إصدار جديد لكاتب أردني نقترب من عوالمه السردية هنا، يلامس أحد الموضوعات والاشكالات الأكثر حساسية، موضوعة الزمن التي تهيمن بشكل لافت على السرد العربي في مختلف روافده وتجاربه، هنا قصص اردنية اختار كاتبها أن يتحدث بلسان السارد على الزمن وعنه.

عندما يتحدث لسان الزمن

 

كثيرة هي القصص الجميلة، التي تعبّر عن مواقف إنسانية متنوعة، قد تكون درامية مؤثرة، أو واقعية، أو ساخرة، أو حتى تخالط الخيال، نمر عنها ولا ندوّنها، فتضيع، ونخسرها.

الكاتب جميل قموه لم يتمنّ لو يكون للزمن لساناً حتى ينقل لنا تلك القصص، بل تحول هو إلى لسان حال الزمن فيحدثنا عن قصص عاشها وخبرها في الحياة في مجموعته القصصية الموسومة بـ" ليت للزمن لسانا" الصادرة مؤخرا.

يعبّر الكاتب عن رؤيته للقصص والحكايات التي تحدث كل يوم في المقدمة القصيرة التي كتبها لمجموعته القصصية، يقول: "وما يتقنه السارد أو الحكواتي من سرد وحكايات قد يلتقطها كاتب ويجعل منها رواية مكتوبة ومُحكمة بعد أن كانت تُتلى شفاهاً، والفرق في ذلك أن ما هو شفاهة قد ينتهي بزمن قصير ويزول، وما هو كتابة قد يدوم إلى أبد الدهور، والزمن ليس له لسان ليحكي لنا حكاياته المفرحة أو المحزنة، هم الكُتاب، الأدباء، الشعراء المُفكرون، المبدعون والمبتكرون هم مَن يُدونون تطورات وأحداث الزم"

تتضمن القصص أكثر من مستوى وشكل سردي، فنجد السرد التقريري:" هذا الالتزام يترتب عليه إعادة جدولة برنامج العائلة إلى حد ما، التزام لا مفر منه وإلا تخليت عن الناس والمجاملات وتخلى الناس عنك، بالمفهوم الشعبي، المسألة دَيْن وسداد"

والسرد الحكائي: " كانت ليلة ليلاء، فيها الفرح والطرب والكل يريد أن يتقرب من العريس وأهله، وأنا بطبعي لا أميل إلى المجاملات الزائدة عن حدها الطبيعي، فهي تتحول بقدرة قادر إلى حالة من النفاق، ولكن الكثيرين يُتقنون هذه الصنعة ويتفننون في تلقيط وتعظيم كلمات الفرح والمدح ويُشعِرون الناس بأنهم على ذات المستوى، وأنهم يُشكلون حالة واحدة مع أهل الفرح والقرب من العريس وأهل العريس، ويتطوع بعضهم إلى إطلاق الأعيرة النارية بالمسدسات والكلاشنكوفات، وما على الإنسان إلا القول: «الله يديم الفرح وربنا يستر».

أو" سعيد متزوج من بسمة، اسمان يفوحان برائحة الانشراح والسعادة، يغمران السامع لهما براحة البال والهناء، يقول البعض إن ما جمع هذين الاسمين وصاحبَيْهما لم يكن من توارد الصدف، فالكتاب يُقرأ من عنوانه، والسعادة عنوانهما، ولكن البعض الآخر يقول المثل الشعبي: «لا تحمد (لا تمدح) إلا أول بأول»، فتجارب الدهر لا تؤمِّن للزمن"

"والسرد الفني":" سار كل شيء على ما يرام، الابتسامات على الوجوه، الفرح معلق بين العيون، الزغاريد تلعلع وتندفع إلى الفضاء كاندفاع موجات البركة التي أسقط فيها صخرة كبيرة، والشباب والصبايا يُبدون حيوية متناهية في الغناء والرقص، أصوات النساء منغومة، ناعمة، ثرية، قوة الإيقاع تطغى على كل الأصوات، إيقاعات قديمة تغلبت على الحديثة والحداثة، دافعة به إلى ماضٍ يستحيل استعادته، لا أحد يتكلم مع الآخر، لا يسمعه أحد حتى لو تكلم. انساقت العيون والآذان إلى مَن يغنون ويتراقصون ومَن يصفق لهم بعد كل وجبة، طلقات الرصاص تصم الآذان ولكن لا أحد يعترض، بل علامات الفرح تبدو على الوجوه بابتسامات عريضة وخاصة بعد أن يتلو ذلك زغرودة من صَبية مكتنزة تعطي الزغرودة حقها من القوة والاندفاع، تنطلق بعدها كلمات الإعجاب بالمزغرداتية، وفي الأفراح توجه للمزغرتاية (من زغروتة) دعوة خاصة، فلها قيمة إضافية ومعاملة خاصة من أهل الفرح على بقية المدعوين.".

ومما هو ملفت في قصص جميل قموه هو كثر استخدامه للأمثال الشعبية والعبارات الدارجة، وأحيانا كثيرة يلجأ إلى الحوار باللهجة المحكية، نوعا من التأكيد على أن هذه القصص إن هي إلا قصص من الواقع، وتنتمي للبيئة الأردنية بالتحديد، وأنها ليست من نسج الخيال. بمعنى أنه يود أن يعطيها بعدا واقعيا أكثر. ففي قصة واحدة نجد هذا الكم من الأمثال الشعبية والتعابير الدارجة:"يا مستعجل وقف لأقلك"، رب يسر ولا تعسر، دربك خضرا، مهره اخاك لا بطل، ما اقبان إلى جهتي،مطول باله على الأخير، حيطه واطي، إنسان هني، الماعون الواسع، أنت ملبس على لوز، شايف حاله، علّي كتافك، يتهبّل علي، الناس تتبهور..."

وهذا ما يعطي الحكايات بعدا شعبيا إضافيا، وقد يكون المثل موحيا للقصة، فالمثل الشعبي" لابس اللي على الحبل، بس أعور" الذي ختم به الكاتب قصته المطولة" مواجهة غير سارة"، قد يكون هو ما أوحى للكاتب قصته، التي تدور عن مفارقة ساخرة عن رجل يذهب إلى حفل زفاف رضوخًا لرغبات الأسرة، وتحت ضغط الاستعجال، ليكتشف أن أناقته التي كان يعتد بها كانت ناقصة، مثيرة للضحك، إذ كان ينتعل فردتي حذاء مختلفتين.

ونجد لدى الكاتب بعض أشكال المثاقفة مع التراث فهو يقول مثلا مثل : وقادونا كما يقاد قطيع الغنم بالحمار والمارع، فالمارع هو الكبش الذي يقود قطيع الغنمن، لكن قلة من الناس التي تعرف هذا الاسم اليوم. والمثاقفة مع التراث العربي، كأن يستخدم أبياتا شعرية:

ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا

 

فنجهلُ فوقَ جهلِ الجاهلينا


 

 

 

يذكر أن الكاتب من مواليد مدينة السلط /الأردن، حصل على شهادة الليسانس في القانون من جامعة دمشق سنة 1969، عمل مديرا لمديرية الاستثمار في وزارة الصناعة والتجارة، ثم مديرا لمديرية التجارة، فمستشارا تجاريا في السفارة الأردنية بالقاهرة، ومديرا للمركز التجاري الأردني فيها. وهو عضو نقابة المحامين، وكان محميا مزاولا في الفترة (1997-2017)، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وله عدد من المؤلفات الأدبية وغير الأدبية، منها: "الطيبون والأشرار"، مجموعة قصصية، 2014، و"تجارب الزمن"، مجموعة قصص وخواطر، 2014، و"مفاتيح صغيرة لمواضيع كبيرة"، قصص وخواطر، 2015، و"أوراق رجل مغمور"، رواية، 2015، و"آراء وتوجهات حرة"، مجموعة مقالات في السياسة والاقتصاد والإدارة، 2017، و"فلسفة خارج الإطار"، فكر، الآن ناشرون وموزعون، 2019، و"مبادئ الاستثمار وتطبيقاته"، الآن ناشرون وموزعون، 2019.