احتضنت مراكش المغربية لقاء جديدا يهم مشروع القانون الاطار، والخاص بمنظومة التربية والتكوين، ضمن مسلسل احتقان لازال مستمرا حول المسألة التعليمية، والتي لازالت الى اليوم تراوح مكانها، بل وتشكل عائقا أمام النمو والتنمية والمعرفة، هذا اللقاء يقدم رؤية جديدة ومشاريع تصورات وتوصيات فعلية لتجاوز الأزمة إذا ما تم الانتقال الى مرحلة الاصلاح الفعلي الحقيقي، وقد عرف اللقاء تقديم أوراق علمية ودراسات ورؤى من زوايا متعددة تلامس عمق إصلاح منظومة التعليم.

رؤية نقدية لإصلاح منظومة التربية والتكوين

 

أولا التقرير

نظم كل من المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين والشبكة المغربية للتربية والتضامن برحاب كلية الطب والصيدلة بمراكش لقاء دراسيا تحت موضوع : "قراءات في مشروع قانون-إطار 51.17: رؤية نقدية لإصلاح منظومة التربية والتكوين" وذلك يوم الجمعة 9 نونبر 2018 على الساعة الثالثة بعد الزوال.

تابع فعاليات هذا اللقاء حوالى 200 شخص وشارك فيه الأساتذة : محمد الاخصاصي، عبد الصمد بلكبير، عبد العزيز جسوس، رحال بغور، سعيد العلام. وبعد كلمة الدكتور محمد الدرويش رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين الذي ذكر الظروف السياسية والتاريخية والمجتمعية التي دفعت بأولوية القيام بقراءات لمشروع القانون الإطار بغية تأكيد انخراط المجتمع المدني في

إنجاح الإصلاح التربوي وتوجيهه الوجهة الصحيحة ، أشار إلى سياقات و أهداف تأسيس المرصد و التي منها إعداد التقارير و الدراسات و الأبحاث و تنظيم المناظرات و اللقاءات حول مواضيع تمس منظومة التربية و التكوين بكل مستوياتها من الأولي إلى العالي و التكوين و تمكين المسؤولين على قطاعات المنظومة و المؤسسات الدستورية المهتمة و المختصة منها باعتبارها منطلقة من منظمة مدنية تتابع و ترصد واقع المؤسسات التربوية و المشتغلين فيها و بها بهدف و غير المعطيات و وضع المؤشرات حتى تتمكن الجهات المعنية من تحسين و تطوير المنظومة مذكرا بالمشترك بين المرصد و الشبكة المغربية للتربية و التضامن في الأهداف و المرامي و الغايات حتى تكون للمغاربة منظومة تربوية حداثية و متقدمة و متطورة و بخصوص موضوع اللقاء ذكر الدكتور الدرويش بأن منظومة التربية و التكوين شأن وطني و مسؤولية جماعية يستوي في درجاتها المواطن باختلاف مواقعه و مسؤولياته و انتمائه من عدمه و قناعاته؛ إنها قضية وطنية بامتياز تقتضي الإجماع على الاتفاق و الاختلاف "كما ذكر الدرويش بأهمية مشروع القانون الإطار لمنظومة التربية و التكوين و ضرورة الإسراع باخراجه بعد مراجعة لمجموعة من القضايا؛ متسائلا هل استنفذ الميثاق الوطني للتربية و التكوين؟ مع ضرورة حصول الإجماع الوطني لقضية ترهن مستقبل الوطن برمته في إعداد للمواطن المؤمن بأن المواطنة حقوق و واجبات حتى لا يضيع الزمن التربوي كما تم قبلا؛ و لم يفت الدرويش الدعوة إلى الجواب عن سؤال أي منظومة تربوية لأي مجتمع مرغوب فيه؟؟؟.

لأن المنظومة مسؤولية الجميع بصيغ أفقية و عمودية تمس المؤسسات و الجماعات و الأفراد..
بعد ذلك تناول الأستاذ سعيد بوبيل رئيس الشبكة المغربية للتربية و التضامن سياق هذا اللقاء الدراسي و الذي يكمن في فتح نقاش علمي نقدي رصين حول هذا المشروع بغية الإسهام في تجاوز الإصلاحات المبرمجة الارتجالية والترقيعية والحرص على إقرار إصلاح تربوي براديكماتي للنموذج التربوي برمته ليشير إلى أن توالي و تعدد إصلاحات المنظومة لم يسعف من تجنب تعثراته و اخفاقاته بل ضاعف أحيانا من اختلالاته و أزماته و شدد خلال كلمته على أن واقعنا التربوي لم تقتحمه بعد التصورات العقلانية النقدية و لم تعرف استثبات قيم الثقافة المدنية نظرا لعدم توفر الشروط المطلوبة للإبداع و الابتكار و التعلم الجيد حتى نبلغ مقومات مجتمع المعرفة و العلم و الحداثة و الديمقراطية منهيا كلمته بالأمل في إصلاح المنظومة باستحضار الوعي الوطني حتى نمكن المدرسة المغربية من القيام بكامل أدوارها و بأولوية استعادتها للمكانة التي يجب أن تحظى به في قلب المشروع المجتمعي المنشود ...

شرع الأساتذة المحاضرون في تقديم قراءات من زوايا مختلفة ومتباينة لمشروع قانون-إطار، رصدوا من خلالها فحواه وتتبعوا مستجداته، كما تطرقوا إلى الجدوى من إصداره وحرصوا على المساءلة النقدية والعلمية لمواده.

فتحت عنوان "مشروع القانون-الإطار: رهان حاسم، اختبار حاكم" أشار محمد الاخصاصي أن هذا المشروع هو محصلة تقارب الرؤى والمقاربات الإصلاحية إذ سيمكن من تجسير الهوة بين مختلف الخيارات والتوجهات،وأن أحكامه تجسد مأسسة فعالة ومنتجة لعملية تنزيل الإصلاح المرتقب وتشكل معيارا موضوعيا لتعزيز شروط الحكامة الجيدة خاصة وأنها أحكام ملزمةينبغي اتباعها في مجال السياسة العمومية المتعلقة بمكونات منظومة التربية والتكوين بغية التطبيق الأمثل لمستلزمات الإصلاح التربوي، ليتوقف عند ما أسماه بالملابسات السوسيوسياسية الضاغطة لإنجاح الإصلاح والمتمثلة في قوة الإرادة السياسية للدولة، وفي حدة الانتظارات الشعبية، وفي الحاجة إلى توفير موارد بشرية مؤهلة قادرة على الإسهام في تعظيم الإنتاجية وعلى استيعاب التكنولوجيات المتطورة، إضافة إلى أن هذا الإطار سيسند وسيوجه مؤسساتيا عمل واقتراحات المجلس الأعلى للتربية والتكوين؛غير أن ما يمنح لهذا الإطار أهميته، في نظر الأستاذ الاخصاصي،هو مدى قدرته على معالجة الإشكاليات المزمنة لمنظومة التربية والتكوين من أهمها التدقيق في مسألة تصريف "إقرار رسوم التسجيل للأسر الميسورة" لكونه قد يؤول نحو إسقاط مبدأ مجانية التعليم كحق مكفول دستوريا بدل أن يندرج في سياق تفعيل "مبدأ التضامن الوطني" خاصة وأنه لم يتم احالة تحديد شروط وظروف تطبيق مبدأ أداء الرسوم على نص قانوني وتم الاكتفاء بإحالته على نص تنظيمي (المادة 48 من المشروع). وقد خلص محمد الاخصاصي إلى أن ضخامة الرهان الذي تنطوي عليه مقتضيات القانون الإطار يستدعي إحداث التعبئة المطلوبة وخلق اليقظة المجتمعية ثم اعتماد خطاب المسؤولية المشتركة وتقوية دافعية الأسر للانخراط الفعلي والمباشر، مع الحرص على تجاوز الإشكالات الاستعجالية كالهدر المدرسي وتواضع التحصيل والفوارق المجالية في العرض المدرسي واختلال الروابط بين التعليم والمحيط الاقتصادي علاوة على سؤال تأهيل التكوين وتحيينه باستمرار. ومن هنا يستنتج السفير السابق للمغرب بسوريا محمد الاخصاصي أن إنجاح إصلاح رهين بالاستثمار في الرأسمال البشري، وباعتبار جوهر هذا القانون الإطار يتوخى تأهيل الرأسمال البشري فإن مسؤولية حسن تفعيله هي مسؤولية وطنية بامتياز تتقاسمها الدولة والنخب والأسر على السواء.

أخذ الكلمة بعد ذلك المثقف الأستاذ عبد الصمد بلكبير الذي قسم مداخلته إلى ثلاث نقط اتسمت بالنقد الجدري لمواد مشروع القانون الإطار، النقطة الأولى ذات طبيعة مفاهيمية حيث بيّن بلكبير أن صياغة المشروع جاءت مليئة بالالتباسات وديباجته قد غلب عليها الحشو والتكرار والسبب في ذلك هو اعتباره للعديد من المصطلحات كبديهيات في الوقت الذي ينبغي تدقيقها واستقصاؤها علميا من قبيل التعدد اللغوي، الحكامة، الحداثة والمواطنة... أما النقطة الثانية فقد شخص فيها الأستاذ بلكبير أزمة المدرسة وحددها في ثلاث معيقات: إنجاح ورش الإصلاح اللغوي الذي يستدعي إصلاحا دينيا موازيا، ثم إرساء نظام تعليمي مستقل في تدبيره وإصلاحه، وثالثا وأساسا حسب بلكبير أن يعزز الإصلاح وطنية التعليم المغربي حتى يكون قادرا على الإسهام في تقوية تماسك المجتمع وتثمين وحدته الانسجامية وبناء هويته الحضارية. وقبل أن ينهي الأستاذ بلكبير مداخلته أشار إلى أن سؤال الحاجة قلة الموارد المالية، بالرغم من أهميته يظل مجرد بهتان ، لأن العديد من الموارد تضيع هباء لافتقاد منهجية سديدة في التدبير، ولذلك اقتراح منهجية، ينبغي على الساهرين على صياغة مشروع القانون الإطار اعتمادها لإيجاد مداخل تحقيق الإصلاح المطلوب ، قوامُها تصحيح هيكلة البنيات التربوية والمراجعة الجذرية لمضمون التعليم ومحتواه حتى يسهم في خدمة الذاكرة الوطنية ويمكِّن من تأهيل أجيال الغد، لا فقط من الناحية التقنية ، بل أساسا في الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية باعتبارها عوامل حاسمة في تحقيق النهضة المجتمعية ؛ لأن الرهان سيظل دوما على تأهيل الإنسان في مختلف أبعاده الوجودية.

أما الأستاذ عبد العزيز جسوس فقد قسم مداخلته على أربع محاور، أشار في الأول إلى أسباب نزول المشروع والمتمثلة في أزمة الوضع التربوي، وفي ضرورة إسناد الرؤية الاستراتيجية، أما المحور الثاني، توقف فيه جسوس الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش عند مواد مشروع القانون-الإطار ليسلط الضوء بالخصوص عند مستجدات هذا المشروع خاصة آلية التعاقد كمدخل للتشغيل وانعكاساتها على مستوى استقرار هيئة التربية والتكوين وبالتالي على مستوى آدائهم. بينما المحور الثالث فأشار جسوس إلى الفراغات والثغرات الملاحظة في بنية المشروع خاصة إحالته للكثير من الإجراءات على نصوص تنظيمية وعدم تطرقه إلى وضعية نساء ورجال التعليم، إضافة إلى الالتباس ظل عالقا بالقضايا الشائكة مثل التعريب والمجانية.

ومن منظور بيداغوجي صرف ، ناقش الأستاذ رحال بغور، مفتش مركزي، موضوع إرساء نموذج بيداغوجي من خلال مشروع القانون الإطار حيث وضح في البداية أن جديد هذا المشروع يكمن في استفادته من أخطاء الإصلاحات السابقة إذ وسم مبادئه بطابع الشمولية وحرص على ضمان التنوع البيداغوجي كما ركز على تشجيع آليات الإبداع والابتكار والتجديد؛ فالهندسة البيداغوجية أعادت تنظيم البناء المنهاجي الدراسي بعدما أكدت أن الإصلاح البيداغوجي ينبغي أن يوازيه تعبئة عامة للفاعلين المباشرين حتى يلج الإصلاح إلى المؤسسات التعليمية والفصول الدراسية وإلا سيظل المتعلم خارج كل الإجراءات التي تنشد تطوير كفاءاته وتحسين تعلمه.

في الأخير تقدم الأستاذ سعيد العلام وهو أستاذ بمركز المفتشين بالرباط ليطرح ثلاث أسئلة موجهة لمداخلته ، وهي ما الجدوى من القانون الإطار؟ هل يتوفر على مقومات الإطار المرجعي القانوني للرؤية ؟ وما مدى إمكانية إسهامه في تجاوز أزمة منظومة التربية والتكوين؟ أشار بداية إلى أن ها المشروع هو بمثابة وثيقة لا قانون، إننا أمام وثيقة ثالثة بعد الميثاق الحي دوما، والرؤية الميتة قبل الميلاد، ثم وثيقة ثالثة عنوانها مشروع القانون-الإطار؛ وفي نظر الأستاذ العلام أن اللجنة التقنية التي سهرت على إخراج هذا القانون تفتقد لسياسة لغوية كما يتضح ذلك من خلال مقارنة وثيقة 26 دجنبر 2017 مع الوثيقة الصادرة مؤخرا لمشروع القانون-الإطار والتي سيتداول البرلمان المغربي بخصوصها بغية المصادقة ، كما بين أن ضرب مبدأ مجانية التعليم يفرض على المجتمع المدني والسياسي أن يحيل المشروع على المجلس الوطني لحقوق الإنسان للإدلاء بموقفه والدفاع على ها المبدأ بوصفه حقا دستوريا تضمنه جميع المواثيق الدولية؛ كما أن هذا القانون يكشف على ارتباك في التصور بخصوص وضع مؤسسات تكوين الأطر، كما لم يحدد طبيعة اللجان وكيفية تنظيمها رغم أنه أحال إليها عدة إجراءات تدبيرية في الإصلاح الذي يزعم تطبيقه.

وبعد منح الكلمة للحضور الكريم الذي تجاوب مع كل القراءات، فأسهمت تدخلاتهم في إغناء النقاش وإثرائه، خلص اللقاء إلى بلورة التوصيات التالية:

ثانيا التوصيات

إن مدار الإصلاح التربوي يتحدد على مبدأ مجانية التعليم كحق مكفول بموجب الدستور، فيقترض على كل السياسات العمومية احترام التزاماتها لتعميم الحق في التعليم المجاني مع تحسين شروطه وتجويده تعلماته والرفع من مستواه لتمكين ناشئتنا من الإسهام في البناء المتواصل لوطن ديمقراطي حداثي، وتأهيلهم لمواكبة تحولات العصر الراهن والاندماج الفاعل في الحضارة الإنسانية.

إن قوام إصلاح النظام التعليمي يتأسس على معالجة الإشكالية اللغوية عبر تطوير اللغة الوطنية كأداة للتعبير عن الهوية الحضارية للمجتمع المغربي؛ مما يستدعي الحفاظ على مكتسبات التعريب مع تجديد منهجية تطبيقه.

إن كسب رهان التغيير للنموذج التربوي لن يتم بالتعبير عن إرادة الإصلاح فقط بل ينبغي التفكير في صعوبات تنزيله وفي مقتضيات تطبيقه، مما يستلزم إبداع مداخل متجددة وبناء مسارات متعددة لتفعيل المشاريع الإصلاحية التربوية.

إن الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين رهين بتطوير البحث العلمي والتربوي وتثمين التكوين البيداغوجي للفاعلين التربويين خاصة المباشرين مع توفير شروط استقرارهم ثم تحفيزهم للانخراط في مسلسل الإصلاح التربوي.

يستدعي الإصلاح الحقيقي للنظام التربوي الإشراك الفعلي لكل المؤسسات المجتمعية والسياسية بدء بالأسرة ومرورا بالإعلام والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني والشركات المواطنة وصولا إلى المؤسسات التعليمية.

إن إنجاح الإصلاح يقتضي إحداث جبهة وطنية تربوية يقظة ناضجة مؤمنة بنجاعة الإصلاح وقادرة على تعبئة كل قوى المجتمع وعلى استجماع جميع طاقاته واستنهاض الهمم الخيِّرة للانخراط الإيجابي من أجل إنجاح تحديث المنظومة التربوية.

ينبغي أن نعيد للمدرسة العمومية المكانة التي تستحقها بوصفها آلية الارتقاء المجتمعي وقاطرة للتنمية المجتمعية الشاملة والمستديمة، وهذا يفترض أن تحتل قلب المشروع المجتمعي المنشود تحقيقه.

إن رهان الإصلاح هو تنمية قدرات وكفايات المتعلم، ولذلك فنجاحه رهين بمدى أجرأته داخل المؤسسات التعليمية والفصول الدراسية حتى يتم إعداد المتعلم للإسهام في مقتضيات التنمية المجتمعية وللمواكبة الفاعلة في التحولات العالمية.

ان منظومة التربية و التكوين رهان مغرب القرن الواحد و العشرين مسؤولية مجتمعية بامتياز و هي رحى اساس للمواطنة القائمة على الحقوق و الواجبات.