بحضور أكثر من سبعين مشاركاً ما بين خبراء ومهتمين، احتضنت البحرين ملتقى وطني أول للتراث الثقافي الغير المادي، وهو الذي أضحى يعرف اهتماما متزايدا من لدن العديد من الدول والهيئات العربية والدولية، ويشكل رهان المحافظة عليه وتوثيقه وجمعه وطبعه، أحد أكبر التحديات المطروحة، هنا تقرير عن أشغال الملتقى وأهم خلاصاته وتوصياته.

الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي

 

انطلقت صباح الأحد، الموافق 22 سبتمبر 2019م، أعمال الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي وذلك في متحف البحرين الوطني بحضور سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار، الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة الآثار والمتاحف بهيئة الثقافة والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة مدير إدارة التراث الوطني بالهيئة، إضافة إلى تواجد عدد من الخبراء في مجال التراث الثقافي غير المادي والباحثين والعاملين في هذا المجال والمهتمين وصل عددهم إلى أكثر من سبعين. وتنظّم هيئة البحرين للثقافة والآثار الملتقى على مدى يومين متتالين، حيث يختتم الملتقى أعماله يوم الاثنين الموافق 23 من الشهر الجاري.

وفي كلمتها خلال افتتاح توجّهت سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة بالشكر إلى كافة المساهمين في إنجاح الملتقى، شاكرة بالأخص حرص واهتمام معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار بهذا الجانب من التراث الثقافي البحريني غير المادي.

وأشارت سعادة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة إلى أن ملتقى التراث الثقافي غير المادي سيطرح العديد من القضايا القيّمة المتعلقة بالتراث الثقافي غير المادي، مؤكدة أن هذا الإرث الإنساني جزء أساسي من هوية مملكة البحرين وثقافتها الغنية والعريقة.

وأوضحت أن الملتقى سيلقي الضوء على عناصر هامة من التراث الثقافي غير المادي في البحرين كالقصص الشعبية، الخيل الطعام التقليدي والفنون الشعبية كغناء الفجري المشهور، مؤكدة أنه من واجب الجميع الحفاظ على هذه العناصر، بمشاركة كافة أفراد المجتمع والجهات المعنية، وضمن خطّة وطنية واستراتيجية تقوم عليها هيئة البحرين للثقافة والآثار

وفي السياق ذاته، قدّم الدكتور منير بوشناقي مستشار التراث العالمي بهيئة البحرين للثقافة والآثار مداخلة عبر الفيديو توجه خلالها بالشكر إلى معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وفريق هيئة البحرين للثقافة والآثار على تنظيم هذا الملتقى الخاص بحماية التراث الثقافي غير المادي في البحرين، معرباً عن أمله أن يتوسّع الملتقى في نسخه القادمة ليشمل المنطقة العربية.

وقدّم الدكتور بوشناقي سرداً تاريخياً لتطوّر الجهود العالمية في حماية التراث الثقافي غير المادي منذ اتفاقية حماية التراث العالمي لعام 1972م وحتى عام 2006م، الذي تم خلاله إقرار "اتفاقية 2003م" الخاصة بحماية التراث الثقافي غير المادي رسمياً، حيث أشار إلى أن هذه الجهود بدأت عام 1973م بطلب من ممثل بوليفيا بأن تتضمن اتفاقية 1972م فقرة حول حماية الفلكلور أو الثقافة الشعبية. ومنذ ذلك الحين بدأت منظمة اليونيسكو بالعمل مع شركائها على دراسة إمكانية حماية الفلكلور بطرق أكثر قانونية لتنتج أول وثيقة رسمية حول حماية الثقافة الشعبية عام 1989م. وعام 1999م، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيات اليونيسكو وطالبت بتنفيذ الإجراءات اللازمة لوضع نص قانون إجباري للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، لتصدر بعد ذلك بثلاث سنوات اتفاقية عام 2003م ويتم اعتمادها عام 2006م. وقال الدكتور منير بوشناقي إنه ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، وقعت على الاتفاقية 178 دولة وتم تسجيل 508 عنصر وطني تراثي غير مادي في القائمة المتعرف بها، متواجدة في 122 دولة.

ويأتي هذا الملتقى في ظل تصاعد أهمية زيادة الوعي لدى الباحثين والمهتمين في مجال التراث باتفاقية منظمة اليونيسكو لعام 2003م، والخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي، حيث صادقت مملكة البحرين على هذه الاتفاقية. وتشّكل اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي آلية دولية فعالة لصون وترويج التراث الثقافي البحريني، كجزء من جهود هيئة الثقافة لاستيفاء التزامات البحرين تجاه الاتفاقيات الدولية لدى اليونيسكو.

وفي هذا السّياق، قدّم الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة عرضاً حول اتفاقية اليونيسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي لعام 2003م، حيث أشار إلى أن البحرين وقعّت على هذه الاتفاقية وتمكنت من الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. وأوضح الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة أن تسجيل التراث غير المادي على قائمة منظمة اليونيسكو يعد جزءاً مهماً من الاتفاقية بالإضافة الى الآليات الاخرى لصون التراث، مؤكداً أن هيئة الثقافة تعمل على تنفيذ جرد وطني وتكوين سجل وطني يشارك في إعداده الخبراء والمهتمون، ويشمل عناصر تراثية وطنية مناسبة لاشتراطات الاتفاقية.

وتناول الملتقى في يومه الأول عنصرين من العناصر الوطنية البحرينية للتراث الثقافي غير المادي، حيث البداية كانت مع "الخيل العربية" التي تُصنّف ضمن "المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون". وقال الشيخ أحمد بن صقر آل خليفة المقدّم الركن قائد سرية المراسم والخيالة بالحرس الملكي في مداخلته إن الخيل العربية تشكل عنصراً جمالياً مهماً في التراث العربي بشكل عام، مشيراً إلى أن البحرين تفتخر بعملها على المحافظة على هذا العنصر التراثي غير المادي. وأوضح الشيخ خليفة بن صقر آل خليفة أن المملكة تمتلك واحداً من أفضل أصناف الخيل العربية، مضيفاً أن موقع البحرين الجغرافي وثرواتها الطبيعية ساهمت في توفير بيئة ملائمة لتكاثر الخيل والحفاظ عليها.

وبدوره قال الدكتور خالد أحمد محمد حسن وكيل وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني للثروة الحيوانية ومدير الاسطبلات الملكية إنه من المهم تسليط الضوء على الخيل العربية كموروث حضاري يجب الاهتمام به وتعريف الأجيال القادمة بطبيعته وتفاصيله. وحول الحفاظ على الخيل العربية البحرينية، قال الدكتور حسن إن البحرين تمتلك حاليا ما يتجاوز 700 جواد أصيل، مؤكداً أن الحفاظ على الإرث الثقافي جاء بتوجيهات من القيادة الرشيدة لمملكة البحرين، حيث تم إنشاء اسطبلات ومنشآت خاصة بالخيل وتوظيف القدرات المحلية والعالمية من أجل التعامل مع الخيل وإنتاجها بأفضل طريقة.

أما العنصر الوطني الثاني من عناصر التراث الثقافي غير المادي والتي تناولها الملتقى فكانت "القصص الشعبية" التي تعد أحد أبرز التقاليد الثقافية البحرينية وواحدة من أشكال التعبير الشفهي الأكثر إبداعاً وتُصنف ضمن "التقاليد وأشكال التعبير الشفهي". وتناولت الدكتورة ضياء الكعبي أستاذ مساعد السرديات والنقد الأدبي الحديث بكلية الآداب بجامعة البحرين "القصص الشعبية"، حيث أشارت إلى أن الحكاية الشعبية تعد نوعاً سردياً شفاهياً أنتجته الذاكرة الجمعية للأمم بهدف تطوير فهم أفضل للكون والأنظمة الثقافية الحاكمة للمجتمع، موضحة أن الحكاية الشعبية لم تتبناها الشعوب من أجل التسلية فقط في عصر لم تكن فيه وسائل حديثة للتواصل والترفيه، بل هي جزء هام من الثقافة العامة وتستمد منها الشعوب قوتها وفقدانها قد يؤثر على الجذور الأصيلة للمجتمعات.

وحول الحكايات الشعبية في مملكة البحرين، قالت الدكتورة الكعبي إن المملكة تتميز بتعدد بيئاتها الجغرافية وتنوع عمرانها ونسيجها السكاني، والذي أثمر عن نتاج سردي شفاهي متنوع وغني. وأضافت أن ماضي الحكايات الشعبية البحرينية لم يرتبط بموسم أو طبقة معينة في المجتمع على غرار المجتمعات الأخرى حول العالم، بل كان السرد نشاطاً جماعياً مارسته مختلف الطبقات في مختلف الأوقات، موضحة أن النشاط السردي ما زال يمارس اليوم في مناطق مختلفة من البحرين كالرفاع، المنامة، المحرّق سترة وغيرها.

وأوضحت الدكتورة ضياء الكعبي أن الحكاية الشعبية تمتعت بإقبال كبير في البحرين، إلا أنها انتشارها تأثر بفعل ظهور وسائل الاتصال والترفيه الحديثة. وأضافت أن للبحرين خصوصيتها في الحكايات الشعبية، رغم أن بعض هذه الحكايات قد تمتلك أصولاً عالمية، ولكن الخصوصية المحلية تتمثل في المفردات والشخصيات والبيئات.

  • واقع الحكاية الشعبية اليوم، قالت الدكتورة ضياء الكعبي إنه توجد في البحرين جهود فردية ومؤسساتية للحفاظ عليها، مشيرة إلى أن الجهود الفردية انطلقت منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم. وأوضحت أن من بين أبرز أشكال الجهود الجماعية للحفاظ على الإرث الثقافي البحريني في مجال الحكايات الشعبية، كان مشروع "الحكايات الشعبية البحرينية ألف حكاية وحكاية مشروع جمع وتدوين ميداني" والذي وثّق الحكاية الشعبية المحلية باللهجة البحرينية، واستغرقت مدة جمعه حوالي عشر سنوات.

ويلقي الملتقى الضوء على عناصر من التراث الثقافي البحريني غير المادي والقابلة للإدراج على القائمة التمثيلية، وسيتم تناولها بهدف التعريف بها وإعطاء المجال للنقاش من قبل المهتمين والمختصين حول سبل صونها، الترويج لها وإدراجها على القائمة التمثيلية لليونيسكو. وإضافة إلى جانبه البحثي العلمي، فإن فعاليات الملتقى لن تقتصر على ندوات وجلسات متحف البحرين الوطني، بل يتضمن برنامجه جولات ميدانية وعروض مباشرة.

من الجدير ذكره أن اتفاقية عام 2003م تهدف إلى صون التراث الثقافي غير المادي تماشياً مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتلبية لمقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات وتشجيع عملية التنمية المستدامة. وعلى الصعيد الوطني، فإن الاتفاقية تدعو إلى صون التراث الثقافي غير المادي الموجود في أراضي الدولة الطرف، كما تطلب من كل دولة طرف تحديد وتعريف هذا التراث بمشاركة الجماعات والمجموعات والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة.