لايقدم الباحث المغربي هنا حوارا مع أنطوني كورديسمان محلل بالمركز الاستراتيجي للدراسات بواشنطن نتعرف على وجهة النظر الأمريكية في الحرب على غزة، فحسب، ولكنه يقدم معه تاريخا موثقا لما جرى لغزة في العقود القليلة الماضية، ويكشف عن طبيعة الزواج الأبدي بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية.

أمريكا.. حماس.. قطاع غزّة

ترجمة: سعيد بوخليط

(I) ـ الحرب على غزة: وجهة نظر أمريكية:
وفق تصور "أنطوني كورديسمان" Anthony Cordesman، محلل بالمركز الاستراتيجي للدراسات بواشنطن، ومستشار سابق للسيناتور "جون ماكين" John Maccain في قضايا الأمن القومي. توجد، ثلاثة حلول لحسم قضية غزة. وهي، حسب المسؤول الكبير السابق في جهاز الخارجية والدفاع:

1 ـ ما هي في نظركم أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة؟
يتمثل الإشكال في أن إسرائيل لم تحدد هدفا استراتيجيا. هل يتعلق الأمر بتقزيم قدرة حماس على الإساءة إليها. أو تحويل غزة إلى منطقة تكف على ممارسة عداوتها تحت إشراف إدارة سياسية بديلة؟ لكن الأمثل بالنسبة لإسرائيل، يصب نحو خلق فراغ حول الإسلاميين، وتهيئ الأجواء المناسبة داخل غزة قصد التمهيد لعودة فتح إلى السلطة. سيشكل ذلك، انتصارا استراتيجيا. هل هو ممكن؟ لا أظن.

2 ـ لماذا تمثل عودة فتح "الحل الأمثل" بالنسبة لإسرائيل؟
هناك ثلاث إمكانيات. أن تبقى غزة معتقلا كبيرا بسماء مفتوحة، تحت سيطرة حماس. أو تحتلها إسرائيل من جديد. وقد تستعيد حركة فتح زمام الأمر، كيفما كانت تحفظاتها الحالية. يتناسب الحل الأول، في شكل منه مع الوضع الراهن. بينما الحل الثاني، تقول عنه إسرائيل بأنها لا تريده. بالتالي، يبقى التصور الثالث هو الأفضل. إذا لم يظهر هناك من تأثير، فقد تطمح إسرائيل إلى وقف إطلاق النار تحت مراقبة دولية لكبح قدرات حماس على التحرك. إلا، أن ذلك لن يحل شيئا في العمق. يمكن لقوة دولية ضبط الأمن، لكن غزة ستمثل باستمرار حالة حرجة، مادامت نسبة البطالة تصل تقريبا إلى %80.

3 ـ رفضت إسرائيل دائما قوة دولية للفصل. لماذا سيكون الأمر اليوم مناسبا؟
لا أتكلم عن قوة للتدخل بل مراقبين دوليين. فغزة، مختلفة عن الضفة الغربية: لا تعتبر إسرائيل أبدا القطاع، جزءا من أراضيها. إذا تعلق الأمر بانتشار على امتداد الخط الأخضر (حدود إسرائيل قبل احتلال الأراضي الفلسطينية سنة 1967)، سيكون ذلك أكثر تعقيدا، إلا أنه ممكن حول غزة. فمهما فعلت إسرائيل عسكريا دون حل سياسي واقتصادي، فلا يمكنها صنع أي شيء غير ربح مزيد من الوقت إلى غاية المجابهة القادمة. بالنسبة لما تبقى، تعضد الوضعية الحالية سياسيا كل ما يعتبره العالم العربي والإسلامي راديكاليا. الوسيلة الوحيدة، للتصدي لذلك تتمثل في الحصول على حل سياسي. إلا أن الحظوظ ليست متوفرة اليوم.

4 ـ ما هو الأثر الحاسم لهذه العملية الإسرائيلية على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
يرتكز الأساسي على تحديد الأثر الحاسم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. من اللازم، أن تظهر واشنطن للبلدان العربية والإسلامية، بأن لنا مجموعة نقط التقاء مشتركة معهم. يكمن المفتاح في المحافظة على مصداقيتنا، ونظهر لهم عدم سعي الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة عليهم. لكن سواء حدثت أزمة في غزة، أم لا، فالإدارة الأمريكية لن تكون عملية اتجاه الشرق الأوسط يوم 21 يناير. وضع استراتيجية، وتعيين المشرفين عليها، يتطلب شهورا عديدة. حينما سيتقلد باراك أوباما منصبه، ستظهر وقائع جديدة على الساحة. من الضروري بالنسبة إليه، إعطاء السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني أولوية أمريكية جوهرية. بناء على الصعوبات السياسية، ستشكل الخطوة الأولى تنسيقا مع الأوروبيين وكذا حلفائنا من أجل تحسين وضعية الفلسطينيين الاقتصادية، حتى ولو لم يتبلور بعد هذا الاختيار. في الواقع، أكدت توصية "دينيس روس" DENNIS ROSS "ومارتن أنديك" MARTIN INDYK (مستشاران سابقان للرئيس كلينتون في قضايا الشرق الأوسط) على أن الدفع نحو حل شمولي، هو الأفضل. لقد ظهر مسار المفاوضات التدريجي غير عملي: مع كل محطة، قد يمارس المتطرفون من كلا الجانبين تأثيرا قصد الحيلولة دون تطورها. إلا أن الموقف منقسم عند الطرفين، وستتعقد القضية أكثر، في حالة فوز "ليكود بنيامين نتنياهو" بانتخابات 10 فبراير.

5 ـ كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تصور حكومة فلسطينية للوحدة الوطنية، طريقة لإدخال حماس إلى المفاوضات؟
إشكالية هذا الاقتراح السعودي، هو في معرفة وجود عدد كاف من العناصر المتعدلة بين صفوف حماس، تجيز الالتحاق بحكومة فتح قادرة على التفاوض مع إسرائيل وإخماد الصراعات المقسمة للصف الفلسطيني. تتوق بعض شخصيات حماس، إلى تسوية، لكن قيادتها تتألف بشكل واسع من عقائديين متصلبين، بحيث أن كل تفاوض يحدث بسرعة صراعا فلسطينيا داخليا. السؤال الحقيقي هو: ضمن أي نطاق قد تضعف حماس أكثر، كي يتمكن محمود عباس من إعادة السلطة الفلسطينية إلى مركزها؟ التوقع غير ممكن. فحتى دون استحضار هذه العملية العسكرية، تظل مسألة رؤية سلام حقيقي سنة 2010 أو 2011 محدودة جدا. عند الطرف أو ذاك، يفتقد كل واحد منهم كثيرا على المستوى السياسي للقوة أو الوحدة. لذا، تتطلب التسوية النهائية وقتا.

6 ـ ما هو تقييمكم للفكرة التي تقول بأن إسرائيل سعت إلى التحرك قبل تسلم أوباما مقاليد السلطة؟
لا أعتمد على تأويلات العملية. إذا كان للبعض في إسرائيل مثل هذه الفكرة، فقد يتراجع عليها. الأكيد، رغبة إسرائيل إنهاء إطلاق الصواريخ. فيما وراء ذلك، يغيب التآلف داخل الحكومة الإسرائيلية. لن تغير عملية غزة أي شيء بخصوص ما يتوخى باراك أوباما القيام به، لاسيما، إذا تعقدت المشاكل أكثر ولم يعمل على حلها. إن الموقف الأمريكي، لا يتبلور إلا من خلال الارتباط بإسرائيل. وستترقب واشنطن أيضا طبيعة المواقف التي ستتخذها الحكومات العربية اتجاه إيران، حزب الله، القاعدة، إلخ...

7 ـ ترى التفسيرات الأمريكية، بأن إيران انتصرت سياسيا من الهجوم الإسرائيلي، لأنها تمكنت من مضاعفة تأثيرها على العالم العربي ـ الإسلامي؟
لست متفقا التحالف الأمريكي الإسرائيلي مستمر دائما. العالم العربي يدرك ذلك وإيران لن تغيره، المختصون يضخمون النجاحات السياسية الإيرانية. نعم ما يحدث في غزة يقوي صورة طهران عند الرأي العام الإسلامي. لكن هذا، لن يغير في أي شيء الصلة بين البلدان العربية وإيران. أن تدعم طهران حماس، فإن ذلك لا يعني عدم استمرار العرب في النظر إلى الإيرانيين باعتبارهم فارسيين، والسنيين يتعاملون معهم كشيعة.

8 ـ تصور أوباما "إعلانا للعالم الإسلامي" خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترته الرئاسية، هل أصبحت المهمة أكثر صعوبة بعد عملية غزة؟
لا، ما لديه لكي يقوله لن يكون مغايرا حتى مع عدم حدوث عملية غزة. من المفروض عليه، إعادة تحريك مسار السلام، وتعهده بأن يكرس لذلك مجهودا دائما. ضرورة، إعادته النظر في مفهوم "الحرب ضد الإرهاب"، والدفاع عن القيم الإسلامية المحلية، ثم الإصلاحات وكذا التعاون الأمني مع البلدان الإسلامية دون إحساسها بأنها مهددة بالتغيير من الخارج. من المفروض على أوباما، أن يكون رئيس شراكة Partenariat، يحتاط جدا في توظيف القوة وعدم استخدامها دائما. وتختفي فكرة "تغيير الشرق الأوسط". من جهة أخرى، لقد كان صائبا حينما لم يفصح عن موقفه بخصوص عملية غزة. أي، اختيار لن يكون جيدا. الاختلاف، بين ما قد يقوله وما تؤمن به إدارة بوش، سيكون عديم الفائدة بالنسبة للطرفين.

9 ـ هل تظنون تبني أوباما لمواقف أكثر عدائية اتجاه المصالح الإسرائيلية مقارنة مع جورج بوش؟
إنه، لمن المجازفة جدا التفكير في إمكانية تغيير واشنطن لمسار علاقتها مع إسرائيل بـ 180 درجة. لكن، ربما لكي تتقدم الأمور، فمن واجب الرئيس الضغط أكثر على إسرائيل، ضد مواصلة الاستيطان مثلا. ربما، يشتغل بشكل مباشر أكثر مع البلدان العربية. الرهان، هو الاقتراب من مشروع الاتفاق الذي سبق التفاوض بشأنه في طابا (بين مفاوضين رسميين إسرائيليين وفلسطينيين في يناير سنة 2001). تتمثل قضية الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على وضع متوازن، يخول الوصول إلى اتفاق مفيد سواء للفلسطينيين أو الإسرائيليين. ثم، تقوية حظوظ سلام إسرائيلي سوري. إذا تخيل شخص بأن الولايات المتحدة الأمريكية تفرض على أي كان هيمنتها فهو أمر لن يحدث أبدا.

(II) ـ حركة حماس في تسعة أسئلة:
على امتداد عشرين سنة، أثبتت حركة المقاومة الإسلامية ذاتها كفاعل مركزي داخل الأراضي الفلسطينية. إذا كانت تدير غزة، فإن تأثيرها يبقى قائما في الضفة الغربية.

1 ـ متى ولماذا تأسست حركة حماس؟
ظهرت حركة المقاومة الإسلامية، المختزلة في لفظة "حماس" أي الاندفاع في اللغة العربية، يوم 9 دجنبر 1987 بقطاع غزة مع بداية الانتفاضة الأولى، من قبل ستة من الإخوان المسلمين مرتبطين بالإخوان المسلمين الأردنيين. لقد شكلت نشأتها قطيعة مع السياسة السابقة للإخوان المسلمين الفلسطينيين، الذين وضعوا جانبا مقاومة إسرائيل عسكريا داخل الأراضي المحتلة سنة 1967، مفضلين العمل على إعادة أسلمة المجتمع. الجناح المسلح للحركة، المسمى "ألوية عز الدين القسام" تأسس سنة 1989. يعتبر، أحمد ياسين ـ من المشاركين في تأسيسها ـ قائدها الروحي إلى غاية اغتياله من قبل إسرائيل سنة 2004. المصير ذاته، سيعرفه خلفه عبد العزيز الرنتيسي. في حين يشرف عليها اليوم خالد مشعل انطلاقا من منفاه بدمشق.

2 ـ هل ارتبط قيام حماس بصعود الإسلام السياسي في المنطقة؟
حينما اختارت حركة حماس الكفاح المسلح، فقد اقتفت خطى تنظيم الجهاد الإسلامي المتشكل سنة 1980، من قبل "فتحي الشقاقي" أحد الناصريين القدامى والذي تحول نحو الإخوان المسلمين غداة هزيمة العرب في حرب الستة أيام شهر يونيو 1967. بالنسبة، للإخوان المسلمين المصريين، ستقود إعادة تربية المجتمع إسلاميا إلى تحرير فلسطين. بينما، تظن الجهاد بأولية التحرير وتعتبره مدخلا. أما حماس، فقد سعت إلى التأليف بين المقاربتين. تأثرت الجهاد بالثورة الإسلامية الإيرانية، في حين لا يمكن فصل حماس عن تجذير المجتمع الفلسطيني كي يواجه الاحتلال. يندرج، تموضعها في إطار امتدادات الإسلام السياسي داخل منطقة الشرق الأوسط. لكن، حماس تبقى أولا، تشكيلة وطنية دينية متمركزة على قضية الأرض. تصور، لا يستسيغه السلفيون الجهاديون.

3 ـ ما هو الموقف الإسرائيلي اتجاه حماس؟
استفاد أحمد ياسين بداية من رعاية الإسرائيليين، الذين وجهوا الصراع ضد منظمة التحرير الفلسطينية، محور الحركة الوطنية الفلسطينية. مع بداية سنوات 1970، عمل أرييل شارون المسؤول العسكري المكلف بغزة في تلك الحقبة، وذلك بشكل سري على تمويل مساجد الإخوان المسلمين. خول هذا الانبثاق للحركة على التصدي للحضور المطلق لفتح وياسر عرفات. إلا، أن تطور حماس نحو الصراع المسلح، أدى إلى تغيير مطلق في الموقف الإسرائيلي، خاصة وأن الإسلاميين عارضوا اتفاقيات أوسلو (13 شتنبر 1993). لم تكن حماس أبدا فصيلا داخل منظمة التحرير الفلسطينية ـ همشت بعد أوسلو كما حوربت بشراسة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تكلفت بناء على هاته الاتفاقيات بإدارة جزئية للأراضي الفلسطينية. استثمرت حماس إخفاق مسلسل السلام. كما أن نضاليتها باللجوء إلى القتال ضاعف من شعبيتها. مقابل تلوث سمعة حركة فتح نتيجة الفساد والزبونية.

4 ـ لماذا فرضت حماس ذاتها أثناء الانتفاضة الثانية؟
غداة اتفاقيات أوسلو، عزلت حماس. بعد فشل المفاوضات (1993 /2000) ازدادت شعبيتها، وبشكل مضاعف أثناء الانتفاضة الثانية (انطلقت يوم 29 شتنبر 2000)، حينما استفحلت الأزمة الاقتصادية نتيجة الحصار الإسرائيلي، التفت كثير من الفلسطينيين صوب شبكة حماس الفعالة جدا على مستوى المؤسسات الخيرية. الظروف الصعبة طيلة السنوات الخمسة الأخيرة، هيأت لمسألة الانطواء على الدين داخل مجتمع هو قبل ذلك محافظ. تصلب حماس في مواجهتها مع الإسرائيليين إلى جانب العدد الكبير من الموتى والسجناء بين ثنايا صفوفها. كل ذلك، ساهم في ترسيخ شعبيتها عند أغلبية الشعب الفلسطيني. كما أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة شهر غشت 2005، يرجع الفضل فيه إلى مقاومة حماس. إلا أن استراتيجية الحركة الإسلامية، لا تفسر وحدها هذه الظاهرة. فحركة فتح التي تهيمن على إدارة الحياة السياسية الفلسطينية منذ 12 سنة، عجزت عن الوصول إلى أدنى تقدم في حسم الصراع مع الإسرائيليين، مما دفع الكثير من الفلسطينيين، بمن فيهم أتباع فتح كي يقتربوا من الإسلاميين.

5 ـ بناء على أي برنامج انتخبت حماس يوم 25 يناير 2006؟
إبان الحملة، ركز مرشحو حماس الذين انضووا تحت لائحة التغيير والإصلاح على محاربة الفساد وتحسين الحياة اليومية مع احترام القيم الإسلامية. أكد برنامجهم أيضا على الصراع ضد الاحتلال أي، "الكفاح المسلح". بالنسبة لحماس، فإن فلسطين التاريخية هي "وقف"، إرث عربي ـ إسلامي. بالتالي، من حق الفلسطينيين استرجاعه لإقامة دولة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين. لقد شكل انتصارها في الانتخابات مفاجأة، تضمن رفضا مطلقا لحركة فتح دون أن يعني ذلك قبولا من الناخبين لكل أطروحات حماس. آنيا، يعبر زعماء حماس عن موقف أكثر برغماتية حينما انصاعوا لشرط دولة فلسطينية على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية. وقد اقترحوا هدنة تمتد لعشرين سنة على الأقل، لكنهم يرفضون الاعتراف بالدولة اليهودية حتى ولو أقروا بأنها تمثل اليوم "حقيقة" من غير الممكن عدم أخذها في الاعتبار.

6 ـ ماذا يقول ميثاق حماس؟
يتكون الميثاق المدون شهر غشت 1988 من 36 مادة. تحدد الحركة نفسها باعتبارها "فرعا" من الإخوان المسلمين الفلسطينيين. تتحدث في الفصل 8 من هذا الميثاق بأن: "الله غايتها، الرسول قائدها، القرآن دستورها، الجهاد أسلوبها، والموت في سبيل الله هو أغلى أمانيها". الهدف "تحرير فلسطين" فهي ملك مشترك لجميع المسلمين. يستبعد الميثاق الحلول الديبلوماسية. يتضمن البند 22 وكذا 28 معاداة للسامية بالإحالة على بروتوكولات حكماء صهيون. يصنف "أعداء" يتمثلون في "المحافل الماسنوية، أندية روتاري Rotary والأسود". وأظهرهم كمحرضين على الثورة الفرنسية وكذا الحربين العالميتين الأخيرتين. كما أنهم أصحاب فكرة خلق الأمم المتحدة والقانون الدولي. إلا أنه منذ مدة طويلة، لم تعد حماس تحيل على هذا الميثاق.

7 ـ ما هو ثقل حماس بين صفوف المجتمع الفلسطيني؟
حماس نشطة جدا في المؤسسات الجامعية والتنظيمات المهنية. إنها، في اتصال مع الجماهير. أسست عشرة آلاف جمعية في الأحياء للنساء والأطفال ـ تكوين مهني، تدريس القرآن، التربية على الوقاية والاعتناء بالصحة ـ الشيء الذي وطد قبضتها خاصة في المناطق الحرومة. فوزها بالانتخابات البلدية التي سبقت التشريعية ل 25 يناير 2006، خول لها مسؤوليات جديدة بخصوص تدبير الشأن اليومي في أغلب المدن الكبرى، وأعطاها إمكانية توسيع مجال حضورها بسبب تنظيمها الفعال وتأطيرها الجيد. منذ الانقلاب العسكري لحماس في قطاع غزة منتصف يونيو 2007، عملت إسرائيل على إغلاق عدد من المنظمات الخيرية بتهمة تمويل "الإرهابيين" كما قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بمباشرة مجموعة اعتقالات.

8 ـ هل تنقسم حماس إلى "راديكاليين" و "براغماتيين"؟
من الأكيد أن التيارين يتواجدان. يعتقد المعتدلون بأن إزاحة فتح من قبل حماس بالقوة يوم 15 يونيو 2007، شكل خطأ. ثلاثة أشهر قبل ذلك وبالضبط يوم 8 فبراير 2007، تكونت حكومة وحدة وطنية بعد اتفاقيات مكة. لكن بالنسبة للراديكاليين، إيجاد تسوية مع فتح لم تكن قط ممكنة. ثم زاد تأثيرها بعد الحصار الإسرائيلي، ويتبلور فكر الانتقام عند قسم من حركة فتح إضافة إلى تعنت المنتظم الدولي.

9 ـ ما هو موقف القوى الكبرى؟
إلى غاية 1992، السنة التي أدرجت فيه واشنطن حماس ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، حافظت الإدارة الأمريكية على علاقاتها. بعدها، قطع الأمريكيون كل اتصال رسمي، وتبعهم الأوروبيون في ذلك. بينما حثت المجموعة الدولية حماس كي تشارك في انتخابات 2006. لكن، حينما انتصرت: فقد فرضت ثلاثة شروط على الحركة الإسلامية كمقدمة للتعاون:

حماس رفضت ذلك دائما، ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، دعا إلى قيام دولة فلسطين على حدود 1967، والحفاظ على هدنة طويلة مع إسرائيل دون الاعتراف بشرعيتها.

(III) ـ غزة: بؤرة توتر دائم.
منذ ستين سنة وبالضبط يوم 31 دجنبر 1948، اتخذ بن غوريون قرارا ستترتب عليه نتائج جسيمة. فقد أعلن الأب المؤسس للدولة الإسرائيلية، أنه قرر يوم 14 ماي وضع نقطة انتهاء ل "حرب الاستقلال". بينما، كانت المجموعات الإسرائيلية بصدد الهجوم على الجيوش العربية المتمركزة فيما أصبح يسمى قطاع غزة. هكذا أسرع "Yigal Alon" قائد جبهة الجنوب، وهو غاضب نحو تل أبيب ساعيا إلى إقناع بن غوريون بالتراجع عن غلطته. يريد أن يخبره بالتطويق الكلي للعدو العربي، والمسألة لا تتطلب غير بضعة أيام للقضاء على جيب المقاومة. الأغلبية تقريبا من أركان الحرب، كانت مناصرة لفكرة متابعة المعارك، حتى تتجنب إسرائيل شوكة مزعجة قد تنبت إلى جانبها، لكن بن غوريون رفض الاستجابة معتبرا ضرورة معرفة كيفية إنهاء الحرب مع الاحتفاظ للخصم بكرامته. جيمس ماكدونالد james mcdonald، السفير الأمريكي عبر عن نفس الرأي. هكذا، ولد قطاع غزة. لكن مدينة غزة وجدت 3500 سنة قبل المسيح. غزة، التي تعني "قوي" أو "القلعة"، كانت دائما مركزا تجاريا مهما، ملتقى مرور للقافلات. وستصبح مدينة للفلسطينيين، من بين خمسة مدن أخرى. فلسطين شعب البحر، أسس أيضا ما يسمى اليوم "أشكلون" Ashkelon و "أشدود" Ashdod.

عرف ألكسندر الأكبر مختلف الصعوبات قبل غزوها بعد شهرين من الحصار وذلك عام 332 قبل المسيح. احتلها الرومان، العرب والصليبيون تم استعادها صلاح الدين (1187) وأشرف عليها العثمانيون طيلة أربعة قرون. أما بونابارت فقد احتل غزة كي يعثر على منفذ نحو مصر. إنها، دائما موضوع طمع نظرا لتموضعها في ملتقى طريق استراتيجي داخل هذه البؤرة من البحر الأبيض المتوسط. غزة، حقل أركيولوجي واسع، تعاقب عليها طيلة سبعة آلاف سنة حشد متنوع من الغزاة. حين انهارت الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الثانية، سلمت "جمعية الأوطان" "SDN"، هذه المنطقة التي تشكل جزءا متمما لفلسطين، للبريطانيين إلى غاية قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 1947. في تلك الفترة لازلنا لم نتكلم بعد عن "قطاع غزة". فقد كان الإقليم أكبر مساحة يضم مدن "أشكلون" Ashkelon و"أشدود" Ashdod، يمتد تقريبا بمسافة 100 كلم داخل صحراء النجف، على امتداد الحدود المصرية. أربعة أخماس هذا الكيان، في شكل مُرتدّة Boomerang ضمتها إسرائيل بعد ذلك. دمرت "نجد" التي هي اليوم "شديروت" Sdérot وطردت ساكنتها التي تبلغ 719 نسمة إلى غزة. كما تعرض الفلسطينيون بـ ماجدل Majdal (أشكلون Ashkelon حاليا) إلى الإبعاد يوم 17 غشت 1950، واقتيادهم نحو غزة فالتحقوا بعشرات الآلاف من اللاجئين القادمين من "يافا"، "اللد" Lod وكذا أمكنة أخرى. يبلغ العدد الأصلي لسكان قطاع غزة 70.000 تضاعف على نحو ثلاث مرات.

داخل المخيمات الثمانية للاجئين، المتواجدة غالبا في قواعد بريطانية قديمة. سيولد، أول المسؤولين الراغبين في إقرار حقوق الفلسطينيين. أصبح هؤلاء اللاجئون فيما بعد، تربة للعصيان وخميرة للمطالب. وُضع قطاع غزة تحت السيطرة الإدارية لمصر، التي تجنبت منح المواطنة لهؤلاء المقتلعين من جذورهم، وهي تأمل في أن يعودوا يوما ما إلى ديارهم. باستثناء فاصل زماني قصير، امتد من نوفمبر 1956 إلى مارس 1957، انتقلت خلاله السيطرة على قطاع غزة إلى الإسرائيليين بعد حملة السويس المأساوية، فقد استمر إشراف المصريين حتى حرب الستة أيام شهر يونيو 1967. حينما استوطنت الدولة اليهودية هاته القطعة من الأرض التي تبلغ مساحتها 362 كلم²، بعد أن رسخ "بن غوريون" مصيرها. بعد ذلك، رغب هذا الأخير في نقل السيادة إلى الضفة الغربية. هنا، بدأ تاريخ آخر أكثر صخبا بالنسبة لما سيصبح بقعة توترات دائمة. بؤرة تفجير، دفعت إسحاق رابين إلى الترويج لشعار: "ضرورة إلقاء غزة في البحر". اليوم، يتعجبون بالعبرية قائلين: "اذهب إلى غزة!" يعني بوضوح: "ارحل إلى الشيطان!".

لا تتوقف غزة المتمردة عن مقاومة الاحتلال. تجليات عنف أكثر تمظهرا، مما دفع إسرائيل إلى أن تجعل من هذا القطاع كثير الرمل أرضا للمستوطنات. أقامت الأولى "كفر دروم" سنة 1970. سنتان بعد ذلك، جاءت مستوطنة "نيتزاريم". على امتداد ثلاثين سنة، وصل العدد إلى سبعة عشرة شملت أفضل الأراضي من الجزء الساحلي للقطاع. هاته المنشآت وسط ساكنة كثيفة جدا، طرح أمام إسرائيل قضايا ضخمة على مستوى الأمن، وتفاقم معها الشعور باحتلال وخنق الفلسطينيين. تطورت المقاومة، وتضاعفت محاولاتها، لذلك، مع بداية سنوات السبعينات، قرر قائد منطقة الجنوب "أرييل شارون" تنقية "وكر الإرهابيين"، بعد موت طفلي مستوطنين من أصل بريطاني يوم 2 فبراير 1971، جراء انفجار قنبلة يدوية ألقي بها على سيارة الأبوين.

كتب أرييل شارون في مذكراته: "على امتداد سبعة أشهر، من يوليوز 1971 إلى فبراير 1972، قتلنا 104 إرهابيا. واعتقلنا 742 آخر". نُفي، البعض أيضا. وأضاف قائلا: "إلى غاية حرب الكيبور Kippour شهر أكتوبر 1973، شكلت هاته الحملة المضادة للإرهاب أكبر المراحل دلالة في تجربتي العسكرية". لقد فهم "أريك" Arik كما كانوا يلقبونه، بأن قضية اللاجئين، ستتحول إلى مصدر يراكم المشاكل بالنسبة للقوة المحتلة، مقترحا إذن كتسوية نهائية، توزيع قسم منهم داخل قطاع غزة، والقسم الآخر في الضفة الغربية، ثم الباقي في المدن العربية الإسرائيلية.

بداية، رفض كل من "ليفي إشكول" Levis Eshkol ثم غولدا مائير Golda Meir وكذا عدوها القديم "موشي دايان" Moshe Dayan. نفس الموقف، سيعبر عنه مناحيم بيغن Menahem Begin فيما بعد. حاليا، تم استباب الأمن. لكن، كما أشارت Leatitia Bacaille في كتابها: غزة عنف السلام (1998): "أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى فصل قطاع غزة عن باقي العالم العربي. أعاقت المقاييس الإسرائيلية تطوره الذاتي، مع ربط مصيره كليا بالدولة الإسرائيلية. عند نهاية سنوات السبعينات، اتجهت ثلثا الصادرات نحو السوق الإسرائيلية و %91 من الواردات تأتي منه. تسيطر القوة المحتلة على التجارة، كما تفرض قيودا على الفلاحة، وتجبر السكان على بيع قوة عملهم إلى إسرائيل. قبل الانتفاضة الأولى، اشتغل 70000 من مواطني غزة بإسرائيل".

وضعت "حرب الحجارة" التي ابتدأت سنة 1987، حدا لحقبة لم يتردد أثناءها الإسرائيليون في الدخول إلى غزة من أجل التسوق أو تناول الغذاء في مطاعمها المطلة على البحر، والقيام بالتجارة مع الفلسطينيين. اليوم، يتذكرون تلك الفترة بحنين يعيد تمثل الزمن القديم الجميل. حينما، كان قطاع غزة تحت السيطرة. لكن حادثا مبتذلا وقع يوم 8 دجنبر أدى إلى مقتل إسرائيليين، أشعل توترا متفاقما. ففي مخيم "جباليا" صدمت شاحنة سيارة أجرة فلسطينية، أربعة أشخاص هلكوا. فاندلعت التظاهرات. أطلق الجنود الرصاص، اتسعت الانتفاضة لتشمل الضفة الغربية وبعد ذلك فلسطين بأكملها. استمرت طيلة سنوات عديدة، وعمليا إلى غاية اتفاقية أوسلو، يوم 13 شتنبر 1993. بالرغم من تراجع حدتها في السنوات الأخيرة بسبب القمع الشرس، لاسيما بعد مؤتمر مدريد يوم 30 أكتوبر 1991.

إلى غزة، رجع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات منتصرا شهر يوليوز من سنة 1994. قامت السلطة الفلسطينية. سحبت إسرائيل من قطاع غزة جزءا كبيرا من جنودها. تدشين مطار جنوبا بالقرب من رفح، حطت فيه طائرة "بيل كلينتون" يوم 13 دجنبر 1998. صرح قائلا: "للمرة الأولى في تاريخ الحركة الوطنية، أصبح بإمكان الشعب الفلسطيني وممثليه المنتخبين، أخذ مصيرهم بأيديهم فوق أرضهم". إلا أن مسلسل السلام انكمش. تصاعد داخل غزة موقف الرفض تجاه المسؤولين الفلسطينيين المتهمين بالفساد والتسيب وكذا المحسوبية.

حماس، حركة المقاومة الإسلامية التي نشأت يومين بعد بداية الانتفاضة، لم تتردد في توجيه الانتقادات ضد أولئك الذين توجه إليهم تهمة التسلط. لقد استحسن الإسرائليون بداية بل ساعدوا على انبثاق هذه المنظمة المستندة في حيزها الأكبر على المؤسسات الخيرية والجماعات الدينية، سعيا منهم إلى إضعاف الحضور الكلي والقوي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمها الأساسي "حركة فتح". عمل الإسلاميون بأناة من أجل بناء شعبيتهم وكذا تجذرهم في المجتمع الفلسطيني اعتمادا على مساعدتهم للأكثر حرمانا. شيئا فشيئا ستأخذ حماس من فتح شعلة الريادة في مقاومة المحتل. معارضون صارمون لاتفاقيات أوسلو، فقد قاطعوا الانتخابات الفلسطينية الأولى سنة 1996. كان عليهم مواجهة القمع الشرس لأجهزة أمن ياسر عرفات التي يشرف عليها محمد دحلان.

فشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد وبداية الانتفاضة الثانية بشهر شتنبر 2000، أعطى مبررا لرموز هذه الحركة الذين عارضوا، ما اعتبروه دائما بيعا رخيصا للسلام. سيكون الإسلاميون مصدرا لموجة العمليات الانتحارية التي انطلقت مع بداية هذا العقد من السنين. مما سيجعلهم عرضة لحرب قاسية من طرف الإسرائيليين الذين سيغتالون على التوالي سنة 2004 مؤسس الحركة "الشيخ أحمد عبد السلام ياسين" وكذا الرجل الثاني "عبد العزيز الرنتيسي". لقد أصبح قطاع غزة أرض مواجهات دائمة بين المجموعات المسلحة و "Tsahal" التي غذت الاغتيالات الذكية. توالت الهجومات، دكت الجرافات الإسرائيلية مدرجات المطار، حديثة العهد. قذفوا الميناء بالقنابل. في المقابل، ازدادت محاولات الاعتداء على المستوطنين، فاستعملت أولى صواريخ القسام، محلية الصنع. بالتالي، صارت تكلفه الأمن باهضة بالنسبة لإسرائيل. لذلك، قرر أرييل شارون سنة 2004 الانفصال عن هذا "الشخص الحقير"، واستعمال القوة للقيام بترحيل 8000 مستوطنا يقيمون فيما يسمى "غوش قطيف" Gush Katif تضم 21 مستوطنة. أما آخر جندي إسرائيلي فقد غادر القطاع يوم 12 شتنبر 2005، بعد تدميرهم تلك المنشآت.

لقد مثل هذا الرحيل الاضطراري حرية عند الغزاويين. الكثيرون منهم، لم يروا البحر قط، حتى ولو كانوا يعيشون على بعد كيلومترات منه. هكذا، تسارعوا نحوه فغرق ما يقارب العشرين.

تخلصت غزة من التواجد العسكري الإسرائيلي، وهي تطمح إلى نوع من الانبعاث. تداول الحديث في هذا السياق عن خلق "سنغافورة الشرق الأوسط"، تحفيز السياح على القدوم، وبناء محطات حمامات. إلا أن مدى الآمال كان قصيرا. لقد ذهب الإسرائيليون، لكنهم بقوا بجوار الباب. أبواب تُفتح بصعوبة. هكذا، لن يتمكن أي عامل فلسطيني من الدخول إلى إسرائيل. كما أنه ومند مدة بعيدة، لم يذهب الإسرائيليون إلى غزة قصد اقتناء بضائعهم. النتيجة، ازدياد حدة التباعد. جرى اتفاق 15 دجنبر 2005، بضغط من "كوندوليزا رايس" وزيرة الخارجية الأمريكية، لتسهيل فتح نقط العبور وإعادة تهيئ البنية التحتية مثل الميناء والمطار، إلا أنه لن يطبق إلا جزئيا جدا قبل تلاشيه، مع انتصار حماس في انتخابات 25 يناير 2006. ثم صار قصاصة ورق بعد اختطاف جيلعيد شلعيط Gilad Shalit (برتبة عريف في الجيش الإسرائيلي) يوم 25 يونيو 2006 بـ "كريم شلوم" Kerem Shalom. منذ 19 فبراير 2006، فرضت إسرائيل عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية، وانضمت إليها بسرعة المجموعة الأوروبية. استمرت الوضعية في التدهور بعد اختطاف "جيلعيد شليط". اندلع العنف من جديد، قصفت إسرائيل المحطة الكهربائية وكذا قناطر غزة ثم شنت حملة عسكرية أودت بحياة 300 شخصا.

تحولت المنطقة الصناعية "إيريز" بالشمال إلى ركام من الأنقاض. نتمثل مع غزة الشاذة والمحاصرة صورة الانعزال الكلي، حيث تحتدم وتتضارب الانفعالات. لقد خاضت حماس وفتح معركة ضارية من أجل السيطرة على ما هو مجرد حقل للرمال معوز ومكتظ بالسكان. كانت مواجهات دموية بين التنظيمين. التحضير للقيام بانقلاب ضد حماس اعتمادا على الأمريكيين، اضطرها للقيام بالمبادرة، والاستحواذ في منتصف يونيو 2007 على هاته القطعة الأرضية الفقيرة، التي يعيش فيه ثلاثة أرباع الساكنة على المساعدة الغذائية الدولية، وتصل نسبة البطالة إلى 49 %، أما مستوى الفقر فيمس 70 % من أفراد غزة. ابتداء من ذاك التاريخ انقطع الخيط كليا. حماس، استحوذت على السلطة بالقوة. اعتبرتها إذن، المجموعة الدولية أكثر من أي وقت سابق عنصرا منبوذا. سيطرت بسرعة على كل المؤسسات ودواليب السلطة بطريقة عنيفة في الغالب.

لا يوجد مجال في غزة للاعتراض. يكابد الناس (مليون ونصف) أسر الحصار، وكذا عدم تسامح السلطة من كل النواحي، حتى ولم تفرض كليا الصرامة الإسلامية. لكن شهر يناير 2008، انبثق نور بالنسبة للفلسطينيين، حينما تطاير الجدار الذي يفصل غزة عن مصر، إلى شظايا بفعل التفجيرات. تهافت الكل نحو الجنوب. لم يستمر الوضع غير إحدى عشرة يوما. لقد توطد ستار الإسمنت ثانية. وتوخت مصر، عدم ترك أقل فجوة ممكنة. قرر الغزاويون إذن، التحول إلى مزعجين بحفرهم لممرات تحت الحدود حفاظا على بقائهم، وحصولهم على الأسلحة. حاليا، حطم الإسرائيليون جزءا من الأنفاق، مع سعيهم إلى إزالة ما تبقى بمساعدة المجموعة الدولية، كي يستحيل وصول الأسلحة إلى حماس.

(IV) ـ المسؤولون الإسرائيليون والهم الانتخابي:
* يهود باراك:

عاد ثانية إلى قيادة الحزب العمالي في يونيو 2007، بعد أن سبق له الانهزام أثناء انتخابات فبراير 2001. يعتبر وزير الدفاع الحالي أكثر العسكريين توشيحا في إسرائيل. تردد بما يكفي قبل اقتحامه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، بخصوص العملية الأرضية لمستنقع قطاع غزة. اتخذ القرار، لقد صمم القائد السابق لأركان الحرب على الذهاب أقصى ما يمكنه الأمر، حتى تفقد حماس القدرة على الانبعاث مجددا من رمادها. مستند في ذلك إلى مرجعية انتخابية، فهو ينظر آنيا بعين الارتباح إلى عملية "الرصاص الصلب"، مادام العمال قد عرفوا صعودا مهما في استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات التشريعية لـ 10 فبراير. لكن الحرب لم تنته، وقصف مدرسة الأمم المتحدة بجباليا يوم 6 يناير، الذي أدى إلى مقتل 40 شخصا ثم العدد المرتفع للقتلى المدنيين. كل ذلك سيكون، ثقيلا حينما تدق ساعة تقييم النتائج.

* يهود أولمرت:
بعد تردده أولا لكي يدخل غمار هذا الصراع الجديد، بسبب فشل الحرب الثانية في لبنان سنة 2006. كشف الوزير الأول الإسرائيلي عن نوايا حازمة لتركيع حماس، بغاية تعزيز الأمن عند سكان الجنوب. لم يستهدف فقط بهذا الموقف الحربي، التأكيد على أن اختلالات الحرب ضد حزب الله قد تم التغلب عليها، ولكن السنوات الثلاثة من الحكم انتهت بمكسب يقوم على مناهضة حماس، لأنه لم يكن قادرا على صياغة اتفاق سلام مع الفلسطينيين المعتدلين الذين يمثلهم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية. قدم أولمرت استقالته في شتنبر 2008، بعد تعرضه لعدة اتهامات جرّاء ارتكابه لمجموعة من التجاوزات القانونية. لن يترشح لانتخابات 10 فبراير.

* تسيبي ليفني:
وزيرة الشؤون الخارجية، والمرشحة لخلافة يهود أولمرت بقيت متحفظة بخصوصية حتمية الدخول في حرب لبنان عام 2006. لكن هاته المرة، تبنت لغة عسكرية ضد حماس. تطلعاتها الانتخابية بالتأكيد، جسدت الخط الصلب الذي ارتكزت عليه أثناء عملية "الرصاص الصلب". هاته المحامية السابقة، التي اعتُبرت بأنها قليلة التجربة على المستوى السياسي، انتخبت كنائبة سنة 1999، وسعت بالتالي إعطاء نفسها صورة محاربة كي تفرض ذاتها بين صفوف حزبها "كاديما" الذي أصبحت قائدة له منذ شتنبر 2008. عميلة سابقة للموساد، تنتمي لعائلة من محاربي "إيرغون" التنظيم الوطني اليهودي، الذي التجأ إلى الاغتيالات قبل نشأة إسرائيل. تتميز تسيبي ليفني بكونها رصينة وحذرة، تأمل في ضربة من حديد ضد التطرف.

* غابي أشكينازي:
عين قائدا لأركان الحرب في يناير 2007، بعد استقالة "Dan Haloutz" أحد ضحايا حرب لبنان الثانية. تتجه مهمته صوب إعادة ترميم الجيش نتيجة الثغرات المتعددة التي كشف عنها أثناء النزاع مع حزب الله. إعادة إصلاح للصورة: "سيعمل على موضعة القيم الحقيقية للجيش الإسرائيلي، فهو جندي حقيقي" يصرح "أوري ساغي Uri Saguy، جنرال متقاعد ومختص في القضايا العسكرية. عن سن 18، التحق "أشكنازي" بلواء الصفوة. رجل ميدان، كتوم تسلق كل الرتب العسكرية قبل الوصول إلى القمة. كان على وشك ترك الجيش، حينما خاب أمله سنة 2005 وهو يرى وضع ترقيته جانبا عكس ما كان يظن. جاءته اليوم الفرصة للثأر والبرهنة على كفاءاته. المسؤوليات جسيمة والمهمة تبدو شاقة.

(V) ـ الجانب الفلسطيني: زعماء منقسمون
* محمود عباس:
يوجد رئيس السلطة الفلسطينية في وضعية صعبة. لن يكون سعيدا، حينما سيرى خروج عدوه اللدود حماس من عملية "الرصاص الصلب" منهكة عسكريا وسياسيا. أدان أبو مازن (اسمه العسكري) "الهجوم البربري والإجرامي، الذي تعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة". الأمر حساس جدا بالنسبة إليه، أن يستعيد السلطة من جديد هناك ـ انتزعت منه قوة شهر يونيو 2007 ـ على متن الدبابات الإسرائيلية. يتمسك محمود عباس أساسا بمبدأ استبعاد الحوار ثانية مع الإسلاميين، تجنبا منه للانتخابات السابقة لأوانها. إلا أنها اليوم، تبدو مفترضة جدا، خاصة مع قرار حماس عدم الاعتراف بشرعية الرئيس مع انتهاء ولايته الرئاسية يوم 9 يناير، والتي دامت أربع سنوات.

* خالد مشعل:
رئيس المكتب السياسي لحماس. يعيش بمنفاه في دمشق. هذا الرجل الكتوم، نادرا ما قام بخرجة إعلامية منذ بداية العملية. سبق له، أن تعرض لمحاولة اغتيال في شوارع عمان بالأردن يوم 25 شتنبر 1997 من قبل رجال الموساد. رفض دائما الاعتراف بالدولة اليهودية، مع إقراره بأنها "واقع": "القضية، كما أعلن يوم 10 يناير 2007، ليست في وجود كيان اسمه إسرائيل، بل في عدم وجود دولة فلسطينية". كما أكد يوم 6 أكتوبر 2008: "لقد رحب دائما العالم العربي الإسلامي باليهود، وأتاح لهم إمكانية العيش في سلام. وافقت حماس بوضوح، على قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة على امتداد حدود 1967، فوق أرض غزة والضفة الغربية. وعلى المحتل، الاستجابة لمطالبنا المشروعة".

* إسماعيل هنية:
الوزير الأول في حكومة حماس. مهندس انتصار الإسلاميين في انتخابات 25 يناير 2006، يختفي تجنبا للصواريخ الإسرائيلية، يعرف بأن حياته مرهونة بخيط. وفي حالة اعتقاله، ستصير له كل الحظوظ لكي يقضي ما تبقى له داخل السجن. مع ذلك، يعتبر إسماعيل هنية معتدلا مقارنة بـ سعيد صيام، أو محمود الزهار. ناضل طويلا من أجل قيام حكومة وحدة وطنية مع "فتح". قبل أن يتحقق ذلك أخيرا يوم 18 مارس 2007 بعد اتفاقية مكة التي وقعت يوم 8 فبراير. حكومة لن تستمر إلا ثلاثة أشهر، بعد أن قامت حماس بانقلابها منتصف شهر يونيو. منذ تلك اللحظة، لم يتوقف هذا الإمام، صاحب المظهر الطيب، عن الدعوة لاستعادة الحوار ثانية. لكن أيضا، إنهاء إسرائيل لحصارها. ظل، صوته غير مسموع.

* سلام فياض:
منذ بداية عملية "الرصاص الصلب"، لم ينطق الوزير الأول الفلسطيني، رسميا ولو بكلمة واحدة. سلام فياض، تقني، اقتصادي، ورجل الملفات. يقدره، الأوروبيون والأمريكيون. فقد تأتى له منذ تعيينه شهر يونيو 2007، على تحريك الآلة الإدارية الفلسطينية شيئا ما، اعتمادا على المساعدات الأوروبية. نجح في إعادة تثبيت الأمن داخل العديد من المدن الكبرى بالصفة الغربية. فقد عمل على تهيئ قوات لحفظ الأمن، تستجيب لاقتضاءات: "خريطة الطريق" ومخطط السلام الدولي. كما تمكن، من إقناع المانحين كي يلتزموا بالوعود التي قطعوها على أنفسهم إبان مؤتمر باريس شهر دجنبر 2007. سلام فياض، مستقل لا ينتمي سواء إلى فتح أو حماس. لقد أضاع رجل الأعمال هذا فرصة كي يبدو قريبا من شعبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ le monde, 9 janvier 2009.
شكلت هذه المحاور مضمون الملف الذي هيأته الجريدة الفرنسية الشهيرة، عن غزة وحماس بعد الهجمة البربرية الإسرائيلية وانطلاق حملتها العسكرية يوم 27 دجنبر 2008.