لا شك أن تجربة الثورة السودانية التي لاتزال تخط طريقها الصعب وسط حقول الألغام الداخلية والخارجية يحظى باهتمام كل مثقف يروم التقدم للسودان، ولبقية دول الجوار التي انهالت الثورة المضادة على ثوراتها بقسوة وحشية. هنا يقدم الباحث السوداني قراءة تستهدف التقدم، ولكنها لا تهمل علامة الاستفهام المقلقة.

السودان على طريق التقدم؟

إسحق ديوان

تقديم ومراجعة حامد فضل الله

 

كاتب هذا المقال إسحق ديوان، أستاذ الاقتصاد الاجتماعي للعالم العربي بجامعة باريس البحثية للعلوم والآداب. والنسخة الاصلية صدرت باللغة الفرنسية، وقام ستيفن فوغل بترجمته إلى الألمانية ونشر في المجلة الشهرية "أوراق في السياسة الالمانية والدولية"، وتمت المراجعة من النص الالماني.

أدت في السودان، أول حكومة مدنية منذ ثلاثين عاماً، اليمين الدستورية في 8 سبتمبر 2019. سوف تشرف الحكومة التكنوقراطية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك على تقاسم السلطة الذي تم التفاوض عليه بين الجيش والحركة الديمقراطية. وكما تم التخطيط للانتخابات لعام 2022. والسؤال هو: هل لا تزال الفصائل داخل الجيش أو المعارضة الإسلاموية أو مجموعات المتمردين المختلفة تعوق الانتقال إلى الديمقراطية؟

حاليا، السودان هو البلد العربي الوحيد إلى جانب تونس حيث يوجد تقدم حقيقي نحو الديمقراطية. سوف تبقى الثورة السودانية، التي بدأت في ديسمبر 2018، في ذاكرة المشاركين، لمثابرتها وشجاعتها وتنظيمها اللافت للنظر. لقد تعلمت الحركة الديمقراطية في السودان من الفشل في مصر، حيث أعقبت الثورة عودة الاستبداد في شكل أكثر قسوة. لذلك، لم تطالب الحركة الديمقراطية، الجيش بالتخلي عن السلطة فحسب، بل طالبت أيضاً بوقت كاف لتنظيم المرحلة الانتقالية. كان عليها تقديم تنازلات: خلال المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية، سيحكم الجيش ويعقبه في عام 2022 حكومة مدنية منتخبة.

ومع ذلك، سيطر مزاج مبتهج وعاصف، منذ تشكيل الحكومة الجديدة في العاصمة الخرطوم. يقدم الوزراء مقترحات جديدة، ويصل الدبلوماسيون الأجانب، واستبدل التلفزيون برامج كرة القدم بالبرامج السياسية الحوارية. بالإضافة إلى ذلك، هناك محادثات أولية مع المتمردين وتم حظر الأحزاب الإسلاموية - أحدي الدعائم الأساسية للنظام القديم. تتنافس مجموعات المجتمع المدني والجنرالات على الدعم العام، حتى قوات الدعم السريع شبه العسكرية، سيئة السمعة تحاول تحسين صورتها.

على المدى المتوسط، هناك ثلاث قضايا رئيسية مدرجة في جدول الأعمال:

أولا: يتطلب الدستور الانتقالي من الحكومة التفاوض على اتفاقات السلام الإقليمية خلال الأشهر الستة المقبلة. وهذا سيجعل نظام البلاد أكثر ديمقراطية وليبرالية. ولكن يجب أن تكون القيادة الجديدة أيضًا مستعدة لأي اتفاق إقليمي يؤدي إلى التزامات سياسية ومؤسسية ومالية إضافية.

ثانياً: يجب على الحكومة إصلاح الجهاز الأمني. وأن تنشئ جيشًا احترافيًا وشاملًا والتقليل من قوة جهاز المخابرات، ولكن قبل كل شيء كبح قوات الدعم السريع، ودمج قوات المتمردين وأخيرا تخفيض الميزانية.

وثالثا: يجب على الحكومة إحياء الاقتصاد، الذي يحتاج إلى الدعم الخارجي العاجل. نظرًا لأنه لا يمكن تخفيض عبء الديون إلا في غضون عام إلى عامين، فإن أموال مجلس التعاون الخليجي سوف تلعب دورًا رئيسيًا في المرحلة الانتقالية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على مجلس الوزراء تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتحسين الخدمات العامة وتعزيز القطاع الخاص.

لا تزال المشاكل الاقتصادية في السودان مخيفة. لقد تخلفت البلاد تقريبًا عن الاستقلال الاقتصادي: تمثل الواردات 10% والصادرات 6% فقط من إجمالي الناتج المحلي. في ظل حكم الرئيس عمر البشير، الذي أطيح به في أبريل، سقطت المؤسسات العامة والخاصة، في حين أن الحكام المحليين يمولون الميليشيات المسنودة من الدولة - من عائدات أنشطة غير مشروعة، مثل مناجم الذهب غير المصرح بها والتهريب. وفقًا لوزارة المالية، فإن إجمالي الاستثمار يمثل اليوم 8٪ فقط من إجمالي الناتج المحلي. كما انخفض في عام 2018 الإنفاق العام إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي.

من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، يجب على الحكومة إعادة تنظيم الأسواق المحلية الاحتكارية وتحرير الدعم على الإنفاق العام. وفي الوقت نفسه، يجب على مجلس الوزراء أن يكون مدركًا لرأسماله السياسي الشحيح. فإن الحاجة الملحة لهذه الإصلاحات، سوف تكون الأكثر إثارة للجدل، لأنها تتعارض مع مصالح الجيش.

مثل هذه القيود السياسية ستعيق حتما النمو الاقتصادي. ولكن طالما أن الكعكة تنمو بشكل عام، فإن السودان سوف يحقق تقدما. إن تحسين الأمن وانخفاض عدم اليقين السياسي، سيعززان، خاصة في البداية النشاط الاقتصادي من خلال خفض التكاليف والالتزامات. وهذا ينبغي أن يؤدي إلى النمو لمواجهة المطالب المكبوتة في البلاد. تنفتح الآن بالفعل العديد من الفرص الجديدة. فيمكن لرجال الأعمال السودانيين الوصول إلى المغتربين الأثرياء، ومع تغير أولويات الميزانية، يمكن للحركات الاجتماعية أن تطالب بخدمات عامة جديدة. وكذلك بالمثل، يتم تشجيع المانحين الدوليين على تحويل تركيزهم من المساعدات الإنسانية إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

سيكون من المفيد، تمشيا مع البرنامج الاقتصادي المصري لعام 2016، تخفيض أسعار الصرف لجذب التحويلات الأجنبية. في الوقت نفسه، يجب اتخاذ تدابير ضد التهريب ورفع إيرادات الضرائب. كما يمكن أن يحل برنامج الضمان الاجتماعي محل نظام الدعم غير الفعال.

إذا تحقق الاستقرار الاقتصادي، فسوف تكون حتى المشكلات العميقة الجذور، أسهل على الحل. لأن الإيرادات المتزايدة سوف تسمح لتمويل الخدمة المدنية والعسكرية. وسوق وطنية أكثر انفتاحا، وتشابكاً وتنافساً، سوف تكون قادرة على مواجهة الاحتكارات المحلية. هناك الكثير على المحك، ليس بالنسبة للسودان فحسب، بل بالنسبة للمنطقة بأسرها، لذا تمارس الأمم المتحدة وأجزاء أخرى من المجتمع الدولي الضغط السياسي من الخارج، لدفع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر إلى دعم الحل الديمقراطي. كما التزمت مجموعة من أصدقاء السودان من دول ومؤسسات أوروبية وعربية وإفريقية وأمريكا الشمالية بالتعاون السياسي والمالي، من أجل منع أي نوع من الحرب بالوكالة التي دمرت ليبيا وسوريا واليمن. وسيكون من المهم أن تقوم الولايات الامريكية المتحدة على حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. عندها ستتمكن البلاد من الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية ويمكنها بذلك تسريع تخفيض الديون.

يواجه السودان الفرصة الفريدة لإقامة ديمقراطية تمثيلية. وتأمل الحكومة الانتقالية الآن في أن تتمكن من إطلاق دوامة تصاعدية من التقدم والإصلاحات. وتحتاج البلاد إلى كل المساعدات التي يمكنها الحصول عليها - ولكن في النهاية، سيعتمد النجاح على ثبات الحركة الديمقراطية. وفي ضوء التاريخ الحديث هذا يعني: هناك سبب للأمل.

 

جاء مقال إسحق ديوان مكثفاً وفي شكل عمود، وبالرغم من ذلك لامس الكثير من القضايا العويصة والمزمنة في السودان.

عندما يقول الكاتب "خلال المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية، سيحكم الجيش ويعقبه في عام 2022 حكومة مدنية منتخبة". لم ينتبه الكاتب، بأن المجلس السيادي يتكون من عسكريين ومدنيين مع غلبة المدنيين، ربما كان يقصد بأن رئاسة المجلس حاليا بيد العسكريين. كما أن الجيش الوطني السوداني، بالرغم من مشاركته في حرب الجنوب ودارفور، لا يزال يتمتع بسمعة حسنة نسبياً بين أوساط الشعب.

أما قوله "سيكون من المفيد، تمشيا مع البرنامج الاقتصادي المصري لعام 2016، تخفيض أسعار الصرف لجذب التحويلات الأجنبية". فسوف تكون لهذا الإجراء الكثير من العواقب السلبية: ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الداخل وانخفاض القوة الشرائية للجنية السوداني، مما سيؤثر سلباً على حياة ومعيشة الغالبية العظمى من بنات وأبناء شعب السودان، لاسيما الكادحين والفقراء منهم.

يعيش السودان، بعد ثلاثين عاماً من الخراب والفساد وحكم الفرد وغياب الديمقراطية، وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وبيئياً وعسكرياً في غاية التخلف والتشوه والتعقيد، لهذا، نحن نرحب بكل الاقتراحات التي يقدمها الأصدقاء بالخارج، ومهمتنا اختيار ما يناسب أوضاعنا المحلية، من أجل السير في طريق التنمية الاقتصادية والبشرية وتحقيق التقدم وبناء السودان الحديث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 Ishac Diwan, der Sudan Im Aufschwung, Blätter für deutsche und internationale Politik, Nr. 10. 2019.