أريكة في تونس

ينطلق عرض فيلم "أريكة في تونس" للمخرجة التونسية منال العبيدي في قاعات السينما التونسية بداية من 26 فبراير الجاري. "أريكة في تونس" هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة، وقد سبق له أن حاز جائزة الجمهور في مهرجان البندقية الدولي وعدة جوائز أخرى. ويروي الفيلم قصة المحللة النفسية سلمى التي قررت ترك فرنسا، وعادت لممارسة عملها في وطنها الأم تونس، وفي بيئة شعبية تفتتح عيادتها، لتواجه مجموعة من المرضى غريبي الأطوار من جميع أطياف المجتمع التونسي، وتعيش أحداثا غريبة تحيد بها عمّا رسمته لنفسها.

قرار سلمى بالعودة إلى تونس يقلب حياتها رأسا على عقب، ويعرضها إلى مواقف مضحكة وأخرى صعبة، ولكنها تواصل إعادة اكتشاف بلدها، واستكشاف عوالم كانت غائبة عنها وشبه مجهولة بالنسبة إليها. وعلاوة على قضية الهجرة وعلاقة المهاجرين بأوطانهم الأم يتطرق الفيلم إلى معاناة العديد من التونسيين من جراء الفقر وتغير القيم والمبادئ بطريقة كوميدية ساخرة، تشد انتباه المشاهد، وتجعله لا يغرق في الظلام والألم والتفاصيل الكئيبة والمشاهد الحزينة، بل يقف أمامها وقفة الساخر، إذ السخرية سلاح نقدي هام، يمكننا اعتباره الأفضل في مناقشة قضايا قد تصل إلى حد التراجيديا.

تقول منال العبيدي جاءتني فكرة الفيلم بعد الثورة في تونس، حيث الناس بدأوا في تداول عمّا لم يتعودوا الحديث عنه، مثل القضايا السياسية والاجتماعية المسكوت عنها سابقا. الجميع بدأوا يتكلمون، وتحررت ألسنتهم.

لكن هذا قاد إلى الثرثرة كما تقول مخرجة الفيلم، لذا استحق منها الأمر إعادة ترتيب ما يقال في الشوارع وفي دواخل الناس، وفي الزوايا، ومحاولة تفكيكه من خلال محور الفيلم، ألا وهو العيادة النفسية التي تتجمع فيها الحكايات، ومنها تبدأ وإليها تنتهي. وكأنها النافذة التي فتحتها المخرجة على الشارع وعلى داخل الأفراد.

يعالج الفيلم قضايا نفسية واجتماعية وسياسية في قالب ساخر يبتعد عن التراجيديا والسوداوية المهيمنة

وتتابع العبيدي أردت الحديث تحديدا عن المشاكل السياسية، بالحديث عن الناس وحياتهم اليومية ومشاكلهم الإنسانية، أردت الابتعاد عن التنميط، فالسينما العربية تقدم دائما شخصيات نمطية، بينما أردت أن أبين أن الشعب التونسي يشبه باقي الشعوب، وابتعدت عن التنميط، وقدمت شخصيات بمشاكل كونية يعانيها الإنسان في تونس أو فرنسا أو خارجهما.

ويمكننا اعتبار أن شخصية البطلة سلمى شخصية مركبة وغامضة، وحتى المرضى الذين يذهبون إلى عيادتها لا يعرفون عنها الكثير، وهذا خيار فني من المخرجة، التي أرادت أن يكون حضور هذه الشخصية صامتا أكثر من الحضور اللغوي. وكأنها تريد من هذه الشخصية استنطاق الآخرين لا أن تتكلم هي. لذا نجد البطلة في وضعيات قوية لكن الصمت هو الطاغي، حيث تسمح للشخصيات الأخرى بعرض قضاياها أكثر.وتحسب للمخرجة في الفيلم إدارتها المميزة للممثلين رغم اختلافهم، مثل مجد مستورة، هشام يعقوبي، عيشاء بن ميلاد والممثلة الإيرانية قولش إيفتي، التي لعبت دور سلمى، وقد جمعت المخرجة بين الممثلين أصحاب الخبرة وآخرين يحضرون لأول مرة أمام الكاميرا.لقد تأقلمت منال العبيدي مع كل ممثل وتجربته الخاصة، فكل منهم قادم من مجال.أثناء كتابة سيناريو الفيلم من قبل المخرجة لم تفكر، كما تقول، في أي شخصية ومن سيلعب دورها، وهذا ربما ما خلق للفيلم نوعا من الشاعرية التي اكتسبها بالتفاعل الدائم بين ممثليه القادمين من مجالات مختلفة، وأعطاه تلك المسحة الطفيفة من الغموض والحركة.