يتناول الباحث هنا كيفية فقدان الكثير من المنظمات العربية الفاعلية والتأثير لا في الواقع العالمي فحسب، وإنما حتى في واقعها المحلي؟ ويرجع ذلك الأمر إلى فقدان اليقظة الاستراتيجية، والإخفاء في كسب الشركاء والمحافظة عليهم. وهي من الأمور التي يجب تداركها في المستقبل.

ما هي أداة مواجهة الأزمات المستقبلية في منظماتنا؟

فادي محمد الدحدوح

 

تتسارع الأحداث التي تشهدها بيئة المنظمات العالمية مما ينعكس على ظروف المنظمات العربية التي تشهد العديد من الأزمات المتتابعة، حيث أصبحت المنافسة تمارس ضغطها على المنظمات في جميع الميادين، وفي ظل الظروف المعقدة تعمل المنظمات جاهدة من أجل التحكم الجيد في المعلومات واستعمالها بالطريقة الذكية لتحسين جودة خدماتها، والعمل على معرفة البيئة التنافسية وآليات عملها، وتحسين وضعها وفقاً لتلك الظروف.

يمكن لأي منظمة عربية ترغب في أن تدخل ركب السباق الحضاري الفاعل وتحقيق نهضة تنموية شاملة أن تكون رائدة في مجال نشاطها من خلال أداة "اليقظة الاستراتيجية"، التي تعد الأحدث من أجل أساليب جديدة للوصول إلى المعلومة الاستراتيجية في ظل التحولات المتسارعة التي تتسم بالاضطراب والتعقيد وعدم التأكد لتحقيق أهداف محددة طويلة الأجل من الأنشطة التي تحتاج الإبداع، وذلك حتى يتمكن عنصر الاستراتيجية من تكوين رؤية فاعلة عن مستقبل متطور بمتغيراته التي لم تحدث بعد.

تلك هي أهم ملامح المتغيرات في عالمنا المعاصر والتي تمثل التحديات التي واجهت وما زالت تواجه منظماتنا في المستقبل، كما أن لها تأثير واضحاً على جميع السياسات والأنشطة المختلفة، وسوف تتوقف قدرة منظماتنا العربية في مواجهة أزمات وتحديات القرن الحادي والعشرين على مدى تبينها للسياسات التي تجعلها قادرة على مواجهة والتعامل مع هذه المتغيرات.

إن العمل بمنظومة أداة اليقظة الاستراتيجية يأخذ اهتماماً خاصاً على المستوى العالمي فيقصد باليقظة ذلك التصنت الدائم للتغيرات الحاصلة في جميع الميادين، قصد التصرف بشكل مسبق، فعوض على أن تقوم المؤسسة برد الفعل، فإنها هي التي تدفع إلى التغيير، بحيث تكون طرفاً فيه، من هنا أصبح لزاماً على المنظمات العربية مسايرة نسق التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصال الذي يشهد تطوراً متواصلاً ويهدف إلى ضمان ديمومة المنظمات ودعم قدرتها على مزاحمة المؤسسات الأجنبية التي تتميز بتنافسية متنامية. لقد أصبحت المنظمات العربية مدعوة إلى وضع آليات لليقظة الاستراتيجية تمكنها من استباق المؤشرات الخاصة بمحيطها بهدف اقتناص الفرص قبل المنافسين والاستثمار في الوقت المناسب واستقطاب الشركاء والمحافظة عليهم من خلال اكتساب تنافسية أكبر.

إن أداة اليقظة الاستراتيجية ترتكز على المعلومات الاستراتيجية، يعني كل الأفعال الهادفة للرصد المستمر، أو غير المستمر، مهما كانت درجة قوتها أو ضعفها القابلة لاحتوائها معلومات ذات معنى للمنظمة في ميدان استراتيجي معين، فهي أسلوب منظم، في الإدارة الاستراتيجية، تركز على إدارة المعلومات ودعم القرار من أجل تنمية وتطوير المنظمة وضمان بقائها، ويشمل مفهوم اليقظة الاستراتيجية تعبيراً شاملاً عن اليقظة والتي تتكون من عدة أنواع متكاملة تمثل اليقظة الشاملة على المحيط الكلي والجزئي للمنظمة، حيث تعطي اليقظة الاستراتيجية القدرة على التصرف بسرعة وفي الوقت المناسب مع أكبر قدر من الفعالية، وأقل قدر ممكن من الوسائل، مساهمة منها في تحقيق وتحسين تنافسيتها الدائمة.

وبالتالي فاليقظة الاستراتيجية تساعد على أخذ القرارات الاستراتيجية وعلى تنبؤ تهديدات العمل، والتحسن بمختلف تطورات القطاع وذلك على المدى الطويل والقصير، ومن أهداف اليقظة الاستراتيجية التعرف على المعلومات التي تخص متخذي القرار في المنظمة بعد تجميعها، وينبغي التفطن لمقوماتها والوفاء بها على نحو متكامل. ويقتضى وضع أداة اليقظة الاستراتيجية إنشاء ذكاء جماعي في المنظمة، ويعني الذكاء الجماعي وجود مجموعة من الأفراد، تقوم بملاحظات الإشارات في المحيط، اختيارها وتفعيلها ومقارنتها لإعطاءها معنى معين، والذي يمثل هدف العمل الجماعي حيث يكون بمقتضاه أعضاء المجموعة أو الفريق في اتصال وتفاعل في ظل كل الأشكال الملائمة، مع عدم تجاوز واحترام القواعد السلوكية لعمل المجموعة.

أيضا يجب النظر لمقوم آخر كإنشاء الإبداع حيث تتضمن اليقظة الاستراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص المعلومات تفسيرات إشارات الإنذار المبكرة والتي ترتبط بعنصر الإبداع، فالمعلومات المعنية التي هي بصدد التقصي عنها، لا تصف أياً من الأحداث والأعمال المنفذة سابق، ولكنها تسمح بصياغة الفرضيات وإنشاء رؤية تطوعية إرادية.

المقوم الأخير وهو التوقع يؤكد تعريف اليقظة الاستراتيجية عملية التوقع وكشف التغيرات، لاسيما الانقطاعات المحتملة، والتي يمكن أن تحدث في المحيط المرتبط بالمنظمة، فهي المعلومات التي تمتلك بنفسها على المميزات التنبؤية، بحيث يجب أن تقوم بالتزويد بالتوضيحات كإضافة عن المستقبل، وليس من المهم أن تعبر عن الماضي أو الحاضر. إن قيادة منظماتنا فشلت في إدارة الأزمات والتحديات الراهنة لأنها لم تعمل وفق منظومة اليقظة الاستراتيجية، فكلما كان هناك تنبؤ واستعمال لهذه الأداة الفعالة وفق استراتيجية فاعلة نستطيع تجنب الأزمات؛ لذا أصبح لزاماً على منظماتنا العربية تطبيق هذه الأداة وبشكل فوري منذ الآن، لأجل بيئة صحية متنامية وضمان ديمومة منظماتنا ودعم قدرتها في صنع القرارات الرشيدة.

 

Email: phd.fadi@gmail.com