،كل هذا وعوامل أخرى كثيرة ساعدتهم ولازالت على توالي فرص النهوض من جديد.

وهم لهم لغة أو بالأحرى لهجة ولهم سمة موحدة رغم أي فارق جغرافي أو عرقي ولهم أسلوب متحد المفردات واذا كانت البذرة الأولى زرعت ورويت وترعرعت في السويس منذ تسعين عاما تحت غطاء المقاومة الشعبية للاحتلال الانجليزي والحرب في فلسطين، الا أن حادثتهم الأولى التي لايذكرها أحد في يناير 1952 في السويس كشفت توجههم الحقيقي الذي خطط له حسن البنا ورسخ له سيد قطب، وكانوا قد أشاعوا أن المسيحيين في المدينة يتعاونون مع المحتل الانجليزي لأن الجميع (صليبيين) على حد زعمهم، وهاج الرعاع وهجموا على بيوت المسيحيين وقتلوا ومثلوا بجثث عديد من الشخصيات القبطية، ولم يكتفوا فتوجهوا الى كنيسة المدينة وأحرقوها، ومن باب التقية أنكروا التهمه لكن الحادثة كانت كاشفة بما يكفي لتكذيب مقولة أن التنظيم كان موجها لقتال المحتل، وأن تلك المقولة كانت للتعمية والتغطية لحين التمكين ولازالت روايات التنسيق بين التنظيم والمخابرات الانجليزية عديدة وبعضها موثق من مصادر معتبرة.

نعود لأخطر وأغرب وأكبر عملية لوجستية في التاريخ الحديث -في رأيي- وهي تغطية رؤوس مايقرب من ثلاثمائة مليون امرأة أو يزيد في أقل من عقد من السنين، وبغض النظر عن تفاسير فقهية لهذه الظاهرة وكانت موجودة منذ نشأة العقيدة فان سرعة انتشار الظاهرة بهذه الصورة يحتاج تفسير أو تحليل للطرق اللوجستية التي اتبعت لتعميمها في جهات الكوكب الأربع وفي هذا المدى الزمني الضئيل فكيف تم ايقاظ فكرة نائمة من قرون طويلة وبعثها وتطبيقها بهذا الاسلوب وفي رأيي أن الآله الجبارة كان محركها الرئيس مصري بامتياز لكن الأهم كان هناك وقود يدير هذا المحرك وكان يتدفق بغزارة من النوافير التي انبثقت في صحارى نجد والحجاز وبقية الضواحي على سواحل الأحمر والخليج.

والبعض يعتقد بأن باكورة محاولات تغطية رؤوس النساء بدأت في سبعينات القرن الماضي لكن الارهاصات الاولى بدأت منذ الخمسينات حيث طلبوا من جمال عبد الناصر بصفته عضو عامل في الجماعة اتخاذ اجراء بهذا المضمون لكنه رفض كما أعلن في أحد خطبه الشهيرة وما أن رحل وتولى خلفه حتى بدأ تنفيذ المخطط المؤجل، ولم يكن الهدف هو احياء سنه أو قيمه دينية بقدر ماكان وسيلة لتهيئة بيئة ومناخ وأرضية لخطوة تالية أخطر وأهم، وهي اقامة الدولة الدينية أو احياء الخلافة ومسميات أخرى كثيرة جرى ويجري تداولها، والبعض قد يتساءل ماتأثير وما أهمية تغطية رؤوس النساء في هذا المشروع، ونجيب بأن مظهر النساء في المجتمع هو أول ماتقع عليه أي عين، ومظهر النساء يحدد المسافة التي قطعها المجتمع ذهابا أو ايابا في اتجاه الحداثة والمدنية، وتغطية رؤوس النساء كان رسالة قوية موجهة للنظم الحاكمة تنبئهم بمدى قوة هذا الكيان وتأثيرة على أرض الواقع، ومما ساعد على انتشار الظاهرة هو خوف المرأة من حجبها بالكامل من المشهد فبادلت بالأهون وحجبت رأسها، كما كانت حملة حجاب النساء رسالة لابناء العقائد الأخرى بأن عهدا جديدا مختلفا قادما عهدا سيتم فيه الفرز والتمييز وان كان البدء بالأزياء لتمهيد الأرض، الا أن نهر الفرز اكتسح أمامه كل شئ وقد كان -وأنا هنا أحكي من مصر- الا أن الموجة اجتاحت شرق آسيا وشرق افريقيا وشمالها ثم مالبثت أن اجتاحت حتى البلاد التي يشكل فيه المسلمون أقلية بل وحتى بلاد أوربا التي ذهب اليها المسلمون مهاجرون أو لاجئون،والبعض يعتقد أن عائد هذه الصفقة ضئيل بالمقارنة بحجمها الهائل لكن الواقع يشي بغير ذلك، فحجاب النساء مكنهم من أن يحكموا في السودان والمغرب وغزة وكادوا في مصر، ويعطلون في تونس والاردن والكويت والجزائر، ويتنمرون في سوريا وليبيا واليمن والصومال، ولعله يوم قريب يستعلن فيه بنود وشخوص وأصول هذه الصفقة ويومها -في رأيي- سيكون يوما غير ماقبله من الايام.