تقارن الباحثة في دراستها بين أسطورة «الحبّ والنفس»، وبين حكاية «الورد المشتعل» التي سجّلت في قرية بالسلسلة الساحليّة لمنطقة القبائل. وتكشف كيف وصلت الأسطورة عن طريق الكتابة لمؤلف بالشرق الجزائري، ووردتْ في كتاب "الحمار الذهبي". وفي تحليلها تستعين بالنظريات الأنثروبولوجيّة، والمقارنة بين نصّين متشابهين بالأحداث ومتباعدين بالزمن.

دراسة أنثروبولوجيّة

بين الأسطورة والحكاية العجيبة

«الحبّ والنفس/ الورد المشتعل« بين البنية الثابتة والمتحوّلة

زهـية طراحة

 

سنحاول دراسة أسطورة "الحبّ والنفس" بمقارنتها بحكاية عجيبة هي"الورد المشتعل" التي سجّلناها في قرية "إغيل أبّسول" بلدية "إفليسن ان لبحر"دائرة" تقزرت" الواقعة بالسلسلة الساحليّة لمنطقة القبائل. فأسطورة "الحبّ والنفس" وصلتنا عن طريق الكتابة لمؤلف عالمي ولد بالشرق الجزائري، وردتْ بتفصيل تام في الكتاب الرابع والخامس والسادس من كتاب "الحمار الذهبي" أو "التحوّلات" لـ"لوكيوس أبوليوس" (حوالي 125م-180م). وكان مسقط رأسه بمدينة "مداور" وهي "مداوروش" حاليا و"نوميديا" قديماً(1). ويُعرف الكاتب عادة بـ"أبولي مادور Apulée de Madaure" نسبة إلى مكان مسقط رأسه(2).

كتب "أبولي" باللاتينيّة، لغة المستعمر الروماني، في حين كان البربر يتكلمون لهجات ليبيّة، واللغة عندهم أداة مشافهة(3)، فقد فرضت الدولة الرومانيّة سيطرتها السياسيّة ولغتها أيضا على بلاد البربر التي استعمرتها، «وقد اضطرتْ الحياة الحضرية عدداً كبيراً من البربر إلى تعلّم اللغة اللاّتينية المفروضة في المحاكم والمجالس البلديّة والكتائب... أمّا في الأرياف فليس من شكّ قي أنّ القوم ظلّوا دهرا طويلا يجهلون لغة المُغيرين»(4).

سنحاول في تحليلنا هذا الاستعانة بالنظريات الأنثروبولوجيّة، والمقارنة بين نصّين متشابهين من حيث الأحداث ومتباعدين تماما من حيث الزمان. فالحكاية سجّلناها في سنة 1998، عن السيّدة "إقمراو" بدائرة (تقزرت) والأسطورة تبعد عنها بـ19 قرنا في الزمان، وبعض مئات الكيلومترات في المكان، نقول هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار مكان ولادة صاحب الكتاب الذي أخذناها عنه (مداوروش).

واعتُبرت حكاية "الحبّ والنفس" «خرافة الحبّ والنفس أو آمور وبسيشة أجمل قصة في رواية الحمار الذهبي وأروع قصة في الآداب القديمة على الإطلاق»(5). ويمكننا القول أنّ الحكايات الخرافية تروى لوحدها مستقلة بعضها عن بعض ولها خصوصياتها، أمّا حكاية "الحبّ والنفس" فغير مستقلّة عن بقية أحداث المؤلَف بل امتزجت بها مثلما كانت تمتزج الأساطير بالتاريخ في الملاحم الإغريقية كالإلياذة والأوديسة. ويمكننا الإشارة إلى أنّه يوجد من يصنّفها في مقال واحد ضمن الحكاية العجيبة le conte de psyché تارة وضمن حكاية الجنّياتconte de fées تارة ثانية، وضمن الأسطورة le mythe de psyché تارة ثالثة(6).

ويمكن أن تندرج -حسب رأينا- في الأسطورة، وفي أسطورة الآلهة بصفة خاصّة، وهذا استنادا إلى المفاهيم العامّة والخاصّة التي قدّمها المختصون في الأسطورة Le Mythe، فهي حسب البعض مستمدّة من الكلمة اليونانية Muthos وهي نصّ غير مدوّن، كما أنّها إدراك للحياة والطبيعة، وتفسير لها، وهي تشكل عنصرا من عناصر الدين في درجة معيّنة من تطوّره، وتختصّ بالخيال والتشبيهيّة التجسيميّة Anthropomorphisme، (أي تشبيه الله بالإنسان). وتملك الأسطورة منطقا خاصّا يحوي علم النواميس الكونية، فهي تحوي الفلسفة البدائيّة protophilosophie(7). ولقد جاء في أحد معاجم الأساطير «يمكننا القول بصفة عامّة أنّ كلّ أسطورة تحكي كيف جاء شيء ما إلى الوجود: العالم، والإنسان، وذاك النوع الحيوانيّ، وتلك المؤسّسة الاجتماعية، الخ»(8).

ويُخْلَطُ كثيرا بين الأسطورة والحكاية العجيبة، غير أنّ الشعوب التي مازالت الأساطير حيّة عندها تميّز بين الأساطير (أي الحكايات الحقيقيةHistoires vraies) والخرافات أو (الحكايات الكاذبة Histoires fausses)، ولهذا لا تروى عندها الأساطير بلا مبالاة، فهي لا تروى أمام النساء أو الأطفال، أي لا تروى أمام من لم يتلقّ الأسرار الخفيّة Les non-initiés. بينما يمكن للحكايات الكاذبة أن تروى في أيّ وقت وبأيّ مكان، أمّا الأساطير فلا تروى إلاّ في زمن مقدّس (غالبا في الخريف أو الشتاء، ولا تروى إلاّ ليلا). الوظيفة الرئيسيّة للأسطورة هي كشف النماذج المثاليّة لكلّ الطقوس والأنشطة الإنسانية القيّمة، مثل الغذاء أو الزواج أو العمل أو التربية أو الفنّ أو الحكمة، فعندما تروى الأساطير الأصليّة الأولى يعيش ويشارك راويها حضور الآلهة والأبطال(9).

ويمكننا انطلاقا من هذه المفاهيم كلّها إدراج حكاية "الحبّ والنفس" ضمن دائرة الأسطورة، لأنّ الأسطورة لدى الشعوب البدائيّة « تمثّل تاريخ (أو قصة) histoire أفعال الكائنات فوق طبيعيّة»(10). فهي تحكي سير الآلهة، وبصفة خاصّة سيرة إلهة الحب والجمال "فينوس" في صراعها مع ابنها اله الحبّ "أمور" وفي صراعها مع الفتاة البشريّة "بسيشيه". وتنتهي أحداثها بسنّ مؤسّسة اجتماعيّة هي الزواج الشرعي المدني، والزواج المسموح بين طرفين ينتميان لنوعين بل لرتبتين اجتماعيتين مختلفتين، فقد جاء على لسان ربّ الآلهة "جوبيتر" مخاطبا ابنته "فينوس" «أما أنت، يا بنيتي العزيزة، فلا تغتمي لهذا ولا تهتمي بمصاهرة أسرتك العلية ومقامك الرفيع لأسرة بشريّة. كوني حريصة على ألا تكون هناك علاقة غير شرعيّة، ومن ثم يجب أن يتم الزواج وفقا للقانون المدني»(11).

ولا يُميَّزُ كثيرا بين الأسطورة والحكاية العجيبة «إذ ليس ثمة من داع جديّ لفصل الحكايات عن الأساطير، رغم أنّ هناك عددا كبيرا من المجتمعات التي تلحظ فرقا ذاتيا بين هذين النوعين، ورغم أنّ هناك عددا من الأحكام والتحريمات التي ترتبط أحيانا بأحد هذين النوعين دون الآخر (تلاوة الأساطير في ساعات معيّنة، أو خلال فصل دون غيره، في حين أنّ من الممكن حكاية الحكايات في أيّ وقت من الأوقات نظرا لطبيعتها "الدنيوية")»(12).

وتجعلنا المقارنة السابقة بين الأسطورة والحكاية العجيبة، نذهب إلى أنّ هذه الأخيرة لا تختلف كثيرا عن الأولى من حيث ارتباطها بظروف خاصّة لروايتها، فلا يرويها إلا من يمثل درجة اجتماعية عليا، وفي أماكن وأزمنة خاصّة.

ينطبق كلّ هذا على الحكاية القبائلية العجيبة التي يطلق عليها "ثَمَاشاَهُوتسْ"، ويحتفظ هذا النّوع من الحكايات بكثير من طبائع المقدسّ، فهي من حيث الزمن لا تروى إلاّ ليلا، وبصفة أخصّ في ليالي الشتاء الطوال، ومن حيث المكان ترتبط بالموقد، فلا تروى إلاّ إذا اجتمعت أسرة أو أكثر في حلقة حول النّار. تحرم روايتها نهارا خوفا من الإصابة بالإعاقة، إذ يُعتقد بأنّ راويها نهارا، يصاب هو أو أبناؤه أو أحفاده بالجنون، أو الصمم، أو البكم، وأكثر اللّعنات إصابةً، لعنة العمى والصلع. وما يؤكد طابع الحكاية العجيبة المقدّس كونها لا يُسمَح بالدّخول إلى عالمها ولا حتّى الخروج منه إلاّ بمقدمة وخاتمة ملزمتين قطعا بها. وأكثر البدايات تداولا؛ «سأحكي حكاية الليّل العجيبة، ربّي يجعلها جيّدة النسج مثل الحزام المتقن الصّنعة». وأكثر الخاتمات تواترا تجيء غالبا؛ «حكايتي انقطعت ولا ينقطع القمح والشعير».

يجعلنا هذا نذهب إلى أنّ هذا النوع من الحكايات هدفه مثل هدف الأسطورة التي تروى لغرض متمثّل في إلغاء نقص يمس الجماعة والإنسان، فهو هنا إلغاء أزمة الجوع التي تحدث ويتكرّر حدوثها في الشتاء القاتل. فالحكاية العجيبة مثل الأسطورة تروى بمكان وزمان خاصّين، فإذا رويناها وعرفناها «عرفنا أصل الأشياء، وبعد ذلك سنتمكن من التحكم فيها واستعمالها بصلابة على المراد، وهذا لا يعني معرفة خارجية، لكن معرفة نعيشها طقسيا، سواء كان ذلك عن طريق رواية للأسطورة أو عن طريق إقامة الطقس الذي يخدم واقعة... فمعايشة الأساطير يستتبع إذن تجربة دينيّة حقّا، لأنّها تتميّز عن التجربة العادية للحياة اليوميّة، فالصبغة الدينية لهذه التجربة ترجع إلى فعل كوننا نحيّن أحداثا أسطورية معظّمة، وذات دلالة، فإنّنا نحضر من جديد أعمال الخلق للكائنات ما فوق الطبيعة»(13). ونعتبر نحن رواية الحكاية العجيبة طقسا سحريّا، هدفه جلب الموارد الغذائيّة والبشريّة. ولمّا كان السّحر مرتبطا بالمرأة العجوز خصوصا، فهي الراوية الأولى بلا منازع لهذا النوع الأدبي الشعبي المرتبط بالسّحر. وهكذا لا تختلف الحكاية العجيبة عن الأسطورة.

وخلاصة "الحبّ والنفس" صراع دار بين إلهة الحبّ والجمال "فينوس" وفتاة بشرية "بسيشه". أرادت "فينوس" الإنتقام منها عن طريق ابنها، لكنّه وقع في حبّها فتزوّجها خفية، ومنعها من رؤيته، خانت الوعد فرأته فغادرها إلى أمّه. اتّبعته، فانتقمتْ منها "فينوس" بأن قدّمت لها اختبارات مستحيلة الإنجاز. لكن "بسيشه" أنجزتها بفضل مساعدات الكائنات الخارقة. واستعان "آمور" في الأخير بكبير الآلهة "جوبيتر" فأقنع هذا ابنته "فينوس" بأن تقبل مصاهرة أسرة بشريّة، فقبلت. وهكذا صعدت "بسيشه" إلى مصاف الآلهة، فصارت خالدة(14).

وتروي الحكاية العجيبة "الورد المشتعل" عن رجل قرّر السّفر إلى الحجّ، فترك لبناته السبع مؤن عام كامل من الأكل والماء والحطب. بعد وصوله إلى هناك، مات، فاضطرّت الفتيات إلى الخروج بالتناوب إلى الخلاء لجلب ما يأكلنه من حشائش. ولمّا خرجت الصغرى لقلع الحشائش الغذائيّة، خرج لها ابن الغولة من تحت الأرض، طالبا الزّواج منها. رفضت الفتاة، غير أنّه أقنعها بأنّها إذا ما عاهدته على الزواج منه، سيعاهدها على توفير النعم والغذاء لها ولأخواتها، حتّى موته أو موتهنّ. قبِلت الفتاة، واشترطت عليه مختلف أنواع الطعام. قصدها في هيئة حصان محمّل بسبعة قناطير من الزبد والقمح، ومن كلّ شيء وفي يوم آخر رجع في الهيئة نفسها، حملها على ظهره إلى بيته. كان يدخل البيت فقط ليلا، وحذّرها من أن تشعل الضوء، فكلّما دخل تفجّرت الأضواء والأنوار بالبيت، أمّا هيئته فلا تعرف عنها شيئا.

بعد أيّام جاءت الفتاة لزيارة أخواتها، سألنها عن زوجها، فأخبرتهنّ أنّها لا تعرف عن هيئته شيئا. صنعن لها سبعة مصابيح ونصحنها بإشعالها عند دخوله، لتعرف هيئته (وجهه). جاء لاسترجاعها وكان ينصحها طول مسافة الطريق برمي المصابيح. كانت ترمي في كلّ مرّة مصباحا واحدا. ولمّا بقي السابع، احتفظت به رغم إصراره على رميه أشعلت المصباح السابع في تلك اللّيلة، فرأت رجلا ليس مثله أيّ كائن في الجمال. غادرها لكنّها اتبعته رغم تحذيراته لها من أمّه الغولة، التي ستأكلها وتأكله معها. التقى، في طريقه إلى أمّه، بعينين: التي نظر إليها وغسل بها وجهه تدفّقت بالمياه، والتي تجاهلها يبست وفاضت بالأوساخ. التقى بعدها بنخلتين: الّتي قطف منها تمرة ترعرعت بالثمار، والتي تجاهلها يبست وأسقطت كلّ الأوراق. والتقى بحقلين: واحد من البطّيخ الأحمر وآخر من البطّيخ الأصفر الذي قطف منه بطّيخة حمراء بقي على حاله، والذي تجاهله صار إلى الهلاك.

تّبعته زوجته، وكانت كلّما وصلت إلى الأشياء الجافّة الّتي تجاهلها، تنهّدت وأقسمت بالله أنّ حظّها مثل حظّ هذه الأشياء وكانت تردّ عليها هذه بأنّ "الورد المشتعل" مرّ بها ولم يخصّها حتّى بنظرة أو لمسة كانت تفرح رغم حزنها لأنّها أدركت الأماكن الّتي اجتازها واصلت طريقها حتّى بيت الغولة الذي كان محاطا بقطعان الأغنام والدجاج... الخ. رآها زوجها فاندهش خائفا من أن تأكلها وتأكله خبّأها، ولمّا دخلت أمّه الغولة أخبرها بأنّه أتى بخادمة لتخدمها وتطبخ لهما تنبّأت الغولة بأنّها زوجته، فوبّخته، إلاّ أنّه أصرّ على أنّها غير ذلك. بقيت الفتاة تطبخ لهما الطعام، وبدأت الغولة تبحث لها عن الأسباب لتأكلها فمرّة أفرغت لها كلّ خابيّات الحبوب مختلطة، وأمرتها بفرز كلّ نوع لوحده، وإلاّ أكلتها وأكلت "الورد المشتعل" عند رجوعها مرّة أخرى، ذرّت الرماد والسخام بكلّ أنحاء البيت والحارة، وأمرتها بالكنس، وإعادة طليّ الجدران وتجفيفها، وإن لم تجدها عند رجوعها مساء قد أنجزت الأعمال، أكلتها وأكلت "الورد المشتعل". كانت الفتاة تُنقَذُ بمساعدة زوجها الذي كان يستدعى تارة النمل وأخرى الوديان والرياح، لإنجاز ذلك. كانت الغولة تشكّ دوما بأنّ ابنها هو المنجز لتلك الاختبارات. ولهذا قرّرت يوما استدعاء أخواتها ليشاركنها في افتراس الفتاة. وبينما قصدتهنّ لذلك، دبّر ابنها وزوجته حيلة لهنّ، فأحرقهنّ بعد أن أغلق عليهنّ باب الغرفة.

وإذا جئنا إلى المقارنة بين نصّ "الحبّ والنفس" ونصّ "الورد المشتعل"، نجد نصّ "الحب والنفس" يقدّم لنا مجتمعين متباينين، مجتمع الآلهة ومجتمع البشر. تمثّل الأوّل بصورة رئيسيّة شخصيتان، أنثى/ذكر. تمثّل الأنثى "فينوس" الأمّ، ويمثّل الذكر "آمور" أو "كيوبيد" الإبن. وتمثّل الثاني بصورة أساسيّة الأنثى "بسيشه"، ابنة ملك أحد المدن. ويقدّم لنا نصّ "الورد المشتعل" كذلك مجتمعين متباينين، مجتمع الغيلان ومجتمع البشر. تمثّل الأوّل شخصيتان رئيسيتان، أنثى/ ذكر. تمثّل الأنثى "الغولة" الأمّ، ويمثّل الذكر "الورد المشتعل" الإبن، وتمثّل الثاني بصورة رئيسيّة الأنثى "البنت السابعة" لفلاح قروي.

ويلاحظ القارئ بأنّ الأحداث تسيّرها الشخصيات الرئيسيّة الثلاث بالنصّين. فالأفعال أو الوظائف ـ كما يسمّيها فلاديمير بروب(15) التي تكوّن هيئة النصّ أو بنيته الشكلية، هي نفسها على العموم. لكنّ الفرق يكمن في طبيعة هذه الشخصيات، فنصّ "الحبّ والنفس" يقدّم لنا شخصيات كثيرة من بينها الشخصيتين الرئيسيّتين "فينوس" و"آمور" المنتميتين إلى عالم الآلهة، وهذا حسب النص وكتب ومعاجم الميثولوجيا. فتمثّل "فينوس" إلهة الحبّ والجمال عند اللاتينيين (الرومان) ويمثّل ابنها "آمور" إله الحبّ في الحضارة الرومانيّة(16).

وقد يجعلنا هذا نقول، شتّان بين الآلهة والغيلان (وكذا بين الفلاح والملك) فالآلهة مقدّسة في الأساطير والثانية مدنّسة على وجه العموم في حكاياتنا العجيبة، فقد حلّت "فينوس" ربّة الحبّ والجمال محلّ "الغولة"، وكانت كلّ من هما في البداية تملك سلطة عظمى على ابنها، وتسلّطا خطيرا على زوجته. لكن عاصفة التحوّل حلّت بمركز كلّ من هما، فانقلبت الموازين وصارتا مغلوبتين بعدما كانت غالبتين وحاكمتين. وقد حلّت الكارثة الكبرى بالغولة، إذ قتلها ابنها حرقا، ويمكن ربط سلطة المرأة على الرجل بما يسمّى بالنظام الأمومي أو الأموي le Matriarcat ، ويمثّل فعل قتل الأمّ القضاء على هذا النظام بحلول نظام آخر مكانه هو النظام الأبوي le Patriarcat، فقد ماتت الغولة، أمّا "فينوس" فاستسلمت لأمر كبير الآلهة والبشر أبيها "جوبيتر" وبقيّة الآلهة المؤيدين له ولابنها "آمور"، وعلى رأسهم "أبوللو" الذي كان ضدّها من البداية إذ هو الذي عمل على الجمع بين "آمور" و"بسيشه" بعدما قصده أبوها لحلّ مشكل بقائها بدون زواج رغم جمالها المبهر، فقد انساقتْ "فينوس" وراء قرار الآلهة الذكور وتقبّلت الفكرة التي حاربتها في الأوّل، واحتفلت مع الجميع بزواج ابنها الإلهي من بشريّة، ليحلّ الزواج الخارجي بدل الزواج الداخلي حسب تأويلنا للأمر.

وقد حلّ "آمور" إله الحبّ محلّ "الورد المشتعل" ابن الغولة، فرغم اختلاف الشخصيتين من حيث طبيعتهما، فواحدة من فصيلة الآلهة وأخرى من فصيلة الوحوش ـ حسب نظرة الأهالي عندنا للغول ـ فإنّ الوظائف التي يقومان بها تكاد تكون واحدة. قدّمت لنا الأسطورة "آمور" إلها للحبّ، بفضله يكون الحبّ فالزواج بين الذكور والإناث، وتكون الرغبة في الأطفال. وقد كانت له هذه السلطة على البشر بفضل أمّه "فينوس" التي وهبته جناحين وشعلة وقوسا وسهاما وأدوات أخرى لغرض إيقاع الناس بها في الحبّ، وهي عدّة لم يساهم فيها أبوه "فولكانوس" إطلاقا(17)، فهو إذن إله الخصوبة البشريّة، وقد يدلّ تفوّقه على أمّه على انتقال فكرة فهم الخصوبة من الأنثى إلى الذكر. وقد حلّت "بسيشه" الأنثى ابنة ملك أحد المدن محلّ ابنة الفلاح القروي الصغرى (السابعة)، قد يبدو الفارق كبيرا أيضا في مستواه السطحيّ. وقد رافقت هذا البين فوارق أخرى، كالإقامة بالمدن السهليّة بدل الأرياف الجبليّة، والعيش في الشبع والبذخ بدل الجوع والحرمان، والزواج من إله بدل غول، وعبادة آلهة رومانيّة (لاتينيّة) ممثّلة في أجسام بشريّة ماديّة بدل الأرواح الخفيّة، والارتقاء إلى مصاف الآلهة والخلود بدل الهبوط إلى مصاف الغيلان والفناء وقد تمثّل الغيلان حاليا صورة سلبيّة عن الآلهة بعد الكفر بها، والإيمان بإله واحد في ظلّ عقيدة التوحيد الإسلاميّة.

وقد يبدو لنا للوهلة الأولى تضاد بين الشخصيّتين، "فينوس" الإلهيّة وشخصيّة "الغولة" الغيبيّة، لكن الأمر ليس كذلك تماماً. فموت الأنثى "الغولة" لا يتناقض مع استسلام الأنثى "فينوس" في رأينا، فمصير كلّ من هما كان الخضوع أمام شخصية الذكر، سواء كانت هذه الشخصيّة تمثل إلها أم غولا، فالانقلاب واقع من نظام كانت فيه السلطة للمرأة (الأمّ) إلى نظام صارت فيه السلطة للرجل (الابن). كما لا يبدو الفرق بين "آمور" الإله و"الورد المشتعل" الغول تضادا، لأنّ كلاّ من هما يمثّل الخصوبة. يمثّلها "آمور" في البشر ويمثّلها "الورد المشتعل" في الطبيعة، فبفضله تتدفّق العيون وتثمر الأشجار. يبقى الفرق فقط في بعض التفاصيل، فقد اكتسب "آمور" وظيفة الإخصاب من أمّه، غير أنّ "الورد المشتعل" لم يكتسبها من أمّه وقد يرجع ذلك إلى كون حكايتنا نسيت ذكر سبب الخصوبة، أو تناسته لأنّ رواتها يقلّلون من شأن الأنثى فلا يسندون لها وظيفة الخصوبة في مجتمع أبويّ حتّى النخاع.

ولا يبدو أيضا الفرق بين النسب للملك والنسب للفلاح تضادا، لأنّ الملك يبدو أقلّ درجة من الإله والفلاح أقلّ درجة أيضا من الغول "الورد المشتعل" من حيث الغني والفقر. فكما يهطل بالنعم كبير الآلهة على الملك ورعيته، يفعل الغول ككائن غيبيّ روحيّ على الفلاح وعلى القرويين. فالإله في الأسطورة، والغول في الحكاية يجسّدان فكرة القوّة الإلهيّة المتحكّمة في العالم والمخصبة للطبيعة والبشر. وسواء تعدّدت هذه القوّة وانفصلت وظائفها أم توحّدت وانسجمت فهي ثابتة، لأنّها مصدر الخير والشرّ معا على البشر، مصدر الحياة والموت... الخ. إنّها مصدر هذا التضاد العام الأساسيّ الثابت: أدنى/أعلى، مقابل تضاد أنثى/ ذكر، فكان الأعلى يمثّل الآلهة من جهة والذكر من جهة، وكان الأدنى يمثّل البشر من جهة والأنثى من جهة أخرى. إنّها حقيقة التنظيم الاجتماعيّ العالمي الأبويّ المتمركز على الملكية الخاصّة، الذي يميّز بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا من جهة وبين الجنسين من جهة أخرى. وقد يبدو التمييز الطبقيّ مستقلا عن التمييز الجنسي، غير أنّ الأمر غير ذلك، لأنّ التمييز الجنسي ركيزة التمييز الطبقي. ولهذا لا نرى تضاداً بين وضع "فينوس" و"الغولة" و"بسيشه" مقارنة بوضع "جوبيتر" و"آمور" و"الورد المشتعل" فالأنثى تابعة للذكر، تنتقل للإقامة عنده بعد الزواج، وتنجب أبناء يحملون اسمه، انطلاقا من كونها تابعة له اقتصاديا.

لا يختلف كثيرا وضع الأنثى في الأسطورة كمؤسّسة خياليّة عن وضعها في مؤسّسة واقع الخبرة للفترة التي كُتبتْ فيها، وهي فترة تواجد الرومان بالجزائر (ق2م)، فالبون شاسع جدّا بين وضع الذكر والأنثى في كلّ بقاع العالم لكنّ روما تمثّل نموذجا فريدا لذلك في نظر البعض. المرأة الرومانيّة تابعة وخاضعة، ووضعها لا يتغيّر إلا قليلا بصفتها أمّا أو زوجة مخصبة، وهي مفيدة لتقديم اللّذة للذكر، ولتصنع له نتاجا من الأفضل أن يكون ذكورا(18). كما لا يختلف وضع المرأة بحكايتنا عن وضعها بواقع الخبرة كثيرا، إذ يمكننا اعتبارها أقل شأنا من وضع المرأة الرومانيّة «فهي أدنى درجة، إنّها فوق درجة الحيوان بقليل، وبعيدا جدّا تحت مرتبة الذكور»(19).

وقدّمت لنا حكايتنا تضادا من نوع آخر، قد يبدو مختلفا عمّا جاء في الأسطورة. وهو تضاد بين منخفض/ مرتفع، جنوب شرق/ شمال غرب، من جهة، وذكر/ أنثى من جهة أخرى، فقد ارتبط الانخفاض والاتجاه جنوب شرق بالذكر وارتبط الارتفاع والاتجاه شمال غرب بالأنثى. وهذا لا يتضاد مع ما قدّمته لنا الأسطورة فيما يخصّ درجة الأنثى الدنيا ودرجة الذكر العليا. فيمثّل الانخفاض والانبثاق من الأرض الخصوبة في الفكر الأهلي على الصعيد الاقتصادي والكونيّ، والأراضي المنخفضة السهليّة بالنسبة لسكان القمم الجبليّة مخصبة مقارنة بتلك الواقعة بالأعلى، ولهذا ارتبطت معتقداتهم بتقديس الموتى الذين يدفنون ويهبطون إلى العالم السفلي (باطن الأرض). وبما أنّ الذكور يتجهون دوما جنوبا حيث السهول للعمل، فارتبطت الخصوبة بالذكر. ويضاف إلى هذا واقع المناطق الجبليّة التي تتضاد فيها الأماكن، جنوب شرق الذي يمثّل منحدر الشمس وشمال غرب الذي يمثّل منحدر الظلّ.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك فكرة جهة الشرق المرتبطة بالديانة الإسلاميّة فبيت الربّ الذي اتجه إليه أبو الفتيات يمثّل قبلة المسلمين وحجّهم. زد على ذلك فكرة الألوهيّة المذكّرة التي جاءت بها الأديان السماوية وبصفة خاصّة الإسلام الذي اعتنقه الأهالي ومارسوه بطريقة ولو سطحيّة. نقول عن الإسلام عقيدة سطحيّة ورجاليّة لأنّ الأهالي وبصفة خاصّة الإناث (النساء) تمسّكن إلى أقصى درجة بالأديان القديمة المتمثّلة في عبادة روح الأسلاف والأولياء المجسّدة في الطبيعة والحيوان، في مقابل ذلك اتجه الذكور إلى العقيدة الجديدة (الإسلام). ينطبق هذا على الواقع التقليدي للمناطق الجبليّة التي سجّلت منها حكايتنا، وعلى الواقع التاريخي القديم الذي كُتب فيه نصّ أسطورة "الحب والنفس".

تذكر كتب التاريخ بأنّ السكان المثقفين من سكّان المدن تأثروا بالديانات الأجنبيّة الوافدة على البلاد، واعتبروا "أبوليوس" واحدا من هم، فقد تأثر بالديانات الشرقيّة التي من أشهرها وأكثرها رواجا دين الرّبتين "إيزيس Isis" و"قِيبلَى Cybel أوKubelè"، ودين الإله "مِيثرَا Mithra" وقد انتشر دين "إيزيس" في إفريقيا «وآمن به الكثير، ومن بينهم العالم والأديب الإفريقي أبوُلِيُوس، الذي كان يعتقد أنّ في عبادتها شفاء للجسد ونجاة للروح»(20). أما سكان الأرياف من البربر فتمسّكوا بمعتقداتهم وأديانهم القديمة البسيطة على مرّ العصور. ويمكننا القول بأنّ المحتكين من البربر كانوا توفيقيين بين معتقداتهم ومعتقدات الغير، أمّا سكان الجبال فغير ذلك تماما، فالقرويون بقوا مقتنعين باحترامهم وإجلالهم دوما لآلهة آبائهم(21).

وكان سكان الجبال -عكس سكان السواحل والسهول- رافضين لكلّ انصهار مع الثقافات الوافدة إلاّ ما كان متماشيا مع أنظمتهم الاجتماعية والعقائديّة وغيرها. وأظهروا صمودا ومقاومة ضدّ كلّ استعمار وكلّ تكيّف(22). فنظنّ بأنّ سبب بقاء "فينوس" حيّة راجع إلى اعتقاد البعض في ألوهيّتها، والآلهة - في الأساطير وفي واقع المعتقدين بها - خالدة لا تفنى. كيف بها أن تموت و"أبوليوس" من العابدين لها؟

ويمكن اعتبار حرق "الغولة" أمّ الورد المشتعل" وإخضاع "فينوس" لقرار "جوبيتر" ربّ الآلهة إمضاء ذكوريّ على إسقاط الأنثى من السلطة والحكم ليستولي عليها الذكر. إنّها فكرة الأنثروبولوجيين التطوّريين، الذين يرون بأنّ السلطة كانت للأنثى (للمرأة) في عصور ما قبل التاريخ، وانتقلت بعدها إلى الذكر (الرجل)، وهذا ما تقوله لنا الأسطورة والحكاية بصفة أخصّ. قد يتساءل السائل كيف تمّ انتقال السلطة أو كيف تمّ الانقلاب؟ فقد قدّمت لنا الحكاية انقلابا فعلا، يوجد من يشير إلى أنّ الحكم كان بيد النساء عندما كنّ مكتشفات للزراعة وماسكات بها، وتغيّر الوضع بعدما صارت بيد الرجال، «فقد انقلب وضع المرأة من وضع قديم كانت لها فيه السلطة والحرية، إلى وضع مهان هي فيه كالوحش بعدما كانت محبوبة مثل إله»(23). يوضح لنا هذه الفكرة وضع "فينوس" و"الغولة"، فواحدة إلهة (رغم كونها لا تمثّل كبير الآلهة) والأخرى وحش. والانتقال من الألوهيّة إلى العبودية هو الانتقال من السيادة والنقاء إلى الخضوع والبشاعة. فقد قدّمت لنا الكثير من الأساطير نساء دمويات (مثل الغولة) تماما، ومن بينهنّ "ميديا Médée أو Medeu " الساحرة، قاتلة أخيها وأبنائها(24).

تشير إحدى المفكرات إلى تفسير الماركسيين التقليدين لوضع الأنثى الأدنى مقارنة مع وضع الذكر الأعلى، بوضع الرجال أيديهم على الزراعة. وترى هذا التفسير مرتبطا بالواقع الاقتصاديّ الذي يسميه "إنجلز Engels" نفسه بـ "الهزيمة الكبرى لجنس الأنثى". وتعطي تفسيرا جهلته الماركسيّة كليّة، وهي تُرجِع سبب الهزيمة إلى اكتشاف المسار الأبوي في الإنجاب، والماركسيّة ظلّت لا مبالية بالعنصرية الجنسيّة والتي لا تمثل بالنسبة لها إلاّ "بنية فوقية" يمكن إهمالها إزاء الواقع الاقتصادي(25). وقد حاولت الأساطير التأكيد على خصوبة الرجل ودوره الأساسيّ في عمليّة الإنجاب فكان الحديث عن أثيناAthena (مينرفا) بأنّها ولدت من رأس أبيها "زيوس"، كبير الآلهة «خرجت منه الإلهة أثينا وقد خرجت تصيح صيحة الحرب التي ارتجت لها السموات والأرض، وارتاع منها الآلهة أنفسهم»(26). وقد كانت "أثينا" (أو بالاسPallas ، أو مينرفا Minerve) مثلها مثل "أبوللو" مدافعة عن "أورست" قاتل أمّه «وكانت الإلهة أثينا ترأس هيئة المحلفين، فحكمت لصالح أورست بحجة أن للأب أفضلية على الأمّ»(27). ويُذكَرُ عن "أفروديت Aphrodite" (فينوس عند الرومان) أيضا بأنّها وُلِدت من زبد البحر عندما قام "كرونوس" بقطع الأعضاء الجنسيّة لأبيه "أورانوس" إله السماء وألقاها في البحر(28). ويرتبط التشديد على الانتساب للأب فعلا باكتشاف دور الرجل في عمليّة الإنجاب.

ويمكن الاستشهاد عن ذلك بالإشارة إلى أنّه لدى قبائل "باغندا" في أواسط إفريقيا، كان الأسلاف يظنون أنّ الحمل ممكن دون مضاجعة الذكر، ولهذا كانت النساء ـ المتزوّجات وغير المتزوّجات ـ يتّخذن حذرهن كلما مررن بمكان أحرق فيه جسد رجل انتحر، أو دفن فيه طفل ولد بأن نزلت قدماه قبل رأسه، فكنّ يضعن الحشائش أو العيدان على مكان كذاك، ظنّا منهن بأنّ ذلك يمنع شبح الميت الدخول فيهنّ والولادة من جديد(29). لكن مع الوقت برز دور الرجل في الإخصاب. ونظنّ بأنّ فكرة رفع صورة عضو الذكورة Phallos مكبّرة لدى الإغريق في احتفالات عيد "ديونوسوس" الذي هو عيد ظهور ونضج العنب وهو أيضا تجسيد لحضور هذا الإله(30)، تأكيد على ارتباط الخصوبة بالذكورة لا الأنوثة، وبالتالي ارتباط السيادة بالذكر. إنّه إعلان بولادة نظام مجتمعيّ واقتصاديّ ودينيّ أبويّ جديد حلّ محلّ النظام الأموميّ الذي كان يُعتقد فيه بأن الأنثى (المرأة) هي رمز الخصوبة وبالتالي كلّ شيء.

وهكذا يحلّ عضو الذكورة المكبّر بدل أعضاء الأنوثة للأمّ الكبرى التي كانت تبرزها تماثيل الإلهة "عشتار" وتماثيل أخرى، في جميع مراكز الثقافة الباليوليتية. فكانت تلك التماثيل تقدّم الرأس ككتلة غير متمايزة الملامح، والكتفان دقيقتان، والذراعان نحيلتان، والساقان في الأسفل ضعيفتان وقصيرتان، أمّا المنطقة الأساسية في كلّ تلك التماثيل، فمنطقة الثديين والبطن والحوض وأعلى الفخذين(31)، إنّه تجسيد لكائن الأنثى الذي كان معبودا قبل أن تتحوّل العبادة للذكر. وكثيرا ما كانت تظهر الغولة في حكاياتنا العجيبة بثدييها الكبيرين جدّا، فكانت ترميهما وراء ظهرها. وقد كشفت لنا الحكايات عمّا قدّمته لنا التماثيل والنقوش التي عثر عليها الأركيولوجيون.

وترتبط فكرة الخصوبة في معتقدات المجتمع القبائليّ التقليديّ وإلى حدّ الآن بالكائنات الغيبيّة الذكريّة أساسا ثمّ بالمرأة بدرجة ثانويّة. وبالتالي من المحتملّ جدّا أن يعبّر الكائن الغيبيّ الذكري "الورد المشتعل" عن هذه الأرواح المخصبة للنساء، والتي كانت فيها السلطة في بداية الأمر للأنثى الغيبيّة (أمّ الورد المشتعل) وتحوّلت فيما بعد للذكر الابن. وخاصّة إذا عرفنا بأنّه في بعض المعتقدات الإفريقية التي تتقارب مع معتقدات منطقتنا، تنسب الخصوبة للأرواح القاطنة بالأشجار، هذه التي تسقط على المرأة في هيئة أزهار منيرة. فقد كانت نساء "باغندا" تتصوّر إمكانية الحمل -بدون مساعدة الجنس الآخر- من الأشباح المزعجة ومن زهرة الموز أيضا. فإذا سقط نور الموز الأرجواني على ظهر امرأة أو كتفيها صدفة وهي دائبة في عملها في ظل إحدى الأشجار، كان ذلك كافيا في معتقدهم لأن يجعل الجنين يتحرك في أحشائها. ولأنّ القوم يعتقدون بأنّ أرواح السلف تسكن أحراش الموز، خاصّة وأنّهم يدفنون موتاهم عند جذوعها(32). ونقول نحن أليس اسم الكائن الغيبيّ المخصب في حكايتنا هو "الورد المشتعل"؟

* * *

الهوامش

(1) ينظر لوكيوس، أبوليوس، الحمار الذهبي أول رواية في تاريخ الإنسانية، ترجمة، أبو العيد دودو، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة، 2001، ص 10.

(2) ينظر محفوظ، قداش، الجزائر في العصور القديمة، ترجمة، صالح عبّاد، المؤسّسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1993، ص 208.

(3) ينظر شارل أندري، جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية، تعريب: محمد مزالي والبشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر، تونس، 1969، ص 78.

(4) المرجع السابق نفسه، ص 248.

(5) المرجع السابق نفسه، ص 32.

(6) ينظر:

- Nadeije, Laneyrie-Dagen (S./ dir): Les couples Célèbres, Ed. France Loisirs, Paris, 1999, pp. 90-91

(7) ينظر:

- André, Jolles, Formes simples traduit de l’Allemand par Antoine Marie Buguet, collection Poétique aux Editions du Seuil, Paris, 1972, pp. 77-79

(8) Bonnefoy, Yves (S. /dir), Dictionnaire des Mythologies, T2, Ed Flammarion, Paris, 1999, p1394.

(9) المرجع نفسه، ص 1395، 1396.

(10) المرجع نفسه، ص 1397.

(11) لوكيوس أبوليوس، الحمار الذهبي، ص 166.

(12) كلودليفي ـ ستروس، الإناسة البنيانية، ( القسم الثاني )، ص 118.

(13) (S./ dir) d’Yves Bonnefoy : Dictionnaire des Mythologies T2, p 1397.

(14) ينظر: لوكيوس أيوليوس، الحمار الذهبي، ص 127- 167.

(15) ينظر فلاديمير بروب، مورفولوجيا الخرافة، ترجمة: إبراهيم الخطيب، الرّباط، المغرب، الشّركة المغربيّة للنّاشرين المتّحدين ، ط1، 1407هـ - 1986م.

(16) لوكيوس، أبوليوس، الحمار الذهبي، ص 127 ـ 167.

- أوفيد، مسخ الكائنات، ترجمة ثروت عكاشة، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1997 ط4، ص 177- 200.

(17) لوكيوس، أبوليوس، الحمار الذهبي، ص 149، 150.

(18) ينظر:

- Van Gennep, Arnold, En Algérie, Ed C. LACOUR, Paris, 1992, p. 175

(19) Ibid, p170.

(20) عمّار، المحجوبي، ولاية افريقيا من الاحتلال الرّوماني إلى نهاية العهد السويري ( 146 ق.م ـ 235م )، ص 148، 149.

(21) Hammani, A. G., La vie quotidienne en Afrique du Nord au temps de saint Augustin, Ed Hachette Littérature, 1979, p 21.

(22) Ibid, p 25.

(23) Françoise, d’Eaubonne, Les femmes avant le patriarcat, Paris, Ed PAYOT, 1977, p 211.

(24) ينظر، إمام عبد الفتاح إمام، معجم ديانات وأساطير العالم، المجلد الثاني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ص 401، 402.

(25) ينظر:

- D’Eaubonne, Françoise, Les femmes avant le patriarcat, p 212

(26) إمام عبد الفتاح إمام، معجم ديانات وأساطير العالم، المجلد الأول A- F ، مكتبة مدبولي، القاهرة، ص 140.

(27) أسخولوس، تراجديات، ترجمها عن اليونانية وقدّم لها وعلّق عليها، عبد الرحمن بدوي، بيروت، لبنان ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1992، ص 278.

(28) ينظر: إمام عبد الفتاح إمام :م.س: ص.ص:99،100.

(29) ينظر: جيمس، فريزر: أدونيس أو تموز، ترجمة: جبرا لإبراهيم جبرا، بيروت، لبنان، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، ط3، 1982، ص 86.

(30) ينظر: محمد، صقر خفاجة، تاريخ الأدب اليوناني (61)، مصر، مكتبة النهضة المصرية، 1956، ص 111.

(31) ينظر: فراس، السواح، لغز، عشتار، الألوهيّة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة، دمشق، دار علاء الدين، سوريا، ط7، 2000، ص41،42.

(32) جيمس، فريزر، أدونيس أو تموز، ترجمة: جبرا لإبراهيم جبرا، بيروت، لبنان، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، ط3، 1982، ص 86، 87.