ثمانية عشرة سنة مرت على اعتقال القيادي الفلسطيني، والذي لازال أسيرا في معتقلات الذل والعار للكيان الصهيوني، ليتحول لأيقونة النضال الفلسطينيK وأمسى اليوم رمزا من رموز حركة التحرر الوطني وأحد وجوه العدالة والحرية، هنا يتلمس الشاعر الفلسطيني المرموق لحظة أخرى لانبلاج صبح جديد، من خلال قصيدة ترى ضوء الحرية أقرب لذلك يخط الشاعر قصيدة مروان وهو يترجل من اعتقاله الى فضاء حر.

قصيدة مروان

المتوكل طه

 

حصانٌ ببضعةِ أجنحةٍ شكّلتهُ الغيومُ،

ولكنّهُ البرقُ يَصْهلُ في ظَهْرِهِ،

ثُمَ يَنثُرُه قَطراتٍ..

فيسّاقطُ الثلجُ فوقَ أَسيرٍ.. لم يرَ البَرْقَ،

قد يسمعُ الرّعدَ يقصفُ جُدرانَه، فيقومُ

ويمشي ثلاثاً ليبلغَ بابَ الحديدِ، وينظُر؛

لا شيءَ غيرُ صدى الماءِ.. مُنهمراً في الجدار.

هل كان طفلاً؟

متى؟

لقد هجّروا زَغبَ الطيرِ حين استباحوا الجبالَ،

فشبَّ سريعاً،

وراحَ يُجَنِّحُ في عُشّهِ قبل تلكَ القيودِ

التي جعلتهُ كبيراً،

وما كان إلّا فتىً للحقائبِ،

أو ينحني كي يخُطَّ على الجذعِ حرفينِ

فوقَ الِّلحاءِ،

لعلَّ التي خطفتْ قلبَه قد تمرُّ..

ولكنّه صارَ في قفصٍ خانقٍ،

حامضِ الرّيقِ،

لا شيءَ إلّا السلاسلُ والشَبْحُ والظمأُ الرملُ

والسنواتُ التي تنقضي كالغبار.

هل تزوّجَ؟

يذكرُ أنّ التي أيقَظَتهُ لها موجتانِ من البحرِ،

كان على ظَهرِها جدولٌ للسنابلِ..

يَذْكُرُ؛ حين رآها تَلَعْثَمَ!

فاحْمَرَّ وَجهُ الرّخامِ..

فكيف سينسى؛ جموعَ الفهودِ،

ورفَّ اليماماتِ

والنبعَ والصخرَ والأُمّهاتِ

وسربَ الغزالاتِ..

قد رقصتْ ذاتَ بَدْرٍ،على وَقْعِ نايٍ بعيدٍ،

أتى من جراحٍ مُعتّقةٍ في الجِرار.

هل أطفأوا الشمسَ؟

لا..

إنّها لم تَغِبْ كي تعودَ! ولكنّهم؛

نفَثوا غَبشَ السُّمِ،

أو نصبوا ألفَ مشنَقةٍ للشبابيكِ،

غطّوا بأثوابِ أُمِّ الخياناتِ إشراقَها العبقريَّ..

فَظلّوا رهائنَ عُرْيٍ وعَار.

***

منذ خمسٍ وعشرينَ يجلس مُنفرداً في الزَنازينِ،

يقرأُ ما خَلَّفتهُ الأصابعُ من دمِها

وهي تكتبُ تقويمَها المستحيلَ..

وثمةَ ما لا نراهُ من الرُّعبِ والهَلعِ البَربريِّ،

ولمّا تَشقّق قلبُ النبيِّ

الذي ثارَ مُنْحَفِراً في الشِّعار.

منذ خمسٍ وعشرين يكتبُ للناسِ أسفارَهُم للرّجوعِ،

كأنّ الذي خلفَ قُضبانِهِ ظلّ مُتّصِلاً بالبنفسجِ،

حتى يكونَ الوصولُ إلى وطنٍ؛

كلُّ ما فيهِ أقربُ من رَفَّةِ العينِ

أو نبضةٍ في الضلوعِ،

وأنَّ الذي راح يوماً سيرجعُ، ثانيةً،

كاملاً دونَ نقصٍ،

إلى أوّلِ العتباتِ، بكلِّ المفاتيحِ..

ثُمَّ تَذَكّرَ أنَّ السنينَ أتَتْ بالمَشِيبِ،

ولم يبقَ عُمْرَاً ليشهدَ عَودةَ ذاكَ القطار.

وأسألُ: هل يهرمُ البحرُ والأغنياتُ

أو الحُبُّ والصَلواتُ؟

وهل ترتخي الريحُ والعاصفاتُ؟

وهل تنطفي جَمْرةُ السّيلِ حين تُحَرِّقُ وادَ الظلامِ

وتنكسرُ الجارفاتُ؟

ربّما قد تَغَضَّنَ وَجهُكَ وابيَضَّ شَعرُكَ..

لكنّهُ القلبُ مثلُ المَجَرَّةِ

في الصدرِ، يحملُ أنوارَه للمدار.

 

***

سلاماً ليونسَ ذي النّونِ في بَطنِ حوتِ الحديد ،

سلاماً لأحمدَ يهتفُ من نارِهِ بالنشيد ،

سلاماً لأطفالِنا في القيود ،

سلاماً لِجَمْعِ الشيوخِ ، وللنسوةِ العارفاتِ

اللواتي نسجنَ البنودَ ، وأَلْقَيْنَ للغانِياتِ السِّوار .

***

ستخرجُ عمّا قريبٍ..

كأنّي أراكَ تُغَسِّلُ أسوارَ قلبي،

وتخطبُ في منبرِ الزّعفرانِ،

كما كنتَ تَخْطبُ في الوردِ

كي يكسرَالنَّصْلَ إنْ مَسَّ سَوسنَةً في الجوار.

هذا العذابُ سيصبحُ حُريّةً يا صديقي..

ومِن جوعِكم تصنعون الحياةَ،

ويولدُ حقلُ الشقائقِ، من دَمِكُم، للنهار.

وها قد تَوالَدتَ مع كلِّ طفلٍ ولونٍ،

وداليةٍ شَهَقتْ بالعناقيدِ؛

حمراءُ تقطرُ فوقَ الوسائدِ بالقَوسِ..

في كلِّ دار.

وها قد تناسختَ مع كلِّ نوّارةٍ في السفوحِ

تَزخُّ بِإكْليلِها المَريَميِّ..

إلى أنْ تظلَّ النوايا البريئةُ زاهرةً بالصغار.

وها قد تناسَلتَ في سَبَجِ الليلِ من عَسلِ الواجدينَ،

ومن نَرْجسِ الّلاهثينَ..

على الرّغمِ من شَبَحٍ ضَجّ خوفاً

بكفِّ الرّصاصِ..

وما زال مُرتَعِداً في الكِفار.

وها قد تكاثرتَ مع كلِّ صُبّارةٍ

أنشَبَتْ شَوكَها في مَمرِّ الغريبِ..

ليبقى الزُمُرّدُ مُتّقِداً بالأُوار.

وثمَّةَ مليونُ مروانَ يَبنونَ ساريةً فوقَ هذا الدمار.

وأنَّ سوادَ لياليكَ فَحمٌ تَوهّجَ في كلِّ موقدةٍ..

فانظروا كيف أنَّ البحارَ سترجعُ ثانيةً

من جديدٍ..

وتبعثُ أضواءَها للفنار.

 

شاعر من فلسطين