يصور القاص المصري حكاية شعبية متكررة في ثقافات شعوب العالم عن الغدر من إنسان أنقذته وحميته وأطعمته وربيته وجعلت منه نديما وشريكاً فيطمع في حذفك ليستولي على كل شيء في نصٍ قصير مكثف تتابع بالصور الشعرية والأفكار وسم الحكاية.

مقامة الرقصة الأخيرة

 

ملحوظة قبل القراءة...

إلى جلِّ منْ يملك أمره ، آثر السلامة دائماً ولا تُعرّض نفسك لاختيار مآله "أكون أو لا أكون".

وجدّتها في كهف من كهوف الجبال وأنا أعبر الصحراء ، طفلة شعثاء ، وثيابها العراء ، وملامح وجهها متوحشة ولكنّها تختفى خلف ثوب من بسمات حرباء ، لكنّى ظننته من وحشة البيداء ، وطول المقام وسط الوحوش والظلمات.

أو لعلها تجنّستْ ببيئة من حولها واختفتْ بشريتها خلف قصبان الفيافى المكفرة ، فأردتُ أنا... إطلاق الإنسان .

فبسطتُّ يدي أغيث .

فوجدتها خائفة أو كأنها تفكر في شيء ما ، فاستنفرتها على بسط يدها ، وأركبتها مطيتى ومضينا.

أدخلتها قصرى .

أمضتْ أحلام طفولتها و ريعان شبابها تحت رعايتي وحاشيتي .

لا أنسى يوم قفزها على خدّى وأنا نائم مذْ كانت طفلة .

ولا أنسى ظهري الذى حملها فكانت فارساً يلهو بفرسه مذ كانت طفلة .

ولا زمهرير الشتاء الذى فيه خلعتُ ثوبي وألبسته إيّاها ، وأوقدتُ النار لها لتستدفئ وكاد وجهى يحترق دونها ، وكانت ثورتي أشدّ اشتعالاً لرعايتها .

فكان خدّى بساطًا .

وراحة يدى لها عطاءاً .

وظهري لها لهواً وقاءًا .

وخدم وحاشيتي لها أرقاءً .

ومن قبل مطيتي لها من الصحراء سفينة نجاة وإمضاءً .

فشبتْ تحت رعايتي فقررتُ الزواج وإقامة العرْس .

مضى العرس وذهبتُ معها للعرس الأكبر في قصرى وهو عُرس الرقْص .

طقوس الرقص..

رقصتُ لها وفى يدى كأس السكْر.

وبينما أنا غارق بين الرقص والسكر تراءتْ أمامي مشاهدًا من عقارب الحفن والدعْب.

هو من السحْر؟

لا أدرى ولكنى قلتُ أنه من هلوسة السكر.

آخذ بيدها تارة وأدعها تارة وأنا ألف وأدور بالكأس.

أتمايل يمينًا ويسارًا وأقفز ثم أهبط لا أبغى نشوى ولكن نشوها هي.

قبل أن أطلق روحي في روحها ودمى بدمها على الفراش الوثير .

كمْ أنا مشتاق لانفلات نفسى في لذيذ من متعة الجسد والروح على الفراش الوثير .

تقاربنا راقصيْن ، فلما قبّلتها في روح شفتيها شعرتُ بمسٍّ في وريد قلبي فرقص جذلاناً.

مددتُ يدى إلى يدها فكانتْ كأنها غيثٌ من لجج البحار .

ممسك يدها وأدور، وكأس الطّلى في يدى وظللتُ أدور ، وأنا أستقرأ ملامح الطفولة التي عشتها بين البساتين عندما كنتُ ألهو مع أمي فأدور حول السواقي وأمي من خلفي ضاحكة تدور . لكنها ولّتْ أو ضاعت .

فلما تركتها ودرتُ حولها نشواناً ، تذكرتُ حمايتي لها من وحوش الصحراء وكنتُ جذلاناً .

كنت أراقصها وأطربها .

وأسقيها الكأس وأقبلها .

وأدنيها وأحبوها .

ثم أخذتُ التاج وناولتها .

ومالي كاتبتها .

وطيلساني وطيْلستها .

وصولجان الملك على كتفيها وضعتها.

وكنت قاب قوسين أو أدنى.

من انتهاء الطقوس العُلى .

 

المشهد الأخير ......

وانغرس في ظهري خنجر الغدر .

غدرتْ لأنها تريد فردًا الملكَ .

وسال دمي ، دم الغزال بعد المنح.

وامتلأت الدنيا دمًا.

سنة الكون في الخلق سرتْ .

وتوحش الناس على أعتاب الملك ونسوا الحشر والبلى .

وقفزوا وغدروا وسرقوا ونهبوا وتكبروا ونسوا يوم اللقا..