يحتفي العالم في هذا الشهر من كل سنة، باليوم العالمي للشعر والذي يصادف ال21 مارس. وهي لحظة لإعادة تذكيرنا بالمشترك الإنساني.. نعود لكلمة الشاعر الفرنسي المرموق، الراحل ايف بونفوا، والتي سبق أن ترجمها الشاعر والمترجم المغربي منير السرحاني، كلمة تستعيد عمق الشعر وكينونته

سر الشعر

إيف بونفوا

ت. الشاعر والمترجم منير السرحاني

 

هو ذا السّرّ: عندما أصغي إلى الكلمة، الكلمة كما هي، في ماديّتها الصوتيّة أو حتى البصريّة، بغضّ النظر عن المفهوم الذي تنطوي عليه، أعثرُ فيها لا على التجربة المُمتلئة بحُضور الأشياء وحسب، بل أيضاً على الكثير من ذاكرتها. ليست الكلمة أداةً فقط للدلالة التي تقوم بتحليلها. إنّها، في الآن ذاته، تُسمّي. وللشِّعر بذلك مهمّة مَنْحِها القدرةَ على أنْ تُظهرَ لنا الأشياء الكبرى البسيطة؛ تلك الأشياء التي لربّما باستطاعتها بناء مكاننا فوق الأرض.

الحساسيّة الشعريّة هي الحدسُ بهذه السّلطة – بهذه الحياة – داخل الكلمات العالية في لغاتنا. الشّعرُ هو العملُ الذي به نُخلِّصُ، عبر الإيقاعات والأصوات، الكلماتِ الأساسيّة من عبء المفهوم؛ نهَبُها القدرةَ على التعرّف، من بين الكلمات التي نتداولها، على تلك القريبة منها، وتبعاً لذلك على أصدقائنا، الذين معهم سوف نتمكّنُ من أن نهبَ هذا المكان معنىً وغنى أكبر.

الشعر لا يقول. إنّهُ يَجمعُ ويُؤسِّس، يستقبلُ في موطن العُمق هذا ما يُمكنُه أن يكون تدريجيّاً إقامةَ إنسانيّةٍ تجمّعت أخيراً.

 

هذه الكلمة كتبها الشاعر الفرنسي الراحل الكبير إيف بونفوا، الفائز بجائزة الأركانة العالمية للشعر سنة 2013، بطلب من بيت الشعر في المغرب بمناسبة اليوم العالمي للشعر21) مارس2015 ( . وترجمها الشاعر منير السرحاني.

  • إيف بونفوا في مدينة تور عام 1923، من أب كان يعمل في مصلحة السكك الحديدية وأم ممرضة ثم معلمة . بعد دراسات متخصصة في الرياضيات بالأقسام التحضيرية بثانوية ديكارت في تور ثم بجامعة بواتيي، قرر إيف بونفوا عام 1943 أن يستقر بباريس ليكرس وقته للشعر و هناك تعرف على مجموعة من الشعراء السرياليين و صاحبهم. تابع دراسته الجامعية في الفلسفة و تاريخ العلوم بجامعة السوربون . بدأ الكتابة حوالي 1945 و نشر مقالة عازف البيانو ثم أسس مجلة " ثورة الليل" التي نشر فيها جزءا من قصيدته السريالية القلب- فضاء، ليحدث بعد ذلك قطيعة مع السريالية سنة 1947. وحصل على دبلوم الدراسات العليا بعد أن أنجز دراسة تحت إشراف الفيلسوف الفرنسي جون وال حول بودلير و كييركيغارد. في بداية الخمسينيات، سافر إيف بونفوا، بفضل حصوله على عدة منح، إلى بلدان أوروبية من بينها إيطاليا حيث كان يتردد على حلقات آندريه شاستل في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا ثم عمل لثلاث سنوات كباحث في المكتب الوطني للبحث العلمي و اشتغل بالتحديد على منهجية النقد في الولايات المتحدة الأمريكية. اشتهر إيف بونفوا كشاعر بعد إصداره لديوان "دو ﭫ، حركة و ثباتا "سنة 1953 عن دار مركور دو فرانس . وتلته الدواوين: سائدة أمس الصحراء (1958) و حجر مكتوب (1964) و في خديعة العتبة (1975) ثم ما كان بلا ضوء (1987) و بداية الثلج و نهايته (1991) و الحياة التائهة (1993) و الألواح المقوسة (2001) و سلسلة المرسات الطويلة (2008). كما أصدر كتابات نثرية شعرية أولها في عمق البلاد (1972) وهي سيرة ذاتية تبرز العلاقة بالعمل الفني ثم تلاها قصص في الحلم (1987).عمل إيف بونفوا في مجال التدريس منذ 1960 في عدد من الجامعات بسويسرا وفرنسا والولايات المتحدة. وفي سنة 1981، انتخب أستاذاً في مؤسسة كوليج دو فرانس حيث ترأس قسم الوظيفة الشعرية المقارنة حتى سنة 1993. ترأس هيئة تحرير «قاموس ميثولوجيات وأديان المجتمعات التقليدية والعالم القديم» في مجلدين بمشاركة حشد كبير من العلماء (الطبعة الأولى 1981، إعادة الطباعة في (1999).إلى جانب الشعر، اهتم إيف بونفوا بتاريخ الفن، حيث أنجز بحثا حول الرسومات الجدارية لفرنسا القوطية (1954) و آخر بعنوان روما،1630، أفق الباروكية الأولى (1970). نشرت هذه الأعمال بعد ذلك على شكل مجموعات مقالات نقدية. و بإلاضافة الى ذلك، نذكر اللامحتمل (1959) و السحابة الحمراء (1977) وحقيقة الكلام (1988) و حوارات حول الشعر(1972-1990) والشعر و الفن المعماري (2001) و تحت أفق اللغة (2002). وترجم بونفوا عدة أعمال لشكسبير (هاملت، ماكبث، روميو وجوليت، جول سيزار، حكاية الشتاء، العاصفة، أنطونيو وكليوباترا، وغيرها).وفضلا عن الجوائز العديدة التي ذكرنا في مطلع هذه الكلمة، فقد تم منح الشاعر الراحل دكتوراه فخرية من عدة جامعات من بينها الجامعة السويسرية نيوكاسل والكوليج الأمريكي بفرنسا
    و جامعة شيكاغو و روما و وأكسفورد.