مؤتمر استثنائي شهدته فضاءات رحاب كلية الآداب بني ملال حصر موضوعه حول أسئلة الرواية أسئلة النقد في الأدبين المغربي والمصري، ضمن البرنامج الثقافي لمختبر السرديات المغربي في تنسيق مع مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية بكلية بني ملال، المؤتمر الذي عرف تقديم الكثير من الأوراق النقدية والتي استقصت المنجز الإبداعي المصري المغربي من خلال رؤيتين متقاطعتين، هنا تقرير مفصل على أشغال المؤتمر.

أسئلة النقد والرواية

 

ترأس جلسة الافتتاح، بمقررها الفنان التشكيلي إدريس بنادي، د. عبد الرحمان غانمي مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية، أشار في كلمته إلى سياق هذه الندوة العلمي وأيضا التاريخي في ضوء أرضية المؤتمر، وذلك من أجل تشكيل صور متعاكسة، أي كيف يمكن للنقد المغربي أن يقرأ الإنتاج الروائي والمنجز النقدي المصريين، وبنفس المنطق كيف يمكن للنقد المصري أن يتتبع الإنتاج المغربي. هذا إلى جانب طرح إشكال ظل بعيدا عن التناول والبحث، وهو المتعلق بالرواية المصرية المكتوبة باللغة الفرنسية، إضافة إلى أن الندوة تميزت بتقديم قراءات نقدية بالفرنسية لنصوص مصرية مكتوبة بالعربية.

ويظهر حسب ما يقول د. عبد الرحمان غانمي أن التخييل السردي معني بكل المعطيات الواقعية والتخييلية، في ظل الوعي المصدوم والساعي نحو إيجاد ثقوب للاستعصاءات والتحولات وآثارها على الفرد والمجتمع والتاريخ، وأيضا الخصائص الفنية بكل ألوانها وسيروراتها وتجديد الرؤى عوض الارتكان إلى الجاهز والثابت.

بعد ذلك تناول الكلمة عميد كلية الآداب بجامعة السلطان مولاي سليمان منوها بالمؤتمر وقيمته العلمية والبرنامج المهيأ، في حين ركز د. عز الدين نزهي باسم مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية، بكلية الآداب بني ملال، ومختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء على إبراز أهداف المختبر العلمية ومشاريعه الثقافية، ومن ضمنها هذا المؤتمر، بدوره أضاء د. عبد العزيز فارس في كلمته عن اللجنة التنظيمية الجهود التي بذلت من لدن المختبر وكافة أعضائه والطلبة المكلفين بالتتبع اللوجستيكي.

عن الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد المصرية تناولت الكلمة د. عائشة أبو رقيق ، أشادت فيها بالمؤتمر وعبرت عن استعداد الجمعية للانخراط في أنشطة المختبر.

  1. أما الجلسة الأولى من المؤتمر، فقد ترأسها د.شعيب حليفي، بمقررها الفنان التشكيلي، بوشعيب خلدون وتمحورت حول: الرواية والنقد القضايا والأسئلة.

أول مداخلة في هذه الجلسة كانت بعنوان : الرواية النسوية العربية، التيمات والتمثيلات اعتبر فيها د. محمد الشحات أن مقاربته لموضوع الرواية النسوية العربية ترتكز على ثلاثة مداخل متراكبة؛ هي "التيمات" و"التمثيلات" و"الأنساق". ولا تنهض على الرغبة في تشييد قراءة جمالية أو تحليلية لبعض النصوص الروائية التي تنتمي إلى مدوّنة الرواية النسوية العربية، فهذا أمر قد أفاض فيه الكثير من الباحثين العرب وغير العرب، لكنها تهدف بالأساس إلى دراسة العلاقة بين التيمة والتمثيل السردي من جهة، كما تسعى في الوقت ذاته إلى دراسة العلاقة بين تمثيلات المرأة في الرواية العربية وبزوغ الأنساق الثقافية السائدة في كل حقبة زمنية من جهة أخرى، متسائلةً، ورقته،حول هوية هذا النسق الثقافي أو ذاك، هل هو نسق ثابت؟ أم متغيّر بتغير الزمان والمكان والأحداث؟ وهل يمكن حصر هذه التمثيلات في بعض النماذج الكبرى (أو النماذج العُليا) التي يمكن أن نجد أصداء لها في مدوّنة السرد العربي بصفة عامة؟ وأخيرًا ما علاقة النسق الذي تصنعه الرواية العربية بالنسق الثقافي للعصر المتصل بكتابات المفكّرين والأدباء الرائجين في كل فترة زمنية؟

هذه بعض التساؤلات التي حاولت الورقة الإجابة عنها بقدر من التحليل المُسْتَقْصِي، انطلاقًا من ستة مداخل؛ هي على الترتيب: أولًاحول النسويّة/ المصطلحات والمفاهيم والسياقات، ثانيًارواية المرأة/ سرديّات المدينة، ثالثًاتمثيلات النسويّة لدى رائدات الرواية العربية،رابعًافي السردية النسوية الحديثة/ ثيمات وتمثيلات، خامسًاالنسوية الحائرة في رواية الخليج والجزيرة،سادسًا أزمة النسوية/ مأزق النسق الثقافي."

ويرى د. أيمن تعيلب في مداخلته المعنونة ب: (الحوار الحضاري والتخييل السردي البيني ) أن الموروث السردي الرشدي والصوفي لابن عربي قائم على الفكر النقدي التجديدي المفارق لأدبيات العقل العربي الكلاسيكي، ومن ثمة كان استدعاء السرد لهما في رواية (شعلة ابن رشد ) استدعاء حواريا خلاقا بين إشكالات الماضي وإشكالات الحاضر، عربيا أو غربيا، لكن السرد لا ينتصر للماضي في مواجهة الحاضر و لا للحاضر في مواجهة الماضي بل يقبع بينهما على أعراف الشرق والغرب ضافرا منهما جدلية معرفية وتخييلية قادرة على رأب الصدوع الحضارية والفلسفية والروحية بين الحضارتين، ومن هنا الحوار السردي يتناوله الحذف والذكر، الصمت والكلام، البناء والهدم، ومن هنا وقعت هذه الرواية حلقة تخييلية فريدة ضمن حلقات الحوار السردي الحضاري والثقافي والفلسفي بين الشرق والغرب، فكلنا يعرف روايات عربية كبرى تفردت في هذا الباب مثل روايات: موسم الهجرة للشمال للطيب صالح التي تمثل نسق التصادم الحضاري بين الشرق والغرب، ورواية عصفور من الشرق التي تمثل نسق الحوار التوازني بين الشرق والغرب، ورواية قنديل أم هاشم ليحيى حقي التي تمثل نسق التوفيق بين الشرق والغرب، ورواية نيويورك 1980 ليوسف إدريس التي تمثل اكتشاف النسقين الشرقي والغربي من خلال جدل الذات والآخر، ورواية واحة الغروب لبهاء طاهر التي تمثل جدل التلاقي الجدلي، ثم تأتي روايتنا – يقول د. أيمن تعيلب -موضوع القراءة (شعلة ابن رشد) التي تمثل الحوار السردي التفاعلي بين النسقين، لتمارس حفرا سردياتخييليا تأويليا عميقا داخل أنساق الجدليات المعرفية والثقافية والاجتماعية والقيمية بين الثقافتين العربية والغربية.

في حين تناول د. عبد الرحيم الكرديموضوع التجريب في رواية (القوس والفراشة) لمحمد الأشعري، إذ اعتبر أن الرواية تخلو تماما من البنية الدرامية، ومن التشويق القائم على الترقب لأن الكاتب يخبرنا بالنتيجة في أول الرواية، فلسنا في حاجة لمعرفة المصائر أو ماذا سوف بحدث بعد ذلك، فالنتيجة معروفة،وهي مقتل ياسين، كما أن الرواية ليست من الروايات ذات العمق الفلسفي التي لها أصداء دلالية يمكن أن تحدث في أمكنة وأزمنة أخرى بطرق مختلفة، مثل روايات نجيب محفوظ الفلسفية، اللص والكلاب أو الشحاذ مثلا، وليست من الروايات الكاشفة عن حالات اجتماعية يمكن أن تحدث في مجتمعات متماثلة، كما هو الحال في روايات يوسف إدريس، بل هي صورة فنية لحالة عبثية تحدت الآن يختلط فيها الواقع بالخيال، وصورة واقع مهمش مصور بواسطة كاميرا مشروخة، لذلك يبدو تصميم الرواية يجمع بين النظام والفوضى، الإحكام داخل الترهل، ففي الوقت الذي نجد فيه خيوطا كثيرة مقطوعة لا رابط لها، تتجه نحو جوانب غامضة وفقرات كثيرة كأنها ثرثرة 17 وأجزاء كثيرة كأنها متناقضة وبلا فائدة، في الوقت نفسه نجد فيها الإيقاع المحكم الذي يربط بين أجزاء هذه المتنافرات بطريقة دقيقة تشبه التماثل، بل إن التنافر في هذه الحال يكون مصدرا للجمال والتكامل،

في نفس الإطار وقف د. حسن بحراوي(كلية الآداب-الرباط) في دراسته المعنونة ب: الرواية المصرية والمغربية المكتوبة بالفرنسية: تاريخ وأسئلة، على سؤال إشكالي يتصل بسياق الحديث عن الرواية التي يكتبها العرب بالفرنسية في هذا الطرف أو ذاك من العالم فهل نعتبرها جزءا من الثقافة العربية استنادا إلى البيئة التي كتبت فيها والعوالم التي استحضرتها والمشاعر التي عبرت عنها؟ أم نصنفها في باب الرواية الفرنسية طالما أنها كتبت بتلك اللغة وتوسلت بأساليبها وصدرت عن خلفياتها اللسانية والمعرفية؟

وفي سبيل الإجابة عن هذه الاستفسارات يستحضر الباحث تلك النقاشات الحامية التي رافقت ظهور الرواية المسماة فرانكوفونية بأقلام كتاب مصريين لمع نجمهم ابتداء من عشرينات القرن الماضي واشتهر ت منهم على الخصوص ثلة يتقدمها جورج حنين وألبير قصيري والكاتبة أندري شديد..وتلك الانتاجات التي انبثقت في المغرب بتشجيع من اليسار الفرنسي (خاصة موريس نادو) خلال الأربعينيات والخمسينيات على يد كتاب مثل أحمد الصفريوي وإدريس الشرايبي أو حتى قبل ذلك التاريخ في الثلاثينيات مع الكاتب الطنجاوي عبد القادر ..الشاط

ثم ينتهي إلى أن ظاهرة التعبير الأدبي بالفرنسية التي نشأت في المشرق والمغرب وتواصلت لأسباب تاريخية وثقافية قد تبايت في انتشارها الكمي وتنوعها الكيفي..كما عانت طويلا من مشكل التداول والتلقي..وخاصة من معضلة الاعتراف لها بهويتها الخاصة والاختلاف بشأن شرعيتها..والتلكؤ الظاهر في ترجمتها..وهلم جرا من القضايا التي أثرت كثيرا أو ..قليلافي مسار وخط تطور هذا اللون من الإبداع المعبر بغير اللغة القومية التي هي العربية بكل التأكيد اللازم.

أما د. فاطمة الزهراء صالح، في مداخلتها باللغة الفرنسية (كلية الآداب- بني ملال)

Mendiants et orgueilleu : un roman cosseryn de la pauvreté heureuse.

فقد تطرقت إلى فلسفة الكاتب المصري ألبير قصيري الذي كان يكتب بالفرنسية من خلال روايته (شحاذون ونبلاء) حيث يترجم مجموعة من العلائق الاجتماعية والمواقف التي تتجسد في أدوار السارد الرئيس، للتعبير عن قيم عديدة تتشكل في الحكمة والتصوف وطعم الحياة والإحساس بالفرح في مقابل نبذه لقيم الاستهلاك والمظاهر الاجتماعية الزائفة، وهي الرؤية التي تحولت لدى الكاتب إلى أسلوب للحياة، وموقف من الوجود.

  1. في الجلسة الثانية: من (حديث السارد)، برئاسة د. جميلة شكير، وتقرير ذ. نادية شفيق، استمتع المتلقي وجمهور المؤتمر بشهادات للروائيين التالية أسماؤهم: د. حسن إغلان في (الكاتب وظله) ود. الحبيب الدائم ربيفي (أول الحبو أول الكبو: زلة الرواية الأولى) ود. شعيب حليفي(لا تنسى ما تقول).
  2. الجلسة الثالثة برئاسة د. الشرقي نصراوي وتقرير ذة. عائشة أبو رقيق، وخصصت لمحور النقد المصري، من حيث مرجعياته وآلياته ، في البداية تناول د. نوسي عبد المجيد(كلية الآداب-الجديدة) موضوع سرديات بديلة للدكتور محمد الشحات: الأسس النظرية المفهوم وإجرائيته التحليلية. وقد قسم المحاضر المداخلة إلى محاور: - الأطروحة المركزية – البناء المفهومي -بناء نماذج السرديات البديلة.

يعد هذا التأطير مدخلا لبناء مفهوم السرديات البديلة من خلال مفاهيم التعددية التحليلية ومفهوم الأمة في الدراسات الحديثة .وقد وقفت الدراسة بالتحليل النصي عند المتن السردي المصري للقبض على الآليات التي تعمل بها النصوص من أجل إنتاج سرديات مغايرة يمكن أن تندرج تحت مفهوم السرديات البديلة .وقد تجلت في سرديات منها سردية الموت / سردية القاع / سردية تفكيك الأب /.

وقد استثمر الناقد محمد الشحات في بناء هذه السرديات على أدوات مفاهيمية متعددة تنتمي لجهاز الشعرية والباختينيةوالترهينات السردية واللغة والفضاء المجازي والمتوازيات النصية ،ليخلص إلى استنتاج الوظائف الِرِؤيوية المتمثلة في المقاومة وتعرية مظاهر القمع في المجتمع والوظائف الفنية التي تعيد النظر في مركزية الأنواع وفي تراكب الكتابي والشفوي .

وخلص المحاضر إلى تقديم ملاحظات حول الخطاب النقدي خاصة فيما يتصل بالمفهوم الكوني و"الفطري " للسرديات الكبرى ولمفهوم الرواية الجديدة ولإجرائية المفهوم في بناء نمذجة لهذه السرديات كما أشار في الوقت ذاته إلى إسهام الكتاب في تنويع مقاربات النقد العربي وإغنائها منهجيا ونظريا.

ثاني مداخلات هذه الجلسة كانت مع د. عز الدين نزهي (كلية الآداب بني ملال):(بالفرنسية)

( lire la lecture de Houssine HammoudaMiloudiChagmoum)

في إطار المقاربة النقدية تناول التجربة النقدية للدكتور حسين حمودة، وقراءته لرواية ( ريالي المثقوب ) للميلودي شغموم مبينا الأسس النظرية التي بنى عليه رؤيته المتمثلة في اختيار المقاربة السوسيو-ثقافية، أي اكتشاف النسق الرمزي الذي يميز رواية الميلودي شغموم، حيث تحضر الأزمنة والأمكنة المرتبطة بالسارد محمد الشلح المتنقل بين فضاءات مختلفة .

مباشرة تناولد. محمد بالأشهب(كلية الآداب-بني ملال) كتاب قراءة النص للدكتور عبد الرحيم الكردي (نحو مقاربة ملائمة للنص الأدبي )، قارب ذلك بالتحليل تفصيلا نظريا للقراءة عند الكردي من إقامته لحوار نقدي وعلمي مع منجز المؤلف، خصوصا ما يتعلق بالاستمتاع بفنية النص، وإمكانية البحث في دواعي وشروط ذلك.

وقدم د. عبد الرحمان غانمي(كلية الآداب-بني ملال) مداخلة بعنوان: (في سياسة التدبير المنهجي: المعادلة الملتبسة بين التخييل السردي والنقد، في ضوء أعمال د. أيمن تعيلب) و إذ اعتبرهبأنه يصوغ مادة نظرية وتطبيقية فيها نقد للاستعمال النقدي الجاهز، من أجل إعادة النظر في القضايا والمفاهيم، والتأسيس لرؤية مغايرة في ضوء مفهوم التجريب ، الذي يتحول إلى إشكالية نظرية، حيث نغدو أمام معادلة ملتبسة بين النص السردي وخطاب التجريب تعلق الأمر بالسرد أو النقد، وهذا ما يترتب عنه إعادة طرح مجموعة من الأسئلة المؤسسة مثل: ما الأدب؟ ما النقد؟ ما هي وظائف كل منهما؟ وما هي المبادئ والثوابت الإبستمولوجية التي تحكم الرؤى في ظل متغيرات المعطيات النصية والمعرفية.

و هذه الرؤية تتأسس على ثلاثة مستويات مترابطة : أولا التنسيب، ثانيا دينامية التنظير وسيرورة المفهوم (التجريب)، ثالثا المرجع الثقافي و أبعاده.

ما يتيح التأشير على قضايا و أسئلة متحولة .

  1. الجلسة الرابعةكانت برئاسة د. فرقزيدبوشتىوذة. سكينة العويسيد مقررة لها، وتركزت على الرواية المصرية من منظورات مختلفة ، حيث رأىد. حسن المودن (كلية الآداب-مراكش) في مداخلته (الغريب المقلق في رواية (مسألة وقت )لمنتصر قفاش أن الرواية لا تميل إلى الثرثرة وكثرة الكلام، بل تنشغل بالكيف لا بالكمّ، وتنقل اشتغالها من المستوى الكمّي إلى المستوى النوعي، موظفة شعرية الإيجاز والتكثيف، مركّزة اشتغالها على الدّال، إلى حدّ يجعلها أشبه بالأحلام والألغاز بآلياتها في التكثيف والتحويل والترميز، وبقدرتها على انتهاك الحدود بين الواقع والمتخيّل، واستنطاق الغريب والمجهول واللامتوقع. فالكتابة لم تعد مجرد مرآة تعكس الواقع الاجتماعي، تنسخه وتسجله، كما كان الأمر في النصوص السردية التقليدية. صحيح أنها كتابة قد تنطلق من الواقع اليومي المعيش، إلا أنها سرعان ما تحلّق عاليا نحو فضاءات الخيال والرمز والغرابة واللامعقول. وصحيح أن التفاصيل اليومية قد تكون هي مادتها الأساس، لكنها لا تكتفي بالنسخ والتسجيل، وإنما تقوم بالنبش في أماكن ومسالك أخرى لاقتناص ذلك الغريب في واقعنا ووجودنا، ومساءلة قدرنا الكوني واشتغالنا الذهني والاجتماعي: كأنّ الرواية لا يمكن أن تكون إلا نوعا خاصّـا من البحث والشك والقلق وإعادة النظر في كثير من معتقداتنا ومسلماتنا، بطريقة تمزج بين التخييل السردي والتأمل الفلسفي.

دة.كريمة بوحسون (كلية الآداب-بني ملال) في دراستها بعنوان: Enquête du Paradis perdu dans Mouji tous: Mounirotaiba اعتبرت أن الرواية تركز على تيمة البحث عن الجنة، وقد شكل السفر رمزية أساسية من خلال ثلاثة أبعاد: السفر عبر الزمان والمكان، والسفر الداخلي إلى كنه الذات، وكل ذلك وسيلة لقراءة الواقع الراهن وحالة الالتباس الرائجة على مستوى المقدس مما ترتب عنه شرعنة العنف والتعصب، حيث ينتهي السفر بالفشل في تماه مع الماضي والتاريخ وأساسا سقوط الأندلس، واتساع الهوة الحضارية بين الشرق والغرب. كما رصدت د. كريمة بوحسون تقنيات الكتابة عند منير العتيبة من خلال خلق المفارقات والتوازنات، والتناص وتعدد الأصوات، والتعاكس السردي على مستوى الرؤى السردية.

دة. بنطاني فاطمةفي مداخلة بعنوان ( وشم وحيد ) لسعد القرش، عندما تصبح الكتابة ترجمة للتاريخ وعبورا نحو المطلق) رأت أن هذه الرواية هي جزء من مشروع سردي، يؤكد من خلاله الروائي علاقته الوطيدة بمغامرة روائية تمتلك نكهتها الحاصة، وتطمح إلى بلورة تضاريسها على مستوى المادة الحكائية، واللغة، والتركيب السردي، الذي يكسر فيه السارد أفقية الحكي، ويستثمر عناصر الرمز والأسطورة والحلم والتاريخ، لتوليد عوالم النص وبناء الدلالة.

د.خديجة توفيق ( الكلية متعددة التخصصات-خريبكة): تناولت موضوع عتبات النص الروائي المصري أعمال شهير المصادفة نموذجا، حيث أثارت القضايا الفنية و النصية المترتبة عن عتبات النصوص الروائية، تعلق الأمر بالنصوص و ما يربط بينها من علائق أو علاقة العتبة لنص محدد بالنص في حد ذاته، وما ينشأ عن ذلك من تفاعل و تحريك لفعل التأويل و البناء عليه.

أما د.عزيزضويو(الكلية متعددة التخصصات-خريبكة):فقد عالج في مداخلته "رومانيسك التخييل في رواية مدن السور (2016)" للروائية المصرية هالة البدري، نزوع النص الروائي في تشييد عوالمه إلى الاغتراف من أفق مفتوح على مهاوي اللاـ زمنية، سالكا معابر غير معبدة، ديدنه تجريب شكل روائي متشظ في بنيته، متعدد في صيغه، رابض في مكامن الاسطوري، والفانطستيكي، والاحتمال العلمي، والتاريخي مع نقرات خفيفة تحط به من حين لآخر على القشرة الهشة للواقعي . وبعد إشارته الى تعذر تلخيص مثل هذه النصوص الروائية بسط أبرز الخيوط السردية المشكلة للبنية الحكائية العامة للنص ، فسار به التحليل الى طرق كتابة روائية نعتها بكتابة ما بعد الطوفان(استنادا الى عتبة نصية تستحضر حكاية طوفان نوح) أسوة بالكتابة ما بعد النكسة، أو ما بعد الثورة. والطوفان هنا هو الانهمار التكنولوجي الهائل الذي حدث بعد قرون من زمننا الحاضر، حيث ترصد الرواية، مجتمعا طبقيا، يتشكل من فئة البدائيين، وطبقة الفوقيين، طبقة البشرالاذكياء، ثم طبقة "البزر ميط" الذين صنفوا، نظرا لفشل تأهيلهم بيولوجيا، في مرتبة اجتماعية أدني من مرتبة البدائيين.

  1. الجلسة الخامسةكانت من تسيير د. حسن المودن، ودة. كريمة بوحسون مقررة.

تدخل د. حمادي كيروم في موضوع ( بداية ونهاية ) بين أدبية نجيب محفوظ وسينماتوغرافية صلاح أبوسيف، واعتبر أن ما يجعل من الرواية رواية هو أدبيتها، في حين أن ما يجعل الفيلم فيلما هو سينماتوغرافيته ؛ ولذلك فإن وعي صلاح أبو سيف إدراكه لهذه الظاهرة ومروره إلى استيتيقا سينمائية، ما يخلق نوعا من التفاعل بين الأشكال ومضامين الرواية، والأشكال والمضامين السينمائية.

في حين تناول ذ. خليل الدامون (الفيلم المصري: من المكتوب إلى المرئي، المحافظة على ثوابت السينما المصرية) ذلك أنه عند البحث في الرواية المصرية التي نقلت إلى السينما نوعين:

نوع سار فيه المخرج السينمائي على منوال الكاتب الروائي في المحافظة على جل مكونات الرواية من شخصيات وحوار وسرد الأحداث وكأن هناك تطابقا بين المكتوب والمرئي كما حدث مثلا بالنسبة لنجيب محفوظ في رواية "اللص والكلاب"

وهناك نوع من المخرجين قرأوا الرواية وانتقلوا فيها من المكتوب إلى المرئي بكثير من الحرية كما هو الحال بالنسبة لرواية "الطوق والأسورة" ليحيى الطاهر عبد الله كما نقلها المخرج خيري بشارةوالحقيقة أن هناك عوامل أثرت في هاتين الطريقتين في التعامل مع النص المكتوب بالنسبة للسينما المصرية حاولت بسطها في المداخلة كاعتماد الفيلم المصري على الحدوثةوعلى النجوم وعلى مجموعة من الثوابت جعلت الفيلم المصري غالبا ما يساير الرواية في بنائها، كما يرى المتدخل.

في سياق هذا المؤتمر، قدم د. محمد الشحات محاضرة: بعنوان : ( أزمة النظرية والنقد الثقافي في الدراسات العربية ) أمام طلبة ماستر تحليل الخطاب الأدبي في المغرب والأندلس بفصليه الثاني والرابع، ساعيا إلى مساءلة موضوع النظرية الأدبية والنقدية الحديثة في ضوء علاقتها بتاريخ ثقافة أوروبا ، كما يسعى إلى اختيار سؤال بعينه مؤداه: كيف أثرت هذه العلاقة في -أو انعكست على- طبيعة الممارسات النقدية العربية؟ وبقدر من الموضوعية، يمكن القول إنه في الوقت الذي استطاعت مثل هذه الممارسات العربية أن تفرز الكثير من الإيجابيات التي حركت بالفعل المياه الراكدة في مدونة النقد العربي القديم والحديث، خصوصا في الربع الأخير من القرن العشرين، حيث نجحت في أن تقدم قراءات نقدية من منطلقات ومنظورات معرفية غير مستهلكة، فقد أنتجت -والتزامن أيضا- بعض الممارسات المرتبكة أو المتعثرة التي انطوت على حالات مختلفة من سوء الفهم، سواء ذلك في فوضى اصطلاحية، نابعة بالأساس من عدم إدراك طبيعة المرجعيات الثقافية والسياقات التاريخية التي تشكلت في فضائها النظرية الغربية أولا، أو تمثل في غواية الجمع بين ما لا يجتمع من نظريات أو مفاهيم أو مناهج أو حقول اصطلاحية في فضاء دراسة علمية واحدة ثانيا. وكلها ظواهر سلبية تحتاج منا بالفعل إلى إعادة النظر في مباحث "نقد النقد"، كما تحتاج إلى ضرورة موضعة النظرية الأدبية والنقدية الحديثة ( مع الوعي التام بالفروق الإبستمولوجية والإجرائية بينهما ) في سياق مرجعياتهما الثقافية التي تنتسب إلى التاريخ الثقافي الأوروبي (أو: المركزية الأوروبية).

إن غياب -أو تجاهل- مثل هذا النوع من أنواع الدرس النقدي والثقافي المهم سوف يؤدي، لا محالة، إلى تفاقم أزمة النظرية في ممارستها العربية، وانقطاعها عن سياقات تداولها الغربي، كما سيؤدي إلى المزيد مكن الفوضى المعرفية التي سيكون ضحيتها -في المقام الأول والأخير- إهدار خصوصية النص الأدبي / الثقافي العربي الذي قد يصبح حقلا بكرا للمزيد المقاربات أو المغامرات غير المنهجية التي لا تعززها معرفة ثقافية رصينة أو خبرة نظرية كافية.

وعرف اختتام المؤتمر الدولي احتفاء جماعيا بجماعة فم العنصر، في منطقة جبلية جميلة، على إيقاعات أحيدوس من تنشيط شباب مودج للتنمية الاجتماعية و التراث الأمازيغي، حيث عاش الضيوف لحظات أخاذة في لقاء مع التراث الأمازيغي المحلي بكل عادات الضيافة والكرم في طقس جماعي تحت خيمة تقليديةفي الفضاء الفسيح.