تجدد لقاء البحرين مع مهرجانها الدولي للموسيقى، واختارت الدورة الأخيرة الاحتفاء بأحد الالوان الموسيقية التراثية والتي تعبر عن الغنى الثقافي اللامادي، في ظل الاهتمام المتزايد اليوم بهذه الأنماط والتي أمست مهددة بالانمحاء، مع دخول العالم للألفية الجديدة، المهرجان الذي احتضن العديد من الفقرات واللقاءات والعروض، هنا تقرير يقربنا من أهم فعالياته.

خلال حفل احتفى بفن الفجري

مهرجان البحرين الدولي للموسيقى

 

خلال حفل احتفى بفن الفجري،

مهرجان البحرين الدولي للموسيقى يسدل الستار

على فعاليات نسخته الثامنة والعشرين في دار المحرق

 

استضافت دار المحرق، بمدينة المحرّق القديمة، أخر فعاليات النسخة الثامنة والعشرين من مهرجان البحرين الدولي للموسيقى، إذ قدمت أمسية فنون شعبية تضمنت عرضاً مباشراً لفرقة شباب الحد، وذلك مساء اليوم السبت، 26 أكتوبر الجاري، بحضور عدد من روّاد الحراك الثقافي في البحرين ومحبي الفنون الشعبية.

واحتفت فرقة شباب الحد بفن الفجري الذي يعد أحد العناصر التراثية غير المادية لمملكة البحرين والمرتبطة بمهنة صيد وتجارة اللؤلؤ، وذلك عبر أداء موسيقي وجسدي ممتع ومميز. وقدّمت الأمسية عرضاً لمجموعة من أنماط فن الفجري، آخذة الجمهور في رحلة لاكتشاف جمال هذا الإرث الموسيقي البحريني، الذي يعد من أهم الألوان الموسيقية التي مارستها طواقم سفن صيد اللؤلؤ، والأكثر شعبية على الإطلاق.

وبحسب المصادر الثقافية في مملكة البحرين، فإن فن الفجري مرتبط بأساطير شعبية تفسّر أصله ونأشته، حيث تروي الحكاية قصة ثلاثة أصدقاء سمعوا غناءً غريباً يصدرُ من مسجد في رأس أبو صبح ذات مساء، وعندما دخلوا ليروا مصدر الصوت، وجدوا مجموعة من الجان الذين وافقوا على تعليمهم هذا الغناء بشرط ألا يكشفوها لأي كائن كان، وقد حافظ الثلاثة على سرهم المشترك، بيد أنهُ وبعد رحيل اثنين منهم، أحس الثالث بأنهُ سيحلق بصاحبيه، فقرر إفشاء السر وتعليم الفن لمن حوله، حيث بدأ هذا الفن السحري في الانتشار وما يزال باقياً حتى يومنا هذا.

هذا وكان مهرجان البحرين الدولي للموسيقى في نسخته الثامنة والعشرين قد جاء ضمن برنامج هيئة البحرين للثقافة والآثار للاحتفاء بالمنجزات الثقافية والحضارية لمملكة البحرين بشعار "من يوبيل إلى آخر"، حيث قدم على مدى أيامه، منذ 19 أكتوبر 2019م، توليفة موسيقية تراوحت ما بين الموسيقى الكلاسيكية، والروك، والبوب والموسيقى البحرينية التقليدية العريقة، والتي قدمتها فرق قادمة من مختلف أنحاء العالم، هذا إضافة إلى تنظيم ورش العمل المرتبطة بالموسيقى.

وتتوجه هيئة الثقافة بالشكر إلى كل من السفارة الفرنسية، والسفارة الألمانية، والسفارة المصرية لدى مملكة البحرين لمشاركتها في إثراء برنامج هذه النسخة من المهرجان.

وانطلق المهرجان في أول أيامه، يوم 19 أكتوبر، بأمسيةً موسيقيةً كلاسيكيةً بعنوان "100% موزارت"، قدمتها "فرقة لاموروه" لأوركسترا الحجرة على خشبة "مسرح البحرين الوطني"، إذ تعدُ هذه الفرقة القادمة من فرنسا واحدةً من أعرق وأقدم فرق الأوركسترا الفرنسية.

ومنذُ اليوم الثاني، 20 أكتوبر، وحتى اليوم ما قبل الأخير من أيام المهرجان، انحصرت الفعاليات على خشبة مسرح "الصالة الثقافية"، بدءاً بحفل الفنان البحريني مو زويد الذي أحيى حفلاً احتفى بموسيقى الـ "إندي فولك". تلتهُ في اليوم الثالث، 22 أكتوبر، "فرقة كونتراست" الفرنسية، التي قدمت بالتعاون مع السفارة الفرنسية لدى البحرين تشكيلة واسعة من الأنماط الغنائية والموسيقية تحت عنوان "روائع موسيقية من باريس لبرودواي"، حيث تضمن الحفل الموسيقى الكلاسيكية، وموسيقى التانغو، والجاز، بالإضافة للكوميديا الموسيقية، وأنواع أخرى تتميزُ الفرقة بأدائها.

فيما شهد اليوم الرابع من المهرجان، 23 أكتوبر، حفلاً لـ "فرقة تريبتو" الألمانية بالتعاون مع السفارة الألمانية لدى البحرين، والتي أحيت حفلاً أصيلاً باللغة الألمانية، مستحضرةً للجمهور في المملكة موسيقى البوب، والروك، والموسيقى البديلة والمستقبلية.

في اليوم الخامس، 24 أكتوبر، أحيت الفنانة اللبنانية دالين جبور حفلاً من الطرب العربي الأصيل، بمشاركة نخبة من المحترفين الموسيقيين الذي يملكون الموهبة والاحترافية لعزف المقاطع المتنوعة كالموشحات الأندلسية، والغناء الصوفي، والأغاني الخالدة لكبار الموسيقيين والفنانين العرب.

أما "فرقة البحرين للموسيقى" بقيادة المايسترو خليفة زيمان، فقدمت في اليوم السادس من المهرجان، 25 أكتوبر، حفلاً غنائياً بعنوان "ذاكرة التلفزيون" بالتعاون مع السفارة المصرية لدى البحرين، حيث ارتحلت بجمهورها إلى فضاءات الذاكرة الجميلة وقدمت مجموعة واسعة من أغاني شارات المسلسلات البحرينية والعربية.

وإلى جانب الحفلات الموسيقية والغنائية التي قدمها المهرجان طوال أيامه، أقيمت على هامشه مجموعة من الورش التعليمية والتثقيفية المرتبطة بالسياقات الموسيقية، التي استهدفت مختلف الفئات العمرية. كورشة "صناعة الطبول للأطفال"، بدار المحرق، والتي تعرف فيها الأطفال على أغاني البحر الخاصة بتراث الغوص وآلة "المرواس"، وتعلموا طرق صنعها وأهم استخداماتها. فيما احتضن مركز الفنون، ورشة "الكورال" التي تعرف فيها المشاركون على العديد من الجوانب المرتبطة بالصوت والتنفس، كما تطرقوا خلالها لأسس عملية الإحماء الخاصة بالكورال وإعداد مقطوعات متعددة الصوت، وغيرها من الفنون الموسيقية.

وفي ورشة "الموسيقى" بمركز الفنون أيضاً استخدم الأطفال المشاركون عقولهم وأجسادهم لأداء مجموعة من العناصر، كالغناء، والرقص، والتمثيل، واستخدام أدوات الإيقاع، مثل الإكسيليفون، والميتالوفون، والكلوكينسبيل، بالإضافة لتعريفهم بصورة موسعة على فنون مختلفة كالرواية، والشعر، والحركة الدرامية.

أما ورشة "التعبير بالموسيقى"، التي احضنتها الساحة الأمامية لباب البحرين، فتعرف فيها المشاركون على الأساليب المتعددة للتعبير والابتكار بالموسيقى. فيما جاءت ورشة "معاودة التفكير في علم موسيقانا المحلية" موسعةً إذ أقيمت على مدى يومين وقدمها حسن الحجيري بمركز الفنون، متناولاً فيها موضوع علم موسيقى الشعوب وبحث العلاقات بينها وبين أصناف الموسيقى في مملكة البحرين من خلال فهم نظريات هذا العلم.

وتعزيزاً للتواصل مع الجمهور في المملكة، أعلن المقهى الأشهر في البحرين (كافيه ليلو( عن إطلاق قائمة الطعام الخاصة، التي قدمها بالتزامن مع مهرجان البحرين الدولي للموسيقى ما بين 17 و26 أكتوبر الجاري، وذلك عبر استحضار أشهر الأطباق العالمية للدول المشاركة في المهرجان.